منشور جديد يوجّه النيابات العامة إلى تفعيل مستجدات المسطرة الجنائية وتقييد فتح أبحاث الجرائم المالية    النموذج ‬المغربي ‬في ‬السياسة ‬الخارجية ‬يرتكز ‬على ‬بناء ‬الثقة ‬عوض ‬التوجس ‬التعاون ‬بدل ‬العزلة    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى سلطان عمان بمناسبة اليوم الوطني لبلاده    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    وسط ‬تفاؤل ‬المغاربة... ‬مخزون ‬السدود ‬الوطني ‬يرتفع جهود ‬كبيرة ‬لتدارك ‬التآخر ‬الحاصل ‬في ‬إنجاز ‬المشاريع ‬المائية ‬الكبرى    المغرب ‬يعزز ‬ريادته ‬البنكية ‬في ‬إفريقيا ‬ويتقدم ‬التصنيف ‬القاري 3 ‬بنوك ‬مغربية ‬ضمن ‬أفضل ‬20 ‬بنكًا ‬    مونديال 2026.. جزيرة كوراساو الضيف المفاجأة    منتخبات ‬وفرق ‬وطنية ‬تواصل ‬التألق ‬وتخطيط ‬متواصل ‬يجعل ‬من ‬كرة ‬القدم ‬رافعة ‬تنموية ‬كبيرة    "إطلاق أربع رصاصات تحذيرية".. إحباط عملية تهريب كبرى بغابة الرميلات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    تقرير: نصف عبء خدمة الدين الطاقي في إفريقيا تتحمله أربع دول بينها المغرب        المغرب والولايات المتحدة يختتمان تمرينا عسكريا مشتركا لتعزيز القدرات البحرية والبرمائية    أوكسفام: "ثروات الأثرياء" في ارتفاع    وسيط المملكة: شكايات المغاربة انتقلت من تظلمات بسيطة إلى تفاعلات اجتماعية    مسيرة احتجاجية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمحمدية ضد إدارة فندق أفانتي    غرفة الصيد الأطلسية الشمالية تبحث تنظيم العلاقة التعاقدية بين المجهزين والبحارة    ممرضو التخدير يراسلون الوسيط ويطالبون بإطار واضح للمهام والمسؤوليات داخل المستعجلات        كيوسك الخميس | العدالة المجالية قضية مركزية في مسار حماية حقوق الإنسان    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    لفتيت: الدولة تقف على مسافة واحدة من الجميع والمنظومة الجديدة تحصّن الانتخابات    توقعات أحوال الطقس لليوم الخميس    المنتخب المغربي يرتقي للمركز الحادي عشر عالميا    كيف تناول الإعلام الفرنسي تتويج أشرف حكيمي بالكرة الذهبية الإفريقية 2025؟    بوانو يتمسك باتهامه لوزير الصحة حول صفقة أدوية ويعرض أرقاما داعمة    المغرب يهيمن على جوائز الكاف 2025 بعد عام استثنائي للاعبيه ومنتخباته    حرمان وهبي من جائزة يغضب مغاربة    "السنبلة" يناقش مذكرة الحكم الذاتي    مبابي و بونو يشيدون بإنجاز حكيمي بعد تتويجه بالكرة الذهبية الإفريقية    معمار النص... نص المعمار    نتانياهو يتفقد القوات الإسرائيلية المتمركزة في جنوب سوريا ودمشق تندد بزيارة "غير شرعية"        ترخيص استثنائي لكل دواء مفقود .. الوكالة تشرح القواعد وتقرّ بالصعوبات    الإبادة مستمرة... 11 شهيدا في غارات إسرائيلية على غزة    سقوط آخر أوراق التجميل: النظام العسكري الجزائري يصوت حيث لا يريد شعبه    الأرصاد: استقرار الطقس نهاية الأسبوع    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    "صوت هند رجب" يفتتح مهرجان الدوحة السينمائي2025    نقل جوي عاجل لإنقاذ رضيع من العيون إلى الرباط    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    النيابة العامة تكذب "تزويج قاصر"    بن سلمان يقدم رونالدو إلى ترامب    جمعية منار العنق للفنون تنظم مهرجان العالم العربي للفيلم التربوي القصير في دورته العاشرة    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    رياض السلطان يستضيف جاك فينييه-زونز في لقاء فكري حول ذاكرة المثقف    القصر الكبير تاريخ مجيد وواقع بئيس    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنفاس السرد العالية
نشر في بيان اليوم يوم 17 - 06 - 2021

"المجد لك أيها الهامش".. بهذه الصرخة المدوية تنتهي رواية "حين يزهر اللوز" لمحمد أبو العلا… صرخة تلخص متن الرواية وقضيتها.. إنها صرخة إدريس/ الراوي العليم وهو ينهي سرد الحكاية، كأنما لم يشف غليله ما قام به شخوص الهامش في الروايةمن صراخ واحتجاج، وما رفعوه من شعارات، وما خاضوه من معارك مناهضة للسلطة وللواقع المزري دفاعا عن الحق في الحياة والعيش الكريم، تارة بالذكاء والحيلة وتارة بالقوة والتهديد ونصب الفخاخ.. أما السلطة فدورها دائما المناورة والانحناء حتى تمر العاصفة وتستتب الأمور..، لكنها أيضا صرخة عامرة بأنفاس المؤلف.. أنفاسه الحرى وهو يخط كلمته الأخيرة "تاركا الرواية تواصل طريقها خلف ظهره" حسب تعبير جون شتاينبك.
وبخلاف هذه النهاية التي تسعى، حسب ظني، إلى إقفال الرواية بقفل متين، يقدم الروائي بداية جميلة وأخاذة يفسح فيها المجال للغة تمزج بين السرد والوصف دون السقوط في الإطناب أو المقدمات "الطللية" المملة التي تعيق أو على الأقل تعرقل دخول القارئ إلى متن الرواية متخطيا ذلك الخيط الرفيع الذي يفصل بينه ( الواقع) وبين عالم الرواية بأحداثها وشخوصها (الخيال)، والذي يتزامن فيه فتح العالية للباب بافتتاح ناصية السرد في أول جملة من الرواية: "فتحت العالية مصراعي الباب…." (ص9)، كما لو أن العالية تفتح الباب للقارئ/المتلقي مرحبة به ليلج إلى فضاء الرواية ويخوض غمار الحكاية.. وهي تعدُّ له نارا ليتدفأ بها، تعده بشتاء قاس وتفصح له صراحة عن تعاقدها مع إدريس. هذا الأخير الذي يلخص هذا التعاقد كالتالي: "عليَّ بالأغطية في حين ستتكفل هي بالحطب" (ص9)، ملتقطا إياه بقلق واندهاش "فالكلمات التي فاهت بها العجوز خلتها مازالت تتردد في الداخل(…) راسمة هول الآتي الذي ابتدأ الآن.." (ص9).إنها بداية تكاد تلخص حكاية الرواية ومسار إدريس في "رحلة الشتاء والصيف" إلى بلدة المنجم والعودة منها بخفي حنين (ص199)، وهو التعاقد الذي سيظل قائما على طول الرواية، حيث تظل العالية تحتطب الوقائع والأحداث ويظل إدريس يغطي بالكتابة والمراسلة قصد التعرية والفضح دفاعا عن العالية وباقي مهمشي بلدة المنجم. ويصل هذا التعاقد ذروته حين تستل العالية إدريس من حشد القائد ومن معه، الباحثين عن "علال المينورو" المختفي ليقف إلى جانبها، وهي تصوب ماسورة بندقيتها في اتجاههم: "فأشارت عليّ بابتسامة متواطئة تلاها حزم بالوقوف إلى جوارها بعيدا عن فوهة النار"، التقط إدريسمعنى إشارتها العميقة الداعية إلى "مساندتها في هذا الموقف الصعب" (ص110).
تقع رواية "حين يزهر اللوز" (الصادرة عن دار الفاصلة للنشر- 2020) في 222 صفحة من القطع المتوسط، وتقدم نفسها في ثلاثة وعشرين فصلا. يحمل كل فصل عنوانا خاصا به، يمكن مقاربتها باعتبارها عتبات أساسية تحمل من الدلالة ما يجعلها تضيء أحداث الرواية ومضامينها، فهي تشحذ انتباه القارئ وتوجهه وقد تساعده على تشكيل معمار ذهني للرواية تساعده على تتبع المسار الخطي للرواية. أما بالنسبة للمؤلف فقد اعتمد تقنية الفصول القصيرة والمتوسطة الطول ليضبط نَفَسَ السرد ويكسر خَطّيَته، ويحمي اللغة من الترهل ومن السقوط في التقريرية ويتحكم، في نَفْسِ الآن، في زمام الحكاية. إنها تساعد الروائي في توليف أحداث روايته من خلال تنشيط ورشة الكتابة بالاعتماد على عملية الذهاب والإياب بين الفصول التي تمكنه من الحذف والإضافة والتعديل والتدقيق إثناء عملية الإنجاز وتحميه من الضياع في التفاصيل والجزئيات، كل هذا جعل رواية "حين يزهر اللوز" شبيهة بدالّة جَيْبِيَّةٍدقيقة ترتفع فيها حدة السرد وأنفاسه ثم تنخفض وتهدأ، بإيقاعات متواترة ومتفاوتة، مانحة للقارئ فرصاً لاسترداد أنفاسه قبل الاشتباك مع مصائر الشخوص والأحداث المتقاطعة في فصول موالية.ولعلها تكون الطريقة المثلى لسرد حكاية تتقاطع مصائر شخوصها في الألم والانكسار، حيث تموت الطفلة "لارا" فلذة كبد السهلي وياسمين، ويُجَنُّ السهلي (أحيوض، المجنون باللغة الأمازيغية) قبل أن ينتحر ببندقية الجبلي. ترحل ياسمين النجار عن بلدة المنجم محملة بألم الفراق ثم تعود إلى البلدة لتشهد انتحار زوجها السهلي ولتغادر مرة أخرى بألم مضاعف. يُعتقل الجبلي ثم يطلق سراحه لتعتقل العالية زوجته وابنة مقاوم استشهد في معركة لهري. يُعفى إدريس من مهامه ويفقد وظيفته، ويعود من حيث أتى، بعد اكتشاف دوره في فضح واقع البؤس الذي تعيشه بلدة المنجم، وشطط السلطة في مواجهة احتجاجات الناس بمراسلة الصحف السيارة، واستنهاض همم الفضائيات وتعبئة المنظمات الحقوقية، التي لعبت دورا كبيرا في تخفيف عقوبة العالية.
يكتب أبو العلا روايته بوعي حاد مكتسب من تجاربه السابقة في التأليف المسرحي باعتباره أفقا سرديا من نوع خاص، ويظل وفيا لاستراتيجيته في الكتابة التي تتقاطع مع قناعاته في "اتخاذ موقف عبر الاستيتيقا وإعادة تأويل القيم" بعبارة محمد برادة. كمايظل وفيا للمفهوم الذي نحته للهامش والذي لا تخلو مسرحياته من ملامحه، كما لا تخلو روايته الأولى "عندما يزهر اللوز" من المزيد من تدقيقه وتقليب بعض أوجهه الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.