الملتقى الدولي لمغاربة العالم يحتضن مبادرات مغاربة العالم    "البيجيدي" يستنكر توظيف زوجات وأبناء منتخبين من "الأحرار" كأعوان عرضيين أشباح بجماعة فاس            مستثمرون من مغاربة العالم: عراقيل إدارية تهدد مشاريعنا بالمغرب    العدالة الفرنسية تلاحق دبلوماسياً جزائرياً بتهم خطيرة.. باريس تكشف الوجه الإجرامي للنظام الجزائري        دومينيك دوفيلبان يكتب: الصمت على حرب الإبادة الجماعية في غزة تواطؤ.. ولن يستطيع أحدٌ أن يدّعي غدا بأنه لم يكن يعلم    الوداد وأولمبيك آسفي يتعرفان على خصومهما في كأس "الكاف"    قرعة دوري أبطال إفريقيا تضع الجيش ونهضة بركان في مواجهات حاسمة    موسم مولاي عبد الله أمغار... 122 سربة و2065 فرس يرسمون لوحات التبوريدة في أبهى صورها        برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تفاوت التنمية بين جهات المملكة وتحذيرات من استمرار المغرب بسرعتين    ترامب يعلن عن لقاء مع نظيره الروسي يوم 15 غشت في ألاسكا    الدرهم يرتفع مقابل الدولار وتراجع مقابل الأورو خلال الأسبوع الماضي وفق بنك المغرب    بنك المغرب .. ارتفاع الودائع البنكية عند متم يونيو الماضي    الملك محمد السادس يواصل رعايته السامية لمغاربة العالم عبر برامج تعزز الارتباط بالوطن وتواكب التحول الرقمي    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية سنغافورة بمناسبة العيد الوطني لبلاده    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت    مداغ: شيخ الطريقة القادرية البودشيشية جمال الدين القادري بودشيش في ذمة الله    حكم ثقيل على إمام مسجد بجماعة المعاشات بسبب اعتداءات جنسية    وفاة محمد المنيع عمدة الفنانين الخليجيين    أنفوغرافيك | سوق الشغل بالمغرب خلال 2025.. انخفاض طفيف للبطالة مقابل ارتفاع الشغل الناقص    محامية تتعرض لاعتداء خطير على يد زوجها المهاجر داخل مكتبها    المديرية العامة للأمن توقف ضابط مرور طلب رشوة 100 درهم مقابل عدم تسجيل مخالفة    أكثر من مليون مهاجر غير شرعي غادروا الولايات المتحدة منذ عودة ترامب    كيوسك السبت | التجارة الإلكترونية بالمغرب تلامس 2200 مليار سنتيم سنويا    بنك المغرب: 71 بالمائة من المقاولات تعتبر مناخ الأعمال عاديا    مجلس الأمن الدولي يعقد اجتماعا طارئا الأحد بشأن خطة إسرائيل السيطرة على غزة    تمديد فترة الميركاتو الصيفي بالمغرب إلى غاية 25 غشت    المقاتل المغربي الرشيدي يرفع التحدي في بطولة PFL إفريقيا        الشان يؤخر صافرة بداية البطولة الوطنية في قسميها الأول والثاني    تيزنيت : شبهات تواطؤ بين مسؤولين ولوبي العقار في قضية الواد المدفون    الولايات المتحدة.. ترامب يعين مستشاره الاقتصادي عضوا في مجلس البنك المركزي    فرنسا تندد ب"شدة" بخطة الحكومة الإسرائيلية لاحتلال غزة بالكامل    موجة حر مع درجات حرارة تصل الى 48 بعدد من مناطق المغرب    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    عيطة الحال ... صرخة فنية من قلب البرنوصي ضد الاستبداد والعبث    الرباط تحتضن النسخة الأولى من «سهرة الجالية» بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر    المعرض الوطني للطوابع والمسكوكات يتوج نسخته الثانية في مدينة خنيفرة بندوة علمية حول تاريخ النقود والبريد    مدافع برشلونة إينيغو مارتينيز في طريقه إلى النصر السعودي    بطولة إسبانيا.. مهاجم برشلونة ليفاندوفسكي يتعرض للإصابة    وفاة الفنان المصري سيد صادق    النجم الحساني سعيد الشرادي يغرد بمغربية الصحراء في مهرجان "راب افريكا"    لطيفة رأفت تعلق على "إلغاء حفلين"    العربيّ المسّاري فى ذكرىَ رحيله العاشرة    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوعي الفجائعي وبثّ الآمال
نشر في هسبريس يوم 19 - 10 - 2023

بلا شك، صار التطلُّع نحو تلمُّس القيمة المعنوية للاطمئنان، أقصى ما يطلبه إنسان ظرفية الوقت الراهن. فقد أبان هذا الزمن الجلف، عن تعدُّد نوائبه، وتعقُّد بنيات مشاكله، حدَّ التِّيه الأعمى، وتداخل حدود دلالات اضطراباته، وضمور ممكنات سبل حياته، بحيث افتقدت البشرية كثيرا معاني الأفراح الحقيقية، والأعراس الصادقة، وصارت الأيام لا تخبئ بامتياز سوى وصفات المآسي، وفق مختلف أشكالها ومعانيها
حروب غوغائية، موصولة آليا ببعضها البعض؛ لا تنتهي قط ولن تنقضي فيما أتخيَّل، غاية قضاء ما تبقى من الجميع على هذا الجميع نفسه، خدمة لمصالح أقلية تدمن من الصباح إلى الصباح جشع المال وجنون عظمة السلطة.
كوارث طبيعية وبشرية، تندلع إحداها هناك، كي تفسح المجال لأخرى هنا، أوبئة تتوالد كالفطريات، مجال بيئي يتوشَّح بمزيد من غشاء الاكفهرار.. إلخ.
إذن، كلما اتسعت صروف العالم، وتعدَّدت ألوان مصائبه، تقلصت حتما مرجعيات الطمأنينة ودواعي الحبور، وأسباب الهناء، فتغدو الأهوال قابضة على زمام المكان؛ قبضة أبله. معادلة بسيطة في ذاتها، لا تقتضي مزيدا من التبرير التأويلي.
عموما، يبدو الأمر معتادا أكثر، حينما ينزع اعتقاد الأفراد نحو حياة وديعة، تخضع لمنطق تراتبي مألوف، تنساب وقائعها تبعا لرغباتهم، بحيث لا يترصدها أيّ اختلال لبنية المتوقَّع.
هذا اللامتوقَّع المريب، ليس بالضرورة مصدره غير بشري كما الحال بالنسبة لخبايا الأقدار المشؤومة والصعبة؛ ضمنها الكوارث الطبيعية، لكن أيضا خلال سياقات متعدِّدة، فالإنسان ذاته، من يسرع بكامل إرادته قصد بلورة فجائعية اللامتوقَّع، عبر نرجسية بثِّ الشَّرِّ على امتداد فضاء العالم وجعل الحياة مجرد بوتقة دموية لكرنفالات الموت، مثلما يتجلى الوضع واضحا بلا لبس يذكر، أزمنة الحروب التي يشعلها حمقى السياسية، وكذا نتائج التدبير المفلس لشؤون الدول والشعوب، ثم تواري قيم منظومات البناء الإنساني لصالح تفوق العمى العقائدي والمذهبي والقومي والاثني، وما يستتبع ذلك من تعميم لأسباب الموت بكل أنواعه.
حتما، من تجليات توطُّد الخراب والدمار، استدراج المجتمع كلِّية نحو غياهب ظلمات المجهول، حيث لا شيء سوى الخوف والذعر وشلِّ قدرات الأفراد نحو المبادرة إلى فعل ما من شأنه ترسيخ ينابيع الحياة.
إذن، قد يكمن مصدر الشَّرِّ في الطبيعة، كما أنَّ الأخيرة تتيح للإنسان جلّ ممكنات الاطمئنان والسلام والهدوء والراحة، لكنه لا يبالي بتاتا، ثم يتماهى عكس المفترض مع كبريائه وغروره وتلبية نداءات الجوانب الشيطانية التي يضمرها مبدئيا فيسرع نحو فنائه وتدمير تجليات القائم، وترسيخ سيادة الجحيم، وتقويض الأمل.
الأمل، سلطة السلط جميعا، أصل الحياة، ترياق البقاء. فقط بالأمل، تأخذ الحياة مجراها المستساغ، وينعم وجود الإنسان بلذَّة العيش، بمعنى انتقال الحياة من كونها واقعة رمادية بلا نكهة إلى حالة حية، نتلمَّسها، نتذوقها، نشمُّها، نتنفَّسها، نَزِنها، نكتسيها، ترتدينا، تدفئنا، نحياها كلِّيا بحيوات جوارحنا، لأنها منَّا ولنا، ولا أمل في تكامل وضعية كتلك سوى بالخيط الناظم الذي ينسجه الأمل.
مع ذلك، ينبغي الإدلاء ببعض التدقيقات المفهومية، بخصوص علاقة راهن العالم مع طبيعة مجرى هذا العالم، وكذا مستويات الأمل حسب بعده المجرَّد، ثم تأرجح وتذبذب معانيه تبعا لقدرات الفرد النفسية والذهنية والتأملية.
تبدو الصورة خلف صيغتها المباشرة على المنوال التالي كلما تحقَّقت حيثيات العالم بكيفية مألوفة، دون هزَّات مباغتة، ازدادت طمأنينة الإنسان نحو المتوقَّع حدوثه، من ثمة توسُّع حلقات الأمل، بينما إذا تمرَّد زمن الحياة عن منطق العادة وكذا المنطق التسلسلي، يتقلص حيز الأمل لصالح نقائضه، منطلقها اللاأمان انتهاء ربما بالجنون أو الانتحار. غير أنَّ هذه المعطيات، وفق تصوري، تأخذ منحى مغايرا للترتيب السابق.
الأمل، فضفاضة حدوده وآفاقه، تختلف أبعاده من شخص لآخر، مثل مفهوم السعادة بحيث تتباين مستوياته وتتنوع مصادره، إنه أساسا صياغة داخلية، وحقيقية شخصية ركيزتها ومنتهاها الذات الفردية.
بالنسبة لإنسان لا يتبيَّن حقا، كل صباح مواطن الأمل داخل ذاته، يستحيل عليه معرفة سبل الأمل موضوعيا، لذلك سواء كان العالم بخير أو لا يبشِّر بخير، تظل أساسا شعلة الأمل ورشا ذاتيا أساسيا، ولا علاقة له بالمعطيات الجارية خارجيا، فالعلاقة بين الدائرتين ليست بالضرورة متكاملة أو متوازية بل يظل تأثير أحدهما على الثاني نسبيا، على منوال باقي المفاهيم الوجودية المؤسسة للتجربة البشرية.
إذن، ليس بالضرورة تطابق الأمل ذاتيا مع الأمل موضوعيا، قد يكون الواقع باعثا دؤوبا على آمال شتى، نتيجة مخططات مجتمعية بنَّاءة من طرف المدبِّرين لشؤونه العامة، في حين يتّسم مزاج الفرد بالسلبية والتشاؤم والاستكانة إلى إحباط الرؤى السوداوية.
أيضا، انبعثت أعظم المنجزات الفردية من داخل ظلمات الزنازن الجحيمية، ووطأة ركام الكوارث، وبين طيات مجموعات منكوبة تماما، في خضم الحروب الضروس والأقدار العمياء، والمصائر القاهرة، التي تجاوزت قدرات الإنسان، حيث يكمن الأمل وينبغي له أن يكون، وقد التقط إشاراته بشر حقيقيون.
الحياة لا تقدم حقائق بل ممكنات، ولا منجزات نهائية لكن مشاريع أوراش تحتاج إلى الأمل كي تنبجس وتتبلور ثم تتجلى بكيفية واضحة.
الحياة ليست طيبة ولا شريرة، هي فقط حالة طارئة تنطوي على احتمالات لانهائية ضمن المعطى الواحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.