الصين تدرس مراجعة قانون مكافحة غسيل الأموال    نانسي بيلوسي وصفات نتنياهو بالعقبة للي واقفة قدام السلام.. وطلبات منو الاستقالة    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    الولايات المتحدة.. مصرع شخصين إثر تحطم طائرة شحن في ألاسكا    الصين: أكثر من 1,12 مليار شخص يتوفرون على شهادات إلكترونية للتأمين الصحي    إيلا كذب عليك عرفي راكي خايبة.. دراسة: الدراري مكيكذبوش مللي كي كونو يهضرو مع بنت زوينة        أبو عبيدة: العدو عالق في رمال غزة.. وهجوم إيران أربك حسابات الاحتلال    إقبال كبير من الجالية والنساء.. هذا عدد المغاربة المستفيدين من دعم السكن وتمكنوا من اقتناء سكنهم    محلل رياضي مشهور: أمرابط بمانشستر ليس اللاعب المتألق الذي رأيناه مع المنتخب المغربي في قطر    حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    طقس الأربعاء.. أمطار ورياح مع تناثر غبار بهذه المناطق    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    "الأحرار" يحسم الاقتراع الجزئي بفاس    رحيمي والعين قصاو بونو والهلال وتأهلو لفينال شومبيونزليگ    موقف بركان قوي واتحاد العاصمة ضعيف وها الأحكام اللي يقدر يصدرها الكاف فقضية الغاء الماتش بسبب حماق الكابرانات    سيراليون دعمات الوحدة الترابية للمملكة.. هو الحل الوحيد لي عندو مصداقية    الحوار الاجتماعي.. الحكومة والنقابات داخلين فمفاوضات مكثفة على قبل الحق في الإضراب وحرية العمل    تلاميذ متميزون يستكشفون آفاق الدراسة في كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة    رد قوي من طرابلس على التكتل مجهول الهوية لي بغات تخلقو الجزائر.. ليبيا شكرات سيدنا على دعمه الثابت لقضيتها وأكدات أهمية تعزيز اتحاد المغرب العربي    لومبارت كوساك : الفلاحة .. العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "غنية جدا"    المنتخب الجزائري لكرة اليد شبان ينسحب من مواجهة المغرب بسبب خريطة المملكة    إليك أبرز أمراض فصل الربيع وكيفية الوقاية منها    وزير فلسطيني: المغرب الأكثر اهتماما وعناية بشؤون القدس    ميارة يستقبل فيرا كوفاروفا نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأمثال العامية بتطوان... (580)    يهم البذور والأغنام والحليب.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما الفلاحي    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    تفتيش شابة على متن حافلة ببني ملال يسفر عن مفاجأة    تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    وزارة التربية الوطنية تشرع في عقد المجالس التأديبية للأساتذة الموقوفين وسط رفض نقابي لأي عقوبة في حقهم    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصايد السمك «المشكيرة» بشواطئ الجديدة : تلوث ماؤها وشحّ سمكها فأضحى الصيادون يطاردون لقمة عيشهم فيها
نشر في الجديدة 24 يوم 21 - 01 - 2012

ظل صيد الأسماك بمصايد «المشكيرات» في شاطئ سيدي الضاوي بمدينة الجديدة، ومنذ زمان موردا هاما لغذاء الناس ومجال واسع لخلق فرص العمل، ومصدرا للرزق، وقد نمت مهنة اصطياد الأسماك فيها و مورست من قبل الأجداد وتوارثها الأبناء، فكانت بمثابة شريان الحياة وشغلهم الشاغل..

إلى ذلك ابتكر الإنسان الذي عاش بهذه المنطقة منذ مئات السنين وقبل ظهور الوسائل التقليدية لصيد السمك هذه الوسيلة الذكية لسد حاجاته من السمك بإقامة سدود حجرية على شكل طوق من الحجر الصخري، يثبت بطريقة محكمة ودقيقة داخل البحر في ساحل مدينة الجديدة بالقرب من الميناء )سيدي الضاوي( وبمنطقتي سيدي بوزيد ومولاي عبد الله وسيدي عابد.
قمنا برصد أوضاع الصيد في مصايد «المشكيرات» او «البشكيرات» و أسفرت الجولة عن اكتشاف تدني حصيلة الصيد، حيث بلغ مرحلة الانهيار التام، وسادت حالة الحزن العميق صفوف الصيادين والسكان المجاورين للشاطئ، بل ان سكان المدينة كلها تحسروا علي أيام زمان، أيام الرواج والخير والبركات التي كانت تدر عليهم ما يكفيهم لمصروف شهور السنة كلها.



الساعة تشير إلى السابعة صباحا والبحربشاطئ سيدي الضاوي هادئ تماما، تتموج على سطحه موجات كسولة، فيما تقبع عرضه مصائد "المشكيرات" بانتظار المد بعد مدة الجزر، صيادون قليلون جدا جاءوا في هذه الوقت الباكر للصيد، إذ في كل مرة يذهبون فيها للصيد كانوا يعودون مع الغروب وسللهم فارغة، وقد ساءت حالتهم وزاد همهم وغضبهم.. فماذا سيفعلون ؟ وقد أضحى البحر بخيلا، حتى أن اغلب ما يتم استهلاكه من السمك في المدينة يتم جلبه من مدن أخرى، أصناف سمكية كثيرة اختفت، وأخرى تراجعت كمياتها إلى حد كبير، الشابل و لانكوس و لوما و بوشوك و الأخطبوط و بوجنيبة و القرب و الدبدوب و زريقة والميروو الدرعي و الشرغو.. كلها أنواع اختفت والسبب هو التلوث، فالصيد الذي كان في سنوات ما قبل التسعينيات ولى واختفى، ولم تبق منه شئ، كان الصيادون يتكلمون بألم كبيرعن أيام الصيد الماضية، فيصفونها بذاكرة شاطئ سيدي الضاوي الجميلة التي ولت هاربة.

«المشكيرة»أو «البشكيرة»
هي عبارة عن حفر صخرية وعائية كبيرة مسيجة بالصخور البحرية، أثناء عملية المد تندفع الأسماك نحو الشاطئ وعندما تنحسر المياه أثناء الجزر تحبس الأسماك في تلك الحفر، ويصبح من السهل اصطيادها مرتين في اليوم حسب حالة المد والجزر البحري بواسطة معدات الصيد القديمة، منها الرمح ويطلق عليه الصيادون بدكالة اسم «الفيزكة»، وشبكة يدوية صغيرة يسمونها «المنديل» مربوطة بقصبتين أو عودين يحيكون خيوط شباكها ويوزعون على جانبيها الفلين والرصاصات بطريقة تقنية حتى يصلوا إلى شبكة صيد جاهزة خيوطها متينة، إذا علقت بها الأسماك لا تتمكن من الفرار، وأيضا مصباح يدوي يستخدم من مادة الكاربون، كان الصيادون قديما يضيئون به ليلهم داخل المشكيرات، وقد استبدلوه اليوم بمصابيح من البطاريات. و"المشكيرات"هي على شكل نصف دائرة، بارتفاع نحو متر ونصف المتر إلى نصف المتر لتحجز خلفها مساحة من المنطقة الشاطئية المعرضة للمد والجزر، وأثناء ارتفاع المياه في المد تسبح الأسماك والحيوانات البحرية الأخرى إلى داخل هذه الحواجز ، سرعان ما تنحصر داخلها عند انحسار المياه أثناء الجزر حيث لا تجد طريقاً للهروب حتى يأتي الصيادون للامساك بها بشباكهم أو بحرابهم، وكان قد عثر في سواحل دكالة على عدة "مشكيرات" قديمة جداً هدمت و اصبحت مهجورة، في هوامش خط الساحل أي خط اتصال البحر مع اليابسة الى الأعماق القريبة منه، وعن طبيعة هذه المنطقة التي يوجد بها المشكيرات من الساحل البحري يقول الدكتور محمد الشعبي في بحثه حول المعطيات الجيومرفولوجية « تحكمت في تشكيل الإطار الطبوغرافي والمورفولوجي للمنطقة معطيات جيولوجية بنيوية-صخارية-تكتونية، لحقتها خلال الزمن الرابع عدة تطورات تزامنت مع مجموعة من الأغمار البحرية و الفترات المطيرة والبيمطيرة. فكانت لهذه التطورات الأثر الكبير في رسم خط الساحل وأشكاله المختلفة، هذا إلى جانب أهمية الإرث المورفولوجي والتوضعات الساحلية التي تميزت هي الأخرى بطابع التنوع. أيضا ساهمت عوامل الدينامية الساحلية والقارية من جهتها في هذا التشكيل الجيومورفلوجي، مما أعطى للمنطقة خصائص إيكولوجية، جيومورفلوجية ، واضاف، «جل التكوينات عبارةعن سلسلة رسابية توجد فوقه التوضعات البليورباعية، حيث تعرضت لإلتواءات الحركات التكتونية التي همت المسيطا الساحلية خلال الزمن الأول، وتشكلت من صخور متنوعة (الحث، الكوارتزيت، الشيست، الكلس، الريوليت والدولومي)، تنتمي في معظمها إلى الكمبري، الأورد وفيسي، السلوري والديفوني».
الى ذلك كانت هذه المنطقة انطلاقا من شاطئ سيدي الضاوي ووصولا بشاطئ مولاي عبد الله امغار المدرسة التي تدرب فيها الصيادون الدكاليون على الصيد ومنها بدأ يطور من أدواته لصيد الأسماك، فبدأ بابتكار أدوات ليخرج السمك من تلك "المشكيرات" فأبتكر الشبك اليدوية الصغيرة وأنواع من الرمح ، أما الحفر الوعائية فيسميها أهل دكالة "المحكن" فقد تطورت من حفرة طبيعية الى مرحلة بناء سدود حجرية والتي تحولت لاحقا لما عرف ب"المشكيرة"، ومع تطور أدوات وطرق صيد الأسماك تطورت أيضا المعارف المرتبطة بها، فأصبح بمقدور الصائد أن يمارس حرفة الصيد في منطقة المد والجزر أو في عمق البحر، وعليه بدأ الإنسان الدكالي القديم بدراسة أوقات قدوم الأسماك للشاطئ والأوقات التي يتواجد فيها في الأعماق وكذلك الأوقات التي يكثر فيها، كل ذلك عن طريق الملاحظة، وأن هناك عددا من العوامل التي تؤثر على تواجد الأسماك في منطقة "المشكيرة"، لذلك قد ينشط صيادو "المشكيرة "مرتين في اليوم بحسب مواعيد الجزر وحسب الموسم.

أصل كلمة "المشكيرة"
"المشكيرة" مفرد "المشكيرات" أو "البشكيرة "، وهناك من يطلق عليها مصطلح "سطارة"، لا توجد في القواميس العربية ولا في لسان العرب تعريف لكلمة مشكيرة ولا توجد كلمات أو تعابير مطابقة أو ذات صلة فيها، ولا يعرف أصل هذه الكلمة وان كان يرجح البعض من الصيادين بمدينة الجديدة أصلها إلى اللغة البرتغالية، وتاريخيا لا توجد مصادر يعتمد عليها لمعرفة أصول المشكيرات، وكل ما هناك بعض الحكايات الشفوية يتناقلها الصيادة وبعض من ملاكي المشكيرة، فمنهم من يقول أنها ترجع إلى العهد الروماني بالمغرب، وهناك من يرجع فرضية وجودها الى تاريخ طازوطا الحجرية بدكالة ذلك البناء الهندسي الدائري الشكل الذي ترجع جذوره إلى قرون خلت ، ومنهم من يربطها بالتواجد اليهودي بالمنطقة، فقد كان اليهود يعيشون على البحر وعملهم كان صيد السمك وكان الابتلاء في يوم السبت حيث حرم الله عليهم فيه العمل فاهتدوا الى فكرة إنشاء "المشكيرات" التي تتجمع فيها يوم السبت ليصطادوها يوم الأحد، أما الرأي الأقرب للصواب فهو ذلك الذي يربطها بفترة الغزو البرتغالي للمنطقة حيث عمل البرتغالين بعد إنشاء قلعتهم على بناء مخازن للحبوب والماء، ولما كانت حاجتهم للسمك شديدة عملوا على بناء المشكيرات، وهذا ما يبرر تواجدها بالقرب من القلعة البرتغالية، وتم بنائها اعتمادا على عضلات الإنسان يدويا ، وكانت ملك خاص لهم، ولكن مع مرور الزمن البعض منهاقد امتلأ بالفجوات جراء الإهمال ووقف الصيد بها، وهذه "المشكيرات" لا يوجد لها شبيه في عموم التراب الوطني المغربي ولا في اية دولة اخرى الا في دولة البحرين مع شئ من الاختلاف في طريقة الصيد ومعداته وتسمى تلك التي تبنى من الحجارة «مسكر» أو أن تبنى من السعف أوجريد النخل وتسمى «حضرة».

جمع السمك من «المشكيرة»
في ساعات الفجر الأولى خرج الصياد عبد الله فرسي 60 سنة من بيته متوجهاً ساحل سيدي الضاوي حيث "المشكيرة" مصدر رزقه الوحيد منذ سنوات طويلة، وفور وصوله يعزم أمره لخوض غمار صيد السمك بوسائله التقليدية و المتواضعة، ويبدأ بغمس شبكته «المنديل» في "المشكيرة" محاولاً صيدها، يمني نفسه بالصيد الوفير، ولكن هيهات هيهات على هذا الحال بقى لمنتصف النهار دون استجابة منها، ليعود إلى الشاطئ لا يحمل سوى سمكة واحدة لا أكثر ولا اقل، حال الصياد عبد الله هو حال العشرات من الصيادين في هذه المنطقة بالذات، أضحت حياتهم لوحة تتداخل فيها أشكال وألوان المعاناة والقسوة واليأس ،ويروى السي عبد الله ، وهو من بين أحد أقدم الصيادين في سيدي الضاوي: «كنا نجني كثيراً من صيد الأسماك من"المشكيرة"، وكانت أفضل مهنة في سيدي الضاوي بل في مدينة الجديدة قاطبة»، ويتذكر: «كان هناك صايدون كثر لم يبق إلا القليل، تركوا عملهم في الصيد بحثاً عن عمل آخر، ويتابع صياد آخر انظم إلينا ليشاركنا الحديث لما علم بالمهمة الصحافية التي جئنا من اجلها وبحسرة قال: «كانت "المشكيرات" شاطئ سيدي الضاوي تجمع مئات الصيادين بل سكان مدينة الجديدة كلهم الذين عاشوا من الصيد الوفير براحة وسعادة على مر السنين». ويرى أن السبب الرئيس في انقراض الأسماك ومعها "المشكيرات"هو قناة الصرفي الصحي والصناعي التي ترمي بنفاياتها عرض الشاطئ، يقول احد ملاكي "المشكيرة" أن متوسط كمية السماك التي كانت تصطاد من "المشكيرة" تتباين بالزيادة أو النقصان تبعاً لمواقيت الجزر النهار أو الليل ولفصول السنة المختلفة، حيث نجد أن في موسم الشتاء تزداد حصيلة الصيد من الأسماك بها في الجزر نهاري عنها في الجزر الليلي، بينما يحدث العكس في موسم الصيف حيث تزداد كمية الأسماك المصطادة في الجزر الليلي عنها في الجزر النهاري، كما أن هناك تقارباً إلى حدٍ كبيرٍ بين كميات السماك المصطادة في كل الجزرين النهاري والليلي خلال موسمي الربيع والخريف، ويضيف : أن الصيد عن طريق "المشكيرة" هو أسلوب قديم واستخدمها الأوائل من الآباء والأجداد، و إن هذه الوسيلة كانت منتشرة على ساحل الجديدة الى حدود شاطي مولاي عبد الله امغار، ومع رمي المعامل لنفاياتها في الشاطئ وبالتحديد معمل الحميرة بدأت"المشكيرة" تتلاشى قبل اكثر من خمسة عشرعاما، وكان الصيادون قبل ثلاثة عقود من الزمن يمارسون صيد الأسماك بهذه الوسيلة بجانب الوسائل الأخرى، وهي سيلة متوارثة، ويتحسر صاحب مشكيرة اخرى قائلا: "من المؤسف أن هذه الوسيلة المتوارثة أصبحت في عداد الوسائل الحرفية التراثية التي أوشكت على الانقراض، ولم يعد يمارسها سوى أشخاص قلة ومنهم من صرف النظر عنها بسبب ما آل اليه شاطئ سيدي الضاوي من تلوث خطير، أتى على الأخضر واليابس"، ويؤكد أن "المشكيرات" كانت وسيلة ناجعة لممارسة الصيد، وكانت الأسماك بمختلف أصنافها ومسمياتها تجنى في السابق عن طريقها ، ومعظم الأسماك التي تظهر بالقرب من الشاطئ كان مصيرها داخل "المشكيرات"، فقد كان الناس جميعهم بالجديدة يأكلون السمك قبل ان ينحصر على موائد الأغنياء، حتى انه وصل سعر كيلو سردين إلى 30 درهما لمن استطاع اليه سبيلا، بعدما كان بالمجان و لا يتعدى في بعض الاوقات 3 دراهم.

تراجع مخيف في الثروة السمكية
عاد الصياد السيد عبد الله من رحلته اليومية، من احدي بشكيرات سيدي الضاوي، بسمكة واحد من نوع "حلامة"، والسي عبد الله هذا حاله كحال جميع صايدي المشكيرات سكان المنطقة المجاورة لساحل سيدي الضاوي يعتاشون من مهنة صيد الأسماك في "المشكيرات"، ويشتكون جميعهم من الشحّ في الثروة السمكية نتيجة أسباب متعددة، ليس أقلها مقذوفات المنطقة الصناعية وبخاصة معمل صومادير لإنتاج الخميرة، بالإضافة إلى أن شط الشاطئ أصبح مرتعا لمكبات الأزبال والنفايات المنزلية وبقايا مواد البناء من اسمنت وجير وجبس وأتربة وأحجار التي منظرها الحالي للأسف يشوه المدينة، ثم أيضا الصيد بأعالي البحار وسرقة الرمال والقلع المفرط للطحالب كلها مجتمعة زاد في الطين بله لتهدد ما تبقى من ثروة سمكية في المنطقة، ويشكو الصياد بوشعيب، الذي عمل في تلك المهنة أبا عن جد، من التراجع المخيف في الثروة السمكية في بحر الجديدة ونواحيها، ويقول: «إن مهنتنا باتت لا تسد جوعنا كحد أدنى ولم نعد نصطاد شيئا إلا النزر القليل جدا، معتبراً أن السبب الأساسي في الشح الكبير للأسماك يعود بالدرجة الأولى إلى مكبات الحي الصناعي، وبدوره يلفت الصياد محمد إلى أن الثروة السمكية في بحر سيدي الضاوي باتت في طريقها نحو الانقراض بل إنها انقرضت فعلا ولم يعد هناك سمك للصيد، ويقول: الأسماك تتراجع يوما بعد يوم، وأصبح ما نصطاده في رحلاتنا اليومية من "المشكيرات" لا يزيد عن سمكة وسمكتين، وفي أحسن الأحوال أربعة اسماك، وأردف متأسفا، "رحم الله أيام زمان وقت لم تكن المعامل تصب سمومها في البحر، ففي سنوات السبعينيات وحتى في مطلع الثمانينيات كان الخير وفيرا، وكانت "المشكيرات" تفيض من السمك بمختلف أنواعه، وكان ملاكي "المشكيرات" يأخذون كفايتهم ويتتركون للسكان المجاورين الفقراء منهم خاصة صيد السمك بداخلها بالقدر ما يشاءون ويرغبون"، وطالب الصياد بوشعيب من كل المعنيين، بالعمل الجاد لإنقاذ "المشكيرات" من موت محقق ومعلن، وطالب بانقاد ما تبقى من الثروة السمكية في ساحل مدينة الجديدة، وذلك من خلال إلزام المصانع على معالجة مقذوفاتها السامة والعمل على تنظيف الشريط الساحلي لسيدي الضاوي من المزابل والقاذورات ومن مخلفات المباني، وضرورة توعية السكان المجاورين بأهمية البيئة للمحافظة على الثروة السمكية بالمنطقة ، إلى ذلك يحذر صيادون آخرون من انقراض مصايد المشكيرات في سيدي الضاويالتي هي في مرحلة الاحتضار النهائية جراء التلوث البحري ، ويقولون أن الصيد في "المشكيرات" قبل سنوات كان مهنة محترمة ومدرة للمال، أما اليوم فشبه منقرضة، بسبب تردي وضع الصيد بشكل عام و"المشكيرات" بوجه خاص، ويقولون، انه باتت مهنة الصيد في ظل الوضع الحالي المتردي مهنة ميئوس منها، ويعقب مصطفى صياد الأسماك في المشكيرات أن التراجع الخطير في الثروة السمكية في بحر الجديدة مرده إلى جملة من الأسباب التي ساهمت في النتيجة الكارثية، مؤكداً على أن التلوث البيئي عبر مجاري الصرف الصناعي، والقلع العشوائي والمفرط للطحالب، إضافة إلى عوامل أخرى متعلقة بالمخلفات المنزلية ، أدت مجتمعة إلى انخفاض كبير في حجم الثروة السمكية، لافتاً إلى اختفاء أنواع عديدة من السمك و ثمار البحر، وناشد بوقف مقذوفات معمل الخميرة ووقف قلع الطحالب العشوائي التي تتغذى عليها الأسماك كما ناشد عمالة الإقليم بتنظيم يوم دراسي بالعمالة لدراسة الوضعية الكارثية للبيئة بسيدي الضاوي والتي أدت إلى انقراض دور "المشكيرات" في صيد السمك، بدوره يطالب الصياد رضى من الجهات المسؤولة اتخاذ قرارات حازمة لمشاكل تدهور البيئة السبب المباشر في انقراض السمك بساحل الجديدة، بينما يقر صياد آخر أن أعداد البشكيرات في تناقص في السنوات الأخيرة، و أن الصيادين القدامى هم أكثر الفئات تضرراً لاعتمادهم على الصيد كمصدر أساسي للرزق، وأشار إلى أنه لم يمارس الصيد منذ فترة طويلة بسبب هجرة الأسماك الساحل الجديدي إضافة إلى انعدام وجود طرق قانونية لوقف الظلم الذي يتعرض له الصياد، في الوقت الذي يتعرض فيه لقهر مستمر بسبب التلوث يمنعه من مزاولة مهنته التي كان يعتاش منها لسنوات طوال قبل أن تعم المعضلة، ويتذكر الحاج إبراهيم الرجل المسن من مدينة الجديدة أيام الخير في شاطئ سيدي الضاوي التي كانت أسراب السمك تفد لمياهها في كل الأحجام الكبيرة، وكان الصيادون ينصبون شباكهم الصغيرة داخل "المشكيرات" ويقومون بجمع حصيلتها لبيعها بالأسواق الشعبية، وأضاف كل شئ تغير للأسوأ، وقال أن شاطئ سيدي الضاوي تغير لونه من الزرقة إلى اللون الاسود ، مشيراً إلى أن التلوث الذي أصاب الشاطئ انعكست مخاطره عليه بحكمقرب منزله من الشاطئ، خصوصاً خلال فترة الصيف حيث تؤدي الحرارة وتيارات الهواء إلىانبعاث روائح كريهة لا يطيق تحملها، إضافة إلى انتشار البعوض والذباب، داعياً إلى العمل على إيجاد بدائل أخرى لتصريف المجاري إليها بدلاً من شاطئ سيبدي الضاوي، الى ذلك أخذ بوشعيب 39 عام يرفع نبرة صوته عاليا ً عند رده على سؤالنا حول كيفية تأثير المياه العادمة على حياة أسرته داخل منزلهم المجاور للبحر بالقول أي حياة هذه التي نعيشها، البحر تغمره مياه المجاري والصرف الصناعي وتنبعث منها الروائح الكريهة، والمسكن الذي يؤوينا بسيدي الضاوي تهاجمنا فيه البعوض بشكل كبيرخلال الصيف ، متسائلاً عن فائدة تصريف المياه العادمة إلى البحر بالقرب من منطقة مكتظة بالسكان ، في الوقت الذي يفترض فيه تصريف هذه المياه إلى مناطق بعيدة .
تقارير تدهور شاطئ سيدي الضاوي
حسب تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالجديدة تشكل الوحدة الصناعية صومادير وحدها، نسبة مرتفعة من النفايات السائلة التي تقذف في البحر فمن بين 1870 مترا مكعبا التي ترميها الوحدات الصناعية كلها يوميا في البحر، تصل نسبة معمل الخميرة لوحده إلى 860 مترا مكعبا، وهو ما يتقاطع مع بحث جامعي مختص في ميدان البيئة ومعالجة النفايات السائلة الصناعية والذي يؤكد على أن ما يقذفه معمل صومادير لإنتاج الخميرة، يصل إلى أكثر من 50 في المئة من نسبة المقذوفات الكلية للحي الصناعي بأكمله، وتحتوي على مواد عضوية مثل الدبلس ( Mêlasse) التي تعتبر مادة أولية لصناعة الخميرة الطرية، والتي تفرز، بعد التصنيع مواد سائلة تحتوي على مواد بكتيرية وجرثومية وعضوية خطيرة، بالإضافة إلى استعمال مواد كيماوية تتسبب في إحداث اختلال في التوازن البحري، من خلال تسرب مادة الأزوت السامة والتي تتحول بفعل التحول البيولوجي إلى "نترات" مضرة، ويلتقي البحث الجامعي المشار إليه، مع تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في أن مادة الخميرة التي ينتجها معمل صومادير، تدخل في الصناعات الغذائية الفلاحية والتي تستعمل مواد أولية كالماء والميلاس ومواد أخرى تضم الأزوت والفوسفور والتي تخلف مواد سائلة غنية بالمواد العضوية المحملة بالأزوت والفوسفور وبعض الأملاح الأخرى والتي تؤدي إلى ارتفاع نسبة الحموضة( P.H) وتؤدي أيضا إلى ارتفاع حرارة المياه وهي العملية التي تؤثر سلبا على البحر، ويؤدي حتما إلى تضرر المياه وموت الأسماك والطحالب والنباتات الأخرى والتي تعتبر الملجأ الأول لهذه الأحياء المائية التي تتوالد عبرها وتتكاثر، وكانت العديد من الدراسات المشتركة بين مكتب للدراسات الدولية وكلية العلوم بالجديدة بشراكة مع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، قد أكدت هذا المنحى وطالبت هذه الدراسات بضرورة خلق محطة للمعالجة وتنقية المياه المستعملة، ومعلوم انه وبعد عدة شكايات متعددة من جهات مختلفة، قامت الوحدة الصناعية بإنشاء محطة للمعالجة، إلا إنها لم ترق إلى ما كان منتظرا منهاو لا تشتغل إلا كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
ختاما....
أخيرا قبل أن نترحم على زمان "المشكيرات" ثمة أكثر من سؤال يطرح: ألا يستحق سكان مدينة الجديدة وصيادوها إعادة النظر بقرار إعادة إحياء "المشكيرات" واعادة الروح فيها مجددا ؟ ألا يستحقون إنصافهم بشكل يضمن حقوقهم وكرامتهم المعيشية كمالكين وصائدين وسكان ؟ طلبهم الوحيد هو رفع الحيف عنهم باتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية، منها معالجة معمل صومادير لنفاياته السامة قبل رميها في عرض شاطئ سيدي الضاوي، وليس جديداً أن ندق أجراس التنبيه لافتين إلى التدهور المستمر في شاطئ سيدي الضاوي، وأننا خسرنا ونخسر يومياً معركتنا البيئية البحرية، ونبهنا مراراً وتكراراً إلى ضرورة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ثروتنا البحرية التي تكاتفت عليها أنشطة التعدي البيئي وسرقة الرمال وقلع الطحالب و نفايات المصانع والمنازل والأزبال والقاذورات ومخلفات البناء من جير واسمنت وجبس ومخلفات أضاحي عيد الكبير، وما لم ينزل به الله من سلطان في هلاك الثروة السمكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.