وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يتباحث بالرباط مع نظيره السعودي    ولد الرشيد: الجهوية المتقدمة تمر بمرحلة انتقالية تستوجب تقويم منظومة الحكامة الترابية    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    لقاء شي جينبينغ وبوتين يعكس عمق الشراكة الصينية الروسية    ترامب: اتفاق تجاري "كامل وشامل" مع لندن لتعزيز الشراكة    كرة القدم داخل القاعة لأقل من 19 سنة.. المنتخب المغربي يتعادل مع نظيره الإسباني (6-6)    اعتقال مقرب من رئيس بلدية ماربيا الإسبانية بسبب تهريب الحشيش من المغرب    ائتلاف يندد بمتابعة نشطاء "حراك فيكيك" ويدعو لتحرك وطني لوقف "الانتهاكات ضدّ الساكنة"    المحكمة تغرّم جماعة الدار البيضاء 5 ملايين بسبب هجوم كلاب ضالة على مواطنة    قطاع الشباب ينظم محطات وطنية كبرى للإدماج التربوي والتكوين بفاس        الدوري الأوروبي .. مانشستر يونايتد وبلباو في معركة حاسمة وتوتنهام يخشى مفاجآت بودو    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    مجلس عمالة طنجة-أصيلة يصادق على دعم اتحاد طنجة بمليار و400 مليون سنتيم    أتاي مهاجر".. سفير الشاي المغربي يواصل تألقه في "معرض ميلانو" ويعتلي عرش الضيافة الأصيلة    انفجار في مدينة لاهور الباكستانية وإسقاط مسيرة هندية    بوريطة: الملك يعتبر إفريقيا الأطلسية قطبا جيو- استراتيجيا ورافعة للابتكار والصمود    الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    «أول مرة»… مصطفى عليوة يطلق عرضه الكوميدي الأول ويعد الجمهور بليلة استثنائية من الضحك    الحكومة تراجع مدونة الشغل و تتجه نحو التأطير القانوني للعمل عن بعد    محكمة الاستئناف بالرباط تُخفض عقوبة النقيب محمد زيان    مصرع شخص في حادثة سير بين مراكش وورزازات    بعد عام .. "الاستقلال" يترقب اختيار بركة الأربعة المبشرين باللجنة التنفيذية    البرلمان يناقش رئيس الحكومة حول إصلاح وتطوير المنظومة التعليمية    أشرف حكيمي يدوّن اسمه في التاريخ ويصبح المدافع الأكثر تأثيرًا هجوميًا بدوري الأبطال    الدخان الأسود يتصاعد من الفاتيكان.. الكرادلة لم يتوصلوا لاختيار البابا الجديد    وداديون يحتفون بحلول الذكرى ال88 لتأسيس النادي    أبريل 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة عالميا    المملكة المتحدة تجدد تأكيد التزامها بتعميق الشراكة مع المغرب    منصات المخزون والاحتياطات الأولية.. بنيات جهوية موجهة للنشر السريع للإغاثة في حال وقوع كوارث    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لجنة: زيادة مرتقبة للأطباء الداخليين    ارتفاع أسعار الذهب بعد تحذير المركزي الأمريكي من الضبابية الاقتصادية    تعزيزا للسيولة.. بورصة الدار البيضاء تستعد لإطلاق سوق جديدة للمشتقات المالية    السيد ماهر مقابلة نموذج رياضي مشرف للناشطين في المجال الإنساني    الأميرة للا حسناء تزور بباكو المؤسسة التعليمية 'المجمع التربوي 132–134'    صادرات المغرب من الأفوكادو تثير قلق المزارعين الإسبان ومطالب بتدخل الاتحاد الأوروبي تلوح في الأفق    بطولة انجلترا: الإصابة تبعد ماديسون عن توتنهام حتى نهاية الموسم    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    ماكرون يستقبل الشرع ويسعى لإنهاء العقوبات الأوروبية على سوريا    13 قتيلا في الهند جراء قصف باكستاني    الوداد يسخر الأموال للإطاحة بالجيش    سان جيرمان يقصي أرسنال ويمر لنهائي رابطة الأبطال    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    ارتفاع أسهم شركة "تشنغدو" الصينية بعد تفوق مقاتلاتها في اشتباك جوي بين باكستان والهند    استهلك المخدرات داخل سيارتك ولن تُعاقبك الشرطة.. قرار رسمي يشعل الجدل في إسبانيا    باكو.. الأميرة للا حسناء تزور المؤسسة التعليمية "المجمع التربوي 132–134"    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفصل الأول من رواية "عيون المنفى" لعبد الحميد البجوقي
نشر في شمال بوست يوم 16 - 11 - 2014


("المورو" خايمي)
** الفصل الأول **
سعيد اللاجئ
الجو في مدينة مدريد جاف ومنعش، الساعة تشير إلى الحادية عشرة ونصف من صباح الجمعة 22 أكتوبر 1984، سعيد يُحس بنشوة وحيوية مُفرطة وهو ينتظر دوره لاستلام المساعدة التي يقدمها الصليب الأحمر للاجئين، الشارع يغص بالمارة وغجرية ترقص على نغمات آلة قديمة يحركها يدويا رفيقها الغجري وهو يومئ للمارة بوضع بعض البسّيطات في صحن موضوع على الأرض. لحظات ويصل دورسعيد ليطل عليه من الشباك رجل بنظارتين في الخمسينيات من عمره، ويسأله مستعجلا: اسمك ؟ ورقم بطاقة المساعدة؟ والجنسية من فضلك؟
أجابه سعيد بسرعة في انتظار أن يمده الرجل بالمساعدة، وقبل أن يفعل، بعد أن عرف أن سعيدا مغربي، نظر إليه بنظرات تنبعث منها الريبة والاستغراب وهو يردد "المغرب بلد جميل، أبي قضى فيه فترة التجنيد العسكري، وجدي شارك في حرب تطوان، وبسرعة، وقبل أن يمد سعيدا بوصل الاستلام لتوقيعه، أردف بصوت خافت:
"مورو يطلب اللجوء؟ غريب"
لم يمهل الموظف سعيدا قاطعا عليه فرصة التعقيب ونادى اللاجئ الذي يليه. أخد سعيد أجرة المساعدة التي كانت توزعها منظمة الصليب الأحمر على اللاجئين وانطلق مسرعا إلى الأوطيل لدفع مستحقات الشهر. قيمة مساعدة اللاجئين لم تكن تتجاوز 22ألف بسّيطة، وبعد دفع 18.000 بسيطة، سومة كراء غرفة في البنسيون لمدة شهر، عليه أن يعيش بالباقي الشهر كلّه، ولم يكن الباقي يتجاوز أربعة آلاف بسّيطة.
نظرت مالكة البنسيون، أبويلا abuela (الجدة) ماريا، إلى سعيد بعطف وهي تستلم منه مستحقاتها وقالت لمساعدتها :
" الشيكو تحسنت لغته القشتالية"
وربتت على كتف سعيد، متابعة كلامها بهدوء، وهي تنظر إليه بعطف:
" قريبا ستجد عملا وشقراء مسيحية جميلة للزواج"
لم يسعفه خجله في الرد واكتف بابتسامة تعبيرا عن فرحه، لكنها عادت ونادته:
" خايمي لاتهتم كثيرا، أنت شاب في مقتبل العُمر وأمامك الحياة، كل الحياة"
رددت أبويلا ماريا كلماتها بصوت خافت وكأنها تتأسف على أمر ما.
انصرف سعيد وهو يُفكر في هذه العجوز، ويُفكر في ما دار بخلدها وهي تحدثه بحنان ورقة، ولماذا نادته باسم خايمي بدل سعيد؟، ترى بماذا ذكرها سعيد وحاله؟ راودته أسئلة كثيرة وهو يشق طريقه في زحام شارع أرينال متجها إلى ساحة باب الشمس Puerta del Sol ومنها إلى شارع كرانبيا الذي كان يُسمى، حتى عودة الديموقراطية، بشارع خوصي أنطونيو Jose Antonioالأب الروحي والإيديولوجي لحزب الكتائب الفرانكوي.
أمام ميترو كرانبيا GranViaكان سعيد على موعد مع فيرناندوFernando، وهو شاب من التشيلي لاجئ مثله، وكلاهما يبحث عن عمل إضافي وعن سكن للكراء للتخلص من حياة البنسيون.
وصل فرناندو متأخرا كالعادة وبرفقته شابة جميلة شعرها أسود وعيناها سوداوان وبشرتها بيضاء ناصعة ، حيّى فرناندو سعيدا وهو يعتذر عن التأخّر، وقدم له الفتاة قائلا:
" إيصابيل Isabel رفيقة الدراسة في كلية العلوم السياسية"
وقدم فرناندو سعيدا لإيصابيل:
"المورو سعيد من المغرب"
اقتربت إيصابيل من سعيد ومنحته قبلتين أثارتا ارتباكه وخجله، انتبه فرناندو لارتباك سعيد وعلق بمرحه المعهود:
" سعيد لا تخجل، أنت في إسبانيا، وتبادل القبل طبيعي وعادي بين الجنسين، فاغتنم الفرصة واستمتع وتخلص من العُقد يا صديقي"
وأردف فرناندو بصوت مرتفع أزعج سعيدا:
" هذا أحسن من عادة الموروس، فأنتم تُقبلون الرجال بدل النساء" .
زادت كلمات فرناندو من ارتباك سعيد الذي حاول أن يرد عليه، لكن الارتباك والخجل منعاه من التعبير، وتلعثم لسان سعيد ببعض الكلمات اختلط فيها الترحيب بالفتاة بالرد على سخرية صديقه فرناندو. كلمات سعيد غير المفهومة، ولكنته الإسبانية المتلعثمة أثارت ضحك وقهقهات فرناندو، فتدخلت إيصابيل بلباقة للتخفيف عن سعيد سائلة عن وجهة الصديقين وعن برنامجهما ذاك المساء، فرد فيرناندو مسرعا كعادته:
" اليوم استلمنا المساعدة، ولعل سعيدا مشتاق لسهرة ممتعة" وأردف بمرح "ما رأيك سعيد؟"
وافق سعيد بسرعة ونسي أنه اتفق مع فرناندو قبل اللقاء على البحث عن منزل للكراء في الضواحي بمجرد استلام المساعدة من الصليب الأحمر، وأن الباحثة الاجتماعية المكلفة بملفيهما كانت قد وعدتهما بمساعدة إضافية لمواجهة مصاريف التسبيق والوكالة العقارية . انصرف فرناندو وصديقته بعد أن تواعدا مع سعيد على اللقاء بعد المساء في حانة غارسيا، وهي حانة شهيرة وقديمة توجد في وسط بلاثا مايور Plaza Mayor(الساحة الكبرى).
توجه سعيد لتوه إلى الحمام العمومي، وبعدها عرج على مطعم اللاجئين بحي لافابييس Lavapies قرب محطة الحافلات وتناول وجبة الغداء، وكان المطعم مكتظا لأنه كان يقفل أبوابه يومي السبت والأحد ويوزع بالمناسبة معلبات وبعض اللحوم والفواكه اليابسة، وعاد سعيد بعدها إلى البنسيون يحمل كيس المأكولات المجففة والمعلبات، وبمجرد أن دخل غرفته، استلقى على الفراش يفكر في الشهور التي مضت منذ وصوله إلى مدريد، وبين الفينة والأخرى تحضره صورة الفتاة التي كانت ترافق فرناندو، وابتسامتها ورائحة عطرها تداعب أنفه مُنغمسا في الذكريات القريبة منذ اغترابه بعد انتفاضة 84 ، وتنتابه أحيانا لحظات من الألم والنشوة في الآن نفسه، وتعود صورة إيصابيل لتذكره بموعد المساء في حانة غارسيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.