عشرون عاما مرت على خطاب الدارالبيضاء ، خطاب كان علامة مميزة في تاريخ المغرب الحديث حيث شكل منعطفا كان بالإمكان أن ينقل المملكة المغربية من واقع إلى آخر لو أن الذين يعتلون مناصب المسؤولية في كل المواقع إلتقطوا الإشارة القوية للخطاب وفعلوها واقعا على الأرض . عشرون عاما مرت على خطاب أطلق فيه الملك وهو في بداية سنواته في الملك المفهوم الجديد للسلطة هذا المفهوم الذي كان على كل ممثلي السلط أن يعملوا على بلورته كما كان الملك يتمنى ومعه الشعب الثواق إلى الإنعتاق من تسلط من يمثلون السلطة بمختلف تلاوينها . لقد طفت على السطح في الآونة الأخيرة أحداث ووقائع أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن معارك الوعي بمناصب السلطة في مهب الريح رغم ماقمت به المملكة المغرببة من جهد جهيد في إرصاء دولة الحق والقانون من خلال بناء ترسنة تشريعية تضاهي عددا كبيرا من البلدان المتقدمة إلا أن الذين يمثلون السلطة في مناصب المسؤولية لم يدركوا ان المفهوم الجديد للسلطة الذي جاء به الملك لم يكن إلا السبيل الأمثل لطموحات الشعب في المرور إلى مجتمع حداثي تقدمي وأصيل كما أن هذا المفهوم كان بإمكانه لو تم تفعيله أن يجنبنا البحث عن نموذج تنموي جديد . إن الذين يمثلون السلط بمختلف أشكالها يسبحون في فضاءات أقل مايمكن أن يقال عنها أنها بعيدة كل البعد عن الواقع المعيشي للمواطن والمجتمع وبتعبير آخر أن هؤلاء يعيشون في عالم تناظري في ما المجتع يعيش حلم العالم الرقمي وشتان مابين العالمين ؛ إنها صورة لواقع مشتت بفصامية لانملك في الوقت الحاضر إلا الدعاء لها بالشفاء العاجل . إن واقعة طنجة بين رجل القوات المساعدة ونائب وكيل الملك تضع الأصبع على الجرح في مشهد درامي ومؤلم لما آلت إليه أحوال السلط في بلدنا ونحن في القرن الواحد و العشرين إذ أن كل منهما حاول الإستقواء بالسلطة التي يمثلها ونحن نعلم أنه إذا إلتقى ساكنان يكسر أحدهما . لقد كانت مدينة طنجة تعج بالمارة جيءا ومشية ولم تسجل حادثة على هذا المستوى إلا عندما أراد رجل القوات المساعدة ان يشهر سلاح سلطته امام سلطة وكيل الملك الذي ربما إعتقد ان السلطة التي يمثلها تشفع له بالتجوال في المدينة دون أوراق هوية اللهم ما كان من هاتف يشهره سلاحا بالإتصال بمن يعرف بهويته وهذا كله حسب قوله على الفيديوهات التي أطلقها . صحيح أن القوات المساعدة يمثلون السلطة العمومية يتم اللجوء إليها في العديد من الحالات لحفظ النظام وفرض الأمن إلا أن هذا الجهاز ليس فوق القانون خاصة حين يتعلق الأمر بممارسة العنف وهو إجراء مرفوض ومدان إنسانيا قبل القانون . وصحيح أيضا أن كل الذين يمثلون سلطة النيابة العامة هم أشخاص ليسوا كبقية الناس لكونهم يمثلون الدولة في أعظم ركن من أركانها إلا أنهم ليسوا فوق القانون بل عليهم أكثر من غيرهم أن يكونوا مثالا يحتذى في تطبيق القانون على الأرض سلوكا وممارسة . إن واقعة طنجة لم تكن إلا مثالا وازتها أمثلة أخرى من قبيل قائدة مدينة اليوسفية وعون سلطة الذي إعتدى على شيخ تسعيني وأمثلة أخرى لا داعي للعودة إليها تشمل الكبار والصغار في مناصب السلطة لكن لابد لنا أن نعرج على بعض السلوكات التي لم تعد مقبولة بفعل المد التاريخي الذي إنتصر عليها ؛ وفي هذا الصدد نعرض لواقعة إستوقفتنا حينما تجمع عدد من المحامين وهم في وقفة إحتجاجية لمآزرة زميلهم وأغلبهم دون كمامات كما يفرضها القانون ولم يحترموا التباعد الإجتماعي كما نتساءل عن شرعية هذه الوقفة من الناحية القانونية ونحن نعيش حالة الطوارئ ؟ خاصة أنهم يمثلون النيابة الخاصة والقضاء الواقف كما يمثلون سلطة القانون . وعلى غرار كل هذه الأحداث لا يمر يوم دون ان نصادفة حادثة مماثلة لممثلي مختلف السلط وهم يخرقون وينتهكون الأعراف والقوانين بإسم المناصب التي يشغلونها كأن تجد صحافيا يشهر بطاقته المهنية وكأنها جواز المرور يمكن إستعمالها في كل الحالات وان تجد من كان رئيسا للبرلمان ووزيرا للشباب والرياضة في شبهة تهرب ضريبي فقط لأنه قيادي سياسي وان تجد وزراء في الحكومة في قطاعي حقوق الإنسان والتشغيل لا يصرحون بمستخدميهم في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي رغم ما يظهرونه من عبقرية في الترافع داخل قبة البرلمان عن الحقوق وأن تجد رئيسا للقطب السمعي البصري العمومي يترأس الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة يخرق القانون صباح مساء خارج سلطة الرقابة القانونية وأن تجد رئيس اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي يقدم تقاريره للسفيرة الفرنسية قبل جهة وطنية فقط لأنه يحمل جنسية بلدها . إن القياس على مثل هذه الأمثلة قد يطول ويطول لكن لا بد من الإشارة إلى قطع يستهلكه المغاربة بشكل مباشر أو غير مباشر ألا وهو قطاع العدالة إذ أن الذين يزرون المحاكم سيدركون حجم الإنتهاكات التي تتم بقصد وغير قصد وبوعي أو بغير وعي كما ترصدها التحاليل المخبرية بأعين المرتفقين ولأنه في بعض الحالات حاميها حرمها فإن تتبع المخالطين يندرج في صنف المستحيلات لتظل معارك الوعي بمناصب السلطة في مهب الريح حتي إشهار آخر .