تعيش مدينة الحسيمة جوهرة المتوسط أزمة بيئية واقتصادية متصاعدة بفعل التدهور الحاد في الثروة السمكية، وهي أزمة لم تأتِ من فراغ، بل نتيجة ممارسات غير قانونية، وتقصير واضح في تفعيل القانون، وغياب الرقابة الصارمة على قطاع حيوي يُعتبر مصدر رزق لآلاف الأسر. ويعزو مهنيون في قطاع الصيد البحري هذا التراجع إلى عدة عوامل متداخلة، في مقدمتها الاستعمال الواسع _في ما مضى _ المتفجرات والشباك الممنوعة، وهي شباك تفتك بالأسماك الصغيرة والكبيرة دون تمييز، مما يُقوّض دورة الحياة الطبيعية في البحر ويستنزف المخزون السمكي تدريجيًا، ولا يقل خطورة عن ذلك الصيد العشوائي في المناطق الساحلية، التي تُعتبر مجالات حساسة لتكاثر الأسماك، خصوصًا الأنواع السطحية مثل السردين. هذا النوع من الصيد، الذي يتم في أماكن قريبة من الشاطئ، يهدد بتدمير البيئة البحرية وفقدان أحد أعمدة الاقتصاد المحلي. كما يشتكي بعض المهنيون من عدم فرض راحة البيولوجية _على بعض انواع الاسماك خصوصا الفينو هذا موجه الى مراكب الجر وبعضها يصطاد على مقربة من الساحل !!! _ التي تُقرها الدولة لفترات معينة من السنة، والتي يفترض أن تُمنح خلالها الأسماك فرصة للتكاثر وإعادة التوازن البيولوجي للمخزون. من جانب آخر، يُعاني أرباب مراكب الصيد من انتشار "النيكرو" (فقمة البحر الأبيض المتوسط)، الذي أصبح ظاهرة مقلقة في عرض البحر، حيث يمزق الشباك ويفسد المصطادات، متسببًا في خسائر جسيمة دفعت العديد من أصحاب المراكب إلى بيعها أو مغادرة ميناء الحسيمة نحو موانئ العرائش والقنيطرة بحثًا عن مورد بديل ومستقر. والأخطر من كل هذا هو تفشي صيد "القوبيون" المعروف محليًا ب"الشانكيطي" على شواطئ السواني، حيث يُمارَس هذا النشاط المحظور على مرأى ومسمع السلطات، بل ويتم بيع هذه الأسماك أمام أعين المواطنين، وعلى مقربة من السلطات في بوكيدارن وإمزورن ، دون أي تدخل يُذكر. وهو ما اعتبره مهنيون ومواطنون وبيئيون استخفافًا بالقوانين وضربًا في العمق لمصداقية الرقابة. ويحذر العديد من المتابعين من أن ميناء الحسيمة، الذي كان في ما مضى ينافس موانئ كبرى مثل أكادير وآسفي في صيد السردين، مهدد اليوم بأن يتحول إلى مجرد ميناء للنزهة امتداد لمارينا الحالية ، بعد أن فقد جزءًا كبيرًا من دوره الاقتصادي والمهني. نوستالجيا ... اتألم حينما اتذكر تلماضي القريب مراكب لم تعد الحسيمة 1 والحسيمة 2 نكور 1 ونكور 2 رشيد ، الامل اشرقي امين انوال الصحراء وإنري ... اتذكر المبيعات الخيالية التي كنت ارسلها الى الإدارة المركزية بالبيضاء وهي شوفاليي دو ليليارد ملحقة المكتب الوطني للصيد البحري والتي كل محاسبي المكتب بالمملكة يبعثون اليها المبيعات والداخيل اليومية والمتعلقة بضرائب الدلالة والضريبة على القيمة المضافة وضرائب تستخلص للصندوق الوطني للضمان الاجتماعى وكانت قيمتها حوالي 10 % من قيمة المبيعات المصرح بها والمبيعات في السوق السوداء لا تدخل في هذه الخانة ، أرقام فلكية كانت مداخيل لهذا الميناء والذي كان من الأوائل وطنيا . كانت لي في الميناء ذكريات تأخذني إلى عوالمِ انطفأت وتغيرت ، تذكرت كاليرا التي كانت بها انواعا من السمك لم نعد نراها تذكرت أرباب المراكب عمي شعيب كابايو وموح امعنان شيلاح وعزوز وعبد القادر امغار ومحمد اشرقي وعلال وابركان محايني وعبد السلام اجبلي الرايس رحمهم الله جميعا ... هؤلاء اناروا الميناء ونزلوا به بكل ثقلهم باستثماراتهم ورساميلهم الضخمة تذكرت التجار الذين تعاملت معهم البقالي وعمي شعيب نحمادي ومصطفى وكاراطي رحم الله الموتى منهم وبارك في الاحياء ، تذكرت المراكب التي كانت تأتي محملة بالسردين والشطون وعشرات الشاحنات تنتظر ان تشحن السمك إلى المدن والقرى وإلى معامل تصبير السمك تذكرت ورؤساء مراكب الصيد النيكرو مرابو الزموري عمار بوثحاربين عقاد بوشلاغم وعمي ذريس معاوية كابايو رحم الله من غادر وبارك في الاحياء . رحم الله عمي أحمد ابركان الملقب بمحايني الذي كان يمول أسواق الشمال من حدود وجدة حتى الخميسات، كنت أراه يسجل الطلبيات ويامر خادمه مصطفى "بوثجنيث" الذي كان صلة وصل بينه وبين سائقي الشاحنات لإيصال الطلبيات . إن تدهور الثروة السمكية بالحسيمة لا يُنذر فقط بكارثة بيئية، بل يُهدد أيضًا النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة. وهو ما يتطلب تدخلاً عاجلًا وحازمًا من الجهات المختصة، لتفعيل المراقبة، وتطبيق القوانين، ودعم البحارة المتضررين، والعمل على إنقاذ ما تبقى من هذا القطاع الحيوي قبل فوات الأوان. والمؤسف أن ميناء الحسيمة، الذي كان يُموّل مدن الشمال بكميات وفيرة من السردين اصبح يستورد السردين خلال فصل الصيف من cabo de agua بسبب وجود مركب سردين واحد وهو معاشي والذي يصطاد بالشباك السينية والتي كانت موجهة للمراكب قصد تجربتها وبعدها توقفت هذه التجربة اليتيمة . خلال فصل الصيف يكثر العرض على سمك الفينو وبما ان الطلب أكثر من العرض فإن شاحنات تأتي محملة فتقريبا أكثر من نصف العرض يْستورد مجمدا "الفينو" ليُعاد بيعه في الأسواق بعد إخضاعها لعملية décongélation، ويتم تقديمه على أنه "سمك الحسيمة"، في مفارقة مؤلمة تختزل واقع التدهور الخطير الذي بلغه هذا القطاع ، وكذالك جشع بعض التجار .