الاتحاد الأوروبي يحذر من مخاطر إرسال أساطيل المساعدات الإنسانية إلى غزة    ترامب في مرآة كتاب جديد.. الصحفي سمير شوقي يكشف تناقضات الولاية الثانية للرئيس الأمريكي        تصفيات مونديال 2026.. التشكيلة الرسمية للمنتخب المغربي أمام زامبيا    المنتخب المغربي يهزم زامبيا بثنائية ويواصل العلامة الكاملة    تصفيات مونديال 2026.. تونس تبلغ النهائيات للمرة السابعة بعد فوزها على غينيا الاستوائية        نشرة إنذارية.. زخات رعدية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة اليوم الاثنين    ضحايا زلزال الحوز يحتجون أمام البرلمان في الرباط في الذكرى الثانية للكارثة (فيديو)    مكناس.. التحقيق مع ضابط ممتاز ضبط متلبسا بالابتزاز والمديرية العامة توقفه مؤقتا عن العمل    نسرين الراضي تخطف جائزة أفضل ممثلة إفريقية    وفاة المعلم مصطفى باقبو نجم موسيقى كناوة    بسبب محاكمته.. تأسيس لجنة للتضامن مع الغلوسي    مقتل شاب من مليلية في هجوم مسلح نفذه فلسطينيان بالقدس    المغرب ينتصر على زامبيا ويعزز صدارته لمجموعة المونديال    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد استقلال بلادها    "بايرو" يستنجد بالبرلمان قبل السقوط    إسبانيا تستدعي سفيرها من إسرائيل    «لا بار في شيكاغو» لمحمود الرحبي خرائط سردية تعيد أحياء تائهة إلى مدنها    مصرع شخصين في حريق بدوار مولاي عزوز الملك بمراكش    ارتفاع أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك " على رفع الإنتاج بوتيرة أبطأ ابتداء من أكتوبر    لحظات وداع مؤثرة.. ناصر الزفزافي يودع والدته ويقبل قدمها    "نور الرياض" يعلن مواقع الاحتفال والقيّمين الفنيّين للنسخة القادمة    الوطنية الاحترافية للقسم الأول برسم الموسم الرياضي 2025-2024: النادي الرياضي المكناسي يشحذ أسلحته بطموحات قارية    ربيع القاطي يطرق باب العالمية مجددًا عبر سلسلة "Atomic"    "كناش الحشمة".. أسطورة الرحل فوق خشبة المسرح الكبير بنمسيك    "الاشتراكي الموحد" يقترح منع الاحتكار الانتخابي مع شرط الإجازة للبرلمانيين    اللغة والهوية في المغرب: خمسون عاماً بين الأيديولوجيا والواقع    فضيحة الخطأ المطبعي.. شركة تعدين تخفض مردودية ذهب كلميم من 300 إلى 30 غراما فقط    قرية لمهيريز... صيادون منسيون في قلب الصحراء يطالبون بالكرامة والإنصاف    ميناء طنجة المتوسط يربك مدريد.. وحزب "فوكس" يرفع منسوب التصعيد ضد المغرب    الحكومة تصادق على مشروع قانون تعويض المصابين في حوادث سير    الركراكي: نحترم جميع الخصوم وهدفنا الفوز أمام زامبيا    زخات رعدية وهبات رياح مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من المناطق    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟..    النقابات التعليمية بالحسيمة تنتقد تدبير الادارة للدخول المدرسي وتدعو إلى احترام المقاربة التشاركية    بورصة البيضاء تبدأ الأسبوع ب"الأخضر"    مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يحذّر من انهيار قواعد الحرب حول العالم    القدس الشرقية.. هجوم مسلح يوقع خمسة قتلى إسرائيليين    بنما تعلن حجز 39 طردا مشبوها على متن سفينة قادمة من المغرب        ألكاراز يتوج بلقب أمريكا المفتوحة للتنس للمرة الثانية    الدريوش.. هزة أرضية خفيفة تثير القلق بسواحل تمسمان    الموقف الأمريكي يعزز المبادرة المغربية كخيار وحيد لتسوية نزاع الصحراء    ميناء الحسيمة : انخفاض بنسبة 9 في كمية مفرغات الصيد البحري مع متم يوليوز الماضي            البيئة ليست قضية اختيارية أو محلية بل هي قضية وجود الإنسان والحياة    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    المغرب يسجل واحداً من أعلى معدلات السمنة في إفريقيا.. والنساء الأكثر تضرراً    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    نقد مقال الريسوني    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



امرأة من زمن الجائحة
نشر في شمالي يوم 06 - 01 - 2022

بدا عليها الارتباك والخجل الشديد وهي تتقدم نحوي لتكلمني بصوت خافت ومنكسر بالكاد استطاعت أن تطوع لسانها لتطلق بضع كلمات، لم أتمكن من فك رسائلها. طالبتها بلهجة حازمة بالإفصاح أكثر عما تريده. استجمعت كل رصيدها من الشجاعة والجرأة لتخبرني بالمقصود.
وجهها غير المألوف وحركات يديها المرتعشتين، وهندامها، وتواجدها في مكان غير مألوف، أوقد كل هذا لدي فضولا استثنائيا. سألتها عن حكايتها والأسباب التي دفعتها لتقديم هكذا طلب، وأنا اقول في نفسي لا شك أنها إحدى القصص المختلقة، والروايات المتخيلة والمحبكة في سرد المآسي الاجتماعية والعائلية، لاستدرار العطف والتضامن، لعل راويها يحظى بشفقة تتبعها صدقة.
وبما أنني ككل الناس لا أحب أن أسقط في فخ الاستدرار الخادع، شحدت ذهني و كل اهتمامي لمتابعة الحكاية. وفي كل مرة كنت اقاطعها وأوجه لها أسئلة دقيقة علني أحصل على تناقضات في الرواية، أو بهدف إرباكها وتعجيزها عن الجواب، أو لرصد مكرا معينا.
ولا اخفي سوء ظني في البداية، لأننا اعتدنا سماع قصص مختلقة من أناس مجهولين في الشارع العام، يقتحمون علينا سمعنا وبصرنا بدون استئذان ويشرعون في ترديد اسطوانة المأساة والمعاناة المصنوعة للظفر بجود أو كرم.
بدأت في الإنصات بإمعان، لم تكن الحكاية كباقي حكايات الاستدرار، وفي كل فصل من فصولها كانت الشكوك تتبدد، ويزداد فضولي لمعرفة جزء من الواقع الذي أصبح من فرط إغراقنا في أنانيتنا لا نتلمسه، أو أننا نعلمه لكن لم نعد نحس به.
خديجة امرأة لم تتجاوز الثلاثين من عمرها، تنحدر من مدينة صغيرة في الجنوب المغربي، متزوجة من شاب ينحدر من قرية معروفة بصوفيتها في شمال المغرب ، لا أعرف كيف جمع القدر بينهما. أثناء حديثي معها كانت خديجة منكسرة في كل شيئ إلا في أصولها، فقد بدت جد فخورة بانتمائها الأمازيغي، وسرعان ما أوقفت حديثها بعربية جميلة، لتتكلم بأمازيغية طليقة، وعيناها تزداد اشراقا مع ابتسامة خجولة لم يستطع الوجه أن ينبسط لها. ولم تتوقف إلا حين أدركت أنني "صفر التكوين".
خديجة كانت تشتغل في مستشفى جامعي خاص بمدينة الرباط ولمدة خمس سنوات كمساعدة معالجة في إحدى المصالح ، وتتقاضى أجرا يفوق بقليل الحد الأدنى للأجر، وتتوفر على حماية اجتماعية وعلى انخراط في صندوق الضمان الاجتماعي، كانت سعيد بعملها.
في ذات يوم من أيام الجائحة الحارقة، وهي تتأهب ككل صباح للعمل، تم استدعاؤها على عجل إلى إدارة المستشفى ليتم إخبارها بقرار تسريحها من العمل والاستغناء عن خدماتها. نزل عليها الخبر كالصاعقة وضاقت بها الارض بما رحبت، وتسمرت في مكانها، ولم تقوى حتى على الكلام. انسحبت بهدوء منكسرة الخاطر ومنهزمة. عزاؤها أنها لم تكن الوحيدة المشمولة بهذا القرار، فقد تم تسريح العشرات من المستخدمين.
حصلت خديجة على تعويض مادي من الإدارة، لكنها ستجد نفسها مضطرة إلى ايداعه كاملا لإحدى شركات القرض، لأنها اصبحت عاجزة عن تسديد الأقساط الشهرية، لقرض كانت قد أخذته ومنحته لأخيها لمساعدته على تحقيق حلم الهجرة لإيطاليا.
زوجها يشتغل في عمل حر، لكنه وعلى عكس كرم ناس الشمال، بخيل ولا ينفق عليها إلا لماما. وتحكي انه يتركها تبيت خاوية البطن لمرات عديدة.
خديجة تحمد الله أنها لم تنجب أولادا، وتحكي قصصا صغيرة كيف يشتد بها الضيق والحال، ولا تدري كيف يفرج الله عليها.
عندما يشتد بها الجوع كانت تذهب إلى بيت عائلتها، وحدث مرة أن سمعت إحدى شقيقاتها تقول أنها تأتي عندهم لتأكل فقط. مرت هذه الكلمات كخنجر دام في صدرها. أسرتها في نفسها ولم تبدها لهم، لكنها أقسمت ألا تطرق الباب مرة ثانية.
تقسم خديجة أن زوجها أتى لها ببقايا طعام بعدما تناول العشاء مع عائلته والتي لا تسكن بعيدا عن دارها. تحكي ذلك بمرارة وقد اغرورقت عيناها بالدموع.
خديجة من مساعدة معالجة تعيش بكرامة وجدت نفسها في الشارع، بدون عائلة تلملم جراحها، وبدون زوج يحضنها ويأويها، تطوع كرامتها على مضض من أجل استجداء عطف الناس، وتمد يدها للصدقة علها توقف قساوة الجوع، ومكر الأهل، وابتلاء زمن الوباء.
وقبل أن أودعها وبعفوية كبيرة طلبت مني أن أقبل منها شيئا ،أدخلت يدها في كيس به "مندلين" أعطاها إياه أحد الباعة، وأخرجت حبيتين ومنحتني إياها. لم أرد أن أكسر بخاطرها، أخذتهما منها وانا أبتسم، وأقول في نفسي كيف يتقاسم المعوزين ما لديهم من النذر القليل ولا يتقاسم الأغنياء القليل من الشيء الكثير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.