الدار البيضاء، هذه المدينة التي تأوي خمس ساكنة المغرب، ونصف المؤسسات الصناعية به، وربع الاستهلاك الطاقي الوطني، فضلا عن ثلث الأزبال التي ترمى يوميا بالبلاد. تعرف في المقابل وبشكل يثير أكثر من تساؤل شحا كبيرا في الحدائق والمنتزهات الترفيهية. الأمر الذي ذهب بالعديد من المواطنين الذين التقاهم “برلمان.كوم” إلى التأكيد بسخط بالغ على أن الوضع كارثي على هذا المستوى، ولا ينسجم مع ما تتطلبه معالجة الصخب ولغط محركات السيارات والحافلات والشاحنات التي تملأ الفضاء ضوضاء لا تطاق. أكبر مدينة بأقل فضاءات الترفيه ففي أكبر مدينة بالمغرب تحتضر حاليا الحدائق وأماكن الترفيه يوميا، حتى أن بعضا منها كاد أن يصبح في خبر كان وأهملت تلك الفضاءات رغم دورها البيئي، ولم تعد تولى لها العناية التي كانت تتمتع بها في السابق بعد أن تحولت إلى مطارح للنفايات المنزلية وأوكارا للمنحرفين. وتكفي الإشارة إلى زوال الحديقة التي كانت قائمة بالقرب من سوق العيون أو القريعة وأصبحت مستباحة من لدن الباعة المتجولين والحلايقية. فضلا عن توقف حديقة عين السبع، وحديقة حي الإدريسية التي تستنجد من أجل استعادة جماليتها، هذا دون نسيان حديقة “الأليسكو” التي صارت مكانا موحشا، وأخرى بعين الشق لاقت المصير ذاته. لم يعد لنا فضاء نجلس فيه مع أبنائنا، وحرمنا من الاستمتاع بخضرة الحدائق، تقول أمال، سيدة في الأربعين من عمرها، وهي تتأسف على عدد من المنتزهات التي كانت الملاذ الوحيد للأمهات وأبنائها. وفي هذا السياق، أشارت حنان، طالبة، إلى كون المدينة تنقصها فعلا متنفسات خضراء يمكن للمواطنين أن يستمتعوا بها في ظروف ملائمة، موضحة أن الوضعية تتأزم سنة بعد أخرى، وخاصة بعد أن فوتت مجموعة من القطاعات إلى شركات لتسييرها. وفي خضم هذا التحول في الاستراتيجية المتبعة، تساءل عدنان، موظف، قائلا: “الملاحظ هو كون حتى في حالة وجود تلك الفضاءات فإنها غالبا ما تعاني ضعفا في تجهيزاتها، وتفتقر لأبسط شروط الراحة، ناهيك عن سوء التدبير واستغلال الموارد البشرية”. تذمر وأمل وكان “برلمان.كوم” قد وقف من خلال معاينته للعديد من المنتزهات على حالتها السيئة، والتي تعكسها الأعشاب اليابسة والكراسي الصدئة، دون الحديث عن عامل الأمن المهتز بفعل عشرات المتشردين والمنحرفين الذين يحتلون جنبات تلك الفضاءات. مما يتسبب، حسب شهادة عبد القادر، متقاعد، في عزوف المواطنين عن ولوجها. ويضيف هذا الرجل البالغ 65 سنة، أنه كان في وقت سابق يصطحب أبناءه إلى حديقة عين السبع أسبوعيا، غير أن واقع الحال راهنا لم يعد يشجعه على ذلك لما آلت إليه مرافقها التي طالها النسيان والإهمال. ومن جهته، ذكر عبد الغني، أستاذ، بأن زيارة معظم الحدائق البيضاوية والتجول في ممراتها، يعطي الدليل على غياب المرافق التي تسمح بالترفيه على الرواد، ولا تتضمن أي تخطيط محكم لمجالها “إذ لا نجد أي فسحات خاصة بالأطفال تخول لهم اللعب دون المساس بالعشب والنباتات، كما لا نعثر على زوايا للمطالعة وأخرى للعجزة، وثالثة للرياضيين. بل حتى الماء الشروب والمراحيض لا تجد لها مكانا هناك”. وتكملة لما أفاد به زوجها، نبهت فوزية، أستاذة، إلى أن ما يُعقد الوضع أكثر هو التزايد المهول الذي تشهده المدينة بشأن أسطول النقل الذي ينفث سمومه بسخاء، والمصانع التي لا تتوقف عن تلويث الأجواء. متسائلة عما “إذا كان سيفتح أبناؤنا أعينهم على الجدران الإسمنتية فقط. وهل ستصبح الدارالبيضاء معملا أكثر منها وسطا إيكولوجيا. وما أخشاه هو أن تغدو مدينتنا بعد عشر سنوات، تُؤرَّخ بالأزبال والتلوث في وقت تؤرخ فيه مدن البلدان الديمقراطية بالفن والمعمار والبيئة السليمة”. ومقابل كل هذا التذمر، لم يُخف بعض البيضاويين استبشارهم خيرا بما يتلقونه من أخبار تنبئ من حين لآخر عن اقتراب افتتاح فضاء هنا أو هناك كما هو حال حديقة سندباد أو الفيوم أو فضاء المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للألعاب والترفيه بعين السبع.