أبرز ملفات الدخول الحكومي المقبل تواجه الحكومة في دخولها الحالي العديد من الملفات ذات الأهمية القصوى، تتوزع بين ما هو ذو طابع اجتماعي، يرتبط بتعزيز الترسانة القانونية في مجال الحماية الاجتماعية، وبين ما هو ذو طابع اقتصادي سيعزز المكتسبات التي حققها المغرب خلال السنتين الأخيرتين، بالرغم من ظروف الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية. ويأتي مشروع القانون المالي لسنة 2011 في صدارة المشاريع الكبرى التي تواجهها الحكومة، خصوصا في ظل التقرير الأخير لبنك المغرب، وفي ظل المعطيات التي أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط بخصوص الميزانية الاستشرافية للسنة المقبلة. ويأتي إعداد القانون المالي للسنة المقبلة في ظل تنبيه بنك المغرب في تقريره الذي قدمه عبد اللطيف الجواهري الأسبوع الماضي أمام جلالة الملك، إلى الخلل الذي يعاني منه الحساب الجاري لميزان الأداءات، الذي لم تتمكن مداخيل القطاع السياحي وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج من تقليصه. ورغم أن التقرير السنوي لبنك المغرب ثمن المكتسبات التي حققها الاقتصاد الوطني، أساسا في مجال التحكم في مستوى التضخم الذي سجل أدنى مستوياته، رغم الظرفية الاقتصادية العالمية؛ إلا أن مشروع القانون المالي للسنة المقبلة سيتم تهييؤه على أساس التقشف، مع التوصية بضرورة الرفع من القدرة التنافسية للقطاعات الإنتاجية، وتقوية الحكامة الجيدة للسياسة العمومية وتوفير مناخ جيد للأعمال. وركزت توقعات المندوبية على عدة فرضيات، منها توقع متوسط إنتاج حوالي 70 مليون قنطار من الحبوب خلال الموسم الفلاحي 2010 – 2011، ومواصلة السياسة المالية العمومية المتبعة خلال هذه السنة، في الجانب المتعلق بترشيد نفقات الاستثمار ودعم أسعار الاستهلاك. وتوقعت المندوبية السامية للتخطيط أن يبلغ معدل نمو الاقتصاد الوطني خلال السنة المقبلة حوالي 4.3 في المائة، وانتعاشا للأنشطة غير الفلاحية نتيجة تحسن الأنشطة الموجهة إلى التصدير، وارتفاع الناتج الداخلي الإجمالي غير الفلاحي بحوالي 5.4 في المائة. وأفاد تقرير للمندوبية السامية للتخطيط أن الاقتصاد المغربي سيستفيد بالأساس من ارتفاع الطلب العالمي الموجه إلى المغرب، وتواصل حيوية الطلب الداخلي نتيجة استمرار تعزيز استراتيجيات التنمية القطاعية. في مجال الأسرة والتضامن، توجد على طاولة الحكومة ثلاثة مشاريع قوانين تنتظر الخروج إلى حيز التطبيق، في مقدمتها مشروع القانون المتعلق بمحاربة العنف الزوجي، الذي سيحد من ظاهرة الزوجات المعنفات، بالإضافة إلى القانون المتعلق بخدم البيوت، فضلا عن مشروع القانون المتعلق بتحسين وضعية المعاقين. وتنعقد الآمال على الوزارة المعنية لحث السلطة التنفيذية، وخصوصا الأمانة العامة للحكومة، للإفراج عن المشاريع الثلاثة لتأخذ مسارها في مسطرة التصديق، وعرضها على مجلس الحكومة قبل إحالتها على البرلمان. وسبق لوزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، نزهة الصقلي، أن أعلنت عزمها على مضاعفة جهود الوزارة لإخراج هذه النصوص إلى حيز الوجود، نظرا لأهميتها الراهنة. ومن المنتظر أن يتم الإفراج عن القانون المتعلق بمحاربة العنف الزوجي في الدخول الحكومي المقبل، وإحالته على البرلمان من أجل المصادقة عليه. بينما يتوقع أن تطول مدة انتظار الإفراج عن القانون المتعلق بخدم البيوت، الذي سيضع لا محالة حدا لظاهرة تشغيل الخادمات القاصرات في البيوت. هذا التوقع يستند إلى أن الأمانة العامة للحكومة لا زالت تحتفظ بالنص في ثلاجتها، دون أن تعطي أي تبرير لهذا التأخر في إصداره. نفس الأمر ينطبق على القانون المتعلق بحماية الأشخاص المعاقين، الذي لا تشير أي بوادر إلى قرب الإفراج عنه. بالموازاة مع هذه النصوص الثلاثة التي انتهى إعدادها ما بين بضعة أشهر وبضع سنوات، تنكب وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن على وضع اللمسات الأخيرة للإستراتيجية الوطنية المتعلقة بالأشخاص المسنين، من خلال إتمام المشاورات مع الفاعلين المتدخلين في المجال، وهو الورش الذي سيمكن المغرب من التوفر على منظور مستقبلي للتعامل مع كافة القضايا المتعلقة بالأشخاص المسنين. ويدخل البرنامج الاستعجالي المتعلق بتسريع وتيرة إصلاح منظومة التربية والتكوين سنته الثالثة، وهو من بين أحد الملفات الشائكة التي تطرح على الحكومة ..... هذا البرنامج الذي حظي قبل سنوات بتوافق بين جميع مكونات المجتمع، استنادا إلى التقرير الوطني حول حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها الذي أصدره المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008، على عهد المستشار الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه؛ يتمركز أساسا على تعميم ولوج الأطفال إلى التعليم، والاحتفاظ بهم في المنظومة التربوية إلى غاية نهاية مرحلة التمدرس الإلزامي. وهو الرهان المرتبط بضمان مقعد لكل طفل بلغ سن التمدرس الأولي، بعد أن أثبت التقرير المشار إليه أن أعدادا كبيرة من الأطفال، تقدر نسبتهم على التوالي حوالي 13 و17 في المائة في التعليم الابتدائي وفي التعليم الثانوي الإعدادي، البالغين سن التمدرس لا يلتحقون بالمدرسة أو يغادرونها قبل بلوغ السن الإلزامية. وشكلت منظومة التربية والتكوين إحدى الدعائم الأساسية التي ركز عليها تقرير البنك المركزي، حيث شدد على ضرورة التعجيل بالتدابير الرامية إلى التحسين المستمر لهذه المنظومة. ومن القضايا الأخرى المطروحة على جدول السلطة التنفيذية توسيع برنامج «تيسير» الذي وضع تحت إشراف كل من وزارة الشؤون الاقتصادية والشؤون العامة للحكومة، ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، الذي يستفيد منه حاليا حوالي 290 ألف مستفيد. وهذا البرنامج يتوخى مساعدة الأسر الفقيرة والمعوزة في إطار محاربة الهشاشة من جهة، والهدر المدرسي من جهة ثانية وتشجيع الأسر على البقاء على أطفالها في المدارس. وتتطلع وزارة الشؤون الاقتصادية والشؤون العامة أن يأخذ القانون المتعلق بالتعاونيات طريقه في مسطرة المصادقة، وهو المشروع الذي سيمكن من توفير نص قانوني جديد يؤطر العمل التعاوني بالبلاد، وفق منظور جديد يستوعب التطورات التي عرفها هذا المجال في السنوات الأخيرة. ومع بداية الدخول السياسي المقبل، وفي أفق الدخول البرلماني فإن الحكومة تنتظرها ملفات كبرى من شانها أن تعيد الحياة إلى المشهد السياسي بالبلاد.