لحسن أكرام حملت مدينة بني ملال اسم "القرية الكبيرة" منذ أن فاجأ وزير الداخلية الأسبق الرأي العام الملالي حين تكلف بنقل ملاحظات الملك إلى المسؤولين بالمدينة،عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها الملك محمد السادس لبني ملال،حيث وصفها بالقرية الكبيرة التي لازالت بعيدة عن مواصفات المدينة والعاصمة الاقتصادية ،إذ وقف الملك على أرقام وإحصائيات في القطاع الصحي وقطاع التعمير والنقل،بعيدة عن التطلعات، فالمشاكل العويصة التي تواجهها عاصمة سهل تادلا بنيوية بالأساس و مرتبطة،تراكم جلها على مدى ولايات عدة مجالس انتخابية،فاقم بعضها اختلالات بالمدينة،حيث تميز بعضها باستفحال الزبونية في التعمير،فعلى سبيل المثال لا الحصر يتم استخراج عدد من البقع الأرضية من هكتار واحد،تتجاوز الحد المعقول،كما لاتحترم مدونة التعمير،ويعرف المجال الحضري للمدينة مشاكل كثيرة في قطاع البناء في مقدمتها البناء العشوائي الذي انتشر بشكل ملفت في كل الأحياء،حيث استفحلت الظاهرة أكثر بالأحياء التي انضمت مؤخرا إلى حاضرة المدينة منها:أولاد رحو،تفريت قرب حلبة الفروسية،أيت تسليت،أوريغ،عياط،عين الغازي،أولاد ضريض،مغيلة،جغو ،أيت فالحة،دوار الليل،دوار لعجاج،والمدينة القديمة التي يتواجد بها أزيد من1700منزل مهدد بالانهيار،كما لازالت قرارات المنع لا تحترم بسبب غياب التنسيق بين المسؤولين على الشأن المحلي ببلدية بني ملال ،وفي هذا الصدد، أكدت مصادر للجريدة أن رئيس بلدية المدينة يشجع البناء العشوائي بمنح رخص الربط الكهربائي في مناطق عشوائية غير مهيكلة رغم رفض السلطات لنفس الطلبات. وتتحدث مصادر مطلعة أن بعض المجالس السابقة تغاضت بشكل فاضح على البناء العشوائي بمعية السلطات ،كما وضع بعض أعوان السلطة فاتورة مسعرة عبارة عن رشوة 50 درهم للمتر لكل سقف منزل عشوائي،ومن جانبها ساهمت السلطات الوصية في تلاعبات في رخص الاستثناء باتفاق مع المجالس ،مما أضر بمستقبل مساحات خضراء كثيرة،بالمدينة والتي تم تعمير مساحات منها،كالمنطقة الخضراء (10هكتارات)قرب معمل الياجور "منارة"، تحولت إلى منطقة سكنية ،وفي وسط الفيلات تعطى رخص بناء عمارات كحي قرب سوق اسيما،أما المنطقة الصناعية فقد عرفت خروقات المجلس الإقليمي لبني ملال كمكلف بتفويت البقع ،إذ وصلت المنطقة الصناعية من حيث التجهيز إلى الباب المسدود وتحولت الآن إلى بقع مبنية ،عوض أن تكون حيا صناعيا فتحت فيها محلات لتخزين البضائع. ومن أسباب الاختلال ببني ملال غياب الصرامة والمراقبة لمشاريع المدينة في البنية التحتية حيث لمس المتتبعون الغش في بنائها،و التلاعب في الصفقات ، واحتلال الملك العمومي و التغاضي عن المقربين الذين احتلوا مساحات غير مصرح بها.كما سجلت تلاعبات بعض المجالس التي عمدت إلى غض البصر على خروقات المقاولين ، الذين تلاعبوا في بعض المشاريع الملكية ،وحولوا بني ملال إلى مدينة إسمنتية تغيب فيها المساحات الخضراء والمرافق العمومية الأخرى، ومن جهة أخرى سجل أن المجلس الحالي أطلق عملية دفع الديون منتهجا أسلوب المحسوبية،وغض الطرف عن المقربين في استخلاص ديون البلدية التي بلغت 7مليارات. وإذا كان الوضع قاتما بمدينة بني ملال فإن ذلك ليس صدفة وإنما جاء نتيجة تراكمات لسياسات تدبير عشوائية،وهو ما تؤكده مجموعة من البحوث التي أنجزت بمنطقة تادلا. فالأستاذ الباحث الدكتور عبد الفتاح أبو العز أكد في تصريح أن مدينة بني ملال عاصمة سهل تادلا هي بمثابة القطب غير المكتمل،فما آلت إليه مدينة بني ملال وهوامشها، تنبأ به بحثه في بداية التسعينيات من القرن الماضي"بني ملال قطب غير مكتمل" أو قرية كبيرة كما وصفها أحد المسؤولين عقب آخر زيارة ملكية للمنطقة. فمدينة بني ملال أصبحت عشوائية بكل المقاييس ومرتعا للمضاربات العقارية و التهمت أجود أراضيها الزراعية من طرف لوبيات يساندها عمال و منتخبون لايملكون أي حس وطني، ولا أية نظرة استراتيجية للمدينة. لقد نمت مدينة بني ملال في أغنى سهول المغرب و صرفت عليها أموال باهظة من أجل التجهيز الهيدروفلاحي ،واعتبرها المخطط الخماسي 71 -75،ثاني قطب اقتصادي بعد الدارالبيضاء ،بفضل عوامل عدة من بينها موقعها في طريق قديمة واستراتيجية تربط فاس بمراكش ،وكذلك توفرها على مؤهلات فلاحية و سياحية و بشرية مهمة،ولكن في مقابل توفر هذه العوامل المهمة توفرت عوامل الإخفاق وهي عديدة نذكر منها :الضرب بعرض الحائط التصميم المديري لسنة 1978والذي أعده الألمان و كان نموذجيا ،إذ وجه المدينة نحو الجنوب في اتجاه الجبل حفاظا على الأراضي الزراعية،كما أن المدينة عمد مسيروها إلى إغلاقها على نفسها،وأهملوا ربط تنميتها واستمراريتها بمحيطها ،كتهميش المنطقة الجبلية في التنمية مما أدى إلى الضغط على الغابة وما سببه ذلك من زيادة عنف الأودية التي تخترق المدينة،ونزوح ساكنة هذه المناطق ومساهمتها في تضخيم أحزمة الفقر والبناء العشوائي،وغياب الكفاءة سواء داخل الأجهزة المنتخبة أو الأقسام المكلفة بالتخطيط والبرمجة في العمالة والبلدية ،وتعدد المتدخلين في ميدان التعمير ،واستشراء الفساد والمحسوبية واستغلال النفوذ، وتأخر التدخل من المركز كنوع من التقصير. وتستمر مظاهر القرية بادية على محيى مدينة بني ملال انطلاقا من كثرة العربات المجرورة بالخيول،واصطفاف الجرارات بجوانب الطرق الحضرية،وانتشار تربية الماشية في أسطح بعض المنازل،واستفحال الباعة المتجولين الذي يملئون كل فراغ في ساحات المدينة،حيث تصبح في فصل الصيف سوقا لعربات "الهندية"،كما أن أسماء بعض دواويرها ليست صدفة،حيث سميت بتسميات القرية،كعياط،جغو،الكرابزية، دوار الليل،دوار لعجاج. فهل ينقذ الوالي الجديد مدينة بني ملال و يقف سدا منيعا أمام طوفان المضاربين و سماسرة العقار ،ويكشف لساكنة المدينة عن رؤوس الفساد كيفما كانت مراتبهم ووظائفهم،وانتماءاتهم السياسية؟فأبناء المدينة و جهة تادلة أزيلال عموما من حقهم أن يروا بني ملال كما خطط لها منذ عقود بعيدا عن شطط المسؤولين وجشعهم و تلاعباتهم ، فكفانا من النهب والسرقة و امتصاص دماء البلد.. و ليعلم الناهبون أن كل ثروة نهبوها لن تكون إلا سرطانا وعٌمي وحٌمق لهم و لأبنائهم..