سيدتي الفاضلة أم الفضل فضيلة بنموسى دعيني أخط عبارات تخجل تواضعك، أنظم بها عقدا من الكلمات، ترُصًع على جيد شموخك من بحر الهواة الذي انطلقت بوادره مع شبيبة الحمراء والنادي الفني المراكشي كوميديا منذ أواسط السبعينيات من القرن الماضي، إلى بحر الاحتراف فكانت البداية مطلع الثمانينات من القرن الماضي مع الوفاء المراكشي، فتوالت البدايات رفقة صناع الفرجة بامتياز، فامتطيت صهوة هذا الفن الجميل في زمن الشد والجد، وغصت أغواره، سهوله وجباله دون كلل أو ملل، فكنت ولازالت وردة الإكليل مع ثلة من فرسان الخشبة، فسافرت عبر خشبات المدن والقرى بكل التزام واتزان. إن الحديث عن فضيلة هو حديث عن ممثلة استثنائية، بحيث استطاعت هذه السيدة وبكثير من الحب والإخلاص أن تملك قوة الإنصات وتحول اللغة إلى فعل درامي، مما جعل حضورها وحده على الركح لغة ولادة للأحاسيس. أعرفها في زمن، تعداده على رؤؤس الأصابع، وأنا ذرة ماء من بحر عطائها المتدفق، لا يحتاج أي مخرج معها سوى الغمزة الفنية كي تدرك وبسرعة البديهة، القصد والمبتغى، تطرز فن الحوار وتشكيلات الحركة، بانسيابية بديعة، إنها كقطرات الندى تنساب في أعماق الذين يشتغلون إلى جانبها، مخلفة محبة وإعجاب الكبار كما الصغار، لها قدرة على أن تمتلك قلوب الناس بالتواضع والعمل الجاد والابتسامة الدائمة، ونكران الذات بكل المعاني. وبالرغم من تنقلها ما بين الشاشتين الصغرى والكبرى، ظلت وفية لعشق المسرح، الذي منحها القوة وبالمقابل منحته الحب والهيام. فقدرتها على فن التشخيص لأدوار مركبة ليس وحده سر نجاحها بل أيضا الالتزام والأخلاقيات المهنية العالية لأنها تدرك بوعي شديد أنها جزء من الكل، وأن نسج خيوط عرض مسرحي كما يتطلب مهارات فنية أيضا يتطلب انخراطا فعليا في خلق دينامية الجماعة التي هي أصلا عنصر من نجاح العمل أو فشله. كيف لهذه السيدة الفاضلة، أن تصنع لها مكانة متميزة في مسار الحركة المسرحية المراكشية أو الوطنية على حد سواء، إن لم تكن لها القابلية على التعلم وتقبل واستقبال المعرفة وهي الشخصية العصامية، فكان قدرها الجميل أن عملت إلى جانب أسماء رصعت سماء الفن ببلادنا، ومنهم من اختفى قصرا أو طوعا، فقد أسقت رحيق عطائها في البدايات ما بين عبد الكريم بناني وعبد العزيز الزيادي، واستكملت مسارها مع نخبة من الفطاحل، كعبد السلام الشرايبي ومحمد حسن الجندي إلى جانب محمد بلقاس، عبد الجبار لوزير، عبد الهادي ليتيم، مولاي أحمد بنمشيش، كبور الركيك، المهدي الأزدي، أحمد الشحيمة، أمنية الرشيش، زينب السمايكي، مليكة الخالدي، لطيفة بومديل، واللائحة تطول بطول مسارها المتألق . سيدتي الفاضلة أم الفضل فضيلة، إن كان التكريم شرط، فهو تتويج يوضع على جامور منارتك الشامخة، كشموخ صومعة الكتبية بتاريخها وكبريائها، فأنت الأم ربة البيت بامتياز، والفنانة المتألقة باعتزاز والإنسانة بكل المعاني، فلست أملك من قلة تجربتي سوى التقدير، ومن فيض اللحظات غير الافتخار بك أيتها السيدة الفاضلة. * نص الشهادة التي تقدم بها المخرج المسرحي حسن هموش خلال تكريم الممثلة فضيلة بنموسى في الدورة 16 للمهرجان الوطني للمسرح بمكناس (يونيو 2014)