وصل التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا مداه الأقصى في التعاون بين البلدين في هذا المجال. وقد قطع كل المراحل ليتجاوز تبادل المعلومات والمعطيات إلى مرحلة التنسيق الميداني، وهو التعاون الذي أعطى ثماره في محاربة الجريمة المنظمة وتهريب البشر وتبييض الأموال والاتجار في المخدرات وأساسا في محاربة أخطر ظاهرة يعرفها العالم حاليا ويتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب. وللتدقيق أكثر فإن التعاون الأمني بين البلدين له مستويات متعددة، وهي مستويات تخضع لطبيعة التحديات ونوع العلاقات، فهناك التنسيق الميداني، وهو ما يجمع الأمن الإسباني بنظيره المغربي، وهناك تبادل المعطيات والمعلومات، وهناك مستوى أدنى لا يعرفه كثيرون يتعلق بغض الطرف عن نشاط معلوماتي لهذا البلد أو ذاك دون حصول تبادل للمعطيات والمعلومات وهناك مستويات أدنى أيضا يعرفها المتخصصون.
وبلغ التعاون الأمني المغربي الإسباني هذا المستوى، بفضل فهم الأجهزة الأمنية للبلدين لاستراتيجية العصابات الإجرامية، سواء كانت من تجار المخدرات أو من الخلايا الإرهابية، وبالتالي حتمت الظروف الإقليمية والدولية على الجارين حماية أمنهما القومي. وما لا يفهمه بسطاء المحللين السياسيين، الذين تستضيفهم القنوات حتى أصبحت وجوههم مقرفة، هو أن الأمن القومي يمتد خارج حدود الوطن.
فالأمن القومي المغربي يمتد إلى خارج الحدود، ولهذا ساهم في الاستقرار في مالي وغيرها من البلدان، ولهذا يصر على التعاون مع دول غربية ومراقبة الوضع في الشرق، لأن الإرهابي ينتمي لتنظيمات عابرة للحدود والقارات، ولهذا يوجد الأمن القومي المغربي في جنوب إسبانيا وغيرها حيث يستقر إرهابيون مستفيدون من القوانين التي تمنحهم مكانا آمنا.
ويعتبر تفكيك خلية إرهابية، الأحد المنصرم، تتويجا لعمل التنسيق الميداني بين إسبانيا والمغرب، ويعكس عمق الرؤى التي يتميز بها الجهازان الأمنيان بالبلدين، وخصوصا المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، التي وضعت استراتيجية عميقة لتحديد مواقع التعامل الأمني الدولي منذ وصول عبد اللطيف حموشي لإدارتها العامة.
كان لزاما أن يصل التعاون الأمني الإسباني المغربي لهذا المستوى، خصوصا وأن المنطقة تعرف تطورا خطيرا للتنظيمات الإرهابية، فأوروبا لم تعد بمنأى عن الإرهاب وأساسا مع فتح أبواب اللجوء التي جلبت معها عشرات الإرهابيين، مما يتطلب مجهودا كبيرا يتجاوز مبدأ تبادل المعطيات والمعلومات إلى مستوى التنسيق الميداني.
لكن ونحن نتحدث عن التنسيق الأمني بين البلدين لا ينبغي أن نفهم أن ذلك معطى واقعي، ولكنه صناعة كبيرة يقف وراءها المغرب، فهذا البلد الإفريقي فرض نفسه على دول المنطقة بل على دول العالم في مجال مكافحة الإرهاب، وكانت رسالة إسبانيا الأولى في هذا الاتجاه هي توشيح المسؤول الأول عن مكافحة الإرهاب بالمغرب عبد اللطيف حموشي، والإشادة بمجهودات الجهاز الذي يديره من قبل وزير الأمن الإسباني كعربون على أن الجار الإيبري لا غنى له عن التنسيق بين البلدين على المستوى الأمني.