"فيتش" تحذر المغرب من تخطي نفقات البنيات التحتية للمشاريع الكبرى للتقديرات    النيابة العامة الفرنسية تطلب إطلاق سراح ساركوزي بانتظار محاكمة الاستئناف    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    الوداد ينفرد بصدارة البطولة بعد انتهاء الجولة الثامنة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    عمر هلال: نأمل في أن يقوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة إلى الصحراء المغربية    انطلاق بيع تذاكر ودية المغرب وأوغندا    قرب استئناف أشغال متحف الريف بالحسيمة    احتقان في الكلية متعددة التخصصات بالعرائش بسبب اختلالات مالية وإدارية    مصرع أربعيني في حادثة سير ضواحي تطوان    المغرب يتطلع إلى توقيع 645 اتفاقية وبروتوكولا ومعاهدة خلال سنة 2026.. نحو 42% منها اقتصادية    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    حقوقيون بتيفلت يندّدون بجريمة اغتصاب واختطاف طفلة ويطالبون بتحقيق قضائي عاجل    اتهامات بالتزوير وخيانة الأمانة في مشروع طبي معروض لترخيص وزارة الصحة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    البرلمان يستدعي رئيس الحكومة لمساءلته حول حصيلة التنمية في الصحراء المغربية    وقفة احتجاجية في طنجة دعما لفلسطين وتنديدا بحصار غزة    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    زايو على درب التنمية: لقاء تشاوري يضع أسس نموذج مندمج يستجيب لتطلعات الساكنة    العيون.. سفراء أفارقة معتمدون بالمغرب يشيدون بالرؤية الملكية في مجال التكوين المهني    احتجاجات حركة "جيل زد " والدور السياسي لفئة الشباب بالمغرب    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    هنا المغرب    مؤسسة طنجة الكبرى: معرض الطوابع البريدية يؤرخ لملحمة المسيرة الخضراء    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسرح المغربي
نشر في بيان اليوم يوم 21 - 09 - 2014

إن ما نطلق عليه نعت المسرح المغربي، ليس إلا تلك الممارسة التي تمت بالفعل على أرض الواقع انطلاقا من العادات والتقاليد الاجتماعية التي تراكمت بفعل التواجد الاجتماعي للناس، الشيء الذي يجعل هذه الممارسة تنتمي إلى الموروث الثقافي الشعبي بإحالاته وتراتبيته في طقوس المقدس
وما تراكمه على مستوى الوجدان الشعبي باعتباره نوعا من الوعي الحسي للناس لواقعهم والتفاعل معه في مضمرات هذا الوعي، الذي تشكل بفعل الممارسة الاجتماعية للناس في حياتهم، خاصة وأننا نعلم بانبنائية هذا الوعي من جراء نشوء وتكون المجتمع المغربي، تبعا لطبيعة ساكنته التي تمثل نوعا من الفسيفساء في تكونها بفعل النزوح والهجرة وتحولات أنماط الحكم التي كان عليها المغرب منذ وجود ساكنته الأولى الأمازيغ. وضمن هذا التشكل ستبرز أنواع من التعبيرات الفنية سواء كتعبير فن القول أو تعبيرات ذات طابع فني راق عن طبيعة هذا التشكل والتكون بحيث تندمج هذه التعبيرات في أنواعها وتعدد ما نسميه النسق الثقافي العام للبلاد والذي تكون هو أيضا من وعي الناس بواقعهم الاجتماعي كثقافة وطنية في مجتمع مفتوح تحدده شروط هذه الثقافة وإلا لما كان حديثنا عن التحول والنزوح بهذا المعنى وفي هذا المقام .
إن اعتبار الممارسة المسرحية المغربية ممارسة ضاربة في القدم، إن لم نقل إن لها نفس تاريخ وجود الإنسان بهذه المنطقة مثلما هي عليه الحال باقي المجتمعات البشرية، يأتي من كون هذه الممارسة لا زال لها حضورها القوي فيما تختزنه الثقافة الشعبية، وتمدنا به على مستويات تمظهرات هذه الثقافة في سلوكنا اليومي المعيشي، ومنها أصبح المسرحيون المغاربة يستمدون موضوعاتهم وطرق اشتغالهم في بناء الفرجة المسرحية ونذكر منها على الخصوص فرجة اعبيدات الرمى، والبساط والمداح والرواي والحلقة والتي يمثل انعقاد لقاءاتها ومواسمها فرص اجتماعية للإعلان عن حضور الذات الجمعية للناس والانتماء لهوية الجماعة حسب مواقع تواجدها على خارطة المغرب، إضافة إلى انخراط مكونات الساكنة فيها بالحضور والمشاركة ولا تفصل بينها فواصل السلالة والعرق أو المعتقد الديني ما دامت فرجات جماعية ترتكز على العمل وأنماط الإنتاج السائدة وفق الوسائل المتاحة لها حسب متطلبات الحياة نفسها آنذاك وحسب التحولات الاقتصادية والسياسية، التي تكون عليها الحقب التي مرت بها البلاد والتي تبقى موسومة بشرط التواجد الاجتماعي للناس، علما بأن هذا النمط من الحياة ومنتوجاته الثقافية تدخل في إرساء مدماكه القرار السياسي للسلطة الحاكمة.
إن أسئلة النشأة والتأسيس في المسرح المغربي تبقى أسئلة ذات طابع ثقافي فكري عام يؤرخ بها لمراحل تنامي الوعي بالذات ورد الفعل إزاء الآخر الذي استطاع أن يطور تجربته في نفس المجال وفي إطار سياق شروط تحولاته الاجتماعية والاقتصادية نتيجة الارتقاء بوعيه الحسي، والذي أصبح وعيا بواقعه الاجتماعي والذي ترجم في تعبيراته الفنية وانطلاقا من عاداته وتقاليده والتي هي شبيهة والى حد كبير بالعادات والتقاليد التي تكونت عندنا في نشأة وتكون مجتمعاتنا بتشكيلاتها الاجتماعية وبتعالقها بمواقع السلطة فيها، وهو ما يمكن أن نلمس بعض التبساته في واقعنا من جراء التدخل الممارس بعنف مع الشعوب والذي يأخذ في كثير من الفترات طابعا صراعيا، ناهيك عن صراعاته الاجتماعية الداخلية، بحيث ننسى في خضم هذا تاريخنا الاجتماعي والثقافي ولا نفتح حدودا بين هذا التاريخ وتواريخ الشعوب الأخرى التي نتقاطع معها وما يبقى ماثلا أمامنا هو حدود هذا التقاطع بين التواريخ لصنع بدايات جديدة لتاريخنا الثقافي، ونغفل إننا في كل موسم أو مناسبة دينية أو وطنية نعمل على إحياء تاريخنا المنسي هذا باعتباره تركة موصولة الفعل وغير مستأنفة وهي ما تم التأشير عليها حاليا بالعودة إلى الفرجة، انطلاقا من موروثنا الثقافي وما يحمله من حس الوجدان الشعبي، باعتبار هذا الوجدان تراثا وخزانا للوعي الوطني ولهويتنا، وكل عودة إليه هي عودة لإثبات الذات، ليس كرد فعل بل كواقع كان موجودا وحاضرا بقوة، بل وما يزال مستمرا ويعيد ترتيب حضوره في هذه المناسبات والمواسم وطقوس احتفالية تعطيه تماهيه في تقاطع تاريخه بتواريخ الآخر الذي نريد تمثل ثقافته وفنه بقوة حضوره العسكري، والتكنولوجي وكأننا لم نكن هنا ولم تكن لثقافتنا وفننا قائمة.
من هذه المنطلقات نستحضر وقائع الممارسة المسرحية المغربية في مختلف الحقب، باعتبارها ممارسة ثقافية فنية ذات وظائف اجتماعية وثقافية وتربوية ومؤطرة للوجود الاجتماعي والثقافي كما أن الأطر المعرفية الممارسة لهذا الفن تعتبر أطرا عضوية ضمن النسيج الاجتماعي المتكون انبنائيا في سلوك الساكنة بشكل متواتر ومتواصل على مر العصور والتحولات التي شهدتها هذه الممارسة بما هي ممارسة للحياة نفسها مما يقوي لحمة التواشج الاجتماعي والثقافي بين أعضائها وبين الساكنة رغم تعدد وتنوع واختلاف مشاربهم السلالية والثقافية كما أن نمط الإنتاج المؤطر كخلفية اقتصادية لهذه الممارسة تمتلك وسائل إنتاجه الطبقة الحاكمة المعبر عنها بالمخزن حيث تندمج في هذه التسمية طبقة ملاكي الأراضي والأعيان والفقهاء والصناع التقليديون الى الحد الذي يكاد ينمحي فيه التمايز الطبقي ولعل هذا راجع لطبيعة الممارسة الثقافية والفنية ذات الطابع الطقوسي الديني والطائفي والفقهاء والصناع التقليديون وهذه الأخيرة تعتبر في نظرنا آليات لإعادة إنتاج نفس النسق في النظام الثقافي الناشئ وهنا يحضر الإيديولوجي بقوة ضمن الجمالي الفني وتحويله من طابع الفرجة التكون والتلقي الى طابع الولاء، بحيث لا تحضر الفرجة إلا في حضرة الوالي الذي يأخذ رمزيته في الضريح أو الموسم ولنا أن نستحضر هنا فرجات هرمة بوجلود بمناسبة عيد الأضحى، وإمعشارن الفرجة التي يندمج في إنتاجها وأدائها العنصر العربي والأمازيغي واليهودي كمكونات أساسية للثقافة والفرجة المسرحية المغربية ونشير هنا الى الفرجة العيساوية والحمدوشية والكناوية والتي كلها امتدادات لفرجة اعبيدات الرمى التي اتخذت من أحواش الفن الأمازيغي بامتياز مرتكزا لها وكل هذه الفرجات لا تخلو من حلقات الذكر والتوسل دلالة على حضور البعد الديني الإصلاحي فيها وهو ما يعرف في الغناء الشعبي ذي الطابع الأدائي بالساكن، وعندما نذكر الكناوي هنا فإننا لا نستثني الثقافة الزنجية والتي يسجل حضورها في المغرب حضور الوثنية واستحضار الآلهة وأشباحها والتي تأخذ تعبيرات مجازية في الشرفاء والأولياء، رغم أنها تقدم كفن ناسوتي يهم الناس في حياتهم وكيفية إعادة النظام الثقافي العام والصورة الممثلة لهذا الطابع نجدها حاضرة وبشكل مادي في آلات الإيقاع ووسائل إنتاج هذه الفرجات ذات طابع مسرحي خاصة في طقوس حفلات هرمة بوجلود جلد الأضحية المقدمة في عيد الأضحى تعبيرا على تحقيق الرؤيا الإبراهيمية كأضحية بديل عن سيدنا إسماعيل، يصبح بديلا لتطهير دنس الإنسان على الأرض والذي يتخذ هذا الجلد لباسا له اعتقادا بتحقيق التطهير أو ما يسميه أرسطو بالكتارسيس من أجل إعادة التوازن للنظام الاجتماعي والثقافي وهذه دلالة آخرى لمفهوم الموسم بالمعنى الديني والذي لا يقوم كطقس إلا على ما هو فرجوي باعتبار هذا الأخير هو ما يعطي قوة ملموسة لتحقيق الصفاء والتسامح، وضمن هذه الفرجات تندرج مسرحية سلطان الطلبة كنموذج للإقرار السياسي لهذه الفرجات والسماح بها من أجل إعادة إنتاج نظام النسق الثقافي المبني على تحالف المخزن ملاحظة أخرى نشير إليها هنا وهي أن رسوخ هذه الممارسات في مناسبات دينية مما يعطي معنى الفرجة المسرحية المغربية كما أننا نسجل أن طقسية المكان لها دلالتها كذلك ساحات الأضرحة أمام أبواب المساجد تماثل والى حد كبير ما يمنحنا إياه ظلام المسرح وسكينته ومواقيت الفرجة فيه بعد صلاة العشاء.
إن رسوخ هذه الممارسات المسرحية وانبثاقها من تربة فكرية تنتمي لتشكل وتكون الثقافة المغربية بتعددها وتنوعها واختلافها حسب طبيعة مكونات الساكنة المغربية وفي مختلف عهودها التاريخية انصهارا بتكوينات الدول في المغرب باعتبارها مكونات السلطة المركزية جعل هذه الممارسات المسرحية لا تخرج عن كونها ممارسات مسرحية تتم تحت نبض هذه السلطة وتحت أعينها الشيء الذي يجعل هذه الممارسات مندمجة بشكل أو بآخر كممارسات رسمية أي أنها وبمشاركة السلطة المركزية فيها ممارسات الثقافة السائدة وبطبيعة الحال سيتم التخلي عن التدخل المباشر في انتظامها وقيامها بعدما ترسخت كآليات من آليات إعادة الإنتاج النظام الثقافي العام للبلاد باعتبارها نسقا سياسيا وهكذا نجد الوجدان الشعبي سيلعب دورا أساسيا في إعادة إنتاج هاته الفرجات بينما ستصبح آليات إنتاج النظام في حد ذاته متجهة وجهة اقتصادية وسياسية خاصة لاستتباب نظام الحكم بينما تلعب التقاليد والعادات والممارسات الطقوسية دورها في المجال الثقافي الرمزي ومنها الفرجة والتي لا تحضر في إطار الممارسة الرسمية إلا كتقاليد للنظام وهي مناسبات تجديده مثلا الطقوس الفرجوية في البيعة والمناسبات الدينية والوطنية لأن ممارسات هذه الطقوس وبهذا الشكل ستصبح من مضمرات المؤسسة السياسية القائمة وأبطالها وكأنها مضمرات أسطورية.
ومن هنا ستنطبع الممارسة الثقافة العامة بالبلاد بتتبعها للسياسي أكثر من تبعيتها للثقافة العامة للبلاد، علما بأن الممارسة الثقافية كانت هي الأساس الذي قام عليه النظام السياسي ولنا أن نعطي مثالا بفرجة سلطان الطلبة وصلاة الاستسقاء وحفلات البيعة، ومن هنا نستنتج أن الممارسة المسرحية المغربية متأصلة في النظام الثقافي العام للبلاد كما أن لها مرجعيات في تثبيت وترسيخ النسق السياسي العام، وما يدل على ذلك نظام الزوايا في المغرب وكيفية إحياء حفلاتها الطقسية بين الشيوخ والمريدين وهي ذات الطقوس التي تجمع الحكام بالمحكومين وما يوضح ذلك على مستوى الفرجة المسرحية هي طقسية اعبيدات الرمى كمنطلق فني شعبي لاندماج وتزاوج ثقافات الساكنة الأول القبائل العربية النازحة من الشرق إضافة لليهود المقيمين قبل وفود القبائل العربية ومجيء الإسلام والتي تجلى في أنواع فنية شعبية أخرى مشابهة تماما لفرجة اعبيدات الرمى ونعني بذلك امعشارن والهيولة غير أن طبيعة فرجات اعبيدات الرمى وفي ارتباطها أولا بالطبقة الاجتماعية السائدة باعتبارهم مالكين لوسائل الإنتاج في مجتمع زراعي سيجعلهم يمثلون هذه الصفة بتحالفهم ومساندة رجال المخزن لهم، سيجعل في الفرجة الولاية لهم تنتقل بشكل آلي للأضرحة والأولياء كرمز لبركة الولي والتي هي بركة مستوحاة من مؤسس الدولة المغربية وهذا راجع بالأساس للممارسة الفرجوية القائمة على المزج بين الديني والدنيوي وهنا نستحضر معنى الأكليروس في القرون الوسطى بأوروبا ومسرح صكوك الغفران بالكنيسة كما أن هذا المزج بين الديني والدنيوي سنجده في ممارسات فرجوية أخرى لها صلة عميقة بالممارسات الفرجوية لعبيدات الرمى والمتجلية مع الظواهر العيساوية والحمدوشية والكناوية وذلك بسبب انتقال ولاية الأعيان والأسياد للفقهاء والصناع التقليديين في علاقتهم بالمخزن عن طريق نظام الطوائف/المزوار وأمناء الحناطي في مجتمع سيعرف في تحولاته بالانتقال من نمط الإنتاج الزراعي الى نمط إنتاج صناعي تقليدي غير متطور وتبعا لهذه التحولات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والتي لها معنى على المستوى السياسي سيجعل بالضرورة انتقال نموذج الفرجة المسرحية بما هي فرجة تابعة للسياسي كما رأينا وبالتالي جعل النظام الثقافي العام تابعا للسياسي وكل تعثر أو انفلات في الممارسات المسرحية المغربية يبقى رهينا بطبيعة هذه العلاقة وغالبا ما تكون التعثرات والانفلاتات نابعة من مطلب استقلال الثقافي عن السياسي فيما يقوم به القائمون على الفرجة كممارسة مؤسسة ثقافيا، ومن هنا نفهم كذلك لماذا تظل الممارسة الثقافية بلا دعامة والمسرحية الفنية خاصة مرتبطة بالمجال العام ومستتبعاته.
إن الممارسة الحديثة للمسرح المغربي والتي يعتبرها المؤرخون للمسرح المغربي بدايات له والمحددة في عشرينات القرن الماضي وتحديدا سنة 1923 ليست إلا امتدادا طبيعيا للممارسات المسرحية المغربية التي رأينا ترسخها وتتبعنا صيرورتها حسب ما فرضته ظروف التواجد الاجتماعي للناس وفي انخراطها التام مع تشكل وتكون المجتمع المغربي في انبنائية نسق نظامه الثقافي العام، إذ نجد هذا واضحا في تعاطي مكونات هذا المجتمع خاصة أطره المعرفية التي كانت تتحمل المسؤولية لانتظام هذه الفرجة حيث سيحضر في صناعة هذه الفرجة وتلقيها الفقيه والصانع التقليدي ومقدم الطائفة ومريدها ومن خلال هؤلاء سيكون حضور المؤسسات التي ينتمون إليها مثلا جامعة القرويين بفاس وجامعة ابن يوسف بمراكش وأمناء الحناطي بمختلف أنواعها مثلا الذباغة والدرازة ..إضافة إلى القيمين على الزوايا والأضرحة من شيوخ الطرق الصوفية، ورجال المخزن للسلطة المركزية سواء كممثلين لهذه السلطة أو حسب انتمائهم لمركزية وموقع الفقهاء أو منتمين للزوايا والطوائف بحيث سيلعب هذا الاندماج القوي في دواليب السلطة والانتماء الاجتماعي لأصولهم الطبقية دورا قويا في استمرارا هذه الممارسة المسرحية وبالتالي التعيير عن امتدادها وسريان فعلها في انبناء النسق الثقافي والنظام العام كما سيزيدها قوة ورسوخا الحضور والتواجد الاستعماري بالبلاد، ومن خلال فعلها الثقافي هذا ستعمل الأطر على ربط الممارسة المسرحية بالسياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي ستكون عليه البلاد كقوة للمقاومة خاصة وأن وشائج الصلة ستتدعم بينها وبين المقاومة في المشرق لنفس التواجد الاستعماري الذي أصبحت عليه بلدانها في بدايات القرن التاسع عشر والقرن العشرين، إن السمة الاجتماعية والثقافية والسياسية هي عنوان هذه المرحلة في الممارسة المسرحية كما أن سمة الامتداد التي أشرنا إليها سيجعلها ممارسة ثقافية ذات حدين : حد المقاومة الداخلية والذي لعبته هذه الممارسة في رفع مظالم الناس ومطالبهم أمام ممثلي السلطة والأعيان بانخراطهم فيها وحد تحويلها كممارسة ثقافية لمقاومة خارجية ضد التواجد الاستعماري الأجنبي مع ملاحظة تنامي الوعي بهذا الدور الجديد لهذه الممارسة في التقائها وتواصلها مع ما يتم في المشرق العربي وهذا في نظرنا هو السبب الذي سيجعل الاهتمام والإنصات والاحتفاء بالفرجة بالفرق المسرحية الوافدة على المغرب من المشرق كما أن دور الفقهاء في هذه الحركة الثقافية سيكون بارزا وواضحا لأنها دعوة جهادية تعتمد التوعية ضد الوجود الاستعماري وضرورة مقاومته، ومن جهة ثانية نشر الثقافة كما أن الموقع الجغرافي للمغرب سيجعله جديرا بهذه المهمة، فضلا عن كون المغرب من البلدان العربية التي تأخر استعمارها نظرا لوجود نزعة المقاومة لدى ساكنتها والتي لا يمكنها بفعل هذه الممارسة الثقافية المتجذرة فيه منذ تكونه وتشكله تاريخيا وكما أسلفنا من هذا البعد الثقافي الذي كان يعد مؤسسا للاجتماعي والسياسي فيه حيث نجد سمة التأخر في استعماره كانت سمة كذلك حاضرة في تأخر دخول الإسلام له، غير أن تشبع المغاربة بقيم الإسلام وقيم الثقافة العربية سيجعل منه حصنا منيعا ومنطلقا لإعادة انتشار هذه القيم وهو ما سنلاحظه في فتح الأندلس والاندماج فيه والامتداد في إفريقيا .
إن دلالة وحضور أسماء بعض الفقهاء في الممارسة المسرحية الحديثة في المغرب أمثال محمد القري، والمهدي المنيعي وعبد الواحد الشاوي ليؤكد ما ذهبنا إليه في تحليلنا هذا، خاصة وأن بروز هذه الأسماء في هذه الممارسة جاء في لحظة التقاء بين امتدادات هذه الممارسة المسرحية وفي شكلها التقليدي المحلي وانسجامها مع طبيعة انبثاقها كوعي فني ثقافي سياسي تعبيرا على طبيعة تشكل وتكون المجتمع المغربي إنذاك حيث كانت هذه الممارسة ووفق طبيعتها المشار إليها بالتقليدية تعبيرا آخر عن الوعي بالذات والإفصاح عن هذا الوعي بعفوية وتلقائية للانخراط في شرط وجودها الاجتماعي ومن الطبيعي أن تكون هذه الممارسة المسرحية والتي وسمناها بالعفوية والتلقائية ممهدا لما سيلي في تطور هذا الوجود والتفاعل معه بكل ما تحمله من جديد في إطار هذه الممارسة وهو ما جاءت الأسماء المذكورة للتعبير عنه، والتعبير في نفس الوقت على أن الممارسة المسرحية المغربية كانت موجودة كما سبق وأوضحنا ذلك، علما بأن الخلفية الفكرية التي تحرك في إطارها هؤلاء الفقهاء كانت خلفية سياسية نظرا لانتمائهم للحزب الشيوعي الفرنسي وهو الشيء الذي سيحذوه فقهاء وعلماء آخرين بالانخراط في الممارسة المسرحية والدفاع عن شرعيتها لأنهم كذلك ينزعون في ذلك منزعا سياسيا الشيء الذي سيجعل الممارسة المسرحية المغربية تنخرط في العمل السياسي ونتيجة لهذه العلاقة في وجود وانبثاق الممارسة المسرحية المغربية من طبيعة التكون الاجتماعي وتشكله على أرض الواقع بمختلف ألوان طبيعته السياسية وحسب الدول التي أنتجها هذا الواقع بحيث لم يكن السياسي بداية الأمر هو المتحكم في وجود هذه الممارسة بل كانت هي المحدد له مما يجعل البعد الثقافي حاضرا وسابقا للوجود السياسي عكس ما أصبحت عليه الممارسة حاليا، إذ يمكننا القول إن وجود المغرب الثقافي والفني والمسرحي كان هو الوجود الأول، عكس ما نجده لدى شعوب أخرى خاصة في المجتمع اليوناني والذي يعتبر جينالوجيا هو أب ومنطلق الممارسة المسرحية لدى الغرب، إن هذا الوضع في تكون وانبثاق الممارسة المسرحية المغربية وفي عودة استئنافها كامتداد للممارسة المسرحية المغربية الحديثة ومن نفس الأطر المعرفية والمؤسسات الثقافية والفنية في نسق النظام الثقافي العام هو ما سيعطيها الريادة والسبق في الثقافة المغربية الحديثة حيث سبق لنا في دراسات أخرى أن نعتنا هذا السبق والحضور القوي للممارسة المسرحية المغربية بأنها هي رأس رمح الثقافة الوطنية وهذا ما نجده وبوضوح قوي طيلة عقود القرن الماضي وابتداء من عشرينياته.
إن ارتباط التجربة المسرحية المغربية ومنها العربية بالنسق الثقافي العام لم يكن ارتباطا استدماجيا بقدر ما كان ارتباطا عضويا وهذا ما حاولنا تلمسه في هذه الدراسة والتي لم يكن هدفها إبراز الارتباط السياسي كنسق ونظام ثقافي عام بالمسرح بل إبراز انبثاق التجربة السياسية من الممارسة المسرحية وليس العكس .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.