هل يدرك علي أنوزلا أنه عندما ينشر خبرا صحفيا مؤداه "عزم أدعياء حقوق الإنسان تنظيم يوم وطني للدفاع عن توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي وغيرهم ممن وصفهم بالمعتقلين السياسيين"، إنما ينخرط في الدعوة الصريحة إلى تنظيم يوم للتفرقة والتمييز بين المغاربة، وتخليد عيد وطني للمشاعة الجنسية وتعطيل إنفاذ أحكام القانون! فكيف يمكن الاحتفاء بسليمان الريسوني في يوم وطني للتضامن المزعوم بينما ضحيته يعيش في نفس اليوم واللحظة آهات العنف الجنسي وأنين التضامن الشعبي مع المتهم؟ وكيف يمكن تخليد يوم للتآزر مع توفيق بوعشرين بينما هناك ثلة من النساء المغربيات يرزحن تحت سوط النسيان وجحود المتضامنين مع الشخص المدان؟ وماذا سيقول المغاربة لحفصة بوطاهر عندما يحتفلون باليوم الوطني للتضامن مع عمر الراضي ويشربون نخب الاصطفاف وراء قلمه الجامح؟ وهل يعلم علي أنوزلا أن انخراطه في الإشهار والتشهير بيوم التضامن المفترض مع معتقلي الجرائم الأخلاقية والجنسية، إنما هو انخراط في التحريض غير المعلن على ارتكاب جرائم الاتجار بالبشر وهتك العرض والاغتصاب والتحرش الجنسي! فكيف يمكن تفسير تنظيم عيد وطني للتضامن مع المتهمين والمدانين في قضايا الجنس العنيف؟ أليس هو انتصار للمتهمين وللأشخاص المحكوم عليهم في هذه القضايا؟ أليس هو تطبيع مع أفعالهم المجرمة قانونا والمحرمة شرعا والمستهجنة مجتمعيا؟ وفي تماهي مع الإشهار الذي أفرده علي أنوزلا لقضية "العيد الوطني لجرائم الجنس والأخلاق العامة"، هل يمكن تصور إقامة صلاة العيد في السجون احتفاءا بالمعتقلين واحتفالا بجرائمهم الأخلاقية؟ وهل يمكن تفريق "عوازل طبية" على المتهمين والمتضامنين حرصا على صحتهم عند كل نزوة ملتحفة برداء النضال الوطني؟ وهل يتعين إزدراء الضحايا في هذا اليوم وإقصائهم من بهجة العيد لكونهم لجؤوا ذات يوم لسلطة القضاء لإجهاض وكبت "رعشة" المتهمين؟ فعندما يتجاوز ممتهنو النضال المنطق وحدود العقل، فإنهم يفسحون المجال لاستيهامات فوق منطقية. فأن تطالب بتنظيم يوم وطني للاحتفاء بمتهم تلاحقه مطالب ودعوات الضحايا، وهؤلاء الضحايا لهم عائلات ومعارف وزملاء بالعشرات، فإنك تمعن في تفرقة وتشتيت المغاربة في يوم يعتقد فيه علي أنوزلا أنه جامعهم فيه! وأكثر من ذلك، فأن يطالب المرء المغاربة بتخليد يوم للتضامن مع متهمين في قضايا جنسية، وينخرط في الماركوتينغ الإعلامي لهذا اليوم، فإنه إما يقبل على نفسه "تسهيل البغاء والوساطة فيه" أو أنه يحرض المغاربة على مثل هذه الأفعال المخلة بالحياء العام. فإذا كان الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة، فإن توفيق بوعشرين المدان بخمسة عشر سنة سجنا نافذا بجرائم الاغتصاب وهتك العرض والاتجار بالبشر هو مجرم بنص الحقيقة القضائية وقبلها بموجب الحقيقة الواقعية. فكيف يمكن إذن تخليد يوم للتضامن مع هذا الذي أدانه القضاء في جرائم وطء المغربيات بالعنف والمتاجرة بهشاشتهن؟ وكيف يمكن أيضا تخليد عيد وطني للتضامن مع سليمان الريسوني وعمر الراضي في مرحلة لازالا فيها رهن المحاكمة؟ ألا يمكن اعتبار هذا اليوم خرقا ومساسا باستقلال القضاء؟ ألا ينطوي هذا العيد على تأثير مباشر وسلبي في القناعة الوجدانية للقضاة؟ أليس فيه تمييز صارخ بين المراكز القانونية لأطراف الدعوى خصوصا الضحايا؟ وفي المحصلة، فإن المتهمين والمشتبه فيهم عموما تنتابهم نزوات ونزوعات تتطبع قانونا بوصف "القصد الجنائي"، بينما تساور من يدّعون الدفاع عن الحقوق والحريات نزوات أخرى مفعمة بالرغبة في "الظهور بمظهر المناضل المختلف عن الدولة"، والتي تجعلهم يسقطون من حيث لا يحتسبون في فخ "التمييز والتفرقة بين المغاربة"، والارتماء في أتون "التطبيع مع الجرائم الأخلاقية"، وبراثن "التحريض على تسهيل البغاء والوساطة فيه". وحال علي أنوزلا ليس ببعيد عن أحوال هؤلاء الادعياء.