تحتل المزاجية كنمط تفكير وآلية من آليات التفاعل الاجتماعي نسبة غالبة في مجتمعنا الذي يحبل بالتناقضات والطرق الخاطئة في التربية و الظروف والعوائد والاوضاع الاجتماعية التي تؤطر عواطف الفرد وتشكل نسق قيمه .. وقد ذهب بعض الباحثين الى القول بأن أغلب المزاجيين لاذنب لهم .. لأنهم ليسوا هم المسئوولين عن هذه الصفة المركوزة في طبائعهم وحدهم ..ولا يمكن بحال التسليم بما تذهب اليه هذه القراءات المتسرعة والمبتسرة بل ان ثمة اسبابا كثيرة ومتعددة تساهم إن بشكل مباشر او غير مباشر في انتاج هذا الشعور بالمزاجية والاضطراب في التفكير الذي يكون بعيدا عن التفكير المتوازن والعقلاني .. الذي يزن الامور بوزان العقل والحكمة.... وقد عرف علماء النفس المزاجية بأنها عدم الاستقرار على حال واحد من السلوك والتصرفات .. فالاستمرار على وتيرة واحدة من طبعٍ واحدٍ لايتغير ولايختلف .. فمن الصعب أن تجد الشخص دائما وهو منشرح الصدر مبتسماً هادئا .. وأيضا لايمكن أن تجده على النقيض من ذلك على حالٍ واحد من الانقباض والخمول .. مثله مثل بقية ماخلق الله في كونه العجيب من تغير المناخ أو الطقس وتعاقب الليل والنهار واختلاف الالسن والالوان والاديان والاعراق لكنّ المزاجيّ السلبيّ هو الذي يأتي تصرفات ويقوم بأفعال لا يتوقعها منه الآخرون .. كأن يثور في وجهك غاضباً بلا سبب بدر منك .. أو أن يقول لك ( لا ) في وقت ينبغي أن يكون الرد ب ( نعم ) الطامة الكبرى عندما يتحلى بهذه الصفة السلبية مسؤول ممن عهدت اليه مصالح الناس .. فيؤدي سلوكه المتقلب هذا الى اغتيال حقوق المرتفقين .. ولا يكون الامر قصرا على هذا، بل يتحول هذا السلوك مع تطاول الزمن الى ثقافة خطيرة يسري سمها الزعاف الى مفاصل المجتمع كله فتصيبه بالاعتلال والضمور .. تقودك قدماك وحظك العاثر معا الى احدى المصالح الادارية تتأبط أوراقك وملفاتك تدلف الى مكتب أحد المدراء وربما قد سبقك طابورٌ مماثل من الناس ممن لهم نفس الطلب المراد إنجازه من هذا المسؤول وقد وقع على بعض طلباتهم بالموافقة فتفاجأ به قائلاً لن أوقع أوراقك ... فإن سألته عن السبب فإنه لن يعدم المعاذير التي تسعفه في إسكاتك إما بقوله : ( هذا شغلي وأنا عارف اش كندير ) أو يقول لك لامزا غاضبا لا تكثر الكلام عليّ والوقوف أمامي فقد سمعت ماقلت لك .. أو يجلد سمعك بكلمات لم يلق لها بالا أاوداجه محمرة منتفخة يهوي بها في اغوار نفسك سبعين خريفا " توكل على الله الشريف الباب اوسع من اكتافك" أو في أحسن الأحوال يستدعي معاونه لإخراجك من مكتبه وهكذا !! نحن نعيش هذا الوضع منذ عرفنا شخصا إسمه المدير أو الموظف أو المسؤول .. أو إلإدارات الحكومية على مختلف ألوانها وصنوفها ..وكم من مصالح عطلت بسبب من هذا المنطق الأرعن وكم من قلوب انفطرت حسرة وأسى وكم من الخلائق كانوا موضع سخرية ونكاية من قبل هؤلاء الاشخاص المزاجيين الذين يشتغلون بمنطق الفلاحة في السياسة اذ يعتبرون الادرات التي يتولون مسؤوليتها محالاً تجارية يغلقونها متى شاؤوا ويفتحونها أنى شاؤوا .. وعلى هذا الجرف الهار تشكلت سلبياتٌ كثيرة في مفاهيم الكثيرين من العاملين في القطاعات الحكومية وغير الحكومية وتأثر المرؤوس بالرئيس حتى تعايش الناس مع هذاالواقع المقرف وعرفوا أنه لامناص عنه ولابد منه ، واستمرت المزاجية تتفشى في تصرفاتهم .. حتى تناسلت المصائب وانعدمت الثقة ولجأ الكثيرون إلى التوسل بالشفاعات المحمودة و المذمومة على السواء، حتى صار من لاواسطة لديه محروماً من أبسط حقوقه... وحتى لا نكون سجناء نظرة عدمية مانوية تنظر الى هذا الواقع بمنظار الابيض والاسود...فإننا نقول ثمة خيوط ضوء تتسرب بخجل وبثقة وتؤدة تخترق أسوار هذا الليل البهيم...منطقة رمادية آخدة في الاتساع..