"فرح كبير" تلقّت به الأحزاب اليسارية المغربية، مثل غيرها في أقطار أخرى، تصدر تحالف اليسار، المؤتلف ضمن "الجبهة الشعبية الجديدة"، نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية المبكرة، بعد ظفره ب182 مقعدا في الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس نواب برلمان الجمهورية)، مؤكدين أن فوز اليسار في بلد "له وزن" داخل أوروبا، يثبت أن "اليسار ينبعث بطرافته القديمة نفسها". وبعدما انتصبت "تحليلات متسرّعة" في السنوات الأخيرة تقول إن الهزات التي تعرض لها اليسار في أوروبا "تهدده وجوديّا وتعجل باندثاره" أمام "تنامي الطّلب الشّعبوي" و"انتعاش خطابات اليمين المتطرف إلى حدها الأقصى في القارة العجوز"، أفرغ يساريون مغاربة "هذا التحليل من كل معنى"، خصوصا حين ارتطم بواقع كرس الصوت "الجديد" في الأفق الأوروبي: اليسار. ووفقا للنتائج النهائية للانتخابات التي نشرتها وزارة الداخلية الفرنسية اليوم الاثنين، فإن مشروع اليسار في الصدارة، ويأتي ذلك بعدما فاز حزب العمال البريطاني بأغلبية ساحقة في برلمان إنجلترا، حيث حصل على ما يقرب من ثلثي المقاعد في مجلس العموم، وهو ما يذكر بتمكن الحزب الاشتراكي العمالي، حزب رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، من قيادة "اللعبة السياسية" في البلد الإيبيري. هذه الحمولة الجديدة التي قربت الصوت الاجتماعي والكوني "من أهواء وتطلّعات شعوب أوروبيّة"، حتى لو كان النظام الانتخابي يختلف في بريطانيا، زادت من جرعة الأمل عند الفاعلين في حقل اليسار بالمملكة المغربية، واعتبروا أن "عملية التدجين التي خضع لها هذا التوجه لا بد أن تطلق نقدا ذاتيا حقيقيا يسرع الوحدة والاندماج لخلق مفاجآت جديدة في الممارسة السياسية التي اطمأن جزء منها لكون اليسار صار بلا أيّ أفق سياسي". "حاجة حيوية" علي بوطوالة، نائب الأمين العام لحزب فيدرالية اليسار، قال إن تصدر تحالف اليسار، المنضوي تحت يافطة "الجبهة الشعبية الجديدة"، في الجمهورية الفرنسية، هو "درس بليغ يبين لنا في المغرب وغيره أن الحاجة إلى اليسار لا غبار عليها"، مشددا على أن "هذا التوقيع السياسي يبدو اليوم بديلاً حقيقيّا أمام انتعاش الخطابات الشوفينية والإقصائيّة وتسييس الهجرة، وهو ما نحتاج في المغرب أن نفكر فيه بالصورة نفسها والتنزيل ذاته: الوحدة هي الحل". متحدثا في تصريح لهسبريس، أورد بوطوالة أن "الفضاء الفرنسي مختلف، لكونه بلدا ديمقراطيا عريقا يضمن الشفافية والتدافع السياسي الذي سمح ببروز المشروع الأكثر تمثيلية في الشارع؛ أي مشروع اليسار الوحدوي هناك، إن صحّ هذا التعبير". وزاد: "في المغرب نحتاج الوحدة ولكن نحتاج حماية الديمقراطية وضمان انتخابات حقيقية تسمح بالتعبير الحر عن جميع الأصوات". وتابع القيادي اليساري بأن "هناك مسألة أخرى مهمة، هي أن اليسار له مكانة قديمة في قلب المجتمع المغربي. واليوم أمام غياب سياسة اجتماعية حقيقية، هناك مسؤولية ملقاة، أكثر من أي وقت مضى، على عاتق اليساريين للنهوض بأوضاع المغرب من جديد وإخراج البلاد من الأزمة الكبيرة التي تلف ميادين حيوية كثيرة"، معتبرا أن "الحكومة عاجزة عن إخراج البلاد من الأزمة، وهي الفرصة المناسبة لإعادة مشروع التجميع والتوحيد والتنسيق بين مكونات اليسار". واسترسل قائلا: "لا نحتاج أن نتوحّد وفق خط راديكالي، وإنما نحتاج فقط برنامجا يستجيب لجميع القواعد الحزبية، وهو ما يستدعي نقاشا جديا وعميقا". وخلص بوطوالة إلى أن "الوحدة يمكن أن تقربنا من هذا الدرس الذي جاءنا من فرنسا، لكن شرط أن يتوفر فضاء ديمقراطي قادر على أن يفسح المجال للتنافس، وليس شيئا آخر، والشعوب ستدرك أن اليسار ليس خيارا جديدا وإنما مجرد عودة إلى حكاية كانت لها مصداقية واضحة". "حل مستعجل" جمال العسري، الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، اختار أن يهنّئ "ابن طنج"ة جون لوك ميلونشون على هذه النتيجة التي "لم تكن مفاجئة حتى لو كانت في عمقها مفاجَأة"، موضحا أنها كانت متوقعة أمام استيقاظ وعي الشعوب الغربية بعد ما عرف إعلاميّا ب"طوفان الأقصى". وقال: الحرب على قطاع غزة قلبت نظرة العالم لمجموعة من القضايا". العسري وهو يعرض غبطته لفوز اليسار في الجمهورية الفرنسية، اعتبر أنه "نوع من الربيع بالنسبة لهذا اللون من السياسة الذي يعارض بشكل جذري تصورات اليمين المتطرف". وزاد: "اتضح أن نوعا من الخطابات الشاردة لا تجد تعبيرا في الشارع ولم تكن مرغوبا فيها لا في إسبانيا ولا بريطانيا والآن فرنسا"، وشدد على أن موجة الاستماع إلى اليسار ليست شأنا أوروبيا خالصا. وعضد القيادي اليساري تصريحه لهسبريس بالعودة إلى المغرب الذي اعتبر أنه "يمكن أن تكون هناك هدايا مماثلة مستحقة من الشعب لفائدة توجه سياسي حافظ على خطاباته التي تنتصر للإنسان في وجه حكومة ترعى مصالح رجال الأعمال أكثر من أي شيء آخر"، وقال: "من يعتبر أن اليسار بات متجاوزا لا يقدم في الحقيقة سوى قول متجاوز، لأنه أمام ضعف اليسار ليس هناك من يستطيع الانتصاب ضدّ توحش هذه النيوليبرالية العالمية". وسجل العسري في ختام تصريحه أن "الوحدة حل مستعجل، تنطلق أساسا من الاستماع لصوت الشعب أولاً والإنصات لمطالبه وفتح حوار معه؛ اليسار قادر على أن يضطلع بهذا الدور اليوم لكونه خيارا سياسيا مازال يتصف بالكثير من الراهنية"، خالصا إلى أن "الانضواء تحت يافطة واحدة ووراء مشروع وحودي جامع، سيكون ضربة قاضية لكل من قال بدخول ورقة اليسار مرحلة الموت السريري".