مستجدات التأمين الإجباري عن المرض    استثمار تجربة هيئة أخلاقيات الصحافة وحرية التعبير    أَسيرُ حرب: السَّرد الجريح    علاقة الدولة بالمجتمع وسوء الفهم الكبير.. محاولة للفهم    أجندات انفصالية تُبعد ثلاثة إسبان موالين لجبهة البوليساريو من العيون    38,2 مليون حساب بنكي بنهاية 2024    أسعار النفط تتراجع وسط تقييم اقتصادي لتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة    دراسة: التغير المناخي زاد وفيات الحر 3 مرات في المدن الأوروبية    إسرائيل تعلن اغتيال مسؤول عسكري في حزب الله جنوب لبنان    الصين تعتزم توسيع شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة لتصل إلى 50 ألف كيلومتر بنهاية 2025    تجدد الدعوات لمقاطعة المنتدى العالمي لعلم الاجتماع بالرباط بسبب مشاركة إسرائيل    بينهم أطفال.. مقتل 26 فلسطينيا بغارات إسرائيلية على قطاع غزة    فتى يقتل طفلا ويصيب بجروح طفلة ومعلمة داخل مدرسة في البرازيل    سيرغي لافروف يزور كوريا الشمالية    المطارات المحلية الأمريكية تتخلص من خلع الأحذية أثناء التفتيش    سايس يعود إلى التداريب بعد غياب دام لأربعة أشهر بسبب الإصابة    رياض: "أبذل قصارى جهدي للعودة للميادين وهدفي هو المشاركة في "الكان"    ضبط أقراص مهلوسة بميناء الناظور    عندما ينقلب "الحياد الأكسيولوجي" إلى سلسلة ثنائيات شاردة!    كاظم جهاد: جاك ديريدا والمسألة الفلسطينية    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    أكثر من مليون متابع لفرقة تولّد موسيقاها بالذكاء الاصطناعي    كيوسك الأربعاء | إجراءات جديدة بميناء طنجة المتوسط لتسهيل عبور الجالية    بركة: نسبة تقدم أشغال إنجاز سد الرتبة بإقليم تاونات تصل إلى حوالي 30 في المائة    الجديدة: أزقة سيدي بوزيد تسائل جماعة مولاي عبد الله وعمالة الإقليم    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. تشلسي يحجز بطاقة النهائي بتغلبه على فلوميننسي (2-0)    الدوري الإنجليزي لكرة القدم.. سندرلاند يضم الظهير الأيسر رينيلدو ماندافا قادما من أتلتيكو مدريد الإسباني    مجلس المستشارين يصادق في قراءة ثانية على مشروع قانون المسطرة المدنية    طقس الأربعاء: أجواء حارة بعدد من الجهات    من أين جاءت هذه الصور الجديدة؟ .. الجواب داخل واتساب    فرص أكثر للشباب والنساء .. التشغيل يتصدر أجندة حكومة أخنوش    الشاعر حسن نجمي يفوز بجائزة ابن عربي الدولية للأدب العربي    حادثة سير مروعة بطنجة تخلف وفاة سيدة وإصابة ثلاثة أشخاص    إقليم شفشاون .. تنظيم يوم تواصلي حول تفعيل الميثاق المعماري والمشهدي لمركز جماعة تنقوب    "اللبؤات" يجهزن للقاء الكونغوليات    تورونتو تحتفي بعبق السوق المغربي    تحقيقات أمنية في حادث رشق بالحجارة بحي مغوغة تسفر عن استدعاء أطراف مشتبَه فيها    المغرب يؤكد بجنيف التزامه بنظام ملكية فكرية "شامل وداعم للتنمية"    الطالبة ماجدة بن علي تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة مشرف جدا    انخفاض معدل الاعتقال الاحتياطي بالمغرب إلى أقل من 30% من الساكنة السجنية        مجلة فرنسية: المغرب يرسخ موقعه كوجهة مفضلة لكبار المستثمرين    أداء الثلاثاء إيجابي في بورصة البيضاء    لوكا مودريتش يعزز صفوف ميلان الإيطالي    قطاع الإسمنت بالمغرب يسجّل أداء إيجابيا في النصف الأول من 2025    مجلس ‬المنافسة ‬يكشف ‬عن ‬هوامش ‬الربح ‬في ‬المواد ‬الغذائية ‬وعن ‬الأسواق ‬المتحكمة ‬فيها    جواد الزيات يعود لرئاسة الرجاء الرياضي لكرة القدم    مبابي يسحب شكوى المضايقة الأخلاقية ضد سان جرمان    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    حين تصعد وردية من رمادها وتمشي فوق الخشبة    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي    التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دموع أمي في جبال الريف
نشر في هسبريس يوم 09 - 04 - 2023

تدخل أمي إلى غرفة الجلوس كعادتها، وبمحاولات شتى تطلب مني أن أكف عن دس وجهي في شاشة هاتفي الذكي؛ منذ أن غادر أبي هذه الدنيا وهي تريدني أن أشعرها بوجودي داخل البيت، تريد سماع صوتي والحديث معي، تريدني أن أحدثها عن الطقس، عن العمل، عن الأولاد، عن الطبخ، عن أي شيء. تطلعت إلي بوجه ممتقع، ثم أخذت مكانها بجواري؛ هي لا تدري أنني حين أكون منكسا رأسي أقلب نظري في شاشة الهاتف أكون بصدد كتابة نصوص أدبية ذات قيمة. نحيت الهاتف جانبا وجلست متسمرا أشاهد التلفزيون، عزائي الوحيد بعد الكتابة. ولأنني إنسان محب للتاريخ، وعاشق للنبش في صفحات الماضي، ضغطت على زر جهاز التحكم مقلبا عن قناة تبث برامج وثائقية، وإذا بفيلم يحكي عن حرب الريف يطلع على شاشة الجزيرة الوثائقية.
ظلت أمي تحدق في الشاشة بتمعن شديد، فجأة تململت في مكانها بعدما تسللت إلى مخيلتها ذكريات وأحداث بعيدة، ثم أردفت بنبرة حزينة: آه لو تعلم يا بني عن أيام عصيبة قضيتها بجبال الريف حينما انتقلت للعيش بقبيلة بني ورياغل في بداية الستينيات من القرن الماضي... حينئذ لم أفهم قصدها، إلى أن شرحت لي بقليل من التفاصيل أنها زفت كعروس إلى قرية نائية معزولة عن العالم، تنعدم فيها شروط الحياة، وهي ابنة الرابعة عشرة من عمرها. كل ما تراه جبال موحشة تحاصرك من كل الجهات؛ لا ماء، لا كهرباء، لا تطبيب، ولا مسالك طرقية، والأدهى من ذلك أن السكان لا يتكلمون العربية.
كانت طفلة لم يكتمل نموها بعد، صعد بها أبي إلى قمة الجبل خلال أول تعيين له كمدرس، ليبدأ مشوارا مهنيا صعبا من أعلى جبال وعرة تخترق قمم السحاب.
تحكي أمي أن القرية كانت شبه مقفرة من الرجال. وجوه الساكنة شاحبة طوال الوقت، عيونهم يملؤها الخوف، يعيشون الانكسار والألم على وقع عصيان مدني مسلح قاده زعيمهم سلام أمزيان ضد سلطة الاستقلال الفتية، تم إخماده بوحشية مفرطة من لدن الرجل القوي أوفقير. معظم الشباب والرجال صعدوا إلى قمم جبال محيطة فارين بأرواحهم من ملاحقة القوات المسلحة؛ حتى إن جل آباء تلامذة أبي داخل القسم كانوا بين معتقل وطريد وقتيل.
لم تستطع أمي التأقلم مع وضعها الجديد في الريف، لبثت تقاوم الحنين إلى أهلها وبلدتها طيلة سنتين، لكنها ضعفت واستسلمت في الأخير؛ نفذ خزان صبرها، فما كان منها إلا أن طرقت باب عمها الشيخ أحمد تستعطف تدخله لدى صديقه العلامة عبد القادر الساحلي من القصر الكبير، الذي كان بدوره يملك علاقات واسعة مع أشخاص نافذين في وزارة التعليم. ظهرت نتائج الحركة الانتقالية، زف عمي أحمد الخبر البهيج إلى والدتي. سينتقل أبي إلى بلدة سيدي اليماني القريبة من موطنه الأصل بقبيلة سوماتة العنيدة. أخيرا تنفست أمي الصعداء، فرحت فرحا بحجم السماء، أطلقت زغرودة جبلية ورقصت؛ عادت البسمة إلى محياها من جديد.
بعد أن ذرفت دموعا غزيرة جاء الفرج، كادت تفقد عقلها من شدة البكاء الطويل، صار لسانها يلهج بعبارات الحمد والشكر على الدوام.
أمضت سنتين تشتكي من قسوة الطبيعة، نقص في الخدمات، وضنك العيش وسط جبال الريف؛ وها قد حل اليسر بعد العسر.
يستيقظ أبي في جوف الليل فيتوجه إلى فناء الدار، يحمل غلاية ماء ساخن، يستعد للوضوء لأداء صلاة الفجر، وإذا به يتلفت فجأة على صوت رخيم يصله من غرفة محاذية، ليجد أمي قد سبقته لصلاة الليل، رافعة يديها إلى السماء، تناجي ربها في خشوع؛ كانت تدعو بالخير والفلاح لعمها وصديقه العلامة الساحلي، فيما الدموع منهمرة على وجنتيها كسيل جارف...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.