مساءلة وزير الفلاحة أمام البرلمان حول ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء وتوفير أضاحي العيد بأثمنة مناسبة    رئيس الوزراء الفلسطيني يعرب عن تقدير بلاده لمواقف المغرب الثابتة والداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني    الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    نجاح كبير للدورة ال16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    عاجل.. رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز يقرر البقاء في منصبه    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    بيدرو سانشيز يكشف قراره النهائي بخصوص الاستمرار في منصبه    أبرزها الاستبعاد من بطولات إفريقيا.. العقوبات المنتظرة على اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    بنكيران: "مرشحو العدالة والتنمية لا تهزمهم المنافسة الشريفة بل استعمال المال ورئيس الحكومة يختبئ وراء الملك"    تيزنيت.. 5 نقابات صحية تدعو لفتح تحقيق معمّق بشأن شبكة المؤسسات الصحية    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    أسعار الذهب تتراجع مع انحسار آمال خفض سعر الفائدة الأمريكية    الدرهم يتراجع ب 0,46 في المائة مقابل الأورو    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    النفط يهبط 1% مع استمرار محادثات وقف إطلاق النار في غزة    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    تقرير: نمو "سياحة المغامرات" يتخطى 19% بحلول 2032    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    النائب المرابط إلى وزير التربية الوطنية: إحداث ثانوية بجماعة بليونش ستكون له انعكاسات جد إيجابية تربويا واجتماعيا    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    بالفيديو.. الجيش الإسباني ينفذ تمارين عسكرية على الحدود مع الناظور    الحكومة والنقابات توقعات على زيادات عامة في الأجور وتخفيضات في الضريبة على الدخل    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    يوسفية برشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني بعد التعادل مع تطوان    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    رواد مركبة الفضاء الصينية "شنتشو-17" يعودون إلى الأرض في 30 أبريل    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من المقاطعة الاقتصادية إلى المقاطعة السياسية
نشر في أزيلال أون لاين يوم 01 - 06 - 2018

المشهد الجميل في الفيلم الشهير "تيتانيك" هو أن غرق السفينة كان من الممكن تفاديه لو كان هناك من يسمع للتحذيرات التي عبر عنها المسؤول عن الحراسة الليلية أعلى السفينة، وذلك في الليلة الباردة التي ستعرف حادث الاصطدام، فقد أخبر هذا الحارس زميلا له بكونه يشم رائحة الثلج وكأنه جبل جليدي، لذلك عليهم التوقف من أجل إخبار القبطان الخاص بالسفينة، لكنه تجاهله قائلا: إنها مجرد هلوسات ليلية أيها الأحمق، وبعد مرور ساعات، يفاجأ الجميع بالاصطدام بجبل الجليد تبدأ معه السفينة في الغرق تدريجيا إلى أن انقسمت نصفين وغرقت عن آخرها.
ربما هذا المشهد يشبه بشكل مباشر الوضع اليوم في المغرب، فالحارس الليلي الذي كانت له حساسية خاصة تجاه جبل الجليد/الكارثة، لن يكون غير رمز للمثقفين والمناضلين الخلّص لمبادئهم وليس لعقائد إطاراتهم الجامدة، ولكل الذين كتبوا منذ السبعينات على أن الخيارات السياسية والثقافية والاقتصادية في هذا البلد ليست عادلة، ولا يمكنها أن تضمن عيشا كريما للجميع، بقدر ما يمكنها أن تؤصل للريع وتمأسسه، فلم يكترث بهم أحد ولا لصرخاتهم، بل تعرضوا لجميع أنواع التشهير والتنكيل والاستبعاد، في حين تم تقريب التافهين والمتملقين، أولئك الذين يمكنهم تغيير ولاءاتهم كلما تغيرت مصالحهم. اليوم وقد انقسمت هذه السفينة إلى نصفين: الدولة في مواجهة المجتمع، والمجتمع في مواجهة عنف الدولة صار لابد أن نذكر ونتذكر. وأن نعبر ونعتبر.
مما لاشك فيه أن الجميع على وعي اليوم بأن مغرب الملك محمد السادس بعد مرور قرابة العقدين من الحكم يزداد غليانا على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وذلك بشكل غير مسبوق يهدد معه وحدته وأمنه وتماسكه، نتيجة لجشع كبير على جميع المستويات مارسته نخبة من الجيل الجديد المحيطين بمربع الحكم، والذين وجدوا أنفسهم على حين غرّة أصحاب قرار ونفوذ في بيئة طيّعة يساهم كل أفرادها بتضخيم "الإيغو" لدى كل المستبدين، شريطة أن يكون هناك تبادل للمنافع معهم، ولو كان الأمر على حساب الوطن والمواطنين.
اشتغلت الآلة الإعلامية بشكل قوي جدا لترسخ لأسطورة الاستقرار والاستثناء المغربي، وتضمن لها الاستمرارية، وهي الأسطورة التي بدت هشة مع الانتفاضات الاجتماعية والسياسية التي عرفها المغرب: (عشرين فبراير / جرادة / أحداث الريف/…) كلها ساهمت في فضح أسطورة الاستثناء والاستقرار، وعوض التجاوب مع انتظارات الناس، تسهم هذه النخبة المتحكمة في الحكم من خلال موظفيها الخاصين الذين سحبتهم من الدولة ليصيروا مرتبطين بها بعلاقات ولاء وليس بعلاقات عمل ينظمها القانون من أجل التسويق لفكرة أن المغرب مخترق من طرف جماعات، وأحيانا من موالين لأعداء الوحدة الترابية وأحيانا مداويخ… وهم السبب في كل ما يقع وهكذا دواليك، متناسين أن ما يقع تعبير حقيقي على الرفض المطلق اليوم لهذا النهب الذي تعرفه ثروات المغرب ولغياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخله .
كان الجواب من طرف هذه العصابة دائما هو التنكيل والتفقير والمطاردة والتشهير بالإعلاميين والسياسيين والمناضلين في الحركات الاجتماعية بعدما تفشل سياسة الاحتواء والمساومة، ويكفي أن نلقي نظرة على ملف الصحفي حميد المهداوي وغيره من النشطاء الذين توبعوا بسبب آرائهم في المغرب الجديد وهو ما يعني أن هناك من لا يريد أن يستوعب اليوم لماذا رغم كل ما يصرف على التجهيل والتتفيه لازال هناك من يخلق إرباكا في أركسترا النهب العام والإفساد للعام للبلد والمواطنين ويستمر بالمقاومة والفضح؟
وعليه نجد أنفسنا أحيانا محتاجين لتقديم بعض الدروس المجانية لهؤلاء حتى يستوعبوا عمق التحولات المحيطة بهم، ويعرفون أيضا ما عرفه المغاربة من وعي يتجه إلى الحسم في قضية أساسية تتلخص في أن المغرب القادم لن يكون سوى مغرب الجميع، وأنه لم يعد مقبولا أن يكون ملكية/ضيعة خاصة.
يجب أن تستوعب هذه "العصابة" أن مغاربة اليوم ليسوا هم مغاربة الأربعينات والخمسينات والستينات الذين كانت مصادر معرفتهم بعالمهم وبلدهم ومحيطهم تقتصر على الأخبار والشائعات التي تروجها السلطة، أو التي تأتي من مؤسسة المسيد، بل مغاربة اليوم منفتحون بشكل تام على العالم، يستقون معارفهم ومعلوماتهم وتقاريرهم وأخبارهم ونظرياتهم من عالم مفتوح مكنتهم منه الوسائط الجديدة، فهم لم يعودوا وحيدي المصدر في المعلومة، وينتظرون أخبار الثامنة على المذياع أو التلفاز بل صاروا يتلقون كمّا هائلا ويوميا من المعلومات، صحيح قد يكون التعليم الذي يمنح لهم لا يمكنهم من المعالجة المنظمة والدقيقة لهذه المعلومات بشكل نقدي، لكنهم عن طريق المراس سيكتسبون ما يكفي من المناعة والحصانة ليصبحوا قادرين على ذلك، فهم مثلا قد يشاهدون رئيس دولة يأتي راكبا سيارة أجرة، فيذكرهم ذلك بالوزير الذي اكترى سيارة للتنقل بمبلغ 270 مليون سنتيم من المال العام، وهم يرون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تمشى في الأسواق الشعبية في ألمانيا، فيذكرهم ذلك بمسؤولهم الذي يطير كل مساء لإسبانيا ليرى عائلته ثم يعود للمغرب مقر العمل وجمع الثروة، وهم أيضا يرون وزيرا ينحني في اليابان لمدة عشرين دقيقة معتذرا عن تأخر القطار، فيذكرهم ذلك بالإهانة التي صدرت من مسؤول السكك الحديدية تجاههم ذات صباح وقد تأخر القطار بساعات وتأخروا هم أيضا عن عملهم، وهم يرون رئيس دولة يساءل ويحاسب على تبذيره للمال العام، فيتذكرون كيف يصبح بعض المسؤولين السياسيين عندنا أغنياء باستثمارهم الجيد للمال العام لصالح مراكمة ثرواتهم وتحقيق نقط متقدمة في إحصاءات فوربيس لأغنى أغنياء افريقيا، وهم أيضا يرون مستوى التعليم في فنلندا فيبتسمون ويتحسرون في نفس الوقت على مستوى التعليم لدينا.وهم يرون الرئيس فلاديمير بوتين يزور أستاذه السابق ليكرمه في عيد ميلاده، فيقارنون ذلك بإحالة الوزير أمزازي لأستاذ على النيابة العامة مباشرة ووضعه تحت الحراسة النظرية وإدلاله في وسائط التواصل الإجتماعي، وإدلال الجسم التعليمي بكامله ورمزية التعيلم والدولة، وهم يرون سيدة تلد في النرويج في ظروف صحية تشعرها بالسعادة، فتتداعى إلى ذاكرتهم صورة السيدة التي تلد أمام المستشفى، وصورة السيدة الأخرى التي توفيت ذات يوم من سنة 2011 في المستشفى بسبب عطل في المصعد فتركت لعشرين يوما بالبيضاء إلى أن سكت دماغها …
مغاربة اليوم: هم هؤلاء الذين يقارنون بشكل يومي بين وضعهم ووضع العالم كما تنقله لهم الوسائط، فيصلون إلى نوع من الحب للكرامة، والسخط العارم على الفساد والاستبداد وعلى سياسة الغلاء والثراء الفاحش، وذلك من خلال ما يلاحظونه في هذه البلاد التي يزداد فقراؤها بمتوالية هندسية وأغنياؤها بمتوالية حسابية نظرا لتحكم فئة قليلة في الرأسمال الوطني وإقفاله على المقاولين الشباب.
مغاربة اليوم يبنون وطنا آخر من خلال المقارنات التي تتيحها الصور القادمة من العالم إليهم فيبنون وطنا من الأحلام سيصير واقعا عاجلا أو آجلا، وإن بقيت الدولة تعتقد أن المغاربة لم ينضجوا بما يكفي فسنكون أمام نفس المشهد الذي يعبر عن التجاهل الذي أدى إلى غرق التيتانيك.
لذلك كله، أعتقد أنه لا يوجد مخرج اليوم من هذا الوضع، ورسالة المقاطعة الاقتصادية واضحة جدا، الناس تعبت وملت وفهمت أن النضال في الشارع يؤدي إلى تلفيق التهم والزج بهم في السجون وصياغة المحاكمات الصورية بتركيع النيابة العامة وتوظيفها في الصراعات السياسية، لذلك ابتكروا سلاحا فتاكا استعمل في العديد من الدول وهو سياسة "المقاطعة الاقتصادية " والتي أثمرت العديد من النتائج المهمة بنظري:
* فهي من جهة عرّت الوضع السياسي في البلاد، وكشفت أننا لا نملك نخبا سياسية قادرة على أن تكون في اللحظات القصوى جسرا ووسيطا بين المجتمع والدولة، فاليوم صرنا أمام المجتمع من جهة والدولة في جهة أخرى، ليس باعتبارهما كلاّ بل باعتبارهما تعارضا بين أطروحة ونقيضها، بل إن الأطروحة الكولونيالية القديمة القائمة على فكرة أن هذه المجتمعات هي ضد الدولة، يمكن إعادة صياغتها اليوم لنتحدث على أن الدولة في هذه المجتمعات ضد المجتمع، كما أظهرت المقاطعة الاقتصادية أنه لا توجد حاجة للاستمرار في القول بوجود مؤسسات وهياكل دستورية، لأنه لو كانت تعبر هذه الهياكل عن الإرادة العامة لكانت قادرة في مثل هذه اللحظات على أن تلعب دور الوساطة والتوجيه من أجل أن يكون هناك قوة يمكن التفاوض معها، وهكذا ننتهي بصيغة رابح-رابح، لكن اليوم في غياب قوة سياسة والتي للأسف كنا نمتلكها وبشكل واع تم تدميرها صراحة من طرف الجيل الجديد المحيط بالعرش من أجل نوع من التحكم الناعم في الظاهر والعنيف في العمق على الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية التي لم تسلم أيضا من استثمارهم، تركت الملكية عرضة لكل أنواع النقد والمسؤولية، ومن يردد أسطورة أن المغاربة اليوم ملكيين ينسى الشروخ والندوب التي طالت الملكية أيضا، وينسى أنه يكذب على ملكه وعلى المواطنين، لأن أخطر أعداء الملكية كما أدرك ذلك لويس السادس عشر إبان الثورة الفرنسية هم الذين يحيطون به، فهم في الغالب لا يقولون له سوى الأشياء التي يتمنى أن يسمعها وأن تكون قد تحققت في بلده، بينما الأشياء التي لا يتمناها يخفونها عنه ويعطون للمطالبين بها أسماء وألقاب فهم المداويخ وأعداء الوحدة والوطن والإجماع والعملاء والرعاع وغيرها من التصنيفات التي تنم عن غباء سياسي ميز التكنوقراط عبر تاريخهم البئيس، ومع الوقت عزلوا لويس السادس عشر عن الشعب الفرنسي لدرجة صار غير قادر على الوثوق في الشعب لأنه مرتبط ومهيمن عليه من طرف العائلات المحيطة بالحكم، وغير قادر أيضا على الوثوق في الشعب لأن حجم المطالب صار كبيرا لدرجة يصعب تحقيقه في ظل العجز التام الذي كانت تعانيه الخزينة الفرنسية.
* استطاعت المقاطعة الاقتصادية أن تبين وتكشف أيضا عن طبيعة المقاولات والشركات المغربية، فهي من جهة تعتبر نفسها مواطنة على مستوى الوثائق والتصريحات الصحفية، ومساهما في النهوض بالاقتصاد الوطني، لكنها في العمق لا تهتم سوى بمراكمة أرباحها، فكيف يعقل مثلا أن شركات معينة لم تستطع تدبير المقاطعة التي تعرضت لها نتيجة عدم جودة منتجاتها، و بسبب الغلاء والاحتكار الذي تمارسه تلجأ الى التلويح بتسريح العمال وكأنهم مجرد آلات وعبيد لا حقوق ولا ضمانات تحميهم.
* استطاعت المقاطعة الاقتصادية أن تبلور في الأفق تصورا آخر للمقاطعة سيكون سياسيا، وأسميه "المقاطعة السياسية"، وهي بنظري المتواضع توجه عام للشعب نحو مقاطعة كل مؤسسات الدولة الرسمية وخاصة السياسية، صحيح أن الاحزاب قوطعت منذ زمان، لكن بنظري يمكن للناس تطوير آلية أخرى تكون موجهة ضد كليانينة من يتحكمون في القرار السياسي بحيث لدى المجتمع خزانه التراثي الذي يمكن بواسطته أن يحيي طرقا تقليدية في تدبير نزاعاته وتنظيم حياته اليومية من خلال "الجماعة" وشيوخ الأحياء والقبائل مثلا…، وهذا ما تتجه إليه الأصولية بوعي منها أو بدونه، لكنها ستكون المستفيد الأكبر من ذلك وهو إحياء كلي لمؤسسات المجتمع التقليدية مما يجعل الدولة في عزلة تامة نتيجة تحولها من دولة مؤسسات إلى مقاولة خاصة تخدم فئة من المقربين والمنعم عليه، يمكن أن تشمل مقاطعة الجماعات والأحزاب والجمعيات والنقابات وكل الإطارات التي تعطي مؤشرا على أن نظاما ما في طور "الديمقراطية " مثلا… مما يعرض الدولة لنوع من المساءلة الدولية حول طبيعتها السياسية وحول شرعيتها.
* يمكن للمقاطعة الاقتصادية والسياسية أيضا أن تسهم في اتجاه آخر وهو تحرير الملكية إن كانت لها الإرادة الحقيقية من هيمنة اللوبيات المهيمنة على الاقتصاد والسياسة والسلطة وجعلها في خدمة الدولة، لأنه ربما آن الآوان لنتحدث عن نوع من الهيمنة الكليانية للفساد على الدولة والحكم، والذي صار يعيق حتى الملكية ذاتها عن القيام بواجبها، لذلك ربما يمكنها بهذا السند الشعبي الكبير أن توظفه في تحرير نفسها من النظام نفسه ومن الأصولية التي صارت تهمين عليها في العقد الأخير.
إن عدم القيام بإجراءات سياسية حقيقية، والإمعان في المماطلة دون الاكتراث لصوت الشعب هو ما يهدد الدولة ويهدد الاستقرار، ويهدد استمرارية المجتمع، لذلك يمكن أن تكون هناك مجموعة من الاشارات الحقيقية في هذا الباب:
* إعفاء مستعجل لكل المسؤولين الحزبيين والوزراء بشكل مباشر عن الاحتكار وعن تبذير المال العام، فلا يمكن لوزير مثلا يروج في الرأي العام وفي الصحافة المكتوبة توفيره وربحه لحوالي 17 مليار من الدرهم مرتبطة بقطاع المحروقات ووزراء في حزبه لم يدفعوا الضرائب المتراكمة عليهم في معامل كانوا يشغلوها في مدينة تطوان خارج إطار القانون، وهي الفضيحة التي انفجرت منذ سنوات ونجدهم في الأخير في المشهد السياسي رغم ما كتبته الصحافة وما خرج من داخل مؤسساتهم الحزبية من انتقادات يعتلون المسؤوليات ويقودون وزارات وكأن الفساد صار معيارا يكافئ عليه.
* إعفاء مستعجل للحكومة لأنها تنهج نهجا إخوانيا غايته دفع البلاد نحو أزمة سياسية خطيرة جدا من خلال قراراتها اللاشعبية وذلك من أجل تهييء الشروط للانقضاض على السلطة السياسية/التمكين عبر استغلال المطالب الاجتماعية، نظرا لأن الجميع واع أن الإسلام السياسي وهذه حقيقة واقعية اليوم في المغرب هو القوة السياسية الوحيدة الأكثر تنظيما واستعدادا لتدبير الدولة في حالة نجح مخططهم المسكوت عنه، والمتمثل في انقلاب أبيض يخططون له من خلال هذه القرارات التي تجعل المواطنين في الأخير يخرجون للشارع العام، وربما يؤدي إلى ثورة شعبية يقودها المنسيون والمهملون في هذا البلد والمقهورون من السياسيات المتعاقبة
* لابد من الرهان بشكل عاجل على الطبقة المتوسطة، وذلك بالقيام بإصلاحات ضريبة تتعلق بالأجور وزيادة في الأجور تؤدي إلى تحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية مما يجعل منها صمام أمان، فلا يمكن لطبقة وسطى أن تؤدي أدوارها السياسية في التأطير وهي لازالت لم تقم بحل مشكلاتها مع الخبز والماء والكهرباء وتدريس أبنائها.

لابد في الأخير من التفكير في المغرب أولا وأخيرا لأن هذا المجتمع يشبه سفينة التيتانيك، وهي تمشي نحو الغرق ولا يوجد لحد الآن من يخبرنا بذلك لأن الجوقة المحيطة بالحكم تتهم فقط الناس بأنهم يصرخون، ليس لأنهم يتجهون نحو الهاوية ويسعون إلى تحسين شروط عيشهم في وطنهم ، بل لأنهم اعداء للوطن وموالون لجهات أجنبية وينسى هؤلاء الجوقة من التيكنوقراط أن الغرق لا يمكن أن يسبب الخسائر للمقهورين فقط، بل سيحدث خسائر أكبر لمن لهم ما يخسرونه بالدرجة الأساسية، وعليه فمن مصلحة الجميع انقاد التيتانيك .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.