استقبال رسمي وشعبي لأشبال الأطلس بعد تتويجهم بكأس العالم لكرة القدم لأقل من 20 سنة    مولاي الحسن يترأس حفلا على شرف أبطال العالم لأقل من 20 سنة    فرنسا تجدد التأكيد على موقفها الثابت الداعم لسيادة المغرب على صحرائه    دوري أبطال أوروبا.. بايرن يحافظ على سجله المثالي بفوز كبير على بروج    جلالة الملك: عبد القادر مطاع قامة مبدعة تركت أثرا كبيرا في الفن المغربي    استقبال شعبي جماهيري بالرباط ل"أشبال الأطلس" أبطال العالم لأقل من 20 سنة    رئيس النيابة العامة: ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وشفافية التدبير مدخل أساسي لتحقيق التنمية المستدامة    Mocci يكشف عن أغنيته الجديدة "Tes7arni" بين العاطفة والقوة    محكمة العدل الدولية تقول إن إسرائيل لم تثبت أن بعض موظفي الأونروا أعضاء في حماس    العدالة والتنمية يتحفظ بخصوص دعم الحكومة لترشح الشباب المستقل    تقرير يسجل ارتفاع معدل التضخم مقارنة ب2024    تراجع أسعار بعض الخضر واستقرار الفواكه بسوق الجملة بالدار البيضاء    "الجوائز الكاف".. بونو والمحمدي ينافسان على جائزة أفضل حارس أفريقي    حكيم زياش يوقّع للوداد    ريال مدريد يضع عثمان معما تحت المجهر .. مواهب المنتخب الوطني للشبان تخطف أنظار العالم    في ثاني مباريات بالمونديال المنتخب الوطني للسيدات لأقل من 17 سنة ينهزم أمام إيطاليا    مصرع شخصين وإصابة اثنين آخرين بجروح في انهيار منزل بالمدينة القديمة بالدار البيضاء    مشروع قانون المالية 2026 يسعى لتحصيل مزيد من الضرائب دون تخفيف كلفة المعيشة    اتحادات المقاولات بالمغرب وإسبانيا والبرتغال تنشئ لجنة مشتركة لتعزيز أثر تظاهرة كأس العالم 2030    دار الراوي تحتفي برواية «حساء بمذاق الورد» للكاتب سعيد منتسب    في الذكرى80 لرحيل الشاعر العراقي معروف الرصافي    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    لقاءات تجارية تجمع تعاونيات مغربية وفعاليات دولية بمعرض أبوظبي للأغذية    الدعم العمومي لغاز البوطان يتجاوز نسبة 55% من سعر البيع بالمغرب    نصف طلبة الجامعات المغربية يدرسون العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية    "سخاروف" تكرم صحافيين مسجونين    التنافس يطبع نهائيات "تحدي القراءة"    "المدى" تحتفي بخريجي أكاديمية الفنون    المجلس الأعلى للسلطة القضائية يفصل بيانات قضايا الطلاق في المغرب    تكريم "جمال سليمان" وعروض أولى وخاصة بمهرجان الدوحة السينمائي    رسميا.. ملعب الأمير مولاي عبد الله معقل مباراة الجيش الملكي و حرية الغيني    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    التكلفة الإجمالية للنظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية بلغت ما يفوق 17 مليار درهم (برادة)    260 سنة سجنا في حق 33 متهما بأحداث العنف التي رافقت احتجاجات "جيل زِد" بسوس ماسة    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    بكين تستضيف جلسة خاصة لتخليد ذكرى عودة تايوان إلى الوطن الأم    الصين تختبر أسرع قطار فائق السرعة في العالم ب 453 كيلومتر في الساعة    كيوسك الأربعاء | المنتجات المغربية تدخل 24 سوقا إفريقيا بدون رسوم    وزير الصحة يرد على جدل ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات الطبية    الإمارات: طبعنا العلاقات مع إسرائيل لتغيير طريقة التفكير في المنطقة    متحف اللوفر في باريس يعيد فتح أبوابه أمام الجمهور ثلاثة أيام بعد تعرضه لعملية سطو    التخريب يستنفر أمن مرس السلطان    انطلاق المنظومة الجديدة للدعم المباشر للمقاولات الصغرى والمتوسطة في 2026    مجلة ليكسوس تدخل تصنيفات معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي"    فنانون من 12 دولة يثرون الدورة 14 لمهرجان العرائش الدولي    اصطدام حافلتين يسلب حياة العشرات في أوغندا    كتاب فرنسي جديد: المهدي بن بركة قُتل غرقاً في حوض الاستحمام بإشراف الدليمي وبتنسيق مع "الموساد"    إسرائيل تتعرف على "جثتي رهينتين"    تخفيضات الميزانية تهدد جهود الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بالعالم    إدريس لشكر… قائد التجديد وواضع أسس المستقبل الاتحادي    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروحو المختص في المالية العامة فحوار مع "گود": التضخم فالمغرب ماشي بنيوي وها مخاطرو على اقتصاد بلادنا والمديونية.. ومكاين لاش قانون مالية تعديلي وتصريحات الحليمي خارج السياق وجا الوقت لمراجعة وظائف مندوبية التخطيط
نشر في كود يوم 29 - 03 - 2023

قال عبد اللطيف بروحو، المختص في المالية العامة، إن التضخم في المغرب لم يصل إلى مرحلة خطيرة، وليس "بنيويا"، مؤكدا بأن الوضعية الحالية لا تحتاج إلى قانون مالية تعديلي.
وانتقد بروحو في حوار مع "كود" الخرجة والتصريحات الأخيرة للمندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي، حيث اعتبرها "خارج السياق، استعملت فيها مفاهيم ومصطلحات اقتصادية كبرى لا يملك المواطن البسيط مفاتيح فهمها أو استيعاب آثارها، باستثناء ما يحس به هذا المواطن من فقدان تدريجي لقدرته الشرائية منذ أزيد من سنتين وليس فقط خلال الأسابيع الأخيرة التي تزامنت مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل خاص".
وأضاف بروحو: "ولحد الساعة لا زلت أتساءل، ومنذ سنة 2013، عن الوظيفة الرئيسية لهاته المندوبية التي لا علاقة لها بالتخطيط، ويقتصر دورها المفترض على ما تمارسه مؤسسات الإحصاء بشكل مستقل وموضوعي في معظم المنظومات الاقتصادية الغربية. وأعتقد أن الوقت حان لمراجعة شكل ووظائف هاته المندوبية وتحويلها لوكالة مستقلة للإحصاء، وهذا الطرح لا ينقص من قيمة العمل الذي تقوم به كمؤسسة ولا من جودة أطرها وعملها والوثائق التي تصدرها".
وأوضح بروحو بأن "التضخم الحالي مرتبط في الجزء الغالب منه بالعوالم الخارجية بالدرجة الأولى، لكن يمكن القول أن جزءا منه يعود لعوامل داخلية في ظل الاقتصاد المفتوح الذي يجعل من الدولة تمتلك أدوات الضبط والتقنين القانونية وليس آليات تحديد الأسعار".
وأضاف: "وإذا كان التضخم يعبر في مدلوله عن الارتفاع المستمر والعام لأسعار السلع والخدمات، فإنه يؤدي بشكل تدريجي إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين. في حين أن مصطلح التضخم الهيكلي الذي استخدمه المندوب السامي للتخطيط فيعبر عن وضع أخطر بكثير من هذا التطور الطبيعي لميكانيزمات العرض والطلب، فهو مقياس يستخدم لقياس مدى خسارة العملة الوطنية لقيمتها النقدية، وهو الوضع الذي لا يعرفه المغرب ولا يفترض الوصول إليه في ظل الوضع الحالي للاقتصاد الوطني".
وإليكم نص الحوار:
"كود": سي بروحو، باعتباركم متخصصا في المالية العامة، ماذا يحدث بالضبط بخصوص الجدل حول التضخم البنيوي وإمكانية اللجوء لقانون مالية تعديلي في ظل مخاطر المديونية واستمرار التضخم في مستوياته الحالية؟
بورحو:
في الواقع ما تشهده الساحة الوطنية من جدل انتقل إلى بعض مؤسسات الدولة يثير مرة أخرى الكثير من التساؤلات حول خلفية الخرجات الأخيرة للمندوب السامي للتخطيط وعودته لممارسة ما أسميتُه سابقا المعارضة المؤسساتية للحكومة ثم رده المبطن على بنك المغرب في إجراءاته المرتبطة بأدوات السياسية النقدية.
ولحد الساعد لا زلت أتساءل، ومنذ سنة 2013، عن الوظيفة الرئيسية لهاته المندوبية التي لا علاقة لها بالتخطيط، ويقتصر دورها المفترض على ما تمارسه مؤسسات الإحصاء بشكل مستقل وموضوعي في معظم المنظومات الاقتصادية الغربية. وأعتقد أن الوقت حان لمراجعة شكل ووظائف هاته المندوبية وتحويلها لوكالة مستقلة للإحصاء، وهذا الطرح لا ينقص من قيمة العمل الذي تقوم به كمؤسسة ولا من جودة أطرها وعملها والوثائق التي تصدرها.
فهاته الخرجة السياسية والإعلامية، والتي أعتبرها شخصيا خارج السياق، استعملت فيها مفاهيم ومصطلحات اقتصادية كبرى لا يملك المواطن البسيط مفاتيح فهمها أو استيعاب آثارها، باستثناء ما يحس به هذا المواطن من فقدان تدريجي لقدرته الشرائية منذ أزيد من سنتين وليس فقط خلال الأسابيع الأخيرة التي تزامنت مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل خاص.
وقد عشنا في حالات كثيرة في السابق خروج المندوب السامي للتخطيط بتصريحات منتقدة للحكومة منذ سنة 2013 في عهد حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران، وكتبتُ حينها مقالات انتقدتُ فيها هذا السلوك غير المنطقي الذي أصبح بموجبه السيد المندوب السامي معارِضا للحكومة خاصة مع الطبيعة السياسية لتصريحاته آنذاك، والتي تسير إما في اتجاه تكذيب الحكومة أو تسليط الضوء على إحصائيات مجتزأة من سياقها.
ونعيش في الوقت الراهن نفس الأمر بخصوص موضوع أكثر خطورة، ويتعلق الأمر بالتضخم البنيوي الذي كان موضوع الخرجة الأخيرة للمندوب السامي للتخطيط، في الوقت الذي يفهم من مضمون خرجاته الأخيرة أنه ينتقد بشدة الإجراءات النقدية التي اعتمدها بنك المغرب، وهو ما وصلت شظاياه للحكومة التي أصبحت في الواجهة نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بشكل متواتر منذ حوالي ثلاث سنوات.
وهنا يجب أن نكون جميعا واضحين مع الرأي العام ونفسر له ماذا يعني هذا النقاش بالضبط، وما هو مدلول وآثار هاته المصطلحات المستعملة على معيشته اليومية، مع أخذ الحيطة بشكل كبير من أي استعمال خاطئ لهاته المفاهيم والمصطلحات، خاصة وأن المؤسسات الاستثمارية والمالية الوطنية والدولية تتابع بشكل دقيق ما تتم مناقشته أو ترويجه بين مؤسسات الدولة.
لذا يتعين الاحتياط بشكل كبير عند استعمال المصطلحات التي قد تفهم على غير مدلولاتها الحقيقية، وقد تمثل مخاطر سياسية على مجهودات الدولة (وليس فقط الحكومة كما يتخيل البعض) من أجل امتصاص آثار التضخم على المواطنين وعلى القطاعات الإنتاجية، وتجاوز الوضعية الصعبة التي تعاني منها معظم دول العالم في هذا السياق.
"كود": ماذا يعني بالضبط التضخم البنيوي الذي استعمله المندوب السامي للتخطيط، وهل يعرف المغرب مخاطره على المواطنين؟
بورحو:
يمكن التأكيد أولا على أن التضخم البنيوي كما يقصده المندوب السامي للتخطيط لا علاقة له بالحالة التضخمية التي تشهدها بلادنا منذ منتصف سنة 2000.
فالارتفاع المستمر لمعدلات التضخم كانت ناتجة منذ ذلك الوقت عن اضطراب سلاسل الإنتاج والتوزيع والتسويق على المستوى العالمي خلال استمرار جائحة كوفيد أكثر مما كان متوقعا أول الأمر، وكان انخفاض أسعار النفط ومشتقاته على المستوى العالمي قد أدى حينها إلى التخفيف بشكل كبير من الضغط التضخمي على أسعار المواد الاستهلاكية بالدرجة الأولى.
وبعد عودة أسعار المحروقات للارتفاع دوليا كان ارتفاع أسعار جميع المنتجات والخدمات هو السمة الغالبة، مما أدى لارتفاع كبير في المعدلات الشهرية للتضخم والمسجلة منذ منتصف سنة 2021.
وفي الوقت الذي كان فيه المغرب يحاول امتصاص تأثير هاته الموجات التضخمية على المعيش اليومي للمواطنين، تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في فوضى شاملة على مستوى سلاسل الإنتاج والتوزيع والمرتبطة بالأساس بالمواد الاستهلاكية الأساسية للمعيش اليومي للمواطنين.
وهنا يمكن القول بأن التضخم الحالي مرتبط في الجزء الغالب منه بالعوالم الخارجية بالدرجة الأولى، لكن يمكن القول أن جزءا منه يعود لعوامل داخلية في ظل الاقتصاد المفتوح الذي يجعل من الدولة تمتلك أدوات الضبط والتقنين القانونية وليس آليات تحديد الأسعار.
وإذا كان التضخم يعبر في مدلوله عن الارتفاع المستمر والعام لأسعار السلع والخدمات، فإنه يؤدي بشكل تدريجي إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين. في حين أن مصطلح التضخم الهيكلي الذي استخدمه المندوب السامي للتخطيط فيعبر عن وضع أخطر بكثير من هذا التطور الطبيعي لميكانيزمات العرض والطلب، فهو مقياس يستخدم لقياس مدى خسارة العملة الوطنية لقيمتها النقدية، وهو الوضع الذي لا يعرفه المغرب ولا يفترض الوصول إليه في ظل الوضع الحالي للاقتصاد الوطني.
وهنا أتساءل مرة أخرى هل يقصد السيد المندوب السامي للتخطيط هذا المفهوم والأثر الاقتصادي بالضبط، أم أنها زلة لسان وخلط غير مقصود للمفاهيم والمصطلحات.
ففي حالة التضخم البنيوي أو الهيكلي عادة ما تشهد الدول مسارا متسارعا لانهيار قيمة العملة الوطنية، مثلما حدث جزئيا في مصر وتونس، أو تشهده بشكل أخطر لبنان في وضعها الراهن.
وعادة ما ينتج التضخم الهيكلي عن الاختلال البنيوي بين الإنتاج والاستهلاك، وعدم قدرة المنظومة الاقتصادية على إنتاج أو استيراد ما يحتاجه المواطنون في معيشهم اليومي من مواد غذائية وأدوية وخدمات ومشتقات النفط...
في حين أن المغرب يعرف في الوقت الراهن تزامن الضغط التضخمي المؤقت أو الزمني في هاته الفترة من السنة مع التضخم المستورد نتيجة اضطراب أسواق مشتقات النفط والتوترات العسكرية شرق أوروبا التي تزود السوق العالمية بملايين الأطنان من المواد الأساسية.
"كود": هل يمكن اعتبار هذا التضخم سببا كافيا للجوء الحكومة لقانونية المالية التعديلي؟
بورحو:
من الناحية السياسة لا يمكن تصور لجوء الحكومة لقانون مالية تعديلي في ظل الوضعية الراهنة، والمطالبة بذلك إنما تدخل في إطار المزايدة الإعلامية. فحالات اللجوء لقانون مالية تعديلي لا ترتبط بالفرضيات التي تقدمها عادة الحكومات المتعاقبة بخصوص قانون المالية، وإنما يرتبط بالضرورة بقدرة المنظومة الاقتصادية الوطنية على الإنتاج والاستهلاك ومعدل النمو الناتج عنهما.
غير أنه إذا تحول التضخم الحالي، لا قدَّر الله، إلى ركود تضخمي فإن الأمر قد يتطلب ذلك. لكن المؤشرات الحالية ترتبط بارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بشكل أساسي نتيجة التضخم المستورد والتضخم الداخلي المؤقت، في حين أن الركود التضخمي يكون ناتجا عن ركود اقتصادي عام على مستوى الإنتاج والاستهلاك معا يرافقه تضخم، وهي الحالة التي كان يمكن أن يعرفها المغرب خلال الأشهر الأولى لجائحة كوفيد لولا الإجراءات الاستباقية الهامة التي اعتمدتها الدولة حينها.
أما اللجوء إلى القانون المالي التعديلي فلا يتم إلا إذا تم استنفاذ الأدوات القانونية التي يتيحها القانون التنظيمي لقانون المالية، أو حدوث ما يمكن أن يغير التوازنات المالية في ميزانية الدولة نتيجة أحداث كبرى، وهو الوضع الذي شهده المغرب خلال بداية جائحة كوفيد منتصف سنة 2020.
لذا لا يمكن في الوقت الراهن تصور لجوء الحكومة لقانون مالية تعديلي، على اعتبار أن القانون المالي الحالي يسمح بهوامش كبيرة للعمل الحكومي لتنزيل السياسة المالية والميزانياتية لمواجهة تحديات التضخم وآثاره على الإنتاج والاستهلاك وعلى القدرة الشرائية للمواطنين.
في حين تبقى أدوات السياسة النقدية ذات أهمية بالغة على هذا المستوى، وهو ما تنبه إليه بنك المغرب منذ عدة أسابيع عندما تدخل لشراء كميات ضخمة من سندات الخزينة، ثم بعدها رفع نسبة الفائدة المرجعية لمستويات أعلى مما كانت عليه قبل جائحة كوفيد.
"كود" ما هي إذاً مخاطر التضخم الحالي على الاقتصاد الوطني؟
بورحو:
يمكن القول هنا أن النسب العالية من التضخم على مستوى المواد الاستهلاكية ذات طابع مؤقت، في حين أن لجوء جميع منتجي السلع والخدمات لرفع الأسعار بدون مبرر منطقي وكافي قد ساهم في الشعور العام بمخاطر التضخم على الاقتصاد الوطني وليس فقط على القدرة الشرائية للمواطنين.
غير أن ما شهدته السنوات العشر الأخيرة من انخفاض كبير لمعدلات التضخم كان له أثر سلبي غير مرئي على جل القطاعات الإنتاجية التي لم تكن قادرة على رفع أسعار منتجاتها رغم انخفاض هوامش الربح لديها، وهو ما يعتبر مؤشرا غير إيجابي على المدى المتوسط والطويل.
فخلال الفترة بين سنتي 2001 و2010 كان متوسط نسب التضخم لا يتجاوز 1,3%، وانخفض هذا المتوسط إلى أقل من 0,7% خلال الفترة بين 2011 و2015، لتستقر بعدها في مستويات مشابهة خلال السنوات التي سبقت بداية جائحة كوفيد. وعادة ما تضع الدول أهدافا لسياساتها النقدية تحاول جعل التضخم مستقرا في معدلات تلامس 2%، وهو ما يجعل النسب المحقة بالمغرب أدنى بكثير من ذلك.
فإذا كان انخفاض معدلات التضخم يصب لصالح الاستهلاك على المدى القصير، فإن آثاره قد تكون سلبية أو حتى ذات مخاطر عالية على المديين المتوسط والبعيد، لأنها قد تتسبب في ضرر بالغ بسلاسل الإنتاج والتوزيع واللوجستيك.
وهذا المسار التراجعي في معدلات التضخم، خاصة بين 2009 و2019 كانت له آثار إيجابية نسبيا على الاستهلاك، إلا أن معاناة قطاعات إنتاجية واسعة مع تراجع هوامش الربح كان سيتسبب في ركود تضخمي على المدى المتوسط، لذا فقد لجأ منتجو السلع ومقدمو الخدمات للاستفادة بشكل سريع من الموجة التضخمية المستوردة لتدارك هوامش الربح المفقودة خلال أزيد من عشر سنوات، وهو ما يدخل نسبيا في المضاربة والعوامل الداخلية التي تحدثنا عنها.
ويتعين هنا أن تتركز جهود الحكومة خلال الأسابيع المقبلة على إعادة ضبط معدلات التضخم وامتصاص فقاعة التضخم المصطنع من قبل المنتجين ومقدمي الخدمات، وإلا فإن مخاطر المعدلات المرتفعة قد تكون عالية وقد تمس سلاسل الإنتاج والتوزيع نفسها، مما يهدد بدورة ركود تضخمي كما فسرناه. وهو ما يؤدي بشكل متسارع إلى ارتفاع معدلات البطالة نتيجة تراكم المخزونات بسبب تراجع الأسعار ونقص الطلب وتزايد نسبة المعروض، ثم تراجع الاستثمار وديناميتي الإنتاج والاستهلاك على حد سواء.
وقد يؤدي هذا الوضع لاضطرار الحكومة لتعديل قانون المالية واللجوء المكثف للاستدانة، وهو ما يحمل مخاطر أخرى ذات طابع اقتصادي ومالي أشمل من الآثار الظاهرة للتضخم.
"كود": هل يعني ذلك أن هاجس ارتفاع المديونية يبقى مطروحا؟
بورحو:
بالتأكيد، لأن الحكومة ستضطر للتدخل عبر أدوات وآليات السياسة المالية والميزانياتية من أجل وقف نزيف الركود التضخمي، مما سيدفعها للاستدانة من الخارج بالدرجة الأولى لتغطية التكاليف العمومية الإضافية، وهو ما سيدخل المغرب في دورة جديدة من نزيف المالية العمومية، وهو غير متصور في الظرفية الراهنة.
غير أن لجوء السلطات النقدية لخط السيولة والائتمان بقيمة تزيد عن 6 ملايير دولار قد يكون ذا أثر جد إيجابي على قدرة المغرب على الاستدانة من الخارج (أي من باقي المؤسسات المالية الدولية) وبنسب فائدة أقل بكثير مما تحصل عليه عدد من الدول المشابهة. ونحن نلاحظ في الوقت الراهن حجم الصعوبات الاقتصادية والمالية التي تعاني منها كل من مصر وتونس، بل إن عددا من الدول المصدرة للنفط أصبحت تلجأ للاستدانة بنسب أعلى مما يحققه المغرب.
غير أن مخاطر الاستدانة تبقى دائما مطروحة، إذ في الحالة التي يتم فيها سحب هذا المبلغ فإن ارتفاع حجم الدين العمومي الخارجي سيكون بوتيرة أعلى من قدرة المملكة على سداد مستحقاته بالعملة الصعبة، خاصة وأننا لا زلنا نعاني من عجز بنيوي للميزان التجاري وميزان الأداءات، وهو ذا مخاطر عالية على المستوى الاستراتيجي، ولا تخفف منه نسبيا إلا الدينامية الاستثنائية التي تعرفها الاستثمارات الخارجية وتحويلات جاليتنا المقيمة بالخارج التي تستحق كل ثناء وتقدير على مساهمتها في تجنيب المغرب مخاطر نزيف المالية الخارجية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.