عادة ما يكون لكل ولي صالح أحفاد وورثة، وإن لم يرثوا بركته، فهم يرثون مركزه واهتمام الناس به، ويرثون مصدر رزق للتكسب من الإشراف على الولي، وجمع عطايا الزائرين والمؤمنين بالبركات والكرامات. لكن الولي "سيدي بيبي" لا أحفاد له ولا أبناء، على الأقل في محيط ولايته بسوس. ذلك ما وقفنا عليه أثناء زياراتنا المتكررة لمقام هذا الولي بحثا عن معلوماته. العارفين بتاريخ الضريح لا يعرفون شيئا عن سيرة رجل متعبد دُفن في هذا المقام، وتحج إليه قبائل سوس برجالاتها ونسائها وعلمائها وعامتها في أول خميس من شهر غشت كل سنة. ألسنة كثيرة ممن صادفناها تقول بأن سيدي بيبي وضريحه سبق السكان إلى هذا الموضع. وهو أول من سكن هذه المنطقة قبل أن تزدهر فيها الفلاحة وتصبح آهلة بالسكان. هناك إلى جانب الضريح يوجد مسجد ومدرسة ابتدائية تحمل هي أيضا اسم " سيدي بيبي"، لكنها في الأصل كانت عبارة عن مدرسة قرآنية لتحفيظ القرآن وعلومه. ثم تهدمت وشَيدت الدولة فوق أطلالها مدرسة ابتدائية. "بيبي"، غالبا ما يثير هذا الاسم في مخيلتنا "الديك الرومي" كما في التعبير العامي أو بالدارجة المغربية، أو "الرضيع" كما في اللغة الفرنسية، وذلك ما جعل الكثير من هواة التخمين يهتدون إلى اختلاق قصص ساخرة عن أصل الولي سيدي بيبي دفين تلك القبة. وهنا يقول كثيرون ممن لا دراية لهم بتاريخ المغرب وأعلامه أن سبب التسمية راجع إلى أن ديك الروميا " بيبي" توفي في هذا المكان فدفنه صاحبه هناك وبنى له مزارا، فحج إليه الناس من كل فج عميق، فيما آخرون يقولون، أن نصرانيا دفن ابنه الرضيع هناك، ومن محبّته الشديدة له شيد له ضريحا دأبت قبائل سوس على عيادته والتبرك به، إلى غير ذلك من الروايات. أغلب هذه الروايات مبنية على العلاقة اللفظية بين الدال والمدلول، وتفتقر إلى أي سند وتأكيد، لذلك ندرجها هنا فقط للاستئناس، خاصة إذا علمنا أن سوس منطقة شهيرة بعلمائها وفقهائها الذين تلقوا العلوم وعلموها، وليس من السهل أن يلتئم الناس بهذه السهولة للتبرك بولي وزيارة قبره لمجرد أن شخصا دفن شيئا ما هناك، عِلما أن مدرسة قرآنية عتيقة بُنيت على مقربة من الضريح وكانت لسنوات تُرسل طلبتها نحو تارودانت لاستكمال مشوارهم التعليمي. في بحثنا عن الحقيقة، وباستثناء كِتَابَيْ "الإبداع والإتباع في تزكية شرف أبناء أبي السباع" لمولاي أحمد ابن مولاي المأمون السباعي، و "الأنس والإمتاع في أعلام الأشراف أولاد أبي السباع" لصالح بن بكار السباعي، لم نعثر على ذكر للولي الصالح سيدي بيبي في كتب المناقب ومثون الأولياء والصالحين. وفي هذين الكتابين وجدنا تحت اسم "سيدي الطيب السباعي المعروف بسيدي بيبي الكائن في الطريق الرابطة بين أكادير وتيزنيت". دون وجود معلومات أخرى سوى أنه ينحدر من صلب جد السباعيين الأكبر الولي الصالح سيدي عامر الهامل المكنّى بأبي السباع، وقد قال صاحب "الإبداع والإتباع" أن أبي السباع غادر فاس سنة 870 هجرية إبان محاصرتها من طرف محمد الشيخ الوطاسي، قاصدا تلمسان التي أقام بها، ثم غادرها بعد سنتين نحو جبل شاهق يدعى " أضاد إمدن" فمكث هناك متعبدا مدة تقارب 12 سنة، حتى اشتهر أمره وذاع صيته وتعددت كرامته. بدأت القبائل تزوره وتطلب بركته وخدمته، ولما سمع به أمير قبيلة مجاوره بعث له 99 فارسا وأمرهم باختباره والتضييق عليه، حتى تظهر منه كرامة أو يأتوا به أسيرا. وتقول الرواية أن عامر الهامل أكرم الوفد واستقبله بالبشاشة وأطعمهم وأحسن مجلسهم، لكنهم لم يرضوا بذلك، وقالوا له " لقد قصّرت في ضيافتنا ولم تقدرنا حق قدرنا. والآن إما أن تذبح لكل واحد منا شاة، أو نسلبك مالك ونأخذك أسيرا عند أميرنا ". فما كان منه سوى أن صاح طالبا النجدة فهجمت سباع من كل مكان، وأحاطت بالفرسان من كل جانب. تناوشهم حتى لاذوا به وتعلّقوا بأذياله يتضرعون إليه، ويطلبون رأفته صائحين " يا أبا السباع كف عنا سباعك فنحن تائبون إلى الله عما اقترفناه في حقك". وكان هذا الرجل جد السباعيين ومنهم سيدي الطيب المعروف بسيدي بيبي، كما تقول بذلك المصادر المذكورة سلفا. وأغلب الظن أن "سيدي بيبي" سلك طريق جدّه المشهور بأبي السباع، خاصة مع وجود روايات شفوية تحكي عن قدومه من الساقية الحمراء، قصدا مكانا نائيا في اشتوكة أيت باها، حيت تعبد هناك تحت شجرة أركان، تعبّد وحده وناجى ربّه إلى أن وافته المنية ودفنته القبائل السوسية وشيدت له مزارا تتبرك به، ويقصده كل ذي حاجة يرجو قضاءها. ويُقام موسم الولي الصالح سيدي بيبي في الخميس الأول من شهر غشت كل سنة. فإلى جانب أنه مناسبة سياحية وتجارية فهو مقصد العديد من السكان الذين يعتقدون في بركة الولي سيدي الطيب المشهور بسيدي بيبي في تزويج من تأخر زواجها، إذ يقول المسنون "أن الفتيات كُنّ يقصدن شجرة أركان قريبة من الضريح ويعلقن بها بعض قطع أثوابهن فلا يمضي وقت كثير حتى يتزوجن ببركة الولي سيدي بيبي". هذه الشجرة التي أزالتها إحدى شركات البناء منذ أزل بعيد.