وزارة الخارجية تستعد لتسليم رخص دفن جثامين الجالية إلكترونيا    الكونغرس البيروفي يدعو الحكومة إلى الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه وتصنيف البوليساريو منظمة إرهابية    من المغرب إلى المشاعر المقدسة.. "طريق مكة" ترسم رحلة الطمأنينة للحجاج المغاربة    جهة طنجة تحتل المرتبة الثانية وطنياً في إحداث المقاولات خلال الربع الأول من 2025    الملك محمد السادس يُعزي في عبد الحق المريني: "بلادنا فقدت علمًا من أعلامها الفكرية والثقافية"    الكيحل يدعو من ليما إلى تعزيز التعاون البرلماني بين ضفتي الأطلسي والمتوسط    تورك: استهداف المدنيين "جريمة حرب"    ألمانيا .. السجن مدى الحياة لسوري قاتل دعما لحكم الأسد    دياز يغيب عن وديتي "الأسود"    "النفايات أسقطت حكومات".. وزيرة تحذّر من تعثر مشاريع للأزبال المنزلية    حريق يتلف 3 هكتارات من النخيل    جامعة وجدة تنفي شائعات متداولة    دبي تحتضن أول مستشفى لأكديطال    يوميات حاج (4): السعي .. درب الخوف واليقين بين الصفا والمروة    رئاسة الأغلبية الحكومية تؤكد التزامها بمواصلة تنزيل الإصلاحات وتعزيز المسار الديمقراطي    عطلة استثنائية للبنوك بمناسبة عيد الأضحى    خروف يتسبب في سحب رخصة الثقة من سائق طاكسي        دعوات للاحتجاج ليلة عيد الأضحى بطنجة تضامنا مع الشعب الفلسطيني بغزة    السعودية تدعو الحجاج لالتزام خيامهم يوم عرفة تحسبًا للإجهاد الحراري    الناظور.. نفاد حقنة تحمي الرضع من أمراض الرئة    السكن.. التمويل التشاركي يصل إلى 26.2 مليار درهم في نهاية شهر أبريل (بنك المغرب)    قطارات بلا تكييف ومشروع جديد في سيدي البرنوصي يلوح في الأفق    الدكتورة إمان اضادي منسقة ومنظمة المؤتمر الدولي للغة العربية وتراثها المخطوط بفاس للاتحاد الاشتراكي    وداعا سميحة أيوب .. سيدة المسرح العربي ترحل واقفة    انسحاب حزب فيلدرز بسبب خلاف حول الهجرة يهدد استقرار الحكومة الهولندية بعد 11 شهراً على تشكيلها    فوضى المجازر ومحلات بيع اللحوم.. تهافتٌ غير مسبوق ولهيبٌ في أسعار اللحوم.. أين الجهات المختصة؟    الفنانة سميحة أيوب تغادر بعد مسيرة فنية استثنائية    جامعة محمد الأول تنفي "الفضيحة البيداغوجية": مزاعم باطلة و"الحركية الدولية" خيار مشروع    توقيف ثلاثة قاصرين بسبب السياقة المتهورة بسلا    وزارة برادة: أجواء إيجابية وهادئة ميزت الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    تأجيل محاكمة سعد لمجرد    مهرجان "أرواح غيوانية" يواصل فعالياته ببنسليمان بمشاركة أبرز رموز الأغنية الغيوانية        المغرب/المملكة المتحدة: توقيع مذكرة تفاهم لدعم تنظيم مونديال 2030    الصحراء المغربية بين الإنتصار للسيادة ورهانات البناء الداخلي    المغرب يصحح الانزياحات المفاهيمية داخل الأمم المتحدة    35 ألف متفرج و520 كاميرا مراقبة.. مركب فاس جاهز لاستضافة المباريات الدولية    وفاة الفنانة سميحة أيوب "سيدة المسرح العربي" عن عمر 93 عاماً    مروان سنادي: حققت حلمي بارتداء القميص الوطني وعندما سمعت اسمي ضمن اللائحة شعرت بفرح كبير    تصريحات نارية للاعبين والطاقم التقني للمنتخب التونسي قبل مواجهة المغرب        بوانو: الحكومة صرفت 61 مليارا على القطيع دون نتيجة وينبغي محاسبتها على حرمان المغاربة من الأضحية    بعض عرب يقودهم غراب    السينما المغربية تتألق في مهرجان روتردام    الساحة الفنية العربية تفقد سيدة المسرح الفنانة المصرية سميحة أيوب    الناخب والمدرب الوطنيين لحسن واسو وجواد خويا يحرزان أعلى شهادة يمنحها الاتحاد الدولي للمواي طاي إيفما    مقتل 3 جنود إسرائيليين في قطاع غزة    هانزي فليك مدرب برشلونة يظفر بجائزة الأفضل في الدوري الإسباني    كأس العالم للأندية: تشلسي يدعم صفوفه بالبرتغالي إيسوغو    الفيفا يكشف عن شعار النسخ الخمس القادمة لمونديال السيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    محمد الأمين الإسماعيلي في ذمة الله    السعودية: إخراج أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بدون تصريح    السجائر الإلكترونية المستخدمة لمرة واحدة تهدد الصحة والبيئة!    معهد للسلامة يوصي بتدابير مفيدة لمواجهة حرارة الصيف في العمل    البرازيل تحقق في 12 إصابة جديدة مشتبه بها بإنفلونزا الطيور    مخترع حبوب الإجهاض الطبي يغادر دنيا الناس    









دماء مصرية على أبراج الكنائس وستار الكعبة
نشر في السند يوم 04 - 01 - 2011

العميان والفيل،حكاية من التراث الإنساني القديم،تجسد وهم الحقيقة المطلقة،مجموعة من العميان يصطدمون بفيل ،ومصادفة يمسك كلاً منهم جزءً مختلفاً من جسده،فيصف الأول ساقه،والثاني أذنيه،والثالث عينيه،وهكذا...،فظن كل واحد منهم أنه يصف الحقيقة،وحينما اختلفوا تقاتلوا،وما زال الصراع قائماً حتى الأن بين العميان ،ولن يدركوا أن الفيل لم يصفه أحد بعد،وأنهم يقتتلون على أوهام خاصة بمجموعة من العميان.
دماء جديدة على أبراج الكنائس تلوث معها ستار الكعبة،أشلاء مسيحية ستتحول إلى بركة مقدسة،وعيون إسلامية تترقب لحظة الغضب،ونظام قابع ينتظر نهاية المأساة الجديدة،محاولاً أن يجد أفضل الصيغ لينفي التهمة عن نفسه،وإعلام غافل عن حقيقة النار التي ساهم في إشعالها لسنوات،فيصدر البيانات التي تبرئ ساحته من الفتن والطائفية.هذه هي تفاصيل المشهد بعد انتحار أحدهم منفجراً أمام كنسية القديسين بالاسكندرية.
يحاول الجميع أن ينفي تهمة الإرهاب عن الإسلام أو المسيحية،وكأن الدين أي دين مجرد فكرة مجردة،بعيدة كل البعد عن أي محاولة للتشويه أو الاستغلال،والحقيقة أن طريقة فهمنا للدين هي المحددة لاستمراره وفاعليته في الحياة،وبالتالي ينقسم الدين الواحد إلى فرق وطوائف وملل ونحل،كلاً منهم يصفه كما يراه،على طريقة العميان والفيل.فسواء كان الحادث إرهابياً أو طائفياً فالنتيجة واحدة،هناك من اقتنع بضرورة أن يضحي بنفسه وبالآخرين ليملأ الأرض عدلاً ،ويُتم كلمة الله بالنيابة عنه،لأنه ومن خلفه يرون أن الحقيقة في فكرة اعتنقوها والتي لن تقبل بوجود الأخر تحت نفس المظلة.
الكل يتصارع على امتلاك السماء،بإهدار دماء الأرض هباءً،فتنقسم المجتمعات داخلياً بعدد الانقسامات الفكرية بين العميان،سنة وشيعة وتفجيرات جند الله في إيران،وأزمات عراقية لا تنتهي،مسلمين وأقباط في مصر،وعمائم سوداء ولحى بيضاء،وصليب دامي،يقسمون غنائم الأوطان محتسين دمائنا في لحظة نصر مجيدة.والسيناريو مُعد مسبقاً،في عيد قديم يعاد استنساخه سنوياً،عاشوراء أو أعياد الميلاد أو أياً كان،يأتي أحدهم مدعياً امتلاك الوهم،ليقتل على قدر استطاعته،فتزداد غنائم جنرالات الحروب المقدسة هناك في الجبال أو على شاشات الفضائيات.والضحية أوطان تتجزأ ،وشعوب تنهار واحداً تلو الأخر،لتكون النهاية مظاهرات و مصادمات داخلية ،وحجارة تلقى على المساجد ونيران على الكنائس،وأنظمة تتخبط،وشماتة متبادلة،وفساد في الأرض.
القضية ليست مجرد حادث إرهابي،يلتف حوله المجتمع بشتى طوائفه وأطيافه على قلب رجل واحد،كما يحدث في المجتمعات الأخرى التي قررت أن تتوحد لصالح مصالحها الخاصة جداً،بعيداً عن أي كونية دينية أو عولمة مقدسة ،فهذا لن يحدث لدينا للأسف الشديد،فنحن ما زلنا نتصارع على الوهم.ولكن القضية أبعد من ذلك وأعمق،فإن كان الحادث إرهابياً كما يزعمون،فلماذا لم يختار أي رمز وطني لينفجر أمامه،مثل المتحف المصري أو برج القاهرة كما كان يحدث سابقاً في مرحلة التسعينيات،رغم الخلفية الدينية التي كانت تغلف تلك المرحلة،ولكنها كانت أكثر تحديداً فالهدف كان انتقامات متبادلة بين النظام والجماعات الدينية،وصراع على امتلاك السلطة أو السطوة على المجتمع.ولكن الأن العنف موجه داخلياً الإرهاب أصبح طائفياً بامتياز،فحتى وإن كان الحادث الأخير إرهابياً فقد استغل البنية الاجتماعية المنقسمة على ذاتها ليحقق وجوده ويفرض سطوته ،فتنغلق الحلقة علينا مسلمين وأقباط،وننسى أن كلانا ضحية طائفية مقيتة ،ثم نطالب الأمن والنظام أن يحمي طائفيتنا نحن حين نتقاتل أو يستغلنا أحدهم ليقتلنا بأيدينا.
نحن لسنا في حاجة إلى حادثة تحكيم جديدة،نحتكم فيها إلى القرآن أو الأناجيل،أو رجال الدينين،ليؤكدوا أن الدين براء ممن يستغله،فهذه قضية جدلية لن تفضي إلى شيء ،ولن نحتاج إلى شيخ أو قسيس يحلف بالتلاتة أن كل الأقباط يأكلون في أطباق المسلمين ،وأن المسلمين يحتفلون بعيد الميلاد المجيد في بيوتهم،فهذه دعاية عبثية،وأننا جميعاً أخوان صديقون ،فالأخوة الحقيقية هي شراكة الوطن الذي أصبح شكلاً بلا مضمون خارج إطار التدين الطائفي بين الجانبين،ونظام يحاول أن يُسكّن بلا علاج،فيُتهم بمناصرة الأقباط ضد المسلمين،أو برعاية الإرهاب ضد المسيحيين.ولا أن نفرد الصفحات لمتنصرين أو متأسلمين،المطاردين من قِبّل الكنائس والجماعات والأمن،فكل هذه القضايا أصبح لا طائل من ورائها ،فالوطن ينهار بسبب سواد نفوسنا وعمى عيوننا.والمظاهرات والمسيرات والاحتجاجات لهم خير دليل على ذلك.فنحن لم نثر يوماً بسبب الفساد السياسي أو الاقتصادي،ولكننا نهدم ونحرق ونقتل إذا مسنا الضر الطائفي.
الحقيقة الوحيدة التي لابد وأن يدركها العميان من الجانبين،أننا تحت عالم واحد ينهار على رؤوسنا،سواء تحت مسمى الإرهاب أو الطائفية،ولا حقيقية أخرى تستدعى الانتباه أو التحقيق،فلا أمل في أمة تنتظر الخلاص من السماء،وهي تقدم نفسها طواعية على مذبح الموت المقدس،فالقتل الموسمي لن ينتهي،والبقية سوف تأتي ،طالما لم نتأكد بعد أننا في حاجة حقيقية أن ننحي كل مآسينا الدينية جانباً،وننصهر في نيران المواطنة ودولة القانون،حتى لا ندنس الستار المقدس أو الأبراج المجيدة.
إيلاف
http://www.elaph.com/Web/opinion/2011/1/622529.html?entry=homepagewriters


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.