الشرطة الفرنسية توقف رجلين على خلفية سرقة مجوهرات تاريخية من متحف اللوفر    لقجع: تنظيم "الكان" هو حلقة في مسارٍ تنموي شامل يقوده الملك منذ أكثر من عقدين    الأمن المغربي يوقف فرنسيا من أصول جزائرية مبحوثا عنه دوليا بمطار محمد الخامس    سلا الجديدة.. توقيف سائق طاكسي سري اعتدى على شرطي أثناء مزاولة مهامه    كتامة: وجبة "طون" فاسدة تُرسل خمسة أشخاص إلى مستعجلات مستشفى ترجيست    رياضة الكارتينغ.. المنتخب المغربي يفوز في الدوحة بلقب بطولة كأس الأمم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    غوتيريش يشيد بتعاون المغرب مع آليات حقوق الإنسان    ترامب يرفع الرسوم الجمركية على السلع الكندية    "مايكروسوفت" تطلق إصدارا جديدا من المتصفح "إيدج" المدعوم بالذكاء الاصطناعي    الليغا.. عز الدين أوناحي يهدف ويقود جيرونا للتعادل أمام أوفييدو    المغرب والجزائر تواصلان سباق التسلّح بميزانيتي دفاع تَبلغان 14.7 و22 مليار يورو على التوالي    مقررة أممية: وقف هجمات إسرائيل لا ينهي معاناة الجوع في غزة    حزب العمال الكردستاني يعلن سحب قواته من تركيا إلى شمال العراق استجابة لدعوة مؤسسه    المغرب يطلق "ثورة" في النقل الحضري: برنامج ضخم ب 11 مليار درهم لتحديث أسطول الحافلات    المهرجان الوطني للفيلم يحسم الجوائز    الجزائر على صفيح ساخن... مؤشرات انهيار داخل النظام العسكري وتزايد الحديث عن انقلاب محتمل    نصف قرن على المسيرة الخضراء... العيون تجدد العهد مع الملك والوطن    طقس الأحد: برودة بالأطلس والريف وحرارة مرتفعة بجنوب المملكة    زلزال بقوة 5,5 درجة يضرب شمال شرق الصين    الولايات المتحدة والصين يعملان على "التفاصيل النهائية" لاتفاق تجاري (مسؤول أمريكي)    ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    إصابة تبعد الجمجامي عن الكوكب    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    الحزب الاشتراكي الموحد يستنكرإقصاء مدينة العرائش من الشطر الأول للبرنامج الوطني للنقل الحضري العمومي بواسطة الحافلات    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    المغرب يصطدم بكوريا الشمالية في ثمن نهائي مونديال السيدات لأقل من 17 سنة    دوري أبطال إفريقيا: الجيش الملكي يتأهل إلى دور المجموعات بانتصاره على حوريا كوناكري الغيني    الملك يهنئ رئيس جمهورية كازاخستان    مشجعون من 135 دولة يشترون تذاكر نهائيات كأس إفريقيا في المغرب    الأمين العام للأمم المتحدة يثمن التعاون النموذجي للمغرب مع "المينورسو"    وفاة الملكة الأم في تايلاند عن 93 عاما    فيتنام: المغرب يوقع على المعاهدة الدولية للأمم المتحدة لمكافحة الجرائم السيبرانية    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    شركة فرنسية تطلق خطا بحريا جديدا يربط طنجة المتوسط بفالنسيا وصفاقس    الأمين العام للأمم المتحدة يبرز التنمية متعددة الأبعاد لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    زينة الداودية عن صفقة زياش التاريخية: إنها الوداد يا سادة    نور عيادي تفتتح الدورة ال15 لمسابقة البيانو للأميرة للا مريم بأداء مبهر    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    قمة صينية أمريكية بماليزيا لخفض التوتر التجاري بين البلدين وضمان لقاء ترامب ونظيره شي    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    وزارة المالية تخصص مبلغا ضخما لدعم "البوطة" والسكر والدقيق    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    التوقعات المبشرة بهطول الأمطار تطلق دينامية لافتة في القطاع الفلاحي    تقرير يقارن قانوني مالية 2025 و2026 ويبرز مكاسب التحول وتحديات التنفيذ    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    عبد الإله بنكيران والولاء العابر للوطن    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النموذج التونسي في المغرب
نشر في دنيابريس يوم 01 - 02 - 2011

ربع قرن من القبضة الحديدية لم تنفع الرئيس أمام إرادة الشعب. فلم يجد أمامه غير الهروب. فكشف عن أقصى درجات الجبن والخوف، هو الذي ظل طيلة أكثر من 23 سنة يزرع الخوف والرعب في نفوس التونسيين، مستعملا مختلف الوسائل القمعية، التي اهتدت إليها أسوأ تجربة بوليسية في العالم العربي. كيف أمكن لهذا الهارب أن يكون على هذه الدرجة المذلة من الجبن والخوف، ويحكم بلاده بكل ذلك القمع والاستبداد؟ لقد كشف بن علي الهارب حقيقة الحكام غير الديمقراطيين والاستبداديين: إنهم جبناء خائفون. يكفي أن تواجههم شعوبُهم بالحقيقة، حتى يستقلوا أول طائرة، ولو بدون اتجاه. وهذا ما حدث للرئيس المخلوع، الذي ظل معلقا في السماء يستجدي ممرا في أحد المطارات لتحط عليه طائرته، قبل أن ينفذ وقودها، بعدما لفظه شعبه وطرده شر طردة، فاجأت أصدقاءه وخصومه على السواء.
لا يساورني الشك في أن حكام الدول العربية كانوا، في مساء ذلك اليوم الذي كانت فيه طائرة زميلهم الهارب معلقة بين السماء والأرض، يرون وجوههم في المرآة التونسية، ولم تفارفهم صورة الرئيس المخلوع التي كانت تطلع لهم عندما ينظرون إلى وجوههم في المرآة. إنها النهاية المأساوية لكل حاكم لا يزال مصرا على الاستبداد والحكم مدى الحياة.
وأمام هذه النهاية التراجيدية للرئيس الهارب، أتساءل: ما الذي مازال يفعله القذافي في ليبيا ومبارك في مصر وعبد الله صالح في اليمن... وأمثالهم في هذا العالم كثيرون ولو كانوا يصغرونهم في السن؟ أتساءل: هل وصلت رسالة الشعب التونسي إليهم؟ الأكيد أن الرسالة وصلت إلى شعوبهم التي انتشت بما حصل وانفرجت أساريرها وانتعشت أنفاسها واستعادت ثقتها بإرادتها وبهيبتها، بعدما سعى حكامها المستبدون، عبر مختلف وسائل القمع وأشكال الحط من الكرامة، إلى سلبها إرادتها في التغيير الذي يقود إلى العيش الكريم وإلى تنفس هواء الديمقراطية النقي. أما أمثال أولئك الحكام، فلن تكون الرسالة قد وصلت إليهم إلا إذا سارعوا إلى مغادرة كرسي الحكم عن طيب خاطر، قبل أن ينفذ صبر شعوبهم.
إن التفاعل مع هذه اللحظة التاريخية، التي وقَّع عليها الشعب التونسي في منطقة تأخرت كثيرا في دخول نادي الدول الديمقراطية، يقتضي أن يغادر حسني مبارك السلطة في مصر ويترك المصريين يختارون رئيسهم بكل ديمقراطية، والأمر نفسه بالنسبة إلى القذافي الذي أصبح ملزما بإيقاف حكمه الأبدي ومغادرة خيمة الحكم بليبيا، وكذلك الآمر بالنسبة لعبد الله صالح، الذي يجب عليه أن يستخلص الدرس ويتراجع عن الحكم مدى الحياة في اليمن... وآخرون كثيرون...، علهم بذلك ينهون حكمهم الطويل بأقل خسارة وينسحبون بدون مذلة، ويساهمون في عدم إراقة الدماء.
لقد كان يُنظر إلى تونس باعتبارها نموذجا لنظام يتباهى بمنجزاته الاقتصادية على حساب التنمية السياسية. وأصبح لهذا النموذج أنصار ودعاة في البلدان العربية غير الديمقراطية، وحتى لدى إدارات بعض الدول الغربية التي تتنفس هواء الديمقراطية. لكن الشعب التونسي سيفضح فشل هذا النموذج، وسيقدم نموذجا آخر في الثورة الشعبية السلمية. إنه النموذج الذي يسير في مجرى التاريخ. هذا هو التاريخ. ومن يعاكس التاريخ، يكون مصيره مثل المصير البئيس للرئيس الهارب. فلم نعد استثناء في هذا العالم.
لأول مرة، في العالم العربي، تنجح انتفاضة شعبية سلمية في الإطاحة برئيس مستبد. لم تتم الإطاحة به عن طريق انقلاب عسكري أو انقلاب أحد مقربيه (كما فعل هو نفسه حين أطاح بسابقه بورقيبة قبل أن يمر شهر على تعيينه وزيرا أول)، وإنما بغضب شعبي. إن أمواج غضب الشعوب بإمكانها أن تحطم جدران القمع، مهما كانت صلابتها.
ماذا عن المغرب؟ نعم، الوضع في المغرب ليس هو الوضع في تونس. ولسنا في حاجة اليوم،- وخاصة اليوم بعد الذي جرى بتونس- إلى من يسارع الزمن ويتسابق ل«يطمئننا» إلى أن المغرب محصن من مثل ما وقع في تونس بفضل شرعية نظامه التاريخية والدينية. إنها أسوأ دروس في التاريخ يمكن أن تقدم للمغاربة اليوم، أمام ما يجري في هذا العالم المتحرك والمتغير باستمرار. التاريخ يصنعه البشر. والشرعية نفسها، تاريخية كانت أو دينية، يمنحها البشر الذي بإمكانه أن يسحبها إذا عاكست حقوقه ومطامحه. هذا هو قانون التاريخ.
ليس من المسؤولية التاريخية أن نرفع، مرة أخرى، شعار «حصانة المغرب»، لكي لا نطرح السؤال الذي لا مفر منه اليوم: «هل يمكن أن يحدث بالمغرب ما حدث بتونس؟». لا أظن أن هناك منا من لم يطرح هذا السؤال، وإلا لكان يفتقد لذرة واحدة من المسؤولية. لنكن واقعيين وصرحاء مع أنفسنا قبل الغير، ونحن نجيب على هذا السؤال. وعلينا، هنا، ألا ننسى أنه إلى حدود يوم 17 دجنبر 2010، حين انطلقت شرارة انتفاضة الشعب التونسي، وحتى بعده بأيام، لم يكن كثيرون يتصورون أن يقع ما وقع في تونس، وبتلك الطريقة.
الوضع في المغرب ليس هو الوضع في تونس... نعم، ولكن!! ولكن هناك عناصر تشابه كثيرة ينبغي أن نأخذها اليوم بعين الاعتبار، وألا ندفن رؤوسنا في الرمال.
- السلطة الفعلية، عندنا، ممركزة في يد واحدة. وهذا الوضع انتبه إليه عدد من المغاربة، قبل انتفاضة تونس، وطالبوا بتغييره.
- الحكومة، عندنا، هي لتصريف الأعمال وتنفيذ الاختيارات والبرامج المهيأة سلفا.
- الوزير الأول، عندنا، بلا اختصاصات حقيقية، ووضعه الواقعي مهزوز، ولا سلطة فعلية له على «الحكومة الفعلية» التي تتكون من محيط الملك.
- البرلمان، عندنا، للتسجيل فقط، لا غير. وصورته عند الشعب لا تحتاج إلى تعليق.
- وعلينا ألا ننسى، هنا، أن أوامر الرئيس بن علي كانت مطاعة، وقراراته لا ترد. كان يعين الوزير الأول الذي يريد، ويعين الحكومة التي يريد، ويعفي الوزير الذي يريد، ويغير الدستور كما يريد... كان منبع كل السلطات، عنه تصدر، ومنه تفيض.
- ولن أتحدث عن مجال المال والأعمال الذي يتجه أكثر فأكثر نحو الاحتكار، وعن النافذين الجدد الذين أصبحوا يراقبون الثروة في المغرب ويخيفون الكثيرين، حتى من رجال الأعمال، بنفوذهم السلطوي الذي يستمدونه من علاقاتهم الخاصة بالحكم.
[محمد حفيظ]
محمد حفيظ
ما حدث في تونس يعنينا في المغرب. ولا ننسى أن بعض النافذين عندنا، في الدولة، كان يغريهم النموذج التونسي، وكانوا يجاهرون بذلك، في المنتديات العامة والخاصة، وحتى بداخل مؤسسات الدولة، ومنهم من شرع في إعداد العدة لنسخه ونقله إلى بلادنا، دون أن يستحضروا-هنا- «الفرق» و«الاختلاف» بين الدولتين في الشرعية التاريخية والشرعية الدينية. لا ننسى أن هناك من كان يرد على المطالب الداعية إلى الإصلاح السياسي بالتهكم والسخرية واللامبالاة، ويعتبر أنه يكفي إطلاق «الأوراش الكبرى» التي يقودها الملك، لتعويض النقص الحاصل في الحقل السياسي. وكان يُقَدم، هنا، «الاستقرار التونسي» كحجة للدفاع عن النموذج التونسي وعن صلاحيته للمغرب.
تونس تعنينا. ويجب أن يكون ما حدث في تونس موضوعا على جدول أعمالنا السياسي. ينبغي أن نناقش أسباب ما وقع في تونس بصوت مرتفع وبالحرية الكاملة، لنقف على عناصر التشابه، علنا نهجرها قبل أن تتعرض بلادنا للأسوأ. إن ما حدث بتونس يفرض علينا أن نسائل نظامنا السياسي وآليات اشتغاله.
ما حدث في تونس دليل على أن «الملكية التنفيذية» لا تصلح للمغرب. وإذا كانت تمارَس اليوم، فإنها ليست ذلك النظام الذي بإمكانه أن يضمن لنفسه الاستمرار، قبل أن يضمنه للبلاد. إنها تحمل في طياتها بذور الانهيار. إن «الملكية التنفيذية» تُحَمل الملك كل سلطات الحكم، وتجعله يتحمل كامل المسؤولية عما يترتب عن هذا الحكم، وتجعله وجها لوجه مع كل متضرر من ذلك الحكم، بينما هو رمز لوحدة البلاد ولضمان دوام الدولة واستمرارها. وهذه «السلطة التنفيذية» ليست في صالح الملكية نفسها.
الديمقراطية لا تتحقق في نظام ملكي يسود فيه الملك ويحكم. الذي يحكم يجب أن يُساءَل، وأن يُنتخب، وأن يتنافس مع مرشحين آخرين، وأن يحكم لفترة محددة في الزمان، وليس مدى الحياة.
إن ما حدث بتونس يضعنا في لحظة تاريخية ينبغي أن نتعامل معها بمسؤولية تاريخية. نظامُنا السياسي يحتاج إلى إعادة هيكلة، حتى نحمي البلاد من اللاستقرار، ونضمن وحدة الأمة واستمرار الدولة. وهذه أنبل مهمة تاريخية يمكن أن تقوم بها الملكية في المغرب.
إن هناك حاجة ماسة وضرورية إلى إصلاحات بنيوية وشاملة، تمكن الشعب من السيادة الفعلية، وتجعل الحكم الفعلي بين يدي من يخضع للمساءلة والمحاسبة، عبر صناديق الاقتراع، حتى يكون للانتخابات معنى، وتُبعث الروح في الديمقراطية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.