الملك يستقبل الولاة والعمال الجدد بالقصر الملكي بالرباط    الإيراني جعفر بناهي يظفر ب"السعفة الذهبية" في مهرجان كان    منتدى مراكش البرلماني... الدعوة إلى اعتماد تدابير تشريعية للحد من المخاطر المرتبطة بالتوترات التجارية و التعريفات الجمركية    ثنائية المجد.. جوينت تكتب التاريخ في ملاعب الرباط    المغاربة بعد الجزائريين أكثر المهاجرين في فرنسا    استمرار تأخر تعويضات تصحيح وحراسة الامتحانات يغضب رجال التعليم    وفاة طفل داخل سيارة بإقليم تاونات    الإكوادور تفتح سفارة بالرباط قريبًا بعد مباحثات بين بوريطة ونظيرته    توقيف قاصرين فجّرا قنينة غاز بالشارع العام وعرّضا المواطنين للخطر    اعتراض من شباب الريف الحسيمي قد يقلب موازين الترتيب ويمنحه بطاقة الصعود    تسليم أوسمة ملكية ل353 شرطيا    العلمي يستقبل وفدا من الكونغرس    الملك يستقبل الولاة والعمال الجدد المعينين بالإدارة الترابية والمركزية    بركان يختتم التحضير لمواجهة سيمبا    تعادل ثمين لبيراميدز أمام صن داونز    محاكمة مغربي تسبب في وفاة صديقته خلال شجار مروع بألمانيا    قانون فرنسي جديد يهدد آلاف مناصب الشغل في المغرب.. ومهنيون يدقّون ناقوس الخطر    البطولة: السوالم يقترب من ضمان البقاء عقب انتصاره على أولمبيك الدشيرة    "ماطا" تبعث برسائل السلم والتآخي والتعايش بين الأديان    خبيرة من منظمة التعاون الاقتصادي تحذر من مخاطر حوادث الذكاء الاصطناعي    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الارتفاع    انقطاع واسع للكهرباء في جنوب شرق فرنسا بسبب حريق مشبوه    عطل عالمي يضرب منصة "إكس"    مصب واد درعة بطانطان: مناورات عسكرية مغربية أمريكية واسعة النطاق في ختام تمرين "الأسد الإفريقي2025"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    عزيز كي يوقع عقد الالتحاق بالوداد    انخراط المغرب في الدينامية الأطلسية سيساهم في إعادة التوازن إلى خارطة الاقتصاد العالمي (ولعلو)    تصرف مفاجئ من لامين يامال تجاه النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي    كأس العرب 2025 ومونديال أقل من 17 عاما.. إجراء القرعة غدا الأحد بالدوحة    حجز آلاف حبوب الهلوسة بباب سبتة    إنقاذ شخص من سيول بإقليم الدريوش    ارتفاع تهديدات اختطاف الأطفال من وإلى هولندا.. والمغرب في دائرة الاتهام    هونغ كونغ ترحب ب"الطلاب الممنوعين" في أمريكا    لكريني يرفض إساءة الجزائري بخوش    الفنان عبد الرحمان بورحيم في ذمة الله    السغروشني: تموقع بلدنا غير بارز كفاية على مستوى الترتيب العالمي المرتبط بالذكاء الاصطناعي    "استدامة الموارد المائية والأمن الغذائي" شعار المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين بسوس ماسة    تداولات بورصة الدار البيضاء تتجاوز 2 مليار درهم في أسبوع    المعهد الموريتاني يحذر: صيد الأخطبوط في هذه الفترة يهدد تجدد المخزون البيولوجي    جامعة هارفارد: القضاء الأمريكي يعلق العمل بقرار منع تسجيل الطلبة الدوليين    مدينة العرائش تحتضن الدورة الثانية من ملكة جمال الفراولة    الجناح المغربي يتألق في مهرجان كان السينمائي    ألمانيا تحذر من صعود جماعات شبابية يمينية إجرامية    "Art du Caftan"يحتفي بعشر سنوات من الإبداع في دورته العاشرة بمدينة طنجة    أبو زيد: "الاتحاد الاشتراكي" تحول إلى عقيدة "المناولة" وقيادته تسخره في أعمال التحايل الممتهن سياسا وأخلاقيا    نهاية 2024: الصين تتصدر العالم ببناء أكثر من 94 ألف سد وقدرات كهرومائية غير مسبوقة    الاستثمار الصيني في المغرب: بطاريات المستقبل تنبض من طنجة نحو أسواق العالم    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    تتويج الفائزين بجائزة المغرب للشباب 2025    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    وزارة الأوقاف: حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    يهم حجاج الناظور.. وزارة الأوقاف تدعو إلى الإحرام في الطائرات    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    دراسة: الولادة المبكرة قد تكون مفيدة في حالة الأجنة كبيرة الحجم    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    









جائحة كورونا: من الفردانية إلى الانتصار للعيش المشترك
نشر في شمالي يوم 20 - 09 - 2020

شكلت الجوائح والأوبئة أبرز الآليات المسببة للأزمات البنيوية للدول والحضارات منذ أقدم العصور، وتتجلى هذه الأزمات بشكل خاص على مستوى استنزاف البنية السكانية، وإحداث تغييرات جذرية في التنظيم السياسي، أو في قيام هجرات كبرى تساهم بشكل أو بآخر في قيام حروب بين المجتمعات البشرية. وقد شكل وباء كوفيد 19 الاستثناء في القرن الواحد العشرين، حيث وقف العالم بأسره مصدوما من هول الوباء/ الجائحة، وسرعة انتشاره، إلى حد إصابة العالم بالسكتة اقتصاديا واجتماعيا، مع ما يترتب على ذلك من ارتدادات تصل إلى مختلف الميادين. حيث يستشرف العديد من المختصين في عالم السياسة والاقتصاد لنتائج ستكون وخيمة على الأنظمة السياسية والأوضاع الاقتصادية في عدة دول. فرغم ما وصل إليه العالم من تطور تكنولوجي ومختبرات طبية تمكن من دراسة الخريطة لأي فيروس وتحديد نوع اللقاح المناسب له، إلا أن كل ذلك وقف وقفة العاجز أمام الفيروس التاجي كوفيد 19. وقد ساهم هذا الوباء في إعادة تساؤلات عديدة من قبيل، محدودية سطوة التكنولوجيا التي تعتبر من أبرز أذرع النظام العالمي الجديد القائم على أساس العولمة.
وقد أسالت الجائحة مداد الباحثين والمفكرين والعلماء من جميع التخصصات بدون استثناء، باعتبارها ظاهرة غير مسبوقة في الفترة المعاصرة، على الأقل في الفترة الممتدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى غاية ظهور الوباء يووهان الصينية وبداية انتشاره الدراماتيكي إلى مختلف بقاع العالم. فالظروف التي أتاحها الوباء لإعلان حالة الطوارئ وإنزال الجيش إلى الشارع وفرض الحجر الصحي المنزلي والتباعد الاجتماعي بمختلف أرجاء العالم، لم يتم فرضها بهذه الحدة في أي فترة سابقة للوباء، وأنا أتحدث هنا عن تعميم الحجر في فترة زمنية واحدة أصبحت تدخل ضمن مفهوم الزمن الوبائي العالمي. وقد رافق تنزيل إجراءات الحجر الصحي حملة إعلامية واسعة ساهمت في إقناع الناس بقبول إجراءات الحجر الصحي كنمط حياتي جديد يمكنهم من حفظ النفس والابتعاد عن التهلكة. لكن في طيات إجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي ممارسات جديدة تتمثل في انغلاق الفرد على نفسه، وتعزيز حب الذات. فبعدما كانت الفردانية سلوكا حياتيا اختياريا في المجتمعات الغربية ، أصبحت واقعا مفروضا بالقوة تحت مسمى جديد وهو العزل والتباعد الاجتماعي. فالفردانية المنغلقة ليست سلوكا بشريا جديدا، بل هو سلوك ترسخ في المجتمع الغربي القائم على أساس ثلاث مبادئ في ظل العولمة وهي الفردانية والعقلانية والتعاقدية. فالعولمة في إطار تشجيعها للاستهلاك سعت بشتى الطرق إلى إشباع حاجات الفرد المادية، وابتداع نمط عيش جديد يقوم على التهرب من الارتباط والزواج لما فيه من مسؤوليات عائلية. وبكل تأكيد سيساهم توجه المجتمعات نحو الفردانية المنغلقة إلى إعادة طرح أسئلة من قبيل مدى محدودية الفردانية وأهمية الحياة المجتمعية للإنسان في تحقيق سمو الإنسان وجدوى وجوده؟ فالإنسان في كل الأحوال كائن اجتماعي بطبعه لا يحقق ذاته إلا من خلال الآخرين. كما برز سؤال له علاقة مباشرة بالفردانية وهو سؤال الأخلاق. فالسلوكات التي رافقت عملية التبضع الذي وصل إلى حد هلع التسوق واقتناء المناديل الورقية والمستلزمات الغذائية وقنينات الماء بمختلف مناطق العالم مع بداية انتشار الوباء، أثار سؤال الفردانية والأخلاق والنرجسية على مستوى الفرد، ونفس الأمر سجل على مستوى الدول، فبعدما كان ينتظر التضامن بين مختلف دول العالم لمحاصرة الوباء، وجدنا جميع دول العالم تغلق حدودها، بل تطور الأمر إلى قرصنة مستلزمات طبية ومعقمات كانت موجهة إلى دول أخرى، في نكران تام لمعايير التضامن الدولي الذي يميز العلاقات الدولية.
وعلينا أن ننتبه هنا إلى مستوى الفردانية المنغلقة للفرد، والفردانية الانعزالية للجماعة/الأسرة. فقد وجد الكثير من الأشخاص إيجابيات كثيرة في الحجر الصحي مع تفاوت هذه الإيجابيات من طبقىة اجتماعية إلى أخرى. فالسلوكيات الفردية التي حولتها العولمة إلى نمط حياة لا تخرج عن العمل وتلبية الاحتياجات المادية والانتصار للتكنولوجيا، وتفكيك الروابط الأسرية، حيث أصبح كل فرد من الأسرة منكفئا على نفسه وغارقا في نمط حياة خاصة ومدمنا على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أصبحت الفردانية تنتقل من مستوى الواقع المعيش إلى مستوى الافتراضي. لكن فترة الحجر الصحي حتمت على العديد العودة إلى الأسرة، فبعدما كان الزوج والزوجة لا يعودان للبيت إلا للنوم، وبعدما انحصر مفهوم تربية الأبناء في توفير احتياجاتهم المادية فقط، مكن الحجر الصحي مناسبة قيمة للعودة للأسرة والتعرف من جديد على أفرادها ومشاركة الزوج للزوجة في أشغال المنزل والطبخ، وفتح نقاش مع الأولاد حول حياتهم وهواياتهم وأكلاتهم المفضلة….
وبكل تأكيد شكلت جائحة كورونا محطة أساسية للتفكير وإعادة ترتيب الأولويات، سواء على مستوى الفرد والجماعة والمؤسسات والدول. فالكثير من الكماليات المادية والتي كنا نعتقد أننا لا نستطيع الاستغناء عنها، وجدنا أنها ليست من ضروريات الحياة. كما أن معظمنا توصل إلى حقيقة أهمية الأسرة في حياتنا، دون أن نغفل الجانب التضامني الذي ساد خاصة خلال الشهور الأولى للجائحة بعدما توقفت حياة العديد من الناس بتوقف الأعمال والأنشطة التي كانوا يزاولونها. كما أن الوباء حتم على الدول كذلك إعادة الاعتبار للصحة، فقوة الدولة تتحدد بمدى قدرتها على تلبية الاحتياجات الصحية لمواطنيها. وخلاصة القول أن جائحة كورونا وضعتنا جميعا أمام أزمة غير مسبوقة، ستساهم بدون أدنى شك في ميلاد نظام عالمي جديد بمحددات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية جديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.