قال الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، إن السياسة الجنائية لبلادنا تضع قضايا الطفولة ضمن أبرز أولوياتها الإستراتيجية، مضيفا أنها حرصت منذ تأسيسها على إيلاء هذه الفئة أهمية خاصة، من خلال السهر على تفعيل جميع الصلاحيات التي يمنحها لها القانون لتوفير الحماية اللازمة لهم من جميع صور الاستغلال والانتهاكات والإيذاء. وأضاف الداكي، الذي كان يتحدث بمناسبة اللقاء الوطني لتتبع تنزيل مخرجات المناظرة الوطنية حول حماية الأطفال في تماس مع القانون – الواقع والآفاق، أن خلايا التكفل بالنساء والأطفال بالنيابات العامة تعتبر آلية ناجعة لتحقيق هذه الأهداف السامية، إذ يسهر أعضاء النيابات العامة، إلى جانب باقي مكونات هذه الخلايا، على حسن استقبال الوافدين عليها من مختلف فئات الأطفال، والاستماع إليهم في ظروف ملائمة، وتقديم ما يلزمهم من دعم ومساعدة ومرافقة. وفي هذا الإطار أورد المتحدث ذاته أن هذه الخلايا استقبلت سنة 2023 ما مجموعه 35355 طفلا، منهم 26770 طفلا ضحية و1294 طفلا في وضعية صعبة، إلى جانب 7394 طفلا في خلاف مع القانون، تم الاستماع إليهم ومرافقتهم وتوجيههم نحو الخدمات القانونية أو الاجتماعية أو النفسية أو الصحية وغيرها. وأوضح الداكي أن النيابات العامة تعمل كذلك على تفعيل دورها التنسيقي بين مختلف المتدخلين من قطاعات حكومية وغير حكومية ومجتمع مدني، عبر اللجان المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال، بما يضمن تنسيق الخدمات وتكاملها تحقيقا للمصلحة الفضلى لهذه الفئات في المقام الأول. ومن أجل توحيد وتجويد أداء النيابات العامة على المستوى الوطني، يورد الداكي، حرصت رئاسة النيابة العامة على توجيه العديد من الدوريات تحث من خلالها قضاة النيابة العامة على تعزيز الحماية القانونية للأطفال من كل أنواع العنف والاستغلال وإساءة المعاملة والإهمال، وتجنيبهم كل الأوضاع الضارة بهم أو المفضية إلى إهدار كرامتهم، مع الحرص على التطبيق الصارم للقانون في مواجهة كل من يرتكب أفعالا جرمية في حقهم، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب. وأوضح الوكيل العام للملك أن هذه الدوريات لم تقتصر على مجالات الحماية المقررة لفائدة الأطفال فحسب، بل امتدت لتشمل جوانب وقائية هامة يأتي في مقدمتها الحد من زواج القاصر، وذلك بإصدار توجيهات واضحة لأعضاء النيابة العامة قصد العمل على تقديم الملتمسات التي تشدد على الطابع الاستثنائي لزواج القاصر وفقا لمنظور المشرع المغربي، مع الحرص على إنجاز الأبحاث الاجتماعية والخبرات الطبية والنفسية الضرورية لفائدة القاصر مراعاة لمصلحتها الفضلى، ولتجنيبها مخاطر الزواج المبكر وآثاره الوخيمة على حاضرها ومستقبلها. كما استحضر المتحدث ذاته مقتطفا من الرسالة الملكية بمناسبة إطلاق "حملة مدن إفريقية بدون أطفال في وضعية الشارع" يوم 24 نونبر 20 18 جاء فيها: "فيجب ألا تنحصر جهود حماية الأطفال في الحفاظ على سلامتهم الجسدية والمعنوية والنفسية، بل ينبغي أن تقترن أيضاً بتوفير الشروط الكفيلة بالنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولا تستلزم حماية الأطفال تجنيبَهم أسباب الخوف فحسب، بل تقتضي كذلك تخليصهم من براثن الفاقة والحاجة، ومدهم بكل ما من شأنه أن يكفلَ كرامتهم. فهذا التحدي، وإن كان جسيماً بحمولته، هو جدير بأن نخوض غماره من أجل كسب الرهانات المرتبطة به...". وأشار الداكي إلى أن حماية حقوق طفلات وأطفال بلادنا تحظى بعناية خاصة من الأميرة للامريم، رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل ورئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب، من خلال حرصها على دعم المشاريع ذات البعد الاجتماعي والتنموي الهادفة إلى تحسين ظروف عيش الأطفال، وذلك من منطلق إيمانها الراسخ بأن الأطفال يجسدون أمل ومستقبل البلاد. وقال رئيس النيابة العامة إن هذا اللقاء يأتي بعد مرور سنة على انعقاد المناظرة الوطنية التي نظمتها رئاسة النيابة العامة بشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وبدعم من منظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونيسيف)، أيام 19-20-21 يونيو 2023 حول موضوع "حماية الأطفال في تماس مع القانون -الواقع والآفاق"، تحت شعار "من أجل تكفل ناجع ومندمج بالأطفال في تماس مع القانون". وأضاف المتحدث أن فعاليات هذه المناظرة توجت بالتوقيع على اتفاقية ثلاثية الأطراف بين كل من رئاسة النيابة العامة ووزارة الشباب والثقافة والتواصل ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وهي الاتفاقية التي أحدثت إطارا عاما للتعاون والشراكة بين الأطراف، ورتبت التزامات مشتركة في مقدمتها: إعداد بروتوكول حماية يوضح خدمات التكفل بالأطفال في تماس مع القانون؛ وتوفير إيواء متخصص وفعال لمختلف فئات الأطفال، وخاصة الأطفال في وضعية صعبة، وكذا الأطفال ضحايا الجريمة؛ وكذا تشخيص الوضعية الراهنة للأطفال المودعين بمراكز حماية الطفولة التابعة لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، لتيسير وتفعيل عملية التصنيف من قبل الأطراف. وشدد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض على أنه نظرا لأهمية التنسيق بين المتدخلين في مجال حماية الطفولة وضع البروتوكول الترابي تصورا واضحا يحدد آليات التنسيق المعنية ونطاق تدخلها، من خلال مستويين رئيسيين، الأول يعنى بالتنزيل الترابي للسياسات العمومية والتكفل الاجتماعي بالأطفال في وضعية هشاشة، وتشرف عليه اللجان الإقليمية لحماية الطفولة، والثاني يهم التكفل القضائي بالفئات المستهدفة وتشرف على تنسيقه اللجان المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال التي ترأسها النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة. وأورد الداكي أن رئاسة النيابة العامة عملت على إجراء تشخيص لواقع مراكز الإيواء التي تستقبل الأطفال بناء على مقررات قضائية على مستوى مختلف الدوائر القضائية بالمملكة، أفرز وجود تفاوت على مستوى توزيعها الجغرافي، وكذا تغطيتها مختلف فئات الأطفال، وعدم توفر دوائر أخرى على أي من هذه المراكز، وكذا جرد الأطفال في وضعية صعبة المودعين بمراكز حماية الطفولة بغية نقلهم إلى المؤسسات الاجتماعية، والذين بلغ مجموعهم 266 طفلا وطفلة تم تجميع مختلف المعطيات والبيانات اللازمة لتيسير اختيار التدبير الأنسب لهم ونقلهم إلى وسطهم الأسري أو إلى مؤسسات اجتماعية معنية بالتكفل بأوضاعهم الصعبة. كما بادرت رئاسة النيابة العامة إلى التنسيق مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من أجل تشخيص وضعية الأطفال في خلاف مع القانون المودعين بهذه المؤسسات، الذين يزيد عددهم عن 1000 طفل، في أفق الاشتغال على تجنيبهم التدابير السالبة للحرية والاستعاضة عنها بمختلف الخيارات المتاحة قانونا وواقعا من أجل التكفل بهم وفق ما تفرضه المقاربة الإصلاحية والتأهيلية لعدالة الأحداث. وأشار المتحدث إلى أنه في إطار التفاعل الإيجابي مع هذه المبادرة شرعت السلطات القضائية المختصة في تغيير تدبير الإيداع لصالح عدد من هؤلاء الأطفال.