قبل أيام من التصويت الحاسم في مجلس الأمن الدولي حول مشروع القرار الأمريكي المتعلق بتمديد مهمة بعثة الأممالمتحدة في الصحراء (المينورسو)، كشف موقع "أفريكا إنتليجنس" الفرنسي المتخصص في الشؤون الإفريقية أن وفدًا قنصليًا أمريكيًا يقوم بزيارة غير مسبوقة إلى مدينة الداخلة، في خطوة اعتُبرت مؤشراً عملياً على نية واشنطن تعزيز وجودها الدبلوماسي في الإقليم المتنازع عليه، وبحسب الموقع الصادر في باريس، وصل وفد من الدبلوماسيين الأمريكيين العاملين في القنصلية بالدار البيضاء والسفارة بالرباط إلى الداخلة هذا الأسبوع لتقييم الأوضاع الميدانية وتنظيم لقاءات مع السلطات المحلية، تمهيداً لافتتاح قنصلية أمريكية في المدينة.
ويشير الموقع إلى أن الزيارة تأتي تنفيذاً لما أعلنه مسعد بولوس، المستشار الخاص للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لشؤون إفريقيا، في 17 أكتوبر الجاري، بشأن "اتخاذ الخطوات الأولى نحو فتح القنصلية". ورغم الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية منذ مطلع أكتوبر، وما ترتب عليه من شلل في أنشطة السلك الدبلوماسي، تمكنت وزارة الخارجية الأمريكية من الحصول على ترخيص استثنائي لتنفيذ الزيارة، في إشارة إلى الأهمية الرمزية والسياسية التي توليها واشنطن لهذا التحرك، والذي يأتي قبل تصويت مجلس الأمن المقرر في 30 أكتوبر الجاري حول مشروع القرار الأمريكي المتعلق بالصحراء. لقاءات مع المسؤولين المحليين بالداخلة أوضح "أفريكا إنتليجنس" أن الوفد الأمريكي عقد اجتماعات مع والي جهة الداخلة – وادي الذهب، علي خليل، ورئيس المجلس الجهوي ينجا الخطاط، ومدير المركز الجهوي للاستثمار بالنيابة أحمد كثير، وذلك في إطار التحضير لتحديد الموقع المحتمل للقنصلية الجديدة. ويضيف الموقع أن هذه الخطوة تأتي استجابةً لطلب مغربي رسمي وُضع منذ سنة 2020 في إطار اتفاقات أبراهام، التي أعادت بموجبها الرباط علاقاتها مع إسرائيل برعاية أمريكية، مقابل اعتراف إدارة ترامب آنذاك بسيادة المغرب على الصحراء. يرى مراقبون أن الزيارة الأمريكية إلى الداخلة تشكّل رسالة دبلوماسية قوية قبيل التصويت الأممي، إذ تأتي في وقت تُواصل فيه واشنطن صياغة مشروع قرار جديد حول الصحراء، يتضمن التأكيد على أن "مقترح الحكم الذاتي المغربي هو الأساس الواقعي والجاد للحل السياسي"، مع الدعوة إلى "استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة". ويُتوقّع أن يصوّت مجلس الأمن يوم 30 أكتوبر على مشروع القرار الأمريكي، وسط مؤشرات إلى احتمال معارضة روسيا أو الصين، في حين تحشد واشنطن وفرنسا الدعم لتجديد ولاية المينورسو إلى 31 يناير 2026 فقط، بدلاً من التمديد التقليدي لمدة عام كامل. دعم أمريكي متزايد للموقف المغربي وبحسب تقرير "أفريكا إنتليجنس"، فإن واشنطن تستعد في نوفمبر المقبل لإعلان نيتها الرسمية فتح قنصلية في الداخلة، في استجابة مباشرة للطلب المغربي، حيث تنظر الرباط إلى المبادرة باعتبارها "تطميناً للمستثمرين الأمريكيين والدوليين بشأن استقرار وأمن استثماراتهم في الإقليم". وأشار الموقع إلى أن وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) كانت قد أعطت الضوء الأخضر للشركات الأمريكية للاستثمار في الصحراء بعد تقييم المخاطر الأمنية، غير أن عملية إنشاء بعثة دبلوماسية دائمة تبقى طويلة ومعقدة وتستلزم ترتيبات مالية ولوجستية كبيرة. ووفقاً للموقع، ستحال نتائج الزيارة على وزارة الخارجية الأمريكية التي يرأسها السيناتور ماركو روبيو، لتحديد الاحتياجات البشرية والمالية واللوجستية. بعدها، سيُعرض المشروع على الكونغرس الأمريكي للمصادقة على الميزانية، ثم يُحال إلى السلطات المغربية للموافقة على أسماء الدبلوماسيين والمقترحات المقدمة من واشنطن. وحال إتمام هذه الخطوات، ستتولى مصلحة المباني الدبلوماسية الخارجية (OBO) الإشراف على بناء القنصلية، على أن يتم نشر الدبلوماسيين بعد الحصول على اعتماد رسمي من الحكومة المغربية. توازنات دقيقة وترقب حذر قبل جلسة مجلس الأمن تأتي هذه الخطوة في سياق يعكس تصاعد التفاعل الأمريكي مع الملف المغربي منذ اعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء في ديسمبر 2020، وهو الموقف الذي لم تتراجع عنه إدارة بايدن رغم تحفظات الأممالمتحدة وبعض العواصم الأوروبية. ويرى محللون أن واشنطن، عبر تسريع وتيرة الحضور القنصلي في الداخلة، تسعى إلى ترسيخ الأمر الواقع ودعم مسار الاستثمار الأمريكي في الأقاليم الجنوبية، بالتوازي مع الحفاظ على قنوات التواصل مع الجزائر والبوليساريو داخل الأممالمتحدة. قبل يومين فقط من جلسة 30 أكتوبر، يعيش ملف الصحراء أجواء من الترقب الدبلوماسي المكثف. وتشير مصادر دبلوماسية في نيويورك إلى أن مشروع القرار الأمريكي لا يزال يثير جدلاً داخل المجلس، خصوصاً بشأن الصيغة التي تربط "الحكم الذاتي المغربي" ب"ضمان حق تقرير المصير لشعب الصحراء"، وهي صيغة وُصفت بأنها غامضة ومزدوجة الدلالة. ويرى مراقبون أن واشنطن تسعى إلى تمرير نصّ يوازن بين دعم المغرب وتطمين الأطراف الأخرى، مع تجنّب أي مواجهة مع روسيا أو الجزائر في المجلس.