كلما سألت أحدا : " واش كتشوف القناة الأولى ؟ " يجيبني دون تفكير : " ولاش أصحيب ؟ " . مما جعلني أربط بين بعض العلائق عن فكرة العزوف لدى المغاربة في مشاهدة القناة " الوطنية " مجازا أو على سبيل التسمية وبين العزوف عن المشاركة في الانتخابات والاستحقاقات كما يحلو لتلفزة الإثم أن تسميها فوجدت الأمر ممكن وأنا هناك أكثر من رابط وعلاقة . "" أعرف العديد من المغاربة أقسموا بأغلظ الأيمان أن يقاطعوا هذه القناة التي ولدت يتيمة ورغم تناسل أخواتها بقيت يتيمة ، سبحان الله . لماذا أقسم هؤلاء المغاربة بعدم مشاهدة شيء يدفعون ضريبته ؟ بالفعل هناك تاريخ من الإثم بين القناة ومشاهديها ، هذه القناة التي كانت إلى وقت قصير محدودة بتوقيت ست ساعات يخصص أغلبها للعائلة الحاكمة في المغرب من تغطية النشاطات الرسمية ومن شخصيات تقبيل الأيادي طيلة اليوم ومن ضربات الحفرة 16 إلى الحفرة 22 في منتزهات الكولف وبين ركض الخيول حتى حفظ المغاربة أسماء تلك الخيول وأعمارها . كانت القناة اليتيمة لاتمل بأن تذكرنا بالبرنامج اليومي لها الذي يمكن أن يتغير في أي لحظة بمكالمة هاتفية لتوقف بث فيلم لأنه لم يرق لشخص ما . ذاك هو مغرب القناة اليتيمة ، مغرب محدود الأفق وكان يظن بأن حلم التغير محكوم بتاريخ العبودية والاستعباد. في تلك القناة التي كان يطول فيها فصل الخطب والأدعية بطول العمر والتمكين ويضيق فيها صوت " المواطن " إن مر فيها يوما ما . ما اغرب التاريخ وتلوناته ... في تلك القناة التي أطلق عليها المغاربة اسم إثم واشتقت اسمها من الأثام والمعاصي في حق شعب كان يحلم يوما أن يرى صوته ذات يوم جهورا على قناته ولم يتحقق له ذلك . خلال تلك الساعات التي قصيرة في البث والإرسال وطويلة وثقيلة على النفس والهوى بتكرار نفس المراسيم ونفس الوجوه . بين ذاك التاريخ المر والمتشنج بين القناة والمتلقي استمرت القطيعة وحبل الود انفصل بطلاق لم يتنهي بحلم القناة بأن تتحرك مرة وبأن تغير من جلدها وبأن تتلون فهي هي قناة دار البريهي . والبريهي هو شخصية مخزنية بامتياز لذلك فكل الأسماء مطابقة لها من الإثم إلى دار المخزن وبوقه الكبير والتشهيري في أوقات دعاياته الكثيرة . رغم الفارق الزمني لم تستطع القناة دار البريهي التي غيرت اسمها أكثر من مرة وسمت نفسها بالأولى ومنحت اللقب الثاني لقناة عين السبع التي تخوصصت تم أعيد تأميمها بقدرة قادر بعدما أفلست أن تجد لها قاعدة جماهيرية لها في المتابعة والتتبع . فجأة وبعد ظهور المتنفس في قنوات عربية وأجنبية تحترم المشاهد المغربي والعربي وتضع اعتبارات أساسية أن الإعلام يهدف إلى التكوين والتوعية وليس إلى رسم صور العبودية والخنوع . من طرائف ما سمعت عن قناة منزل البريهي أن امرأة مسنة والعهدة علي سألتها عن القناة فقالت : " واش الحامضة ؟ " . فكرت في أن الحموضة تأتي بفعل الزمن وبعدم التغيير كفعل للتجدد وأن الحموضة ودرجتها إن طالت أتلفت كل شيء ومن المستحيل إصلاحه. في بنية هذا الإعلام الهش والذي يهمش المتلقي المغربي وأبعاده وهويته وخطابه اليومي وقضاياه الحيوية والملحاحة بدوره المتلقي يغير وجهته مادام البديل أصبح ممكنا وقابلا للتحقق . التقيت مؤخرا رجلا كان أستاذي في الباكلوريا لمادة الإجتماعيات وقال لي بالحرف : " أن الله أكرمني عن قناة الإثم بقنوات مختلفة وأصبح بإمكاني أن أشاهد التلفزة بعد طول مقاطعة ." نحمد الله فقد وجدنا البديل وذلك من صبر المغاربة بعد طول انتظار ، فلتحيا الحرية وللقصة بقية .......................