الملك: تعاون المغرب والنمسا إيجابي    بروكسيل تحتفي بالمغرب تحت شعار الحوار الثقافي والذاكرة المشتركة    نسبة ملء السدود المغربية تتراجع إلى أقل من 32% وفق البيانات الرسمية    "البحر البعيد" يظفر بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    حفل الحراقية يختم مهرجان الصوفية    ثمن نهائي كأس العالم لكرة القدم للسيدات لأقل من 17 سنة.. المنتخب المغربي يواجه نظيره الكوري الشمالي    حكيمي: إذا حصلت على الكرة الذهبية لأفضل لاعب إفريقي فسيكون ذلك رائعاً    كلاسيكو الأرض.. ريال مدريد يسعى إلى كسر هيمنة برشلونة    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    المتمردون الحوثيون يفرجون عن عارضة أزياء    كم عدد الأصوات يحتاجه مجلس الأمن للمصادقة على قرار في نزاع الصحراء يؤكد سيادة المغرب ويرسِّخُ الحكم الذاتي حلاًّ    من ندوة بالقنيطرة.. مجموعة "5+5 دفاع" تدعو إلى تطوير آليات الأمن السيبراني ومكافحة حرب المعلومة    تايلاند تبدأ سنة كاملة من الحداد على "الملكة الأم"    أوناحي يواصل التألق في الليغا ويؤكد أحقيته بمكان أساسي في جيرونا    مصدر أمني: لا وجود لخروقات حقوقية في التعامل مع جرائم التخريب الأخيرة    قوات حزب العمال الكردستاني تعلن مغادرة تركيا نحو التراب العراقي    جيش فنزويلا يتعهد ب"مواجهة أمريكا"    سلا الجديدة.. توقيف سائق طاكسي سري اعتدى على شرطي أثناء مزاولة مهامه    كتامة: وجبة "طون" فاسدة تُرسل خمسة أشخاص إلى مستعجلات مستشفى ترجيست    الرباط تحتفي بإرث نيكولاس رويريتش في معرض فني مميز    الشرطة الفرنسية توقف رجلين على خلفية سرقة مجوهرات تاريخية من متحف اللوفر    لقجع: تنظيم "الكان" هو حلقة في مسارٍ تنموي شامل يقوده الملك منذ أكثر من عقدين    الأمن المغربي يوقف فرنسيا من أصول جزائرية مبحوثا عنه دوليا بمطار محمد الخامس    رياضة الكارتينغ.. المنتخب المغربي يفوز في الدوحة بلقب بطولة كأس الأمم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    غوتيريش يشيد بتعاون المغرب مع آليات حقوق الإنسان    ترامب يرفع الرسوم الجمركية على السلع الكندية    المغرب يطلق "ثورة" في النقل الحضري: برنامج ضخم ب 11 مليار درهم لتحديث أسطول الحافلات    المغرب والجزائر تواصلان سباق التسلّح بميزانيتي دفاع تَبلغان 14.7 و22 مليار يورو على التوالي    مقررة أممية: وقف هجمات إسرائيل لا ينهي معاناة الجوع في غزة    "مايكروسوفت" تطلق إصدارا جديدا من المتصفح "إيدج" المدعوم بالذكاء الاصطناعي    الجزائر على صفيح ساخن... مؤشرات انهيار داخل النظام العسكري وتزايد الحديث عن انقلاب محتمل    الولايات المتحدة والصين يعملان على "التفاصيل النهائية" لاتفاق تجاري (مسؤول أمريكي)    طقس الأحد: برودة بالأطلس والريف وحرارة مرتفعة بجنوب المملكة    زلزال بقوة 5,5 درجة يضرب شمال شرق الصين    ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    إصابة تبعد الجمجامي عن الكوكب    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    زينة الداودية عن صفقة زياش التاريخية: إنها الوداد يا سادة    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    وزارة المالية تخصص مبلغا ضخما لدعم "البوطة" والسكر والدقيق    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    التوقعات المبشرة بهطول الأمطار تطلق دينامية لافتة في القطاع الفلاحي    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    تقرير يقارن قانوني مالية 2025 و2026 ويبرز مكاسب التحول وتحديات التنفيذ    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدفالي: أغلب السياسيين بالمغرب لا يكتبون مذكراتهم حتى تستفيد منها الأجيال القادمة3/3
نشر في بيان اليوم يوم 15 - 01 - 2013

في إطار التاريخ الراهن دائما يطرح بعض الباحثين ما اصطلح عليه ب»تيار العوداة» أي عودة التاريخ المحلي، وعدوة الفرد، وعودة المدة القصيرة، وخاصة العدوة الكبيرة للتاريخ السياسي، هل يمكن أن نقول إن ألق مدرسة الحوليات في المغرب يخفت ويتراجع، وكيف تقيمون الانتاج التاريخي المغربي المرتبط بمناهجه ومواضيع بهذه المدرسة، إذا كنا فعلا تنوفر على إنتاج تاريخي ينتمي لهذه المدرسة.
الأمر له علاقة بما هو سياسي طبعا وربما بما هو أيديولوجي بشكل كبير، ففي مرحلة من المراحل أغلب مثقفي العالم الثالث كانوا متعاطفين مع الفكر الاشتراكي والشيوعي، من هذا المنطق، الجميع فكر في تحليل تاريخ المغرب استنادا إلى التحليل الماركسي، التحليل المبني على المادية الجدلية، أي دور الاقتصاد أساسا وصراع الطبقات، طبقا للمقولات الموجودة في البيان الشيوعي والموجودة في نقد الاقتصاد السياسي، كانت هي التي أطرت الباحثين في المغرب، كيف يمكن أن نبحث في تاريخ المغرب اعتمادا على دور الاقتصاد كبنية تحتية أساسية تتحكم في البنيات الأخرى؟ ثم كيف يمكن أن نحلل تاريخ المغرب استنادا إلى صراع الطبقات، بالنسبة لنا كجيل الاقتصاد كان كل شيء، ولما يضعف البحث في مجال الاقتصاد لابد أن ينعكس على المادة التاريخية، ويمكن أن تصبح مادة تاريخية متعسف عليها، ومؤولة تأويلا متطرفا قد ينسجم مع المادة النظرية لكنه لا ينسجم مع الواقع، الآن علميا النظرية المتحكمة سياسيا وأيديولوجيا هي النظرية الليبرالية، وهي تقدم كل ما هو سياسي على كل ما هو اقتصادي، والاقتصادي نفسه قضية سياسية، والمجتمع قضية سياسية، والسياسة قضية سياسية.
في إطار هذه الموجة العالمية جاءت العودة إلى السياسي، يعني ليس بالضرورة أن نربطها بعودة مدرسة الحوليات، الموجة العالمية هي المتحكمة، دائما المحطات التاريخية موجات، من لم ينتبه لها لا يمكنه أن يفسر العديد من الأشياء، الموجة الآن ليبرالية وهي تعطي الأهمية لكل ما هو سياسي، وتعتقد أنه المتحكم في كل شيء، إذا صلح السياسي صلح كل شيء، وحتى في الساحة السياسية نفسها فلما تجد الآن مجموعة من اليساريين القدامى يرفعون شعار الديموقراطية وشعارات حقوق الإنسان والدفاع عن المهمشين، وكلها شعارات ليبرالية كانوا ضدها في لحظة من اللحظات، الكل اليوم متفق على أنها تشكل الحد الأدنى الذي يمكن أن ينهض بالمجتمع المغربي، وبالتالي فحضور السياسي قوي، وحضور الليبرالي إذا شئنا قوي، وهذه العودة هي قناعة، الآن يرى الجميع أو الأغلبية على الأقل أن المدخل حتى للكتابة التاريخية هو المدخل السياسي، ومجموعة من التحليلات التي كانت تتناقض مع المدرسة الماركسية يتعامل معها الآن بشكل عادي، ولو أن الأمر حدث حتى دون نقد ذاتي، الناس سارت مع الركب الجديد حتى دون أن تناقش التجارب السابقة، وكأن الأمر عادي ومقبول ومعقول، وفيما يخص مدرسة الحوليات، صحيح أن المدرسة المغربية في فترة ما أعجبت بمدرسة الحوليات وأعجبت بالتاريخ الجديد، وفعلا مجموعة من المؤرخين الجدد صاروا في هذه الركب وأنتجوا أشياء مهمة، لكني لا أعتقد أن أحدا منهم تخلى عن بعض الأمور التي أخدها عن الآباء المؤسسيين للجامعة المغربية، لأسباب كثيرة، من ضمنها أن الأرشيف المتوفر وما وصلت إليه الكتابة التاريخية في فرنسا لم يكن هو الأمر نفسه عندنا، التاريخ الفرنسي أنداك مع بروز مدرسة الحوليات بلغ درجة معينة استفادت منها مدرسة الحوليات، لم يصل التاريخ عندنا إلى تلك المرحلة حتى يمكننا أن نطبق مناهج مدرسة الحوليات، وبالتالي طبقت بعض الأمور من بينها التاريخ الجديد في بعض القضايا وبعض المحطات، لكن يصعب جدا أن نقول إن المغرب أفرز باحثين مخلصين100% لمدرسة الحوليات، الأمر ليس متعلقا بالتعاطف فقط، بل مرتبط بالشروط أكثر، هل توفرت الشروط اللازمة للمؤرخ لكي ينتج تاريخا بنفس الطريقة التي أنتجت بها مدرسة الحوليات، ربما كان هذا الجانب حاضرا عند المؤرخين المغاربة لكن رغبتهم كانت أكيدة في أن تنفتح المدرسة المغربية على مختلف المدارس الجديدة حتى يتم تطعيمها بمناهج جديدة قد تفسر أو تأول أمور بعينها عجزت الطريقة السابقة عن تفسيرها وطبعا في إطار المعقول والمقبول.
من هذه الشروط كذلك ما يتعلق بالمؤرخ في حد ذاته، أشرتم سابقا إلى أنه فيما مضى كان الجميع يفسر بالمادية الجدلية والتحليل الماركسي للتاريخ، السؤال الذي يطرح نفسه هو عن تلك المسافة المنهجية الذي يتوجب على المؤرخ التحلي بها حتى لا يصبغ التاريخ بأيديولوجية معينة، أنتم كجيل ربما عانيتم من هذه المشاكل المنهجية بشدة، هل تعتقدون أن بالحاث الحامل للهم الأيديولوجي يمكنه أن ينتج تاريخا موضوعيا؟
مثلما أومن بضرورة الأيديولوجيا لأنها تساعد على تفكيك مجموعة من الأمور، ومثلما أرى أن الباحث المطلع على الأيديولوجيا المختلفة هو أقدر على كتابة تاريخ أكثر وضوحا، في نفس الوقت أومن بأن الذي تصبح لديه أيديولوجيا ما عقيدة لا يمكن أن يكتب التاريخ، لأن تلك العقيدة تهيمن عليه ويصبح أسيرا لها، وبالتالي لا يكتب إلا استجابة لتلك الأيديولوجيا التي يأمن بها، فهو يعتقد أن ما يكتبه هو التاريخ الحقيقي، وأحيانا لما يقرأ له الأخرون يلاحظون وكأنه أت من كوكب أخر، يعني حتى الأمور العامة التي يجب أن يعرفها الجميع يبني عليها فرضيات تهمه وتهم انتماؤه الأيديولوجي، يبنى التاريخ على وقائع تهم تنظيمه السياسي مثلا، أو تهم التنظيمات السياسية التي كان تنظيمه يتعاطف معها، ويفسر التاريخ وكأن هذه الأحداث هي التي تحكمت، مع أنه لما يعود المؤرخ إلى تلك الأحداث يجد أنها مجرد أحداث هامشية، لم تكن أحداث بالمعنى الحقيقي إلا عند تلك الفئة المقتنعة بتلك الأيديولوجيا، أما لدى أغلب المجتمع فكانت هناك قضايا أخرى أهم، فهو يهمش القضايا الكبرى لحساب القضايا الصغرى التي لها علاقة بالأيديولوجيا التي يؤمن بها، وبالتالي يمكن أن نسمي التاريخ الذي كتبه هو تاريخ من وجهة نظر أيديولوجيا وليس تاريخا بالمعنى الذي يملكه الجميع.
في إطار تيار العوداة دائما أنتم تولون أهمية كبرى لل»بيوغرافيات» في دراسة التاريخ، لماذا هذا الاهتمام بهذا الدراسة التاريخية الدقيقة والضيقة نوعا ما؟
ربما مثلما لاحظ الأساتذة المؤسسون للكتابة حول تاريخ المغرب المعاصر، الأستاذ جرمان عياش والأستاذ إبراهيم بوطالب أن «المنوغرافيات» لها أهمية في كتابة تاريخ تركيبي للقرن 19، الآن يبدو أن التداخل الموجود في تاريخ الحماية ومن بعده تاريخ الاستقلال والتشعبات الموجودة فيهما، يبدو أنه من المداخل الرئيسية الآن هي البيوغرافيات، وأنا أتحدث عنها عن تجربة شخصية مع محمد بن لحسن الوزاني، فمن خلال البيوغرافيات يمكن التوصل إلى فهم قضايا وتوضيح أشياء مهمة يصعب توضيحها، وتصعب حتى صدفة اللقاء معها في البحث الذي يتناول موضوعا عاما، فأنت تشتغل على بيوغرافيا شخص معين صدفة اللقاء تتوفر بشكل كبير مع مجموعة من الأمور التي تهم الجماعة ككل، يعني وأنت تشتغل على شخص من الحركة الوطنية تجد أن أشياء مهمة جدا تهم الحركة الوطنية ككل، لو بحث عنها بشكل مباشر لن تجدها أبدا، كما أن البيوغرافيات تفسر لنا حتى بعض المشاكل التي عرفتها الحركة الوطنية في لحظة من اللحظات، الآن نتحدث عن رموز في الحركة الوطنية في إطار عام فيظهرون أقرب إلى الملائكة، لكن البيوغرافيات تكشف أشياء أخرى وتزن الأشياء بميزانها الحقيقي، تفهم أن لكل إنساء ما هو إيجابي وما هو سلبي، في جوانب يظهر كشخص يضحي من أجل الجماعة والوطن وفي جوانب أخرى يظهر أنانيا وفرديا، في البيوغرافيات يمكن أن نجمع هذا الشتات ويمكن أن نخرج بدراسة وافية للحركة الوطنية، ونفس الأمر يمكن أن يقال عن رموز فترة الاستقلال، أي ما بعد 1956 بطريقة أسهل من لو اشتغلنا على مواضيع معينة، هذه ليست دعوة إلى التخلي عن دراسة المواضيع، لكن هي دعوة إلى تنويع الاهتمام، عدد الباحثين الآن محترم نسبيا، فليتوزعوا، قسم إلى دراسة البيوغرافيات وقسم يهتم بدراسة المواضيع العامة، هذا التوزيع هو الذي يمكن في النهاية من أن يهيئ لنا إمكانية كتابة تاريخ تركيبي يوضح بعض الأشياء التي نرغب في أن تكون واضحة.
دراسة المنوغرافيات والرموز قد تجلب على المؤرخ بعض المتاعب على مستوى الرأي العام خصوصا أن بعض رموزنا لا ينظر لهم إلا كملائكة كما قلتَ سابقا، كمحمد بن عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني والمهدي بن بركة وغيرهم كثير، أنتم تشتغلون على واحد من هذه الرموز، عندما سيخرج عملكم إلى الوجود هل تتوقعون أن يثير ضدكم هجوما من أطراف معينة ما زالت تتغدى على التاريخ وعلى تلك الرموز، خصوصا وأن مجتمعنا يعيش استقطاب حادا نوعا ما.
على المؤرخ أن يقوم بدوره، بالنسبة لي ردود الفعل لا يجب أن يضعها في الاعتبار، البدايات تكون دائما هكذا، ريثما يتمرس الناس على هذه الحقائق، برأيي المؤرخ لا يجب أن يضع في اعتباره ما ستكون عليه ردود الأفعال، وهنا لا أقول بضرورة أن يبحث المؤرخ في هنات الوطنيين وفي سلبياتهم، هي الأمور تحدث بدون قصد، المؤرخ يبحث في الإيجابيات وفي السلبيات ليعطي للشخص كامل حقه، وهنا لا يجب الاهتمام بالرموز التي لها صيت حسن في المجتمع فقط، يجب العودة حتى للأشخاص الذين ينظر لهم نظرة سلبية، فالعديد من الرموز التي صنعتها في لحظة من اللحظات تصنيفات معينة، بالعودة إلى دراستها سنجد أنها مجرد لحظة من تاريخهم، لكنها برزت لتصبحت هي العامة، بينما توجد لحظات مشرقة من حياتهم لا أحد يلتفت لها، لما يشتغل المؤرخ بهذا الشكل فهو يخلق توازن أعتقد أن من مهام المؤرخ خلقه في الكتابة التاريخية دون أن يكيل المدح لأحد أو أن يدم أحد، المؤرخ لا علاقة له بالأحكام المطلقة وبالأحكام المجانية، هو يريد أن يكتب التاريخ، وهذا الأخير له شروط يجب عليه أن يهتم بها.
مما يساعد مؤرخ الراهن بوح المشاركين في صناعة أحداث قبيل الاستقلال وما بعد الاستقلال، ما نلاحظه هو أن السياسي الفاعل لا يبوح بتجاربه، وهنا تحضرنا تجربة عبد الرحمان اليوسفي ومحمد بوستة وغيرهم الذين لا يريدون أن يفصحوا عن أي شيء من تجاربهم السياسية، هل هذا يعني أن فاعلينا السياسيين ليس لهم وعي حقيقي بالتاريخ، أم أن حساباتهم السياسية أقوى من متمنيات الباحث في التاريخ؟
قليلون هم السياسيون الذين يفكرون في كتابة مذكراتهم أو تجاربهم حتى تستفيد منها الأجيال الأخرى، وأسباب ذلك كثيرة على رأسها انشغالاتهم، فالفاعل السياسي في المغرب شخص منشغل بدرجة قصوى، لا يجد أحيانا الوقت حتى لقراءة الصحافة، بل قد نجد عدد من الفاعلين لا يطلعون حتى على الصحافة التي تصدرها أحزابهم، همهم عملي، خاصة لما يكون الفاعل دينامي، فأحيانا حتى عندما تبيت نافدة مقر حزب سياسي في أقصى البلاد مفتوحة يصله خبرها، هذا كلام يقال بكثرة، لاحظ أن هذه الجزئيات البسيطة المتعلقة بالفروع وبالتنظيم وبالأشخاص لا تترك له وقتا ليقرأ، ولا تترك له وقتا حتى ليكتب مذكراته..
مقاطعا، لكن الفاعل السياسي المركزي في النظام المغربي، أي الراحل الحسن الثاني، وجد الوقت وكتب مذكراته، رغم كل انشغالاته، بغض النظر عن تقييمنا العلمي لتك المذكرات، لكنه على الأقل خلف لنا شهادة يمكن الرجوع إليها.
وهل يمكن أن نعتبرها شهادة؟ أم يمكن الحديث عن رسائل سياسية وجب أن توجه في لحظة من اللحظات، هذا هو الأساسي بالنسبة للباحث، بالنسبة لي حتى بعض الفاعليين السياسيين اضطروا للكتابة، لما تتحدث عن الحوارات التي أجراها الراحل الفقيه محمد البصري أو تلك التي أجراها محمد اليازغي وغيره تجد أنها رسائل معينة تريد أن تقول أشياء معينة بطريقة معينة، ومع ذلك هناك بعض السياسيين الذين كتبوا مذكراتهم، إلا أن ما يلاحظ هو أنه في اللحظة التي تريدهم أن يكتبوا يدركهم الصباح بشكل من الأشكال، ربما أخلاقيا وربما مراعاة لجهات أخرى وربما لحسابات معينة، ما أسمعه حاليا هو أن أغلب الفاعلين السياسيين القدامى يكتبون مذكراتهم بما فيهم اليوسفي، وفي جميع الحالات نحن لا ننتظر من تلك المذكرات أن تقول كل شيء، لكن على الأقل الذي الشيء الذي ستقوله سيكون مفيدا، مثلما أن المذكرات المنشورة حاليا أفادت البحث التاريخي بشكل ما، فيها أشياء من الصعب على المؤرخ أن يجد وثيقة تأكدها، وفي المقارنة بين هذه المذكرات قد يجد الباحث طريقا، حتى إن لم يكن هو طريق الحقيقة على الأقل قد يساعد في الوصول إليها، يمكن أن تترك ويمكن أن تتعز عندما تتوفر وثائق أخرى، الآن تاريخنا مرصود من قبل أخرين، بالنسبة لي دائما الوثيقة يجب أن تكون مختلفة الوجهات، يمكن مقارنة وثيقة مغربية مع واحدة أخرى فرنسية لنخرج بالحقيقة.
حركة 20 فبراير تنتمي كحدث للراهن «الملتهب» إذا صح التوصيف، أولا هل انتهى زخم الحدث بالنسبة للمؤرخ حتى يدرسه؟
بالنسبة للمؤرخ ما زال الحدث موجودا، لا يستطيع أن يلقي تجاهه أحكام معينة، الآن حركة 20 فبراير حركة ضمن مجموع ما يجري في العالم العربي من أحداث، أي ما يسمى بالربيع العربي، ونحن نلاحظ الآن التداخلات الموجودة، هناك اختلاف في قناعات واقتناعات الناس بما يجري، هناك من يتحدث عن الخريف العربي، وهناك من يتحدث عن الشتاء الإسلامي، سأعود دائما إلى تحفظ المؤرخ، بشكل عام فالبعد الزمني الذي هو سلاح المؤرخ، ينظر المؤرخ دائما للأشياء من بعيد، الآن البعد الزمني غير متوفر وأي كلام الآن في ذلك الحدث هو حديث في المستقبليات، وحتى اللذين يتحدثون في المستقبليات يتحدثون بأدوات وأشياء ملموسة يستندون لها، هذه الأدوات الباحث في التاريخ لا يتوفر عليها، وبالتالي يكون متتبعا ومنتظرا مثله مثل الأخرين، أقصى ما يمكن أن يقوم به المؤرخ الآن هو المعاينة، أما حيثيات الحدث والمستقبل فيصعب عليه الحديث فيهما، لذلك لما تعقد الندوات واللقاءات حول الموضوع يكون الغائب الأساسي هو المؤرخ، ولو أن بعض المؤرخين يكتبون في الموضوع لكن لما تقرأ ما يكتبونه تجد أنهم مباشرة يعودون إلى توظيف الماضي، وتجد أن هذا الحدث لا يوجد إلا مشتتا وسط المقال أو الدراسة، أما المعالجة المباشرة فليست هما تاريخا لحد الآن، الأشياء مازال يعلوها الضباب، دور العامل الداخلي ودور العالم الداخلي غير واضح، ودور الذاتي والخارجي كذلك، كيف تمضي الأشياء من طرف الجهات المهتمة؟ ما هي مصالحها من كل ذلك؟ أين تلتقي وأين تفترق؟ نظرات الشباب الذي يتزعم الحركة مع نظرات الأجيال السابقة؟ ما علاقة المدني بالسياسي؟ هذه أسئلة كثيرة متداخلة، ربما مازالت تحتاج لبعض الوقت لينقشع الضباب كي يمكن للمؤرخ أن يتحدث، الآن سماء العالم العربي كلها سحب، وصعب جدا على المؤرخ الحديث الآن، رغم أن حديثه يكون مقبولا لكنه ليس تاريخيا بالمعنى العلمي.
بعض الباحثين يلحون على أن حدث 20 فبراير انتصرت فيه البنية على الظرفية، ويستشهدون بأحداث تاريخية سابقة وقع فيها نفس الأمر مثل انتفاضة «الدباغين» سنة 1873 التي بينت نوعا من الحراك الاجتماعي في المغرب، لكنها عبارة عن ظرفيات وجزر معزولة في بنية قوية ومستمرة، تنتصر فيها الدولة دائما.
لا أحد يستطيع أن ينكر هذا الواقع، لكن حتى نقاشه يجب أن يكون مستندا إلى أمور ملموسة، هل من الباحثين من هو متمكن من معرفة نسق الدولة المغربية، جوابي لا أحد، الكل يتحدث كما يريد وبالشكل الذي يريد، لكن هناك نسق معين مستعص عن الفهم، تتصرف الدولة بأمور ثابتة وتتكرر باستمرار وننتبه إلى تكرارها ومع ذلك لا أحد يفهم هذا النسق، ربما الدولة تفهم كيف يتحرك المجتمع، ولما تفهم الدولة ذلك فهي تستطيع أن تقود المجتمع وتوجهه وتتحكم فيه، هذا الأمر في عمقه لا يمكن أن نعتبره سلبيا، لا أعتقد أنه بالمرة يمكن أن نتحدث عن الصراع الدائم بين الطرفين، الدولة لها تصورات والمجتمع لها ضرورات، وضروري أن يقع الصراع بين الطرفين، هذا الصراع يدخل في أسس استمرارية للدولة وحيوية المجتمع على حد سواء.
من كان يتوقع هذا الاستباق الذي قامت به الدولة في مواجهة حركة 20 فبراير، دستور متميز شئنا أم أبينا، لم يكن يحلم به الوطنيون الذي طالبوا بالدستور منذ زمن بعيد، الأحزاب ناضلت من أجل دستور أقل بكثير من هذا ولم تنل منه شيء، ثم مجموعة القوانين والأشياء التي أعتقد أنها لو فعلت لنقلت المجتمع المغربي نقلة نوعية، لا أحد ينكر أن حركة 20 فبراير أعطت نتائج مهمة، لكن السؤال المؤرق لماذا لم تستمر حركة 20 فبرار كحركة احتجاجية؟ حيت استطاعت أن تمارس نوعا من الضغط وأعطت نتائج سريعة، استمرارها كان إيجابيا ومنبها للدولة والمجتمع على حد سواء، هنا يطرح السؤال هل الأمر متعلق بضعف في بنية وانطلاقة الحركة، أم بقوة النسق الذي يستعمله النظام في التعامل مع مختلف الأحداث، الإجابة ليس سهلة، الأشياء لا تظهر الآن، القوة التي ظهرت بها الحركة والسرعة التي انهارت بها تطرح العديد من الأسئلة، يمكن أن نستمع إلى انطباعات من هذا الطرف أو ذلك، فحين تقع الأحداث يتحدث الناس كل حسب ثقافته وحسب وضعيته ورأيته للأشياء، وتبقى الحقيقة من كل هذا هي الغائب الأول.
الحراك العربي أعطى مدا قويا للحركة الإسلامية، بالمقارنة مع تجارب تاريخية سواء في العالم الإسلامي أو في العالم الغربي مع الحركات اليمينة هل يمكن أن نقول إنه بات معطى ثابتا وسيستمر في الوجود، أم أن أحسن تمرين للتعرف على الإسلاميين هو تمرين الحكم والحكومة ليصيروا مثل البقية.
المد الإسلامي ليس وليد حركة الربيع العربي بل كان موجودا، الناس كانوا موجودين وكانوا يشتغلون في المجتمع، والأن يحصدون تمار عملهم، لما جاءت الموجة عرفوا كيف يركبونها، كانوا متأكدين أن صناديق الاقتراع ستكون لصالحهم، لأنهم كانوا متواجدين في المجتمع، وروجوا أيديولوجيتهم بشكل كبير، لما أشاهد القنوات المصرية اليوم وعندما يستجوب شخص من عامة الناس يخلط الأشياء خلطا، يقول إن من يرفض الدستور يرفض الإسلام، كيف أمكن إقناع هذا الشخص بهذا النوع من الخلط في دهنه، لدرجة تسمع أحيانا أن مصر لمرسي ولجماعة مرسي فقط، كيف انتشر هذا النوع من الخطاب؟ ففي جميع الأمور يتم الخلط بين ما هو ديني وما هو سياسي لدى عامة الناس، وأغلبية الناس فقراء وهي البنية التي تشتغل عليها الحركات الإسلامية، وبالتالي يكون صوتها مضمونا في الانتخابات وهنا الصوت لا يكون نتيجة اقتناع بمستقبل سياسي أو بمنطق سليم بل يكون بحسابات أخرى.
إذا قارنا بما حدث في المغرب نلاحظ نفس الأمر صار عليه اليساريون يوما ما، هم كذلك اشتغلوا على المجتمع ووظفوا خطاب المظلومية، لكن تجربة أو تجربتين لهم في الحكم ضيعت كل المتعاطفين مع اليسار، هل نتوقع الأمر نفسه بالنسبة للإسلاميين؟
الحركات الإسلامية في إطارها الأول أغلبها سليل الحركة الأولى التي ظهرت بمصر، أي حركة الإخوان المسلمين، الشكل الذي يشتغل به الإخوان المسلمون أصبح درسا ومدرسة لكل التيارات الإسلامية في العالم العربي تقريبا، تقع التجارب هناك وتنتقل إلى جهات أخرى، لدرجة يصبح هناك نوع من الخلط ويتم الحديث عن أمور في المغرب أو في تونس هي في الأصل لا تهم إلا المجتمع المصري، ومع كثرة النقل يتم هذا الخلط بشكل كبير، بالنسبة للتجارب الأخرى أي «اليسارية» شعاراتها كانت مجتمعية وعندما مارست السلطة بهذا الشكل أو ذلك كانت أبعد عن المجتمع، وليس بالضرورة أن نبدأ في التصنيف، لما وصلوا إلى السلطة راهنوا على الإصلاحات المتأنية التي يمكن أن تبني الدولة، لذلك اهتموا مثلا بخفض المديونية، أي لما تنخفض المديونية الاقتصاد سينتعش، لكن المشكل في هذا البلد من يضمن لك أن تبقى في السلطة طويلا، أو من يضمن لك على الأقل أن صناديق الاقتراع ستفرزك في الانتخابات المقبلة، هذه من الأخطاء التي وقع فيها اليساريون، فيوم وقع التخلي عنهم بهذا الشكل أو ذلك كانت الطامة الكبرى، بدأوا بناء معين وقبل أن يقف بناؤهم على رجليه تم التخلص منهم فظهر أنهم لم ينتجوا شيء، وبما أنهم لم ينتجوا في المجتمع فسهل جدا اتهامهم بالعمل على مصالحهم بدل تحقيق مصالح المجتمع، ليس بالضرورة أن نبحث عن صحة هذه الأقوال، لكن ضروري أن تقال، والأكثر من ذلك لقد ظهر الأمر وكأن اليسار يتناقض مع شعاراته، يرفع شعارات مجتمعية ويطبق ضدها، الحركة الإسلامية فهمت الأمر، لذلك في شعاراتها تركز على ما هو مجتمعي، لأنها تعرف أن المسألة مرتبطة بصناديق الاقتراع وبأن الأغلبية فقيرة، وبالتالي لضمان هؤلاء لابأس من دغدغة عواطفهم بوعود، وهو ما نلاحظه حاليا في جل البلدان العربية، التجربة تقريبا شبه متشابهة وخصوصياتها ضعيفة جدا.
إذن يمكن أن نقول إن الإسلاميين دخلوا ولن يخرجوا، وأن النظام لن يعمل سياسته القديمة لدعم اليسار حتى يضرب به الإسلاميين كما كان يحدث في السابق.
كان ذلك في زمن الحرب الباردة، الآن لا يمكن أن يقف اليسار من جديد على قدميه إلا بإعادة ترتيب أوراقه ذاتيا، الخلل الآن داخلي أكثر منه موضوعي، فمادامت البيوت مهترئة فلا يمكن أن نتحدث عن شيء أخر، نلاحظ كيف تمضي المؤتمرات وماذا يتردد في الكواليس، وماذا ينتج عن أصوات النميمة وماذا تناقش، حتى بعض المرشحين في المؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي مثلا يركزون على البيت، أحزاب اليسار الآن لا تعمل، الفروع مغلقة ولا تفتح إلا في المواسم الانتخابية، مع أن الأمر كان يقتصر على الأحزاب اليمينية فقط، لكنه عمم فيما بعد على الكل، والأكثر من ذلك هناك مدن بكاملها لا يتوفر فيها الحزب السياسي على مقر للتنظيم، يوم الانتخابات يبحثون بين أحد المتعاطفين مع الحزب عن بيت ليكون مقرا مؤقتا، ومنطقيا الإنسان هو أثمن رأسمال، إذا لم يتوفر لك هذا الرأسمال لن يتوفر لك أي شيء، التنظيمات اليمينية تتوفر على استراتيجيات معينة تتعلق برجال الأعمال، لديها تأثيرها الخاص، لكن بالنسبة للأحزاب التي تدعي أنها جماهيرية وأنها أقرب إلى الناس في نهاية المطاف لا توجد لديها حتى المقرات، المجتمع يعيش كوارث كثيرة ولا يجدها بجانبه، الحركة الإسلامية تقوم بالعكس ولا تنسى حتى الأشياء الصغيرة والبسيطة، مرشح الجماعة المحلية لا يوفر أي شيء للمواطن على المستوى الحقيقي لكن على المستوى الخدماتي هو موجود إلى جانبه، وهذا ما يجده المجتمع ويعترف به يوم الانتخابات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.