حضرت فلسطين وفيروز ورسالة الفنون وتاريخ آلة القانون، ليل الخميس، ثاني أيام "المهرجان الدولي لآلة القانون" الذي ينظمه المعهد الأكاديمي للفنون التابع لأكاديمية المملكة المغربية، والذي تخصص مداخيله لصندوق فاجعة زلزال الحوز. إيلي الأشقر، عازف القانون والباحث في علم الإثنوموسيقولوجيا، اختتم محاضرته حول تاريخ هذه الآلة باقتباسات عن أهمية الموسيقى ودورها في تطهير النفس الإنسانية، وبتحية لفلسطين، مستحضرا كلمات أغنية للسيدة فيروز، التي عزف معها وكتب سيرتها باللغة الفرنسية: "عم صرخ بالشوارع / شوارع القدس العتيقة / خلي الغنيي تصير / عواصف وهدير / يا صوتي ضلك طاير / زوبِع بِهالضماير / خبرهن عللي صاير / بلكي بيوعى الضمير"؛ فيما اختُتِم عرض ماجد سرور على آلة القانون بتصفيق ووقوف جماعيين، بأكاديمية المملكة، عقب لحنه الذي حاكى "زهرة المدائن"، أشهر ما غنته فيروز عن فلسطين، بعدما قال إن الفن لا يمكنه أن يكون منعزلا عما يحدث. وكرم اليوم الثاني من مهرجان آلة القانون قائد الأوركسترا المغربي رشيد الركراكي، مدير المعهد الموسيقي للحرس الملكي، الذي قاد أوركسترات سمفونية بالمغرب ودول أوروبية. وقال عبد الناصر مكاوي، مدير "رياض القانون"، إن هذا احتفاء ب"أكبر موسيقار في المغرب"، مستحضرا تأليفاته المغربية والعربية والغربية، وتميز أدائه على الكمان والبيانو والإيقاع، واشتغاله إلى جانب أعلام من بينهم عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط ونعيمة سميح وسميرة سعيد. وإلى جانب العرض الختامي لعازف آلة القانون ماجد سرور، حضر عرضان لكل من العازفين منصور قليعي وهبة مكاوي، باختيارات موسيقية مغربية ومغاربية ومشرقية. أما المحاضر إيلي الأشقر، الذي اعتلى المنصة بقانونه، فتحدث عن كون هذه الآلة هي "القاعدة" و"الدستور" لكافة الآلات الموسيقية العربية، مضيفا أنها في صدارة "التخت العربي الشرقي"، بوصفه "جدا للأوركسترا". وتنقل الأشقر بين العصور والحضارات، متتبعا جذور "آلة القانون"، فقال: "يرجح الباحثون رجوعها إلى آلة آشورية وترية، من العصر الآشوري الحديث في القرن التاسع قبل الميلاد. وقبل ذلك، وُجدت صورتها منقوشة على علبة من العاج، بنمرود، على بعد 35 كيلومترا من مدينة الموصل". كما "ظهرت في العصر العباسي آلة مستطيلة "النزهة" تشبه القانون، وتذكر بالآلة الوترية الآشورية، وظلت تستعمل جنبا إلى جنب مع القانون، ثم اختفت وبقي". وعلى الرغم من أصلها الشرقي فإن تسمية القانون يونانية، وحضرت آلات وترية مشابهة لها في نقوش فرعونية، ثم بابلية وآشورية، وللعرب "فضل استكمالها". واستحضر إيلي الأشقر الفارابي الذي "كان له باع طويل في الآلات وصناعتها، وتحدث عن هذه الآلة، وعزا البعض اختراعها إليه، ولم يذكر اسم "قانون" أو بطليموس؛ لكنه شرحها شرحا وافيا"، كما ذكر ما قاله ابن حزم عن كون "القانون" الآلة الرئيسية والأهم بالأندلس. ثم في القرن التاسع عشر، ذكر المتدخل أن محمدا العقاد الكبير قد "أشاع القانون"، واستكمل محمد عبده صالح أبحاثه، مرافقا أم كلثوم مدة أربعين سنة، و"مسهِما في تألقها خاصة في لحظات ارتجالها"؛ بينما كان عبده الحمولي ومحمد عثمان "أحد قطبي تجديد موسيقى عصر النهضة". وفي سياق حديثه عن أعلام آلة القانون بالعالم العربي، ذكر إيلي الأشقر مغربيا اسم الراحل صالح الشرقي، ثم تحدث عن كتاب جديد "ثمين، ويعد إضافة للكتب المهمة التي تخدم آلة القانون"، هو أحدث مؤلفات المايسترو عبد الناصر المكاوي، الصادر بالعربية، والمترجم للغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، حول تاريخ الآلة بالمغرب والعالم، مع تمارين فيها. يذكر أن محمدا نور الدين أفاية، مدير المعهد الأكاديمي للفنون، قد افتتح ثاني أيام مهرجان "آلة القانون" بحديث عن اهتمامه بالتأطير والتوجيه والتحفيز والتحسيس، وتشجيع الشباب واليافعين للاهتمام بهذه الآلة التي "يبدو أنها بدأت تتراجع بالمقارنة مع تكوينات آلات موسيقية أخرى بالمعاهد الموسيقية". وذكر أفاية أن هذا اللقاء قد سبقته لحظات وورشات مع عازفين مكرسين لتأطير الشباب والطلبة الدارسين بالمعاهد الموسيقية، للإسهام في "مستوى التكوين"، الذي يأتي بعده "مستوى العزف"؛ ل"الإنصات والاستمتاع بلحظات موسيقية"، مع حضور "المستوى الأكاديمي" المهتم بتاريخ آلة القانون وأثرها وأعلامها. وسبق أن قال الأكاديمي محمد نور الدين أفاية، في افتتاح جلسة علمية بالأكاديمية حول "هنري ماتيس والمغرب"، نُظمت منذ أسبوعين، إن اللقاء يتم "في سياق عام، أقل ما يمكن وصفه، أنه سياق صعب، إلى درجة القسوة على الإدراك والوجدان والوعي. ومع ذلك، قررت أكاديمية المملكة المغربية، في إطار التزاماتها المؤسسية والفكرية مع الباحثين، أن ينعقد هذا اللقاء من منطلق الإيمان بأن إرادات الموت مهما كانت شراستها لن تكسر الرغبة في الحياة ونزوعات الإبداع والتعبير عن إنسانية الإنسان".