الصين تفتح سوقها أمام المغرب: إعفاء جمركي شامل يدعم المبادلات التجارية ويعزز الشراكة الاستراتيجية    الرئيس الأمريكي يعلن التوصل إلى اتفاق تجاري مع اليابان    باكستان: 221 شخصا لقوا مصرعهم في الأمطار الموسمية    أكثر من 100 منظمة تحذر من "مجاعة جماعية" في غزة وواشنطن تبحث إنشاء ممر إنساني    المغرب ثاني أكثر دولة في العالم استهدافا بالهجمات السيبرانية خلال أسبوع    كأس إفريقيا.. خورخي فيلدا: بفضل الانضباط التكتيكي والتزام اللاعبات تحقق التأهل للنهائي    الجديدة: موسم التين للتبوريدة في نسخته الثانية    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء بالمغرب    وفاة شاب في بئر فحم بجرادة تفتح من جديد ملف "الساندريات" و"الإهمال التنموي"    كيوسك الأربعاء | البنك الإفريقي يُدعم الفلاحة التضامنية ب100 مليون أورو    جديد في قضية اعتقال مستشارة جماعية بالحسيمة بتهمة حيازة وترويج الكوكايين    اليوم العالمي للدماغ يسلط الضوء على تحديات الأمراض العصبية المتزايدة    النهضة البركانية تحتفي بدرع البطولة    السر في ملعب الحسن الثاني … لماذا يؤجل الفيفا الإعلان عن ملعب نهائي كأس العالم 2030 …؟    لبؤات الأطلس يعبرن إلى نهائي "كان السيدات" بعد مباراة مشوقة أمام غانا    طنجة.. مداهمة شقة بحي العرفان تُسفر عن توقيف 4 شبان وفتاة (صور)    بنك المغرب يختبر العملة الرقمية    لاعب اتحاد طنجة عبد العالي معاطي يستعد لمغادرة الفريق نحو الزمالك    أمن أكادير يتعقب سائقا أجنبيا على رمال الشاطئ بعد تعريضه حياة المصطافين للخطر    أصيلة.. توقيف مبحوث عنه وطنياً وحجز 646 قرصاً مهلوساً    كاتب إسرائيلي: إسرائيل تُنفذ الآن خطة نازية للتطهير العرقي في غزة    بين الإصلاح والتخوفات.. البرلمان يصادق على قانون جديد لتنظيم المجلس الوطني للصحافة        فرنسا.. القضاء يحيل وزيرة الثقافة رشيدة داتي وكارلوس غصن على المحاكمة بتهمة الفساد    "لبؤات الأطلس" إلى نهائي كأس إفريقيا للسيدات بعد فوز مثير على غانا بركلات الترجيح    لفتيت: مكاتب حفظ الصحة ستغطي جميع الجماعات بحلول 2026 بدعم يفوق مليار درهم    البرتغال تعبر عن دعمها الكامل للمبادرة المغربية للحكم الذاتي    رئيس مجلس النواب يدين "اعتداء السمارة" ويؤكد تماسك الجبهة الداخلية    الكلاب الضالة تسببت في 100 ألف حالة عض سنة 2024... ووزارة الداخلية تبرمج مراكز للإيواء    على غرار ما يفعل الشاعر    بمشاركة دراكانوف ولازارو ومصطفى ترقاع.. الناظور تحتضن النسخة 11 من المهرجان المتوسطي    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بمهنة التراجمة المحلفين    ارتفاع جديد يسجل في أسعار المواد الغذائية واللحوم في الصدارة    الأمم المتحدة: مقتل أكثر من ألف فلسطيني خلال انتظار المساعدات        أمسية مطرون تحتفي بالتنوع الثقافي    مقدونيا الشمالية تدعم مغربية الصحراء وتبادر نحو تعزيز العلاقات مع المغرب عبر تسهيلات التأشيرة وخط جوي مباشر    ‮ «‬تهريج‮»،‮ ‬و«بلطجة‮» ‬و‮… ‬حكامة بلا سياسة‮!‬    ليالي صيف الاوداية تلتهب على منصة كورنيش ابي رقراق    راغب علامة يبرر صورة "المعجبة": زاوية التصوير خدعت الجميع    وفاة 21 طفلا بالجوع في قطاع غزة    تطوير أداة مبتكرة تحدد الأطفال المعرضين لخطر السمنة مستقبلا    أسعار النفط تتراجع    السكيتيوي يربك البطولة الوطنية في فترة استعدادات الأندية        مجلس النواب يمرر قانون المسطرة الجنائية بموافقة 47 نائبا خلال قراءة ثانية    ‬مرسوم ‬تحديد ‬أسعار ‬الأدوية ‬يواصل ‬إثارة ‬ردود ‬الفعل ‬في ‬أوساط ‬المهنيين ‬والرأي ‬العام ‬    حجيرة يدعو الشركات المغربية إلى التوسع في الأسواق العالمية والاستفادة من الفرص التجارية            وزير الصحة: التوصل إلى صيغة توافقية لمرسوم جديد سيسمح بخفض ملموس لأسعار الأدوية    ليلة العيطة تجمع نجوم التراث الشعبي على منصة واحدة بالعاصمة    نبيل الأيوبي يتوَّج بلقب "نجم العيطة" في أولى محطات مهرجان العيطة المرساوية بالجديدة    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوار السياسي هل نتعلمه و كيف ؟
نشر في شورى بريس يوم 21 - 03 - 2018

يستطيع الإنسان بمفرده التفكير في بيته, في وطنه, لكن في هذه الحالة قد تكون النتائج هي خلق مشكلة جديدة عند البحث عن حلٍّ للمشاكل المعروفة(الموجودة قيد البحث).
وقد يكون السبب هو أن الكثير(البعض) قد لا يستطيع القفز فوق تفكيره وخارج حدود البيت أو الوطن الذي يعيش فيه.
وكل واحد منّا يحمل في رأسه الكثير من الأفكار والممارسات التي ما عادت عملية ونافعة, يحمل أفكاراً لا يمكن هضمها ويعتبرها مليئة بالحقائق والحجج, ويبقى كذلك ضمن هذه الدائرة حتى يأتي شخص(أشخاص) آخرين وعلى وجهة نظرٍ أخرى ومن زاويةٍ أخرى لتناول نفس الفكرة, مضيئاً جوانب أخرى ومتحرراً من قيود التفكير والخطوط الحمر الوهمية.
وأحياناً تكون أفكارنا جميلة كواجهة بناءٍ جميل ولكن بدون ركائز متينة!
وحوار الفكرة لا يعني إضافة طابق جديدٍ للبناء, بل هو "إمكانية" تقوية الدعائم الموجودة أو خلق دعائمٍ جديدة للبناء!
- وما أحوجنا كحركة وطنية سورية لمثل تلك الركائز-!
هدف الحوار هو توضيح مشكلة ما, والمساعدة على وضع أسس حلّها بشكل مشترك. وهذا يعني الإقناع والاتفاق, أي أن هدف الحوار هو الوصول إلى إتفاق, وهو بالمختصر المساعدة على وضع خطوات عمل مشتركة.
عناصر حل المشكلات من خلال الحوار باعتقادي هي أن المتحاورين يبدؤون بمعرفة الواقع والمشكلات"كشف الحقيقة" وما هي الإجراءات الضرورية الواجبة, ما هي المطالب والرغبات وما هي الإمكانيات و"الإجباريات".
والدخول إلى جوهر تلك العناصر يتطلب التصنيف أو التقسيم من حيث عنصر المعرفة السياسية والتجربة وفي هذه الحالة تظهر المنافسة, كذلك تظهر بوادر المنافع والأضرار . ويأتي كذلك عنصر التنفيذ, ويكون بالعمل على تطبيق الأهداف التي توصل إليها المتحاورون مع تسمية الوسائل والطرق والأشخاص والزمن ... الضروري لذلك.
وبالنسبة لوضعنا السوري, أشعر ببطىء الزمن سواء على النظام أو على بعض معارضيه!
طبيعة الحوار ليست فقط ببساطة هي أسلوب المتحاور وخطابه, وإنما تعكس جدّية المشكلة وما تحمله من إمكانيات مشتركة للتنفيذ.
ويعتبر الحوار السياسي إحدى أهم علامات الديمقراطية والتعامل الديمقراطي, ووجود الديمقراطية بحدّ ذاته هو وجودٌ للحرية, وتحمل بشكل طبيعي الانتقاد والانتقاد الذاتي, وحتى الأنظمة الديكتاتورية لا تستطيع اجتثاث الحوار من الحياة السياسية. فهل نستطيع كوطنيين سوريين حوار أنفسنا وحوار بعضنا!
غالباً ما تكون الحوارات التي لا تؤدّي إلى نتيجة هي أن بعض أطرافها تحاول إقناع ذاتها بصواب موقفها وليس إقناع الفكرة وإغنائها بالحجج والمنطق.
إذاً يكون جوهر الحوار وهدفه ليس فقط الوصول إلى مواقف مشتركة, بل تعويد وتعليم أنفسنا على ممارسة التفكير كي نستطيع هضم تلك الأفكار. وتكون دائماً نتائج الحوار التوافق أو الخلاف, ومن يراقب المتحاورين بشكل جدّي وهو خارج عن الحوار يرى أن المتحاورين يتبادلون الأفكار بكل حرفية الكلمة وبدون أن يشعر أي طرفٍ منهم بذلك!
وقد يتمسك البعض بأفكاره وحججه, لكنه في اللقاء التالي نجد بعض المتحاورين يطرحون أفكاراً توّلدت من خلال اللقاء(الحوار) السابق وكأن هذه الأفكار هي ملكهم أي أنهم اكتسبوا أفكاراً جديدة وصاروا يدافعون عنها وكأنها بالأصل هي من بنات تفكيرهم رغم أنها قد لا تتوافق مع طروحاتهم السابقة !
وهذا يعني أن بعض الأفكار السابقة(الحوار السابق) كانت غير دقيقة وبهذا التطور في التفكير نتيجة الحوار ازداد غنى تفكير كل المتحاورين!!
شيء طبيعي أنه ليس كل فردٍ قادرٌ على الحوار بأسلوب حضاري لذلك يجب تعلّم الحوار, وما أحوجنا للتعلم!
لكن كيف يمكن تعلّم ذلك؟
في دائرة الحوار المعرفي المنطقي يتعلم المشاركون الحوار الحضاري من بعضهم البعض دون أن يشعر أي فردٍ منهم أنه يتعلم ذلك, أما الأفراد "العدوانيين" في أسلوبهم إما سيتأقلموا مع روح الحوار وأسلوبه أو سيخرجوا منه أو يجدوا أنفسهم خارج دائرة الحوار ومرفوضين.
أذا أخذنا بعين الاعتبار, أن العمل السياسي والسياسيين بشكل عام يبقى في نظر الكثير من عامة الشعب أنه عمل مشكوكٌ بنزاهته وصدقه إلى درجةٍ ما, وأن السياسي وعمله غالباً ما يكون سبباً للمشاكل والصعوبات في المجتمع والبلد. وبلداننا وأنظمتنا أمثلة ساطعة على تلك المشاكل والأزمات!
والسياسة ليست فقط وسيلة لتطبيق علاقات ومصالح إقتصادية وإجتماعية, بل هي وسيلة للوصول إلى تطبيق علاقات أخلاقية وأهداف إيديولوجية.
للسياسي أهداف وقيم أخلاقية لا تقلّ أهمية عن الأهداف العامة التي يعمل من أجلها, وهذا يعني أن عمل السياسي محفوفٌ دائماً بالمخاطر, لكنه بالتأكيد يحمل إيجابية واحدة على الأقل وهي أنه يتصدّى لكل تلك الأخطار والصعوبات التي تواجهه وتواجه المجتمع.
وتعتبر السياسة وسيلة لتحقيق هدف أعلى سواء كان هدف أخلاقي أو إيديولوجي أو ديني, ورغم كل ذلك يكون السياسي وعمله ضرورة ملحّة في أي مجتمع كان.
يتحدد موقف وشخصية السياسي وعلى أساس تقييم سياسي بأنه من يمكن اعتباره صديق أو عدو, وفي المجتمعات المتحضرة تأخذ الأكثرية بعين الاعتبار أن المجتمع يحمل تباين في الثروة والثقافة والانتماء القومي والديني, وهذا يدفع الأكثرية والمجتمع بشكل عام لإيجاد نوع من التوافق والحياة المشتركة على أسس وقوانين تضمن حقوق الجميع.
ويكون أحياناً سعادة للسياسي وللعمل السياسي بشكل عام أن يناضل من أجل قضايا قد تكون في البداية غير مفهومة وغير مقبولة من قبل الأكثرية في المجتمع أي أن السياسي يعمل ببعد وطول نظر ويفكر أبعد من تفكير الإنسان العادي في المجتمع .
بعض المجتمعات المدنية العصرية المتطورة تتجه من النظام الديمقراطي التقليدي إلى نظام سياسي إداري "إتفاقي" تكاملي ويعتمد على الحوار, ويعتقد البعض أنه يرفع من الإنتاجية المادية والروحية للمجتمع.
وعودة للحوار المتمدن وليس الحوار القمعي الذي نعيشه والذي تعلمناه من حوار أنظمتنا مع رعيتها والذي يجب ألاّ يغيب عن بالنا أنه ليس كل حوار يجلب نتيجة, لكن بالتأكيد أن الحوار لن يكون بدون جدوى, "نتائج الحوار ليست بالتأكيد إيجابية, لكن عدم وجود الحوار بالتأكيد شيء سلبي".
في العصور الوسطى كان الحوار يسبب موت الخاسر وهذا ما حصل في أوربا بين الفئات الدينية, وفي بلداننا وفي تاريخ المنطقة مئات الأمثلة التي تؤكد ذلك , وما حوار الأطراف المتصارعة في العراق إلاّ دليلاً على عقلية العصور الوسطى التي نعيشها منذ قرون, وحوار السيد حسن نصر الله الذي يدعم حججه الفقهية بأسلحة قدسية!
فالحوار المنظم بشكل صحيح وجدّي والمحدد الموضوع المراد نقاشه, فإن نتيجته لا بدّ أن تحمل إيجابيات أو بذور إيجابية لمتابعة الحوار والوصول إلى نقاط مشتركة دون تقديم خسائر وبدون هزائم, خصوصاً إذا كان الحوار مبنيٌّ على أساس الحجج المنطقية.
ليس الحوار والمنافسة هو الهدف, وإنما طريقة للتربية والتعامل, والحوار ليس من أجل الحوار وإنما من أجل هدف محدد واضح.
وعندما يشارك الأطفال في مسابقة ما (وهذا حوار) فهم يقومون بإظهار معارفهم وما تعلموه, وفي كل مسابقة يريد الجميع الفوز والانتصار, وفي كل مسابقة يضعون أسئلة أصعب (أو أهدافاً أبعد) ولهذا كل طفل يقوم بالتحضير بشكل أفضل, أي أنه يجب معرفة الموضوع من قبل الأطراف المتسابقة بكل جوانبه وحيثياته.
وإذا اعتبرنا أنه لا يوجد في العالم فقط أبيض وأسود فإنه نقتنع أنه لكل سبب وعمل ما يوجد مسبب منطقي, وعندما يعرف الطرفين وجهة نظر الآخر بشكل جيد نرى أن كلٍّ منهما أصبح يعرف الآخر بشكل أفضل, وبهذا يمكن فهم الواقع بشكل منطقي ومعرفي أفضل. وعلى ضوء هذا يجد كل طرف أنه يوجد نقاط حجج ومواضيع مهمة وأخرى أقل أهمية, حجج خطيرة وأخرى أقل خطورة.
لا يوجد شيء يسمى أنه "معي حق" لكن يوجد شيء أنه "لا أستطيع إثباته", لأن الحوار هو جزء فقط من العام, ولأن الحوار شيء جيد, وجوهره التحضير والمعرفة وهذا ما عرفه اليونانيون قديماً.
ولا يسمى حواراً إذا كان أحد الأطراف يحمل البندقية والآخر يحمل الكلمة والحجة المنطقية, كما يحلو لسيد حزب الله في لبنان محاورة منافسيه بحجج صاروخية وفتاوى ربانية وإلهامات نجادية أسدية!
صفات الحوار السياسي تكون بين فئات وأطراف سياسية مختلفة, ويكون الهدف منه هو تقريب وجهات النظر من خلال احتكاكها وصراعها السلمي المنطقي وتبيان مواقف كل طرف وخصوصياته.
ويمكن تقسيم الحوار السياسي إلى عنصرين:
أولاً من جهة الأفراد المشاركين فيه شخصياً, وثانياً من جهة الموضوع المطروح للحوار, وتتضمن "الحشد السياسي" والالتزام والقناعة السياسية, التجربة وأسلوب حل المشكلة المعروضة للنقاش وكذلك شرعية التمثيل في الحوار. وكل هذه العناصر الرئيسية مترابطة مع بعضها ولا تفصل بينها حدود, أي أنها غالباً ما تتقاطع مع بعضها البعض.
وقد يكون الحشد السياسي والالتزام والانتماء الفكري عنصر مباشر أو نتيجة للنشاط السياسي بشكل عام, أما الحنكة والتجربة فقد تكون عامل غير مباشر في النقاش والحوار السياسي.
والحوار السياسي هو طرح مجموعة من المبادئ والمشاكل, والتي تتضمن تقديم معلومات للمشاركين وتوسيع معارفهم عن المشكلة, وبالتالي هذه المعلومات هي التي ستساعد على نتيجة وجدوى الحوار وحل المشكلة المطروحة, ومن المعروف أن كل طرفٍ من المشاركين في الحوار يريد أن يثبت وجوده أولاً أي شرعية أفكاره ووجهة نظره وأهدافه , وبهذا العمل المباشر يكون المشاركون ليس فقط زاعمين بما يمثلون من فكر, بل هم يطبقوه في حياتهم أي أنه يجب أن يكون توافق وانسجام بين الالتزام والتمثيل الفكري وبين التطبيق والممارسة العملية لهذا الفكر ويجب على المتحاورين النقاش حتى لو كانوا لا يعرفون شيئاً, وحتى لو كانت نتيجة الحوار لم تؤدي إلى حلٍ للمشكلة المطروحة وهذا ما يمكن تسميته حوار شكلي فقط ,
الحوار السياسي يكون أولاً بالتعريف من جانبنا عمّا نحمل من أفكار تجاه الآخرين والذين يكونون على مشارب مختلفة(حلفاء, منافسين, أضداد...) سواء داخل التنظيم الواحد أو على مستوى المجتمع بشكل عام.
وفي السياسة "العصرية" لا يوجد أي موقف ودور نهائي للمشاركين في العملية السياسية, ويتم طرح وجهة النظر من جديد وعن كل موقف جديد وبأسلوب جديد, لأنه ما كان بالأمس صحيحاً قد لا يكون اليوم كذلك, ودور الشخص وشخصيته وأسلوب طرحه وحججه تحدد مدى الثقة والقناعة التي يخلقها في نفوس الآخرين, لأن الهدف النهائي طرح حجج مقنعة وناجحة.
ويبقى السؤال الأساسي في الحوار وهو "الصراحة والصدق في التعامل السياسي والحوار السياسي", ومن خلال تجربة الحوار السياسي نجد أنه تظهر وجوه عديدة "للحقيقة" التي نبحث عنها, لأن المتحاورين أفرادٌ لها أحاسيسها ومشاعرها, وكل واحدٌ منهم هو مجموعة قيم وعلاقات ومصالح تؤثّر وتتأثّر مع بعضها البعض.
ولكل حركة(حزب) سياسي مجموعة من الاختصاصيين الذين يقدمون الدعم الفكري والسياسي لمن هم على مسرح وواجهة العمل السياسي, لأنه لا يوجد هذا الشخص الفريد المبدع الذي يستطيع بعقله "السوبرماني" أن يجمع كل جوانب ومشاكل الحياة, باستثناء الرئيس الراحل حافظ الأسد وابنه المناضل بشار البلد!.
لكي نتعرف على مجرى ونتائج الحوار السياسي, وما يطرحه المتحاورون, وكيف يتصرفون من كل طرف لا بدّ من الدخول في الحوار ليظهر صورة الآخر ولتظهر صورتنا نحن أيضاً, وهذا يحمل مخاطر أن نكتشف ربما ضعفنا أو قوة حجة غيرنا, أو العكس.
ونتائج معرفة "علم" العمل السياسي ليست دائماً تجريدية, بل هي مرتبطة بمعرفتنا وعملنا السياسي, وقربها أو بعدها عن الواقع وتأثيرها في نظر الآخر.
وقد يكون علم السياسة أولاً هو علم التجربة, أو بمعنى آخر هو علم النجاح في تنفيذ الأهداف والمهمات المطروحة مع الآخرين أو ضد إرادة الآخرين. وهذا يتطلب حكمة ومرونة تستند إلى معرفة في الواقع ومعرفة بشخصية الناس والمجتمع, ولهذا من الصعوبة تأهيل سياسي ناجح في مقاعد الدراسة, لأن السياسة ليست لعبة وليست مختبر تجارب, ووظائفها وعملها ومعرفتها لا تشبه خطط المهندسين ورسوماتهم ولا وصفات أطباء العيون وعدساتهم!
التجربة والمعرفة السياسية متنوعة وذات فروع كثيرة:
ماذا يريد الآخرين, ماذا يفكرون عن الأهداف المطروحة, إلى أي مدى يمكن أن يقدموا تنازلات, ما هو موقفهم وتقييمهم وحججهم, ما هو رأيهم "عني أو عنّا" شخصياً وفكرياً, ماذا يفكرون عن شروط تنفيذ الأهداف والنتائج ....,
ليس السؤال بأنه يمكن أن نحرّض وندعو للمشاركة في حوار سياسي, بل السؤال هو ماذا وكيف تعلمنا من هذا الحوار!!
من الناحية المبدأية يمكن أن نلاحظ ونقرأ حقيقة "وجهة نظرنا" من "الحقيقة" التي يمثلها الآخرون, ويعطي فرصة لتقييم المواقف ووجهات النظر وممارسة النقد الذاتي واحتكار الحقيقة.
في كل عملية تاريخية من الضروري وجود منافسين, والمنافسون هم البحارة الذين يكونون بين الأفراد وبين الأهداف التي يحملوها, والمنافسون يمكن أن يكونوا أشخاصاً أو مبادئ وقيم, ومن المفيد الترويّ والمرونة في التعامل مع المنافسين وأهدافهم وبين اختيار قدراتنا وإمكانيتنا.
التحالف السياسي يعني من جهة البحث عن الآخر, ومن جهة أخرى البحث وتدعيم العناصر الإيجابية المشتركة, وفي المقابل هناك مواقف سلبية للتحالف السياسي وهي البحث عن أخطاء الآخر وإبراز ضعف الآخر في هذا أو ذاك الموقف, - وهذا تتقنه بعض قيادات المعارضة السورية-.
وغالباً ما يكون تقييم كل فريق سياسي لنفسه تقييماً إيجابياً فقط, وتقييمه لمنافسيه سلبياً فقط, وفي التحالف السياسي كثيراً ما يرى هذا الطرف إيجابيات الطرف المنافس, وعندها تنحسر الانتقادات للطرف الآخر, ولا يمكن إجراء تحالف سياسي مع طرف آخر يزعم عن نفسه أنه يعرف كل شيء وقادرٌ على عمل كل شيء.
والتحالف السياسي يعني أيضاً أنه الاعتراف بمحدودية معرفتنا وقدرتنا, أي الاعتراف بالانتقاد الذاتي, ويشكلون مع بعضهم وحدة ضد الأعداء وخطرهم.
الحلفاء السياسيون يمكن أن يظهروا أقوياء أمام بعضهم, لكنهم قادرون على التحالف, ويمكن أن يحصل هذا الفريق على دعمٍ من منافسيه حول قضية ما, وهذا ما يسميه البعض فن السياسة, أي أن السياسة هي إغراءٌ وإقناعٌ من جهة, وإضعاف الآخرين من جهة أخرى, وذلك من خلال ربح مواقف البعض الآخر, وبعدها يبدأ كل شيء من جديد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.