أثار سخاء الجزائر الأخير تجاه تونس وفلسطين جدلاً حقيقياً، حتى أنه صدم الكثير من الجزائريين الذين لا يفهمون سبب توزيع بلادهم ما لا يقل عن 400 مليون دولار في أيام قليلة على دول أجنبية، بينما هم أنفسهم يعانون من تداعيات أزمة مالية واجتماعية غير مسبوقة. أولا منحة بقيمة 100 مليون دولار لفلسطين، ثم 300 مليون دولار كقرض لتونس في أسبوع واحد فقط بين 6 و13 دجنبر2021. أصدرت الجزائر دفتر شيكاتها لتوزيع 400 مليون دولار على الدول الأجنبية الصديقة، لكن هذه الدول بلا شك لا تدرك أن الحياة اليومية للجزائريين أصبحت كارثية وتنذر بالانفجار مع تداعيات الأزمة المالية لعام 2020، والتي نتج عنها ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة البطالة، والإفلاسات المتتالية للشركات الخاصة، والعجز الهائل في الشركات العامة، وانخفاض قيمة الدينار الجزائري، ونقص العديد من المنتجات من الضروريات الأساسية، وأزمة السيولة، وانهيار القوة الشرائية والتفقير المتسارع للعديد من شرائح الشعب الجزائري ... إلخ. هذا السياق الصعب يتناقض فعلاً مع هذا الكرم المفرط والمفاجئ للدولة الجزائرية على الساحة الدولية. لكن، في الواقع، سياسة الدعم المالي هذه للبلدان الفقيرة التي تعاني من مشاكل عدة هي إرث أيديولوجية متجذرة في أذهان القادة الجزائريين، أيديولوجية تتمثل في إقراض البلدان الفقيرة دون حسيب ولا ورقيب من أجل الترويج لصورة جميلة للجزائر بالخارج، صورة بلد يدعم ويساند قضية الشعوب المضطهدة أو المحرومة. وهي أداة للقوة الناعمة بفضلها الجزائر في الماضي تدعم هؤلاء نظرا للرخاء المالي خاصة خلال الفترة الممتدة من 2008 إلى 2014 التي راكمت خلالها الجزائر عشرات المليارات من الدولارات من احتياطيات النقد الأجنبي. هذا الرخاء المالي هو الذي سمح لجزائر 2010 بالتشطيب وإلغاء ديون عدد من الدول الإفريقية والعربية باسم التضامن الدولي، وألغت ديونا بلغ مجموعها 1.4 مليار دولار خلال الفترة مابين 2010-2014. وتتعلق هذه الديون بأربعة عشر (14) دولة إفريقية استفادت من هذا الكرم الجزائري الذي ألغت بموجبه هذه الأخيرة ديونا بقيمة 902 مليون دولار، لدول أفريقية هي بنين وبوركينا فاسو والكونغو وإثيوبيا وغينيا وغينيا بيساو وموريتانيا ومالي وموزمبيق والنيجر وساو تومي وبرينسيبي والسنيغال وسيشيل وتنزانيا. في نفس السياق استفادت دولتان عربيتان من هذا الإعفاء هما العراق واليمن حيث تم إلغاء 504 ملايين دولار من الديون التي كانت في ذمتهما. هذه السياسة بالنسبة للجزائر تندرج في إطار التضامن الإفريقي وتترجم الإرادة السياسية للحكومة الجزائرية بالوفاء الكامل لالتزاماتها لصالح النهوض الاقتصادي والاجتماعي للقارة الإفريقية. والهدف هو بالتأكيد هدف نبيل، لكن الجزائر اليوم ليست جزائر فترة 2010-2014. ولسبب وجيه يعود بالأساس إلى انخفاض احتياطي النقد الأجنبي من 162 مليار دولار في عام 2014 إلى 57 مليار دولار، مما يتطلب بديلاً واضحًا وإصلاحات للتنويع الاقتصادي الضروري للسماح للجزائر بالاستجابة، أولاً، لاحتياجاتها الخاصة. والجزائر الآن هي في وضع كوضع البلدان التي كانت تساعدها في الماضي مع تآكل احتياطياتها من النقد الأجنبي بشكل أكبر في عامي 2020 و2021، على خلفية عجز حاد في الميزانية وفي الحساب الجاري وزيادة الإنفاق المحلي الإجمالي مقارنة بالدخل القومي. في عام 2020، بلغ مستوى احتياطيات النقد الأجنبي 44 مليار دولار فقط، أي ما يعادل 12 إلى 13 شهرًا من واردات السلع والخدمات، مقابل رصيد قدره 53 مليار دولار في نهاية عام 2019. بعد عدة سنوات من العجز في ميزان المدفوعات وانخفاض الرصيد من حوالي 194 مليار دولار في منتصف عام 2013 إلى 44 مليار دولار اليوم، وهي خسارة بنحو 150 مليار دولار في 8 سنوات فقط. في نفس الوقت الذي حدث فيه هذا التآكل الكبير في احتياطياتها من النقد الأجنبي، التهمت الدولة جميع أصولها بالدينار المخزنة. وتظهر هذه المؤشرات أن الجزائر أصبحت فقيرة بوتيرة متسارعة ومقلقة. وسيؤدي النقص في الاحتياطيات من النقد الأجنبي، والذي يمكن أن يحدث خلال عام 2022، أو بحلول عام 2023، إلى مشكلة سيولة خطيرة لموازنة الدولة، وسيعاني الدينار الجزائري من مزيد من الانخفاض في قيمته، إذن الدينار الجزائري أصبح مهددا كليا عكس العملات الأجنبية. في عام 2021، رغم ارتفاع سعر برميل النفط والغاز الطبيعي لم يسمح للجزائر بإعادة بناء احتياطاتها من النقد الأجنبي؛ لأن الإنتاج الوطني من المحروقات أصبح غير قادر على مواجهة التحديات الآنية بسبب التجفيف المستمر للاحتياطيات الوطنية لسنوات. وعدم وجود استثمارات جديدة قادرة على تجديد احتياطاته. الجزائر الآن هي في وضع لا تحسد عليه وستصبح أكثر هشاشة بحلول 2022-2023، وبدون نموذج سياسي واقتصادي يمكنها من أن تصير دولة ناشئة، فإن الجزائر تخاطر بنفسها نحو الإفلاس المالي ونحو المجاعة، وسيكون من الأفضل لها أن تفكر في "شأنها" أولاً بدلاً من لعب دور السخي على المسرح الدولي؛ لأنها لم تعد فعلا تملك الوسائل لدعم أيديولوجيتها للتضامن الدولي. ترجمة عن موقع "الجيري بار بلوس algeriepartplus"