الخط : إستمع للمقال في عالم التحقيقات السيبرانية، لا تثبت المزاعم بالخطابة أو الإثارة الإعلامية، بل بالأدلة القابلة للتحقق: عينات Firmware منشورة للفحص، مطابقة تجزئات وتوقيعات رقمية تكشف أي تعديل، وسجلات اتصال تثبت وجود قنوات خفية. وحتى الآن، لم تقدم "جبروت" أي أثر من ذلك؛ لا Firmware dump، ولا مؤشرات اختراق، ولا تحليلات شبكية. وبحسب القواعد المهنية، غياب الدليل يعني غياب القضية. وسط هذه الضبابية، توقفت "جبروت" عند جملة مثيرة تزعم أن "حتى الهواتف المشفرة HC9100 كانت تحتوي على أكواد خبيثة بتواطؤ داخلي". بالنسبة للقارئ العادي، قد يبدو هذا طعناً في نزاهة أجهزة التشفير، لكن من يعرف تفاصيل التقنية يدرك أن المسألة أعقد بكثير مما تحاول الرواية تسويقه. الحقيقة أن ما يسمى ب HC9100 ليس هاتفاً أصلاً، بل بطائق MicroSD تشفيرية تنتجها شركة سويسرية تدعى Crypto International AG، مزودة بمعالج تشفير مدمج وذاكرة محمية، وتعمل مع طرازات محددة مثل Samsung Galaxy S4 Mini وبعض هواتف نوكيا القديمة، عبر تطبيقات مخصصة لتمكين التشفير الصوتي. مواصفاتها معلنة من الشركة نفسها، وموثقة من مصادر تقنية مستقلة، وهي مصممة لتكون "شريحة مقاومة للعبث" تُدرج في منفذ microSD. لتحقيق ما تدعيه "جبروت" من زرع أكواد خبيثة داخل هذه الشريحة، لا يكفي هجوم إلكتروني عن بُعد، بل يتطلب الأمر اختراقاً داخلياً للشركة في سويسرا، مع تجنيد موظفين على مستويات حساسة، وهو سيناريو شبه مستحيل في بيئة تصنيع محصنة. تقنياً، أي تعديل على البرنامج الثابت (Firmware) لهذه الشرائح يفرض السيطرة الكاملة على سلسلة التصنيع والإمداد قبل التوزيع، ثم إعادة توقيع البرنامج باستخدام المفتاح السري للشركة، المحفوظ داخل وحدة أمنية عتادية (HSM) محمية بأعلى درجات الأمان. وفي حال عدم تطابق التوقيع الرقمي، ترفض البطاقة العمل تماماً. إضافة إلى ذلك، هذه الفئة من المنتجات تخضع لتدقيق أمني مستقل وفق معايير Common Criteria – ISO/IEC 15408، وهي معايير صارمة تكشف أي تعديل في التصميم أو التنفيذ. وأي تلاعب كان سيظهر بوضوح خلال هذه الاختبارات. وعند اكتمال الإنتاج، يصبح زرع أي كود خبيث أمراً غير منطقي إلا إذا تم اختراق سلسلة التوزيع العالمية بأكملها، وهو ما لم يحدث، خاصة أن هذه المنتجات تُسوَّق لجهات حكومية أوروبية ودولية باعتبارها اجتازت جميع اختبارات الأمان. لو كان ادعاء "جبروت" صحيحاً، لكان من السهل على أي فريق فحص محترف أن ينشر Firmware dump للتحليل، أو مؤشرات اختراق، أو سجلات شبكية تكشف عناوين وبروتوكولات الاتصال المشبوهة. بل كان يمكن مطابقة التجزئات (Hashes) مع النسخ الأصلية للشركة للتحقق من سلامة التوقيع الرقمي. غياب كل هذه العناصر يجعل الرواية أقرب إلى سيناريو مؤامرة إعلامية منها إلى تحقيق سيبراني. الأسئلة الجوهرية تظل بلا إجابة: كيف مرّ Firmware معدّل عبر خطوط الإنتاج دون كشفه؟ كيف أعيد توقيعه بمفتاح الشركة داخل HSM دون أثر؟ ولماذا لم يُنشر أي دليل تقني أو سجلات اتصال تثبت قناة تسريب بيانات؟ اللافت أن "جبروت" تواصل الحديث عن "أبواب خلفية" وكأنها أزرار سحرية تُضغط فتفتح أنظمة معقدة. في الواقع، زرع باب خلفي عملية شديدة التعقيد تتطلب تعديل شفرة المصدر أو البنية التحتية، واجتياز اختبارات الأمان الداخلية والخارجية دون انكشاف. أي خطأ صغير كفيل بفضح العملية فوراً، وهو ما لم تقدم الرواية أي دليل على تجاوزه. كما أن مزاعم وجود ثغرات "متروكة عمداً" تستوجب نشر ملفات برمجية أو سجلات وصول أو تحليلات حركة شبكة، وهو ما لم يحدث. تذهب القصة أبعد من ذلك حين تزعم أن طرفاً ثالثاً مجهولاً استغل نفس الثغرات للحصول على المعلومات مجاناً، لكن الرواية لا توضح كيف اكتشف هذا الطرف مكان الثغرات، أو لماذا لم ترصد أنظمة الكشف أي نشاط شبكي مريب، أو كيف لم تنتبه الكيانات المستهدفة إلى تسريب بياناتها. في القضايا الكبرى مثل SolarWinds أو ثغرات Microsoft Exchange، كانت هناك أدلة تقنية منشورة قابلة للتحقق، بينما هنا لا نجد سوى السرد الدرامي. وهنا، يتضح أن "جبروت" ليست إلا جزءاً من حرب سيبرانية وإعلامية، غايتها ضرب الثقة في المؤسسات الأمنية المغربية، وتقديم صورة مشوهة للخارج عن أجهزة تحظى باعتراف دولي في الكفاءة والاحترافية. لكن من يقرأ تفاصيل هذه المزاعم بعين الخبرة يدرك أنها بلا سند تقني، وأنها محاولة يائسة لاستهداف قلعة أمنية صلبة تقف على جبهة حماية الوطن. وإذا كان خصوم المغرب يراهنون على الإشاعة لتقويض مؤسساته، فإنهم يجهلون أن هذا الوطن محصن بوعي شعبه، ومسنود بقيادة لا تساوم على السيادة، وأمن وطني أقسم رجاله أن تظل الراية الحمراء بنجمتها الخضراء مرفوعة مهما اشتدت العواصف. هنا، حيث تنكسر موجات الافتراء على صخرة الحقيقة، يبقى المغرب عصياً على الانكسار، وأجهزته الأمنية درعاً واقياً لا يعرف التراجع، ومن يقترب من أمنه تحرقه نار الوطنية قبل أن يبلغ مراده. وهكذا، فليعلم كل من تسوّل له وهم "جبروت" أو غيرها أن يعبث بأمن المغرب، أن هذه الأرض ليست مسرحا للمغامرين، ولا ملعبا لتجار الفوضى. هنا وطن ينام على يقظة رجاله، ويحرسه درع أمني يعرف كيف يقرأ الشيفرات قبل أن تُكتب، ويكشف المؤامرة قبل أن تولد. المغرب، بقيادة ملكه وأجهزته وشعبه، لا يساوم على سيادته، ولا يركع أمام عاصفة مهما اشتدت. وعلى من يختبر صبر هذا الوطن أن يستعد لصدمة الحقيقة.. هنا تنتهي حدودهم... وتبدأ حصون المملكة، عصية، شامخة، وأبدا خضراء الراية، حمراء القلب، لا تعرف إلا النصر. الوسوم تسريبات جبروت هاكرز وهمي