خلال حملته الانتخابية الرئاسية ركز الرئيس الإيراني حسن روحاني على نقطتين أساسيّتين أكّد أنهما ستكونان محور اهتمامه في حالة فوزه؛ وهاتان النقطتان هما في المركز الأول إصلاح الاقتصاد الإيراني المتأزّم والنقطة الثانية إعادة تحسين العلاقات الإيرانية – العربية، وبالتحديد مع المملكة العربية السعودية. ويدرك روحاني، الذي شغل منصب كبير المفاوضين النوويين، أن إصلاح الاقتصاد يمرّ بالضرورة بأميركا وبالغرب الذي يفرض عقوبات اقتصادية قصمت ظهر إيران. وفي حال تحسّن العلاقة مع الولايات المتّحدة فإن الأمر سيفتح الطريق أمام دعم العلاقات الإيرانية العربية. النقطة الفاصلة في هذه السياسة انطلقت إثر مشاركة إيران في الجمعية العامة للأمم المتّحدة، وكان من المنتظر أن يتم خلالها لقاء تاريخي بين الرئيسين الإيراني، حسن روحاني، والأميركي، باراك أوباما، لكن لم يتمّ ذلك اللقاء وعوّضته مكالمة هاتفية جرت بينهما، في أرفع اتصال بين البلدين منذ أكثر من 30 عاما، وحازت على كثير من الاهتمام. هذه المكالمة كشفت عن ملامح تقارب أميركي إيراني، في سياسة شبّهها مراقبون بالصفقة، فيما اعتبرها آخرون محاولات من طهران لكسب الوقت، في ما يتعلّق ببرنامجها النووي وأيضا بسياستها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية وفي الملف السوري. إسرائيل بدورها لم تخف قلقها من «التودّد» بين واشنطنوطهران. واتهم الإسرائيليون إيران بمحاولة كسب الوقت والتخلص من العقوبات الدولية المشددة مع مواصلة جهودها لاكتساب أسلحة نووية. من جهة أخرى بدأت تدرس بريبة هذا التقارب، وهذه الجهة هي السعودية التي تربطها بأميركا مصالح وطيدة جدّا، يشكّك مراقبون في أنها يمكن أن تتأثّر بالتقارب المزعوم بين أوباما وروحاني. السعودية، الحليفة التقليدية لواشنطن في المنطقة، ودول الخليج تتخوف من إمكانية زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة. لذلك سارع الرئيس الأميركي -الذي لا يصبّ في صالحه الغضب السعودي خلال هذه المرحلة الصعبة التي تمرّ بها إدارته في الداخل والخارج- بإرسال تطمينات في كل الاتجاهات. تمرّ العلاقات الأميركية السعودية بفترة حرجة على خلفية دعم واشنطن للأنظمة الإسلامية الصاعدة في بلدان «الربيع العربي»، وهو توتّر زاد من حدّته «الغزل» بين واشنطنوطهران؛ كما تشعر بقلق بالغ حيال التقدم الإيجابي في العلاقات الأميركية – الإيرانية.. وإن هذا التقارب من شأنه أن يدفع الرياض إلى ارتباط أكثر عمقا مع واشنطن، وفق تحليل لغيريغوري غوس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت. ويضيف غوس، في تحليله الصادر عن مجلّة «فورين بوليسي» الأميركية، أنه على الرغم من أن السعوديين يدركون أنه ليس لديهم حليف أخر يمكنه لعب دور البديل للولايات المتحدة، إلا أن المسؤولين في الرياض وجدوا أنفسهم مجبرين على الإعلان عن استيائهم بعد صدور قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير بالتراجع عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، في الوقت الذي تبذل فيه تركيا ودول خليجية أقصى جهودهم لإزاحة الأسد عن السلطة في دمشق. وظهرت حالة عدم الرضا السعودية على سياسات الإدارة الاميركية في الشرق الأوسط جلية عندما امتنعت الرياض من إلقاء خطابها السنوي في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ويرى غوس أنه لا تجب المبالغة في درجة عدم الرضا هذه، لأن هذه ليست هي المرة الأولى التي يشعر فيها السعوديون بالقلق تجاه السياسات الأميركية في المنطقة. فيما أشار إلى أن المفارقة في العلاقة بين الرياضوواشنطن هي أنه كلما ازداد شعور السعوديين بالقلق تجاه هذه السياسات، تعمق تأثير منافسيها الإقليميين، وعلى رأسهم إيران، في المنطقة، وبالتالي فإنهم في هذه الحالة يجدون أنفسهم في حاجة إلى الولاياتالمتحدة بشكل أكبر من أي وقت مضى. القلق السعودي، وفق المراقبين، لا يتوقف على التقارب في وجهات النظر بين الرئيسين أوباما وروحاني، أو على فحوى المكالمة الهاتفية التي دارت بين الجانبين، واستمرت نحو 15 دقيقة، ولكن محاولة فهم القضية تعود بنا إلى الخلف قليلا، حينما أعلنت الرياض دعمها الكامل لحركة التغيير التي تمت في مصر، بإزاحة الإخوان المسلمين من سدّة الحكم هناك، في الوقت الذي أخذت تبعث فيه الولاياتالمتحدة برسائل غامضة إلى القاهرة، لم تعلن فيها عن رفضها الكامل لهذا التغيير المفاجئ، على الرغم من قرارها الأخير بتعليق بعض المساعدات العسكرية للقاهرة. السعوديون بدورهم لم يحبذوا تلك الخطوة من قبل الإدارة الأميركية تجاه مصر، كما لم يحبذوا أيضا تراجع واشنطن بخصوص التحرك العسكري تجاه سوريا. فالنظام السعودي يشعر بأنه ذهب بعيدا في دعم خطة الولاياتالمتحدة للقيام بعمل عسكري يطيح بالأسد، ولكن جاء التراجع الأميركي المفاجئ ليسحب البساط من تحت أقدامه في المنطقة. قطر والجهاديون مع بداية حركة التغيير الجامحة المسماة ب»الربيع العربي» في 2011، كانت تصرفات السعوديين تتسم بالحرص الشديد من التدخل في هذه الحركات الراديكالية، لأنهم بطبيعتهم لا يميلون إلى التغيير المفاجئ. ولكن بعد مرور نحو ستة أشهر من الصراع في سوريا، واشتداد حدة المعارك على الأرض، واتخاذها منحى طائفيا بشكل واضح، قررت الرياض التحرك للحدّ من تمدد النفوذ الإيراني داخل سوريا. ويشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت إلى أن السعوديين لم يلعبوا الدور الرئيسي منذ البداية في سوريا، في المقابل كانت تركيا وقطر ممسكتين بزمام الأمور عبر حدود سوريا الشمالية مع تركيا. لكن دوائر صنع القرار في الرياض لاحظت أن الأتراك والقطريين يدعمون فصائل الإسلام السياسي، وعلى رأسهم تنظيم الإخوان المسلمين، فقط، ومن ثم قرر هؤلاء التدخل بثقلهم لتدعيم «الجيش السوري الحر» الأكثر اعتدالا، والذي يحظى أيضا بدعم الولاياتالمتحدة. صراع النفوذ يرجع غوس السبب الرئيسي الذي يقف وراء رغبة السعوديين الملحة في التخلص من بشار الأسد إلى العلاقات الوطيدة التي جمعتهم مع والده، حافظ الأسد، من قبل، رغم ما تخللها أحيانا من شدّ وجذب، وقد تحولت هذه العلاقة إلى النقيض منذ أن تولى السلطة الأسد الابن، الذي فضل الارتماء في أحضان الإيرانيين. إذن يبقى المحتوى الرئيسي للمشكلة هو الصراع السعودي – الإيراني، الذي ينظر إليه البعض باعتباره صراعا طائفيا بالدرجة الأولى، بالنظر إلى أن السعوديين سنة، والإيرانيين شيعة، والأسد علوي. لكن الحقيقة هو أن المسؤولين على رأس منظومة صنع القرار السعودي ينظرون إلى المسألة برمتها على أنها صراع نفوذ أكثر منه أي شيء اّخر. لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نتجاهل البعد الطائفي بشكل كامل أيضا، لأن هذا البعد بدأ، بشكل أو بآخر، يحدد ملامح الصراع على الأرض في سوريا. على الجانب الاّخر، فإن الأميركيين لا يريدون التدخل عسكريا في سوريا، ولكنهم في الوقت نفسه لا يرغبون في الإعلان عن ذلك. ورغم تقديمهم الدعم المستمر للمعارضة في أشكال متعددة، إلا أن التدخل عسكريا يبقى بالنسبة إليهم خطا أحمر.