سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نقاش هادىء مع زميلي يونس دافقير حول الحولي وهل هو خرافة أم حقيقة! الخروف يا صديقي ليس خرافة. وعندما ننحره في العيد. فإننا لا ننحر جوهرا. ولا أثيرا. ولا وهما. ولا كائنا هلاميا. بل ننحر حيوانا حيا. ونسكب ماء على دمه. ونتفرج فيه وهو يترنح. ثم نلتهمه. ونشويه
دافقير يونس ليس زميلا لي في المهنة فحسب. بل هو صديق وأخ. وقد درسنا معا في ثانوية البارودي. وفي نفس القسم. وعند نفس الأساتذة. وتجمعني به تجارب حياتية ومغامرات كثيرة. ومعا ساندنا غزو العراق للكويت. ومعا هتفنا باسم قائدنا صدام حسين. لكني لم أتوقع أن يأتي يوم يقول فيه إن الخروف خرافة. ولم يخطر في بالي أبدا أن يحلل العيد تحليلا ماديا تاريخيا. وأن يعتبره"تحالفا تجاريا موضوعيا بين تجار الدين وكبار الملاك الزراعيين ضد فقراء الوطن". ولو قالها ماركس نفسه كنت سأعترض عليه. ووحدها تكفي كي لا أكون ماركسيا. ومع ذلك أتضامن مع يونس دافقير ضد الحملة المسعورة التي يتعرض لها بسبب موقفه من الكبش. رغم أني أختلف معه جذريا. فلم أكن أتخيل أن نظرتنا إلى العالم والأشياء. وبعد مضي كل هذه السنوات. ستتغير إلى هذا الحد. وسيصير واحدنا نقيض الآخر. ولم أكن أتخيل أن صداقتنا ستنتهي. وأن هذا الموقف سيكون سببا في نهاية العلاقة والأخوة التي جمعتنا على مدى عقدين وأكثر. وأقول ليونس: هذا فراق بيني وبينك وأتأسف. ولا يهمني تحليلك الماركسي. بل سأناقشك في الشق الميتافزيكي. وهل الحولي خرافة. أم حقيقة. وأظن كارل ماركس نفسه لن يختلف معي في أنه مادة. وموجود. ومن لحم ودم. وعندما ننحره في العيد. فإننا لا ننحر جوهرا. ولا أثيرا. ولا كائنا هلاميا. بل ننحر حيوانا حيا. ونسكب ماء على دمه. ونتفرج فيه وهو يترنح. وهذا كله ليس وهما. و كل هذه الشعوب التي تعيد لا تشحذ السكاكين ولا تشتري الفحم والبصل ويصيبها الجنون من أجل شيء خرافي. بل لأنه حقيقي. وحقيقته مطلقة. وعلمية. وتفرض ذاتها. لكنك يا صديقي لا تؤمن بهيولى الخروف. ثم ماذا تقول عن الكبد. ماذا تقول عن الدخان المتصاعد والشنشنة والجلافط وبولفاف والشواء والطحال. وهذه الكراع لمن. لمن هذه الكراع. وهل هي خرافة. وهذا الرأس الذي يشوطه الأولاد. والأمعاء والمصارين. والدوارة. وكل هذا الشحم. وهذه الدوخة. والگديد المنشور على الأسطح وفي الشرفات والمتدلي من النوافذ. أليس الگديد دليلا. وماذا تقول عن الكرداس. الكرداس وحده يرد على نظريتك. وماذا تفعل الذيالة. التي يذهب الخروف. وتبقى هي في البيت. شاهدة. والأزبال. والروائح. والعظام. وما الذي يجعل الناس يشترون شويبس وأولماس ويستعدون ويغامرون بصحتهم إن كان الحولي خرافة كما تدعي. ومن حقك ألا تؤمن به. لكنه حقيقة الحقائق. والفقراء الذين تدافع عنهم هم من يراه أكثر. هم من يؤمن به إيمانا جنونيا. ويعلنون النفير. ويفتشون عنه. ويشترونه. ولا يعنيهم مال. ولا يعنيهم أي شيء. ولا يتخيلون الحياة خالية منه. ويأتي الخروف وبعده الطوفان. ومن يضمن الحياة. ومن يضمن أنه لن يصينا مكروه لو أخذنا برأيك واعتبرناه خرافة. ولم نعيد. من يضمن لنا أننا سنلتهمه في المستقبل. إنه لقاؤنا السنوي مع اللحم. واحتفالنا. وعيد أعيادنا. ونضحي به ونضحي بالمال من أجل سواد عيونه. كما أنه لذيذ. ولا تقل لي إن كل هذه اللذة خرافة. وقد أقبل رأيك لو قلت إنه يجب أن يوزع على الفقراء بالمجان. وأنه يجب على الأغنياء مساعدة المحتاجين في الحصول على كبشهم. لكن أن تنفي وجوده وتحرض على حرماننا من هذه النعمة فهذا لن أقبله منك رغم أنك زميلي وصديقي وأخي ولو قلتها على أي عيد آخر لما رددت عليك ولو قلتها على العيد الذي نأكل فيه الفقاص وغريبة وكعب الغزال لما ضحيت بالصداقة التي تجمعنا أما الحولي فلا وأي شخص يسعى إلى حرماني منه سأقف له بالمرصاد وموقفي هذا لا علاقة له بالدين ولا بالأغنياء وكبار الملاكين الزراعيين ولا بالفقراء ولا بالوطن بل باللحم ويجب أن أكون أعمى وأعاني من داء فقدان الشهية كي أقتنع أن اللحم خرافة.