رغم أن المصالح الدركية لدى سرية سيدي بنور، التابعة للنفوذ الترابي للقيادة الجهوية للدرك الملكي بالجديدة، تمكنت من فك لغز جريمة القتل، التي اهتز على وقعها دوار "النواصرة"، بتراب جماعة أولاد عمران، والتي راحت ضحيتها رضيعة؛ ورغم أنها عمدت إلى تحديد هوية المشتبه فيها، والاهتداء إليها، والاستماع إليها في محضر قانوني، في إطار البحث القضائي أجرته تحت إشراف الوكيل العام باستئنافية الجديدة؛ فإن جناية القتل هاته، التي ستظل موشومة في الذاكرة، وستدخل سجل تاريخ الجرائم المثيرة، لا تترتب عنها المساءلة والعقوبة، لتبقى المشتبه في ارتكابها، التي لم تضعها الضابطة القضائية تحت تدابير الحراسة النظرية، أو رهن الحراسة التحفظية، حرة طليقة.. ليس لأن هذه الجريمة قد طالها التقادم القانوني (la prescription)، الذي حدده قانون المسطرة الجنائية في 15 سنة، أو لانعدام الاعترافات ووسائل الإثبات والأدلة.. ولكن بكل بساطة لكون المشتبه فيها هي بدورها صغيرة وتبلغ من العمر، عند ارتكاب الفعل الجرمي المفترض، 10 سنوات. فهي تعتبر من ثمة دون سن التمييز القانوني، الذي حدده قانون المسطرة الجنائية في 12 سنة. ما يجعل القانون يعفيها بحكم وقوة القانون من العقوبة السجنية التي يخصصها القانون الجنائي، في حالة المسؤولية الجنائية الكاملة، وفي حالة المسؤولية الجنائية الناقصة. هذا، فإن سقوط الدعوى العمومية، وعدم تحريك فصول المتابعة الجنائية، في حق المشتبه بها، عند تقديمها بمعية ولي أمرها، في حالة سراح، أمام النيابة العامة المختصة، ممثلة المجتمع أو الحق العام، على خلفية جناية القتل، مع مراعاة أسبابها وظروفها وملابساتها، لعدم توفرها على سن التمييز القانوني، لن يسقط الدعوى في شقها المدني. حيث يتحمل ولي أمر "الفاعلة" التعويض المدني الذي ستقضي به المحكمة لفائدة ذوي الضحية، في حال عدم تنازلهم عن هذا الحق. إلى ذلك، وبالرجوع إلى وقائع النازلة التي كانت الجريدة أوردتها في حينه، فإن رضيعة لم تتعد ربيعها الثاني، اختفت، صباح السبت 25 نونبر 2017، في ظروف غامضة، من بيت أسرتها في دوار "النواصرة"، بتراب جماعة أولاد عمران، بإقليم سيدي بنور. حيث تم العثور عليها، صباح اليوم الموالي (الأحد الماضي)، جثة هامدة، مستقرة في قعر "مطفية"، مملوءة بالماء، بعمق حوالي متر، وسط منزل مهجور، يبعد بحوالي 800 متر عن سكنى أسرة الضحية. ولم تكن الجريدة استبعدت في مقالها الصحفي الذي نشرته على أعمدة موقعها الإلكتروني، فرضية القتل. حيث ربطت هذه النازلة بنازلة مماثلة، كان التجمع السكاني ذاته، دوار "النواصرة"، اهتز على وقعها، منذ أقل من شهرين، في أعقاب اختفاء صغيرة بدورها في عمر الزهور، من بيت أسرتها، قبل العثور عليها ليلا، في أقل من 24 ساعة، وانتشالها حية من قعر "مطفية"، في أرض خلاء، متاخمة لدوار "النواصرة". ولم تعمد وقتها الأسرة التي استرجعت فلذة كبدها، من باب التستر، إلى التبليغ عن النازلة لدى السلطات المختصة. وكما كانت الجريدة أوردت معطيات واقعية، عرضتها بالتحليل، للاستعانة بها في التحريات والبحث القضائي، فقد تبين أن ثمة ارتباطا وطيدا في ما بين النازلتين، اللتين تزكي وقائع وظروف وملابسات الواحدة، الأخرى.. فالنازلة الثانية تقطع الشك باليقين، وتكشف عن القصد والنية المبيتة في ارتكاب النازلة الأولى، التي يتضح جليا أنها لم تكن حادثا عرضيا.. ومن ثمة، فإننا أمام حالة العود (la récidive). ولعل هذا ما يذكي المخاوف والتخوفات من كون المشتبه فيها قد تتحين مجددا، إن عاجلا أم آجلا، الفرصة، وترتكب فعلا أو أفعالا مماثلة. وهذا ما يحتم إحالتها على طبيب نفساني. وبالرجوع إلى المشتبه فيها، فإن سنها الذي هو 10 سنوات، يطرح إشكالا قانونيا. فهي دون ال12 سنة، أي أنها دون سن التمييز القانوني. وبالمناسبة، فإن المغرب قد انسجم مع التزاماته الحقوقية، الواردة في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. وهكذا، رفع المشرع المغربي في المادة 458 من قانون المسطرة الجنائية، سن الرشد الجنائي إلى 18 سنة ميلادية كاملة. وقد اعتبر الحدث الذي يبلغ 12 سنة فأقل، "عديم المسؤولية الجنائية"؛ وما بين 12 و18 سنة، "ذي مسؤولية ناقصة"، لعدم اكتمال التمييز لديه. هذا، فيمكن تحديد مفهوم المسؤولية الجنائية بكونه سلوكا إنسانيا، يشترط تقييم مسبق في إطار النصوص. فالسلوك الإنساني يتحلّل إلي ركنين: ركن موضوعي خارجي، وركن معنوي داخلي. وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن "المسؤولية الجنائية الكاملة"، و"المسؤولية الجنائية الناقصة".. و"انعدام المسؤولية الجنائية"، لعدم بلوغ سن التمييز القانوني.