غوتيريش يشيد بتعاون المغرب مع آليات حقوق الإنسان    رياضة الكارتينغ.. المنتخب المغربي يفوز في الدوحة بلقب بطولة كأس الأمم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    أمن مطار محمد الخامس يوقف فرنسيا من أصول جزائرية مبحوث عنه دوليا بتهمة حيازة المتفجرات    المغرب والجزائر تواصلان سباق التسلّح بميزانيتي دفاع تَبلغان 14.7 و22 مليار يورو على التوالي    توقيف شخصين على ذمة سرقة اللوفر    مقررة أممية: وقف هجمات إسرائيل لا ينهي معاناة الجوع في غزة    حزب العمال الكردستاني يعلن سحب قواته من تركيا إلى شمال العراق استجابة لدعوة مؤسسه    "مايكروسوفت" تطلق إصدارا جديدا من المتصفح "إيدج" المدعوم بالذكاء الاصطناعي    الليغا.. عز الدين أوناحي يهدف ويقود جيرونا للتعادل أمام أوفييدو    ترامب يرفع الرسوم الجمركية على السلع الكندية    المغرب يطلق "ثورة" في النقل الحضري: برنامج ضخم ب 11 مليار درهم لتحديث أسطول الحافلات    المهرجان الوطني للفيلم يحسم الجوائز    الجزائر على صفيح ساخن... مؤشرات انهيار داخل النظام العسكري وتزايد الحديث عن انقلاب محتمل    الولايات المتحدة والصين يعملان على "التفاصيل النهائية" لاتفاق تجاري (مسؤول أمريكي)    طقس الأحد: برودة بالأطلس والريف وحرارة مرتفعة بجنوب المملكة    زلزال بقوة 5,5 درجة يضرب شمال شرق الصين    نصف قرن على المسيرة الخضراء... العيون تجدد العهد مع الملك والوطن    تفكيك شبكة لترويج المخدرات وحجز أزيد من ألفي قرص مهلوس    توقيف فرنسي من أصول جزائرية مبحوث عنه دولياً بتهمة الانتماء لعصابة إجرامية وحيازة متفجرات    ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    إصابة تبعد الجمجامي عن الكوكب    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    الحزب الاشتراكي الموحد يستنكرإقصاء مدينة العرائش من الشطر الأول للبرنامج الوطني للنقل الحضري العمومي بواسطة الحافلات    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    المغرب يصطدم بكوريا الشمالية في ثمن نهائي مونديال السيدات لأقل من 17 سنة    دوري أبطال إفريقيا: الجيش الملكي يتأهل إلى دور المجموعات بانتصاره على حوريا كوناكري الغيني    المنتخب الوطني المغربي لأقل من 17 سنة يتعادل وديا مع نظيره الفنزويلي ( 3-3)    الملك يهنئ رئيس جمهورية كازاخستان    مشجعون من 135 دولة يشترون تذاكر نهائيات كأس إفريقيا في المغرب    الأمين العام للأمم المتحدة يثمن التعاون النموذجي للمغرب مع "المينورسو"    وفاة الملكة الأم في تايلاند عن 93 عاما    فيتنام: المغرب يوقع على المعاهدة الدولية للأمم المتحدة لمكافحة الجرائم السيبرانية    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    شركة فرنسية تطلق خطا بحريا جديدا يربط طنجة المتوسط بفالنسيا وصفاقس    الأمين العام للأمم المتحدة يبرز التنمية متعددة الأبعاد لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    زينة الداودية عن صفقة زياش التاريخية: إنها الوداد يا سادة    نور عيادي تفتتح الدورة ال15 لمسابقة البيانو للأميرة للا مريم بأداء مبهر    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    قمة صينية أمريكية بماليزيا لخفض التوتر التجاري بين البلدين وضمان لقاء ترامب ونظيره شي    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    وزارة المالية تخصص مبلغا ضخما لدعم "البوطة" والسكر والدقيق    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    التوقعات المبشرة بهطول الأمطار تطلق دينامية لافتة في القطاع الفلاحي    تقرير يقارن قانوني مالية 2025 و2026 ويبرز مكاسب التحول وتحديات التنفيذ    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    عبد الإله بنكيران والولاء العابر للوطن    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكل يعي أهمية المعرفة التاريخية بالنسبة للشعوب
نشر في بيان اليوم يوم 13 - 01 - 2013

الدفالي: كلما كثرت أعداد المتعلمين كثرت الحاجة إلى معرفة تاريخ البلاد
في حوار مطول مع المشرف على مجلة «أمل» للثقافة والمجتمع، وأستاذ التاريخ والحضارة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء محمد معروف الدفالي، والذي سننشره على ثلاثة أجزاء، يتحدث في لنا فيه عن سوق النشر والثقافة في المغرب، ومستوى الطلبة الباحثين الذين بالإضافة إلى غياب المادة التاريخية في وسائل الإعلام العمومي، والتاريخ الراهن للمغرب، وحركة 20 فبراير.
كما يتحدث لنا الدفالي، عن اليسار والإسلاميين، وعن الوضع السياسي في مرحلة التينات والسبعينات من زاوية الباحث التاريخي.
لو بدأنا الحوار بمجلة «أمل» العدد الأخير (39-40) يصادف مرور 20 سنة من عمر المجلة، باعتباركم المسؤول الأول عن التحرير في هذه التجربة العلمية الرائدة في مجالها، كيف تقيمون أدائها في ظل أصوات متخصصة تتحدث عن في المستوى العلمي المتفاوت لملفات المجلة؟
في ظل الشروط التي نشتغل فيها لا يمكن لمجلة مثل أمل إلا أن تكون متفاوتة الأهمية حسب الملفات، ثم إن هذا التقييم بالتفاوت يستند أساسا إلى اهتمامات مختلف الناس، شخص معين قد يعجبه ملف فيحكم بأن المجلة تتعامل علميا فيمدحها، لكن عندما يصدر ملف لا يعجبه يصدر حكما سليبا، هذا لا يعني أن ملفات المجلة دائما جيدة.. لماذا؟ طبعا عندما تحدد أنك ستصدر ملفا معينا وتعطي وعدا للقارئ بقرب صدور العدد، وتعلن عن الملف في المجلة وتتصل بالباحثين قد تنتظر أكثر من سنة أو سنتين، بل هناك ملفات أعلنا عنها منذ أكثر من 5 سنوات ولحد الآن لم نتوصل فيها إلا بمساهمة أو مساهمتين، الشروط العامة غير مواتية كلية، ومن جهة أخرى التزامنا مع القارئ بخصوص الأعداد التي تصدر كل سنة، مثل أن تعلن أنك ستصدر عددين أو ثلاث أعداد في السنة، هو التزام غير سهل، وأكثر من ذلك، ولعلها من الأمور التي تجعلنا متشبثين بإصدار المجلة، أن تصادف في مرورك بالشارع العام أشخاصا وأصدقاء ومعارف يسألونك أين العدد؟ الأمر يجعلك تحس بالتزام معنوي مع الناس، فإذا كانت بعض الملفات تصدر ناقصة، نوعا ما، فهذا أمر عادي بالنسبة لي، غير العادي هو أننا لا نتوصل بانتقادات مباشرة من طرف المهتمين، بمعنى أن ضعف المدرسة النقدية يسري حتى على مجلة أمل فالمهتمون لا يوجهون ملاحظاتهم حول ملفات المجلة.. بالنسبة لي مادام الناس صامتون فمعناه أنهم راضون على ما يصدر في المجلة، وهذا أمرا سلبي تجاه المجلة، فلو كنا نتوصل مثلا بنقد وحوار مستمرين فسنكون مضطرين وحريصين على أن تكون المجلة مستجيبة وملتزمة لرغبات المهتمين، أما أن تحافظ المجلة على خط معين أو تميز معين فربما هذه ملاحظة توجه إلى كل المنابر الثقافة التي تصدر..
تعلمون أن سوق النشر الثقافي في البلاد يعاني الكساد المزمن، قليلة هي المجلات المتخصصة عندنا، كيف تدبرون الأمور المالية للمجلة في ظل الدعم القليل وربما المنعدم للمنشورات الثقافية؟
هنا سأعود بك إلى البدايات، لما عزم مجموعة من رواد جمعية أمل الثقافية على إصدار هذا المنبر الذي يحمل نفس الأمل، وضعنا له ورقية عبارة عن «أرضية» ووزعت على العديد من المهتمين والمثقفين في سائر المغرب، أغلب المراسلات التي توصلنا بها حبذت الفكرة، لكنها تحددت كذلك عن السوق والإمكانيات، نصحنا الكثيرون بعدم الأقدام على الخطوة، هناك من قال لنا إنكم لن تستطيعون تجاوز العدد الثالث، هذا الأمر لم يكن غريبا عنا، ففي مقدمة العدد الأول قلنا إننا نفهم السوق ومشاكل النشر والطبع والتوزيع ومشكل الاستمرارية ونعرف أن عددا من المنشورات الثقافية قاوم واستمر، وعدد منها لم يتجاوز العدد الثاني أو الثالث، قلنا بالحرف «إننا قررنا أن نركب المغامرة» والأمر الذي فوجئنا به هو في صدور العدد الأول، كنا قد بدأنا العمل عليه في بداية 1992 وفي منتصفها كان جاهزا، أردنا نشره في غشت، أي في عز الصيف، نصحننا العديد بأن الصيف ليس وقتا مناسبا للإعلان عن منبر ثقافي جديد وعلينا أن نترك الإعلان إلى بداية الموسم الدراسي المقبل، لم نسمع للنصيحة وقررنا إخراج العدد في غشت والناس في أماكن اصطيافهم، رغم ذلك فوجئنا بالموزع يتصل بنا ويهنأنا بأن العدد بيع منه رقم مهم لم يسبق لأي مجلة ثقافية أن حققته، فهمنا أن الساحة محتاجة إلى المعرفة التاريخية، مما حفزنا ودفعنا إلى التمسك أكثر بالمشروع، اتصلنا بمجموعة من الأستاذة السابقين لنا في البحث التاريخي للاستفادة من توجيهاتهم، هذه كانت البدايات المشجعة، ثم إن أمل لقيت دعما من طرف العديد من الباحثين الشباب أنداك، أولا لأنها كانت منبرهم، فالكثير ممن صاروا اليوم باحثين معروفين ومرموقين أحيانا، بداياتهم الأولى كانت في هذه المجلة، لم يكونوا ينشرون في المجلة فقط بل تعاطفوا معها وكانوا بشكل غير مباشر أداة دعاية لها وسط طلابهم وبين باحثين آخرين، والأكثر من ذلك أن العديدين من خارج حقل التاريخ أصبح لهم تعاطف معها، وهذا نلمسه أحيانا في المعرض الدولي للكتاب والنشر في رواق المجلة، فأحيانا يسألك شخص من مدينة بعيدة عن أعداد بعينها تنقص مجموعته، والأكثر من ذلك أن الأمر لم يبقى مقتصرا على المغاربة بل هناك مشارقة يزوروننا في المغرب ويسألون عن أعداد تنقص مجموعاتهم، مرة في معرض الكتاب زارني كتبي من لبنان وألح علي امتلاك العدد 12 الخاص بمحمد بن عبد الكريم الخطابي، وكان العدد نفد من السوق ألح علي إلى أن زودته بعدد فضل في مكتبتي الخاصة ففرح به وبدأ يفاخر رفاقه اللبنانيين بكونه الوحيد من بينهم من يملك المجلة كاملة الأعداد.. لم نفكر قط أن الاهتمام سيكون بهذا الحجم، مثل هذه الأمور تجعلك تصر على الاستمرار في المجلة رغم كل العراقيل.. صحيح هناك مشاكل في النشر، قد تضطر أحيانا أن تنتظر إلى أن يباع العدد لتخرج العدد المقبل، ومع ذلك إمكانية الاستمرارية موجودة لسبب بسيط، هو أن المجموعة المشتغلة والملتفة حول المجلة مجموعة جمعوية متشبعة بالفكر التطوعي، بمعنى أن المشاكل المادية التي تقع عادة بين المشرفين على أي مجلة غير مطروحة عندنا، الرقم الغائب لدينا هو الرقم المادي، لا أحد يفكر في الاستفادة من المجلة ماديا، لذلك هي قادرة على تمويل نفسها، صحيح نضحي بالوقت والجهد، ولو كان عندنا طاقم شاب أكثر دينامية لأمكن المجلة أن تحقق أرباحا. والأكثر من ذلك أنه في منتصف عمر المجلة بات لنا دعم من طرف وزارة الثقافة، من خلال تأديتها لنصف تكلفة طبع العدد، العقدة لا تربطنا مباشرة مع الوزارة، هذه الأخيرة فضلت أن تكون العقدة بينها وبين المطابع، ولو أن الأمر في لحظة من اللحظات خلف لنا متاعب مع المطابع بسبب تأخر الوزارة في تسديد المتأخرات.
لاحظنا في الآونة الأخيرة ولادة مجلات ورقية وإلكترونية تعنى بالشأن التاريخي المغربي، تحقق أرقاما محترمة في البيع، هل تزايد مثل هذه المنابر يظهر حاجة مجتمعية متزايدة للمادة التاريخية أم هو طلب تجاري فرضه السوق؟
يمكن النظر إلى الأمر من زاويتين، الأولى هي حاجة المجتمع طبعا، في أي مجتمع كلما كثرت أعداد المتعلمين كثرت الحاجة إلى معرفة تاريخ البلاد، فالوعي التاريخي يتجدد باستمرار مع تزايد أعداد المتعلمين والمهتمين، حتى العلوم الإنسانية أصبحت حاجة مجتمعية، ومن هذه الحاجة وهذه العلوم يأتي علم التاريخ. التجربة بدأت مع بعض الصحف التي كانت تخصص ملفات لحدث تاريخي معين، فالإقبال الذي كانت تلقاه هذه الصحف جعلت العديد من الناس يقبلون عليها، الجانب الثاني الذي يجب الانتباه له هو تزايد عدد الباحثين في المعرفة التاريخية نسبيا، حاليا الأمر يختلف عن العقود الثلاثة الأخيرة حيت كان عددهم محدودا على روس الأصابع، وكانت الاهتمامات منصبة على جانب واحد، الأمور الآن تختلف، الجامعات المغربية وخاصة جامعة محمد الخامس بالرباط وكلية آدابها خرجت العديد من الباحثين في مجالات التاريخ، قبل ثلاث عقود أو عقدين فقط لم تكن تجد باحثا مغربيا فيما قبل التاريخ أو التاريخ القديم إلا بشق الأنفس، الآن هناك باحثين كثر فيما قبل التاريخ والتاريخ القديم تخرجوا من هذه الجامعة، تاريخ العصر الوسيط الذي كان في يد قلة من الباحثين الآن يتخصص فيه عدد لا يستهان به، نفس الأمر بالنسبة للعصر الحديث، طبعا الحديث والمعاصر كان وضعهما في تلك الفترة أفضل نسبيا من وضعية الحقب الأخرى، كثرة الباحثين نسبيا اليوم ووفر المادة التي تنشر وتناقش، فبعدد الباحثين تعدد الآراء والنقاشات، وبتعدد النقاش تتعدد المادة المعرفية التاريخية وتعرف طريقها للأخر المهتم وغير المهتم.
باعتباركم تدرسون في ثلاث جامعات مغربية وتعرفون أن جل المؤرخين المحترفين سيغادرون إلى التقاعد الطبيعي، كيف ترون مستويات الطلبة الباحثين ممن يمكن أن يعول عليهم لسد الخصاص مستقبلا.
الخطأ التي وقت فيها الجامعة المغربية، وبشكل مباشر سواء الأستاذة المؤسسون أو الذين أتوا من بعدهم هو تغيب التفكير في الخلف، لم ينتبه الباحث إلى أنه سيغادر يوما إلى التقاعد، ومن التقاعد إلى القبر، وبالتالي لا يفكرون في الخلف، وبالتالي لا تجد أساتذة يؤطرون مجموعة من الباحثين الشباب ويهيئونهم، ولما لا الدفاع عنهم ليلتحقوا بالجامعة، هذا الأمر غير موجود لدينا، فجأة لما بدأ الأستاذة يقتربون من التقاعد انتبهوا للأمر، أصبح هناك نوع من التخوف من أن مغادرتهم قد تلحق بالجامعة أناس لا يحافظون على نفس المكانة التي حصلت عليها شبعة التاريخ، وللتذكير شعبة التاريخ وخاصة الصيت الذي أعطته لها كلية الآداب بالرباط، جعل المعرفة التاريخية معرفة محترمة، ينظر لها على أساس أنها معرفة جدية ورصينة، أصحابها ليسوا من النوع المتسرع، قلت انتبهوا في ظل ذلك التخوف وبدأ التفكير نسبيا في الخلف، لا أدري أين وصلت الأمور لكن على كل حال بالنسبة لي لا خوف على الجامعة لسبب بسيط، هو أن الطلبة الباحثين الموجودين حاليا وجدوا أمامهم من يوجههم، ومن يستشيرون معه، وبالتالي انطلاقتهم جاءت في درجات أعلى بكثير من الدرجات التي انطلق منها السابقون، كان الباحث في السابق «دونكشوطيا» بهذا الشكل أو ذلك، يحارب في معركة البحث طواحين الهواء، حتى الأرشيفات كانت غير متاحة وشبه غائبة وكذلك الوثائق، بل حتى الكتب، أحيانا كان لزاما على الباحث التنقل إلى مدينة أخرى من أجل الحصول على بعضها، الشروط أفضل الآن وربما ما وصله البحث التاريخي سيسهل مأمورية الباحثين الجدد، ويفتح أمامهم آفاقا لا شك أنها ستجعل مستواهم في البحث أفضل من مستوى الجيل السابق.
ارتباطا بالباحثين القدامى تعقدون في جمعيتكم «الجمعية المغربية للبحث التاريخي» شبه موسم ثقافي كل سنة، واحدة في الرباط وأخرى في مدينة جامعية أخرى، كيف تقيمون تلك الأيام أخدا بعين الاعتبار بعض الأصوات التي تتحدث عن التفاوت الكبير في مستوى تلك الدورات، وتتحدث عن لا جدوى عقد دورات سنوية.
زاوية النظر إلى مثل هذه الأعمال يجب أن تكون نوعا ما ذات أفق واسع، فاللقاء السنوي متعدد الأهداف. بدأت الجمعية مع الأستاذ إبراهيم بوطالب هذا النوع من الأنشطة واللقاءات السنوية، فهي توفر للأستاذة المهتمين فرصة اللقاء سنويا، وهذا جانب إيجابي، كنا لا نعرف حتى أسماء أساتذة في جامعات أخرى، فنحن في الدار البيضاء نعرف أساتذة الرباط، أو بعض الأسماء الذين انتقلنا لجامعاتهم للمشاركة في ندوات علمية، الجمعية وفرت لنا هذا اللقاء السنوي، وهو ليس لقاء للتعارف الشخصي فقط بل تعارف في مجال البحث، تبادل الأسئلة والتعرف على مجالات اشتغال الباحثين، هذا أمر مهم من الناحية الإنسانية والمعرفية، الجمعية ليست مسؤولة بالكامل على مواضيع اللقاءات السنوية، فهي تتكلف بالتنظيم، المواضيع تختارها الجامعات الحاضنة للقاءات، وهي تقترح الموضوع من اهتمامات باحثيها بذلك الموضوع، والأكثر من ذلك أنها أحيانا إذا لم تقترح أغلبية المشاركين فهي على الأقل تقترح جزءا مهما منهم، ثم حتى أهمية المساهمات وتوازن المواضيع مع بعضها دائما ذات أهمية، طبيعة الموضوع وطبيعة الاهتمام به وتناول المؤرخ له كلها عوامل تتداخل وتفرز نتائج للقاء قد تعجب البعض وقد لا تعجب البعض الأخر، المهم النسبة لي أرى أن المرحلة التراكمية ضرورية، لا يمكن أن نفرز الجيد من غيره ما دمنا لم نحقق تراكما في الإنتاج المعرفي التاريخي، وهنا لابد من الإشارة إلى أن أقل الباحثين في أصناف المعرفة إنتاجا هم المؤرخون، لأنهم الأكثر تؤدة، دلو المؤرخين هو أصغر الدلاء في بئر الثقافة، الأدباء والفلاسفة والسوسيولوجيون والسياسيون وغيرهم ينشرون وبكثرة، لكن المؤرخ لا ينشر إلا قليلا، رغم أن ما نشر في المعرفة التاريخية مهم جدا، وهنا لابد من الإشارة ثانية إلى الدور الكبير الذي لعبته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في نشر المعرفة عامة والمعرفة التاريخية على وجه الخصوص، فداخل ما نشر في هذه الكلية مكانة التاريخ في النشر مكانة رئيسية، وفي جزء منها الكلية لعبت دورا كبيرا وحتى الباحثين في التاريخ لعبوا دورا حتى يصبح لهذه المعرفة مكانتها التي تستحق في الساحة الثقافية والمعرفية المغربية.
بالانتقال من المستوى الداخلي لبيت البحث التاريخي إلى مستوى تعامل الدولة مع المادة التاريخية، بدأت مؤخرا العناية رسميا بالتاريخ من خلال إنشاء العديد من المؤسسات الحاضنة للبحث التاريخي، كالمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب ومؤسسة أرشيف المغرب والتفكير الجاري حاليا في خلق دار تاريخ المغرب، كيف تقرؤون هذه الدينامية على مستوى المؤسسات الرسمية.
الأمر نسبيا واضح، من جهة الكل يعي أهمية المعرفة التاريخية بالنسبة للشعوب، ولا نبالغ إن قلنا مع القائلين إن من ليس له ماضي ليس له مستقبل، وعلى كل حال التاريخ هوية وذات، ومن جهة ثانية التاريخ في أبسط تعاريفه هو الإنسان، عندما يهتم الإنسان بتاريخه فهو يهتم بذاته ويشرئب إلى المستقبل، الاهتمام بالتاريخ له أهداف، هو ليس اهتمام مجانيا، بل اهتمام نحاول من خلاله بعث وتجديد الروح فينا وأن نرى المستقبل، ومن هنا أي دولة كيفما كانت تبحث عن مستقبل أفضل لابد لها أن تهتم بالتاريخ، وطبعا لما تجد مؤرخين يساعدونها بهذا الشكل أو ذلك، أو يكونوا مستشارين لها في هذا الصنف المعرفي تصبح الأمور سالكة، وهو ما لاحظناه مؤرخا، لما يتم الحديث عن المعهد الملكي للبحث التاريخي فهناك الملك أساسا وهناك أيضا الأستاذ أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية فالمعهد يتبع لهذه الوزارة، ولا شك أن الرجل لعب دورا أساسيا في خلق المعهد، وما دمنا نتحدث عن المعهد فلابد من القول إنه رغم كونه معهدا رسميا إلا أن إطاره العلمي شيء آخر، قد لال يتصور الآخرون درجة الاستقلالية التي يشتغل فيها المعهد ودرجة البحث المعرفي الأكاديمي الحقيقي الذي يتمتع به ، لا أحد يوجه المعهد في اتجاه معين خارج ما هو معرفي، وربما هناك عوامل كثيرة تضمن هذه الاستقلالية من بينها شخص المدير الأستاذ محمد القبلي، الباحث ذائع الصيت، وأحد المؤسسين للجمعية المغربية للبحث التاريخي وعمدة قوي في كتابة تاريخ المغرب الوسيط، والشخص على ما أعتقد لا يمكن أن يقبل بأي تدخل في الأمور المعرفية.
إذن أنتم تنفون ما أوردته أسبوعية الأيام في عددا 545 في خبر مقتضب تتحدث فيه عن كون مسودة كتاب «تاريخ المغرب تحيين وتركيب» التي سلمت للقصر كانت أقوى من النسخة الرسمية التي أعلن عنها في 17 نونبر 2012.
هذا كلام لا ينسحب عليه إلا بعض أقوال لينين في لحظة ما «والدين يأخذون على الصحافة أقوالها فليلغوا تاريخ مولدهم في القرن 20» لأن مثل هذا الكلام العائم الذي لا سند له يجب الاحتياط منه، الكتاب مثلما كتبه الباحثون مثلما خرج، وهذا الأمر موجود في حوارات كثيرة مع الأستاذ محمد القبلي ومع أساتذة من المعهد، ليس هناك مسودة أقوى من الكتاب، طبعا المسودة تبقى مسود، فعندما نقول إن 40 باحثا شارك في الكتاب، لا يمكن أن يكون هناك خيط ناظم بين 40 شخصا، فهيئة التحرير التي أعادت صياغة هذه الأعمال، هي التي وجدت الخيوط الناظمة بينها وهذا عملها، لكن هل تصرفت في المضمون؟ لا أعتقد، هذا الأمر غير موجود نهائيا..
مقاطعا.. هذا أمر مفهوم أكاديميا، أنا أتحدث عندما تقدم مشروع الكتاب إلى القصر وانتظر سنوات قبل الإعلان عنه، في تلك الفترة يتحدثون عن تدخل رسمي في الكتاب.
لا لم يتدخل أحد في الكتاب، بشكل مطلق، هذا أمر معروف لذا الجميع، أما التأخير في الإعلان عن الكتاب فلأنه كان فقط ينتظر دوره، لأن المعهد كما قلت رسمي ولا يمكن أن يصدر كتابا من هذا النوع والحجم دون أن يقدم للملك، فقط كان ينتظر الوقت المناسب الذي يقدم فيه للملك لا أقل ولا أكثر، وأي كلام خارج هذا الإطار هو كلام زائد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.