الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة إلى 35034 منذ اندلاع الحرب    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب سواحل المكسيك    مغاربة بتركيا يستغلون هبوطا اضطراريا للفرار بروما    اليوتوبر إلياس المالكي يمثل أمام النيابة العامة    وفاة أول مريض في العالم يخضع لزراعة كلية خنزير معدلة وراثيا    تجرى على مستوى بنجرير وأكادير وطانطان وأقا وتفنيت تنظيم الدورة ال 20 من تمرين «الأسد الإفريقي» ما بين 20 و31 ماي    الأضواء القطبية المذهلة تنير السماء لليلة الثانية على التوالي    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة نهضة بركان والزمالك المصري    المغرب الفاسي يبلغ نصف النهائي بفوزه على المغرب التطواني    هدفان لإبراهيم دياز والنصيري في الجولة 35 من الليغا    بطولة فرنسا.. مبابي يخوض مباراته الاخيرة بملعب "بارك دي برانس" بألوان سان جرمان    المغرب يتوج بطلا لإفريقيا في التنس لأقل من 14 سنة ذكورا وإناثا ويتأهل لبطولة العالم    الصويرة : دورة تكوينية لفائدة أعوان التنمية بمؤسسة إنماء    الحسيمة تحتضن مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل59 مرشحا للهجرة غير النظامية    عرض "قفطان 2024" في نسخته الرابعة و العشرين بمراكش    الفيلم السينمائي "ايقاعات تامزغا " لطارق الادريسي في القاعات السينمائية    مهرجان موازين يعلن عن الفنانين المشاركين ويعد بتحويل الرباط إلى مركز احتفال غير مسبوق بالموسيقى العالمية    الإمارات تستنكر دعوة نتنياهو لها للمشاركة في إدارة غزة    ورشة حول التربية على حقوق الانسان والمواطنة    المغرب يشارك في تدريبات "الأسد المتأهب" العسكرية بالأردن    المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.. تقديم نتائج مشروع دراسة مكتب العمل الدولي المتعلقة بالتقييم الاكتواري لمنظومة التعويض عن فقدان الشغل بالمغرب    مذكرة توقيف تلاحق مقدم برامج في تونس    الصين تطور أول نظام للهيدروجين السائل المركب بالسيارات من فئة 100 كيلوغرام    بعد إلغاء حفل توقيع رواياته.. المسلم يعد جمهوره بجولة في المدن المغربية    "الأسرة وأزمة القيم" بين حقوق الإنسان الكونية والمرجعية الدينية    دول الاتحاد الأوروبي بين مطرقة شعوبها وسنداد البيت الأبيض الأمريكي    الهلالي يشارك في الاجتماع الاستثنائي للمجلس العالمي للتايكوندو بكوريا الجنوبية..    عائلات المغاربة المحتجزين بتايلاند تنتقد صمت الحكومة    البطولة الوطنية.. ترتيب أندية القسم الثاني    بعد استغلالها لمصالحه الشخصية.. الوزاني يسحب سيارة الجماعة من مستشار بالاغلبية.. ومضيان يثمن القرار    غوتيريش يدعو إلى "وقف فوري لإطلاق النار" في غزة    المغرب يتوفر على 6 مختبرات للكشف عن الجريمة الرقمية (مسؤول مكتب الجريمة السبرانية في الفرقة الوطنية)    مصممة أزياء: القفطان يجسد رمز عظمة وغنى تاريخ المغرب العريق    مطالب بوقف "التطبيع الأكاديمي" بين المغرب وإسرائيل    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    مطالب نقابية بإقرار منحة لعيد الأضحى    سيطرة مغربية في "الترياثلون الإيكولوجي"    مجلس الأمة الكويتي … المأزق بين السلطة التنفيذية والتشريعية    ثلاثة وزراء ثقافة يكرّمون أحمد المديني رائد التجريب في الأدب المغربي    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    انعقاد الدورة ال12 لمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 17 إلى 19 ماي    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    اضطرابات في حركة سير القطارات بين الدار البيضاء والقنيطرة    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستويات ممارسة المسؤولية: بأوعية كاملة،مشروخة أو محطمة

الذات تترجم وجودها بالتحرك لأجل الآخر في إطار تطوعي يحارب كل انبطاح معنوي :
إن مثل من يدخل غمار المسؤولية،فيتحملها بشكل من الأشكال،إنما يذكرني بحكمة حكاية صينية، فهذا الشخص المسؤول يحس بكمال شخصيته وقدرتها على لعب دور وظيفته الإيجابية بنزاهة و أمانة ومهارة كما ينبغي أن تتحرك في المجتمع.وهو نسخة طبق الأصل لتلك القلة
( بضم القاف – ذا°كمبورث بالأمازيغية) القلة الكاملة التي تنقل فيها امرأة عجوز الماء من المنبع نحو منزلها.هذه القلة الخزفية كانت تنقل الماء بأمانة،أي دون أن تهرق منه قطرة واحدة.بينما المستهتر بالمسؤولية،فمثله كتلك القلة الخزفية الثانية المشروخة،فهي لا تؤدي وظيفة نقل الماء بأمانة نحو المنزل بشكل كامل، لأن نصف كمية الماء تقريبا يضيع منها متقطرا على الأرض. وهي في غضون التحرك نحو المنزل بيد العجوز.بينما المتهرب من المسؤولية بشكل كلي فهو يشبه إلى حد ما تلك القلة المكسرة المحطمة التي لا تنفع .لأن وجودها كعدم وجودها ما دامت مهمتها التي قيضت لها في حمل الماء قد أصابها العطب.بل قد يشكل وجودها عالة واحتلالا عقيما لمساحة المكان الملقاة فيه وعائقا لأصحاب المنزل. فإما يتركوها على الهامش في زاوية المهملات حيث تنتظر دورها كي يقذف بها في المزبلة / مزبلة التاريخ أوالتخلص من عبئها نهائيا لتترك مساحة المنزل فسيحة.وهنا يأتي التشبيه البيولوجي بوجود خلايا حية في مجتمع الجسم الانساني كعناصر فاعلة،كل واحدة تقوم بواجبها في تحمل مسؤولية دورها المنوط بها، فيتم الاحتفاظ بها لأنها مفخرة تساهم في استمرارية وجود الجسم وبقاءه في صحة جيدة ومتوازنة،بينما الخلايا الميتة التي انتهت صلاحية فعاليتها،ولم تعد تقوم بواجبها وتحمل مسؤوليتها فإن الجسم / المجتمع يرفض وجودها لأنها أصبحت كائنات ميتة لا دور لها/ ضميرها ميت ولا تلعب دورها كما يجب.لهذا فإن الدماغ يعطي إذنا لكافة أجهزة التنظيف لتنقية بيئة الجسم من كل تلوث يعرقل مسار الصحة عبر رمي هذه الخلايا المحتضرة خارج الجسم بمعية النفايات اللامجدية. لتصبح رفيقة النجاسة في مرحاض الواقع الخارجي. ولبئسه هكذا مصير أن يرضاه الانسان لنفسه دون أن يراجع نفسه في التراجع عن اختيار هكذا خط سلبي في التهرب من المسؤولية. قد تنفع عملية التقويم مع طري العود، لكنها صعبة مع جذع بلغت منه الصلابة والتصلب مبلغهما. ومع هذا فإن فرصة الغفران متاحة في كل لحظة.إن الفرد إذا أحس بنفسه أنه يشبه الإناء الأول في كمال وظيفته العادية، حسب تعبير الحكمة الصينية، لا بد له من الشعور بالرضا عن الذات. بينما إذا أحس أنه مثل الثاني المشروخ المتوسط في فعالية آداء مهمته،لا بد له من التحرك نحو الكمال لتعويض النقص.أما إذا رضي بالعدمية والتقاعس الكلي مثل تلك القلة المحطمة،فسيخلد للقبوع على الهامش،فإن الحركة المستمرة لحتمية تحمل المسؤولية ستذهب في اتجاه اختزال كل جمود في الركن ليتم تجاوزه وشطبه بمكنسة التخلص السريع من النفايات للمحافظة على نقاء البيئة من العاهات المعنوية المعدية و العالات المستسلمة للإنكسار الوجداني والآفات الأنانية التي تدعي عجزها بسبب كسلها,إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بوضع اليد على الفم أثناء التثاؤب(فتح الفم بسبب الشعور بالتعب والنعاس/ الإحساس بالسبات والرغبة في النوم)،وذلك لأجل تجنب إرسال عدوى النعاس وذبذبات الخمول لأولئك الذي يوجدون قربنا لأننا نؤذيهم,من أراد أن يتكاسل فليتكاسل وحده ولا داعي لأن يشجع الإخرين على الخلود إلى النوم والترهل والدعة. من أراد أن يفشل فليفشل وحده وليمضغ حذاء اليأس في خلوته ولا داعي لإشاعة العدوى لمن ما زال يتلألأ فيه قبس أمل للمضي في تحمل المسؤولية.ومن أراد أن ينشر فكرا جهنميا ،فليدخل جهنم بإرادته لوحده ولا حاجة له بممارسة سحر الدجالين لفرض تأثيره الباطل، لجر ضحايا ساذجة كي تحترق في نار الجحيم مجانا .أما من أراد أن يؤثر إيجابا في الناس ليدخلوا الجنة فأهلا وسهلا به وألف مرحبا.ومن أراد أن يعبد البشر لثروته،فليبقى عبدا أبديا لوحده،يمضغ مرارة العبودية لوحده. ولاداعي لتعظيم سلوكه الغبي كي يمدحه المنافقون لتدجين الأحرار وإراقة ماء وجوهم كي يشعروا بالحرج . وفي هذا الصدد يقول الله تعالى:(الذين يبخلون ويامرون الناس بالبخل)،ليس الشح في المال فقط بل في مواقف التطوع والتضحية لأجل الآخرين عبر تحمل المسؤولية بكل أريحية وكرم نفس وسخاء وجداني وبدون أن يمن بتطوعه على أحد كما قال بايك: ( ما نفعله لأنفسنا فقط يموت بموتنا وما نفعله للآخرين لا يفنى أبدا) .شتان بين طائرلا يستثمر جناحيه للتحليق في السماء ،مثل الدجاج المصاب بكسل تقاعسي حسب حكمة الثقافة الشعبية المحلية،كونه يملك جناحين بدون جدوى ولا منفعة يملأ بهما فضاء السماء زينة.و بين طائر يستثمر ما حباه الله من أجنحة للتعبيرعن هويته كمخلوق مجنح يصلح للطيران .إذ نعتقد اعتقادا جازما بأن تلك الأجنحة إنما وضعت للزينة فقط وليس لمنفعة ملموسة تدخل في دائرة القيام بالواجب وتحمل المسؤولية (الطيران)بأمانة وصدق للتعبير عن ما يجب أن يكون وتحقيق الذات لتكون على ما هي عليه أصلا. وإلا فإن مصير الاحتضار البطيء في الحياة والاستقالة من المهمة الوجودية،هو الذي يجب أن يحدث لأن الفطرة التي جبلنا عليها تعاقبنا على ذلك(عقوبة الفطرة حسب قاموس سيد قطب) ،لأننا لم نفعل ما يجب أن نفعله عبر التحرك لمساعدة الآخرين لفعله. وهذه الاستعارة تتطابق مع الانسان الذي كرمه الله بالعقل ليتميز به عن باقي الكائنات .فيقوم للأسف بتعطيل آلية حمل عبء الأمانة بالارتماء في أحضان الفشل لينصح الآخرين بضرورة تبني الفشل مثله كي يتساوى معهم في المعادلة( الموت في الجماعة أنزاها).فيرتدي قبعة الانسحاب للدخول في معترك تقليد الشريحة اليائسة من قليلي التربية و الجهلاء الأميين الذين يعممون حكمهم السلبي العدمي على كل مسؤول واتهامهم المجاني العشوائي بأنهم كلهم لصوص بدون استثناء، لكن بدون أدلة محسوسة.ولا يجرؤ أحد هؤلاء الفاشلين على التقدم ليتسلم زمام المسؤولية ويرينا شطارته التي أبان عنها عند تجرؤه بكل وقاحة في انتقاده العدمي ومعارضته بشكل اعتباطي لكل المسؤولين أو بالأحرى المتطوعين لتحمل المسؤولية والقيام بالمهمة التكليفية التي أنيطوا بها قسراأو اختيارا.هذه هي العدمية التي ينعدم في أرجائها أي نور أمل قد يضيء طريق الحائرين الرافضين لكل مسؤول ولكل إمكانية تحمل المسؤولية من قبلهم ،لأنهم يقولون بأنهم لا يرضون بأن يكونوا حميرا أو فريقا من الحمالين الذين يحملون أثقالا فوق ظهورهم.إذا كنا كلنا نرفض حمل الأثقال، فمن هذا الذي سيحملها؟ ومن الذي سيتطوع بشكل تضامني لقيادة السفينة بشكل نزيه ماهر يوصلنا إلى شط الأمان؟إن العيب ليس في حمل المجلدات والكتب لأنها شرف وفرصة لتحصيل المعرفة ،ولكن العيب كله هو عدم استثمار هذه الأثقال من الأسفار والمخطوطات في تحصيل ما يفيد الذات والأخرين. وبالتالي لا يجب أن نكون مثل الحمير التي تحمل أثقال العلم لمجرد إرهاق نفسها لكنها ما زالت تتخبط في الجهل ولم تتخلص من الأمية السياسية بعد. قال تعالى: ( كمثل الحمار يحمل أسفارا) . إن الإنسان مهما تدهورت قيمه، يصعب تشبيهه بالبهائم لأن الله رفع من شأنه إذ يقول الله عز وجل: ( ولقد كرمنا بني آدم) إن الله كرم الإنسان بعقله وقدرته على التطور عبر الزمان والمكان ، ولا يغير ما يحيط به إلا إذا شمر عن ساعد الجد فحاول تغيير نفسه أولا قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فيهذب تربيته ويصقل أذواقه وينفخ الحياة الواقعية في أفكاره السطحية ويطور مداركه. لينتج بفضل ذلك قيما ثقافية نبيلة ورصيدا معرفيا في مستوى الحاجات المطلوبة مما يخول له أن يبقى كائنا حضاريا متحضرا يتقدم إلى الأمام بحرية منضبطة وفق معايير النضج العقلي والخلقي حتى لا يتدحرج نحو الحضيض في وقت قياسي. وبما أن الله قد زوده بذلك النور الفكراني الذي يضيء له ظلمات الدروب الحبلى بالجهل. ويتفكر في خلق الله ويعلم قيمته في هذا الكون ككائن فضله الله عن باقي الكائنات وميزه حينما وعد الله بحمل أمانة الكون في إعماره بدل هدمه، تزيينه بدل تشويهه، تنقيته بدل تلويثه، إصلاحه بدل إفساده، أنسنته بدل وحشنته، والإهتمام بقضايا المجتمع للحفاظ على توازنه بدل إشاعة الذعر واليأس وجعل الهموم العامة قنطرة للاستفزاز والاحتكار والتسلق نحو القمم المزيفة.يقول تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها،وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا).كل الكائنات تهربت من حمل أثقال مسؤولية الكون،لأنها أمانة ثقيلة من الصعب إيصالها إلى محطتها بأمان ونزاهة وكفاءة.وبما أن الإنسان معروف برعونته وطيشه وتجاوز حدود الاستهتار،فيتعامل بالظلم والعبث بسبب انغماسه في جهله المطبق بخطورة تحمل المسؤولية المربوطة بعنقه منذ الأزل .كوعد أبدي وعد به الله بالالتزام بتحقيقه على الأرض عبر تفعيل آلية الإصلاح والبناء.وهذاالتكليف شرف الله به الإنسان كي يتبوأ مكانة السيادة في الكون.وبما أن أغلبية الناس غير واعين بمهمتهم هذه وليسوا كلهم أذكياء لتحقيق رسالتهم هذه في الكون، فإنهم أصبحوا بذلك على قدم سواء مع باقي الكائنات الوضيعة.بحيث انتقدهم جورج أورويل في روايته الساخرة:(مزرعة البهائم) (ANIMAL FARM° ) على لسان بعض الحيوانات التي تشتكي الحماقات التي يرتكبها مخلوق حي مفكر( تقدمي مدني متحضر) إسمه:(الإنسان)لأنه احتكر هذا الشرف السيادي على باقي الكائنات من منطلق تحمل مسؤولية الكون لجره نحو الأفضل.لكن ما حدث فعلا كان العكس تماما، وذلك بسبب عقله المتهور الذي لم ينضج بعد كي يكتشف أنه فعلا بسبب تعلقه بالتفاهات الغبية وتهربه الماكر من تحمل المسؤولية، إنما هو أحط كائن حي على وجه الأرض. باستثناء البعض طبعا. وهذا التهور والتخاذل لدليل قاطع – على لسان بعض الحيوانات في رواية لجورج أورويل – على أنه لا ييستحق أن يكون في مستوى تشريفي فوق الحيوان والبهائم ويداه مدنستان بدماء إخوانه الأبرياء لسرقة أرزاقهم واحتكار سبل السعادة بشكل جشع لا معنى له. بينما الحيوانات،فإنها تبدو على الأقل كائنات مسالمة ومنتجة بحيث يتم حلبها لتعطي الحليب وتضع البيض وتساهم في تزويد الأسواق بلحومها وسمنها وعسلها وشتى منافعها الإيجابية والبعض الآخر يساهم معنويا في إضفاء التنميق الجمالي على سحنة الحياة الكئيبة مثل الفراشات والطيور التي تدخل البهجة والسرور على الكائنات. بينما الانسان- في شقه الأحمق العدمي يظل سلبيا عقيما وصورته كسيد للكون تظل مجرد وهم ورقي يخطط فريق البهائم الذكية للإنقلاب عليه ما دام أسد الغابة أصبح مجرد ورق يشيع الرعب في عالم افتراضي وهمي فقط لا ينطلي سوى على السطحيين الأغبياء.وهذا هو الخلط الذي حدث في المنظومة الفكرية الغربية التي تعتبر تحمل المسؤولية السياسية ميكيافيلية الطابع براجماتية الأهداف ولا أخلاق فيها, مما دفعهم إلى فصل الأخلاق عن السياسة . وما الدين سوى مرجعية أخلاقية بامتياز. وهذا ما قاله تشورشيل: ( مررت يوما على قبر فقرأت على شاهده: (...هنا يرقد الزعيم السياسي والرجل الصادق) ...فتعجبت كيف يمكن أن يجتمع تعبيران متناقضان على نفس اللوحة وكيف يمكن أن يضم قبر هويتين متضادتين).وهنا يؤكد تشورشيل كسياسي إنجليزي أنه شيطان وليس بإنسان مادام أنه قد دخل عالم السياسة وتحمل المسؤولية .فهل يا ترى تجرد الرسول صلى الله عليه وسلم في تصرفاته الشريفة وتحركاته التفاوضية من كل خلق إنساني وصدق أصيل ؟.هل هذه السلوكات الديناميكية في إطار من الديبلوماسية وتنظيم الغزوات كانت تدل على أنه بصدد ممارسة السياسة بعيدا عن الاسلام كدين قويم في استقامته ونقاءه وقدرته على التوفيق بين متطلبات المادة والروح/ الدنيا والآخرة/ الوقع السياسي والمثل العليا؟ نعم سيسترجع الإنسان هيبته واحترامه- في نظر جورج أورويل من طرف (حيواناته) في ( مزرعة البهائم) التي ألفها ،شرط أن يعود إلى درب الإستقامة النزيهة من خلال التمسك بحبل الهداية الالاهية والالتزام أخلاقيا بضمير الحكمة عبر تحمل المسؤولية في توزيع الحقوق بالعدل والحفاظ على توازن العالم بعيدا عن المبالغة وطغيان الجانب السلبي على الإيجابي.فيتمم بذلك فقرات رسالته الناقصة في إعمار الكون الخالي حتى لا تشعر الطبيعة بالرعب من الفراغ الذي تكرهه،و إصلاح حدائق الجمال التي أفسدتها سماجة الذوق الفاسد.وترميم منازل السلوك القويم التي تحطمت بسبب زلازل الجشع الذي دمر أعمدة القيم النقية و عمل على إبعاد كل ما هو قريب في المتناول.إن الله حينما أمر إبليس
كمخلوق ناري أن يسجد للإنسان احتراما و إجلالا له،وبالتالي التعبير عن طاعته للخالق عبر هذا السجود الرمزي لمخلوق كرمه الله وجعله سيد الكون، إنما يدل ان الأنسان لا يتمتع بالذكاء والوعي الكافيين ليفتخر بهذا القدر والشأن العظيمين الذين منحهما الله إياه بحيث بوأه منزلة قيادة الحياة على الأرض نحو الأصلح. وبالتالي وجب تعليمه وتربيته على هكذا منهج مسؤول بعيدا كل البعد عن الأنانية الصبيانية والارتباك الشخصي الغير الناضج في القيام بمبادرات تطوعية تفيد المجتمع ، فينهض من سبات الكسل والتقاعس لحمل عبء الأمانة الملقاة على عاتقه والتي سيحاسب عليها إن أبطأ به عمله في فعل الخير و إحقاق العدل في القيام بالواجبات وإعطاء كل ذي حق حقه.إن الانسان اجتماعي بطبعه كما قال ابن خلدون فلا أحد يستطيع الاستغناء عن خدمات الآخرين ليكتفي بذاته. الشبكة العلائقية متشابكة ومعقدة ولا يمكن تبسيط القضية بهذه السهولة. إن الفرد الذي يفضل العيش لنفسه فقط إنما لم يستحق أن يولد أصلا لأنه لا يعترف بالأخرين وظل يدور في حلقة الأنا المفرغة فظل وحيدا يكلم نفسه كالأحمق في زنزانة ذاته المنغلقة .فعشق أهواء الذات. كما أن الروح الشريرة للانانية اللامسؤولة قد تقمصته بشكل سيء وحاصرته في دائرة ملعونة طردته من رحمة الله إلى الأبد قال خير الخلق: (أحبكم إلى الله أنفعهم للناس).إن الأناني اليائس من الجماعة بهذاالانسحاب الانهزامي أصبح كالوثني الذي لا يعبد سوى نفسه وأضحى من هذا المنطلق لا يعبد الله ،مادام أنه يجافي إحدى سنن القانون الإلاهي( إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) ،إذن فهو مثل الشاة القاصية المنعزلة عن الأغلبية.إذ لا يقبل التواصل مع الآخرين في تبني قضاياهم وتحمل المسؤولية لمعالجتها ما استطاع ويبقى ذئب الجنون يتربص به في كل حين في برج انعزاله الكئيب. والجبان فقط هو الذي يشعر بارتياح ضميره لأنه يستمتع لوحده بملذات الفردوس وسط صرخات الألم والمعاناة المأساوية لمن هم دونه، وحسب فلسفته الأنوية الضيقة، لينجو هو أولا من المأزق و ليذهب الجميع بعد ذلك ضحايا للطاعون والطوفان والجحيم.إن فيروسا ما يزعج برنامجه العقلي فيشوه البرمجة الفطرية لما يجب أن يكون متوفرا فيه ليعبر عن إنسانيته فعلا. وهذا الخلل الذي أصاب ميزان أحكامه القاصر جعله لا يفكر إلا في تحقيق طموحاته الزائدة بواسطة الإستهتار بواجب المسؤولية المنوطة به، وتحقيق الربح والفوز على ظهر القهر الذي يقوم بواجبه المسؤول.كما أنه قد قام بالتجديف في الغيب في الانتقاص من شأن الإنسانية. كما أنه نكث بالوعد الإئتماني ورفض أوامر الله في تبليغ أمانة الواجب والالتزام بالمسؤولية على أحسن وجه وبالأسلوب الذي يراه يتوافق مع إمكانياته التطوعية.حينذاك سنتجرأ على اتهام هذا المسؤول اللامسؤول بأنه مجرد شيء لا يساوي شيئا في سوق التقويم أو جماد لا حياة فيه حتى و إن أقمت الدنيا ولم تقعدها في المناداة بالنصيحة له.لأنه بكل بساطة فقد الإحساس بالمسؤولية وحياة الضمير التضامني بواسطة جهاد النفس والمال والمتاع والتضحية بالوقت.وكان الأجدر به عوض التشويش على النزهاء المضحين أن يعترف بالحقيقة فيقول:(أعتذر إخوتي فإني متقوقع في عالمي الخاص الذي لم أنضج فيه بعد، لأنني لم أحقق كل طموحاتي المادية القصيرة المدى التي كانت تسيطر على كيان رغباتي التي لا تنتهي،و أشعر بأن العجز عن الالتحاق بقافلة التعاون التضامني لتذليل عقبات إصلاح منزلنا الذي يحتاج إلى ترميم أعطابه ولن يصلحه سوى أصحابه الذين يعرفون أسراره جيدا.ولا أجنبي قادر على علاج الزكام الذي زحف على أنوفنا بشكل مجاني سوانا.إن لعنة التقاعس هو مصيري الأبدي الذي أصابني بالعدوى تقمص شخصيتي وتطبعت به طبيعتي لأقابل جميل جماعتي بالخذلان وعدم التعاون . فلا مفر من هذا القدر الساكن في عمق ذاتي وشخصيتي.إنني فعلا آسف ولتمضوا في الطريق لانجاح المقاربة التشاركية.لأنني سألتحق بكم كلما أحسست أنني أصبحت فعلا ناضجا راشدا الآن دعوني أستمتع باللعب في لعبتي و أعوض أشواق مراهقتي التي عانت من الحرمان). هذا إذا كان يمارس المسؤولية في المستوى العدمي المعدوم حيث الشخصية الصفر تترنح في نشوة تخاذلها وتهربها.فيمسي مثل ذلك الوعاء المحطم الذي يجب حذفه من برنامج المراهنات الناجحة كون جوهره مبني على الخسارة الأصيلة.أما إذا كان يشبه تلك القلة المائية المشروخة التي توصل نصف كمية الماء من المنبع نحو المستقر،فهو يقوم بنصف الواجب ويتعثر في مشوار تحمله المسؤولية فبالإمكان إصلاح ما به بشيء من التعبئة والتحسيس و إعادة التأطير والتوعية الإيمانية التي ستحفزه وجدانيا لتصحيح مساره المنحرف.والذي يقوم بدور القلة الكاملة فهو الإنسان النموذجي الذي يستحق مكافئة وتكريما على مجهوداته في الالتزام بواجباته في تحمل المسؤولية دون زيادة أو نقصان. على الرغم مما سيعتريه من هفوات من حين لأخر على أساس أن الكمال لله وحده. ما زلنا مع الحكمة الصينية لحكاية الأوعية الكاملة والمشروخة والمحطمة..رفع قلم النقد عن الإناء الكامل في حمل الماء/الشخصية الكاملة في الالتزام بشروط تحمل المسؤولية. لكنه مع ذلك قد ينفع إناء الماء المشروخ في سقي حافات الطريق كي تنمو زهور وورود تسر الناظرين عوضا عن تركها تعاني من الجفاف والتصحر. على الرغم من عدم تمكنه من القيام بواجبه كاملا كما يقول المثل الأمازيغي: (ذيثي سوزرو وارا ضاورا) أي( ضربة بحجر على الرغم من أنه عمل تافه/سلاح ناقص خير من الهروب والتهرب من ساحة الصراع والتدافع).مهما يكن فينا من شروخات شخصية تتسلل منها قطرات الاستسلام للتقاعس ومهما يكن في ذواتنا من نقاط ضعف تدل على العجز واليأس والشعور بالفشل المستدام، فإن الحكمة الالاهية تقتضي منا أن نتحرك في الاتجاه الايجابي المستمر السخي عوض الاتجاه السلبي العدمي البخيل الذي يعدم كل فرصة مضيئة ويبخل علينا بالتبشير بغد أفضل تلوح أنوار الأمل في أفقه، لبعثرة رماد القعود والنهوض من جديد. إن الحكمة تعيد صياغتنا رغم المحاولات التشويهية لمصداقية الفطرة الإنسانية في النزاهة والاستقامة، لنكون كائنات نافعة باستمرار لا تضر شيئا ولا أحدا مهما كانت الظروف.ولا يهم درجة نفعها أو مستوى مردوديتها، أو إيقاعها: أكان بطيئا أم سريعا في حركته. العبرة هنا بالحركة ولا تهمنا درجتها. الكيف وليس الكم هو المأخوذ بعين الاعتبار. لكن النظر بعينين أفضل من عين واحدة. كي تكون رؤيتنا دوما منصبة على النصف المليء للكأس أكثر من الاكتفاء بالتركيز على النصف الفارغ فقط.إن اللاهدف هو مصير المسؤولية التي تحملها في إطار فاسد بلا نزاهة كفاءة.لأن برنامجها مبني على الارتجال العشوائي ورغبة في الاستهتار بها.إن الركض لا ينفع في سياق نحتاج فيه لحرق حريراتنا ببطء. مثلما يضر المطر الطوفاني السريع كل المحاصيل الزراعية التي لا تستفيد إلا من التساقطات الرقيقة البطيئة.وما جدوى الخطوات المتتالية وقطع مسافات ماراطونية إذا كان المسير قد اتخذ سيره الوجهة الخطأ التي لا توصلنا إلى الهدف المنشود الذي ينسجم مع نسق مبادئنا العامة. لا بد من تحمل مرارة دواء تقويم الذات في معالجة مرض الاستعجال. و إلا فإن التريث المتأني سينتحر على أسوار المعاناة والألم وحصد العواقب الوخيمة عندما يغسل المؤمنون أياديهم على المشروع العدمي المتخاذل فتكبرالثقة ويصاب الكفر بالأمل . إن المرعوب اللامسؤول العاجز عن القيام بالواجب بإخلاص والمتطفل القلق المندفع إلى الأمام بتشنج انفعالي لضبط لائحة النتائج في عجلة مريضة، إنما موته الأكيد كائن في عدم نضجه وعمق أنانيته رغم أنه حي يرزق.بينما المغامر الشجاع الذي ضحى بكل شيء في سبيل إتقان المهمة المسؤولة، فحياته الحقيقية توجد بين طيات تضامنه وإيثاره وفي تفاصيل نكران ذاته لأنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى و إن اضطره الأمر الموت في سبيل ذلك. ويبقى هذا المجهود الذي بذله بإخلاص ونية حسنة هو الذي سيخلد ذكراه على صفحات التاريخ ويكلل سيرته بتاج المجد المستحق.فعلا لقد صدق من قال: ما نفعله لأنفسنا يموت تأثيره بموتنا، أما مانفعله لغيرنا فإن تأثيره يدوم وتتمدد مساحته الزمنية ولا يفنى لأن أجره صدقة جارية وصدق الله العظيم حينما قال:(فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ماينفع الناس فيمكث في الأرض وكذلك يضرب الله الأمثال)
حكيم السكاكي [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.