الانتقال الطاقي مفهوم مركب له العديد من الدلالات لكن ليس هناك تعريف متفق عليه. سنة 2015 وقعت أكثر من 190 دولة على اتفاق إطار في قمة باريس للمناخ، يقضي بالتزام هذه الدول بالحد من انبعاثات ثنائي أوكسيد الكاربون وبالتالي الانتقال من الطاقات الأحفورية إلى الطاقات المتجددة لكن دون الجواب عن السؤال الجوهري: كيف؟ وضعت الوكالة الدولية للطاقة "AIE"، مجموعة من السيناريوهات بالعديد من المسميات لكنها لا تتجاوز كونها حبرا على ورق، طالما أن هناك هوة كبيرة بين التنظير والواقع المعاش. قبل الخوض في صياغة المقترحات، لا بد من تقييم على أساسه تبنى هذه المقترحات لكن هذا التقييم يحتاج إلى أسس ومرتكزات. المرجعية حتى يكون التقييم موضوعيا نحتاج في البداية إلى التحرر من المرجعية الفكرية الرأسمالية (الخوصصة من أجل الخوصصة) والمرجعية الفكرية الشيوعية (التأميم من أجل التأميم) وقد وجب البحث عن الحل الثالث. الواقعية حتى يكون التقييم واقعيا لا بد أن يراعي إكراهات الواقع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. التجرد أعتقد أن هذا المفهوم أساسي وجوهري في عملية النقد، فهو الخيط الفاصل بين التقييم التبريري (العام زين) أو (كاينة ظروف) والتقييم السوداوي (كولشي كحل) كما نحتاج إلى التجرد من المسلمات حتى يتسنى لنا تقييمها. في البداية يجب أن نعالج التساؤل المنطقي: هل كان انخراط الدول النامية في اتفاقية باريس للمناخ "Cop21" اختيارا؟ أم كان قدرا؟ (مضطر أخوك لا بطل). ولكي نفهم ازدواجية المعايير لدى الغرب، فإنه عندما يتعلق الأمر بالمصالح نجد مجموعة العشرين "G20" ومجموعة الدول السبع "G7". استنادا لقانون باريطو الذي يقول إنك تستطيع أن تركز على 20٪ من الأسباب حتى تحصل على 80٪ من النتائج. لكن عندما يتعلق الأمر بتحمل المسؤولية والعبء تصبح الدول متساوية لا فرق بين من يلوث كثيرا ومن يلوث قليلا!!! وهنا يحق للسائل أن يتساءل عن قانون باريطو، لماذا لا يتم الاعتماد عليه في معالجة ظاهرة تغير المناخ؟ فالولايات المتحدةالأمريكية وأوروبا والصين مسؤولون عن أكثر من 60٪ من انبعاثات ثنائي أوكسيد الكاربون العالمية. فلماذا لا يتم الاقتصار فقط على هؤلاء الملوثين الكبار؟ نعوذ لسؤالنا هل كان التزام الدول النامية اختيارا؟ أم كان قدرا مقدورا؟ لكي نحاول البحث عن جواب فلنفترض أن الدول النامية رفضت التوقيع على الاتفاق. للأسف الدول النامية هي تابعة للدول المتقدمة في تمويل كل مشاريعها واستثماراتها، فستبقى تابعة لنهجها وقراراتها حتى وإن لم تنخرط في الاتفاق. ولو فرضنا أن إحدى الدول النامية التي لم توقع على الاتفاق أرادت إنشاء محطة لإنتاج الطاقة الكهربائية بالفحم الحجري لن تجد أي مؤسسة دولية تمول مشروعها، وبالتالي فهي ملزمة بالاتفاق حتى وإن لم توقعه!!! ولأن ازدواجية المعايير في اتفاق باريس للمناخ كان فاضحا، وسيرا على نهجها فقد أطلقت الدول المتقدمة وعودها الزائفة بتخصيص 100 مليار دولار سنويا ابتداء من سنة 2020 لدعم الدول النامية في إنجاح انتقالها الطاقي. بعد اتفاق باريس للمناخ وجدت الدول النامية نفسها مكبلة بوهم اسمه الانتقال الطاقي! فلا هي قادرة على مواكبة نمو الطلب على الطاقة من خلال إنشاء محطات الإنتاج التقليدية (الأحفورية) ولا هذا المفهوم الجديد الانتقال الطاقي قادر أن يعطي الدول النامية حلولا ملموسة!. كانت هذه مقدمة لا بد منها قبل تحليل الواقع الطاقي بالمغرب. قبل الخوض في التفاصيل، أعتقد أن الشيء الأكثر إيجابية كون المغرب مازال بعد 9 سنوات من اتفاق باريس للتكبيل الطاقي قادرا على مواكبة ازدياد الطلب على الطاقة الكهربائية. والسؤال إلى متى سيبقى المغرب قادرا على مواكبة هذا الارتفاع!!!. صحيح أن المغرب شأنه شأن الدول النامية، لم تكن له خيارات أخرى غير الانخراط في اتفاق باريس للمناخ. لكن هذا لا يبرر بحال من الأحوال التجربة الفاشلة لنور ورززات، التي كانت بمثابة مختبر دولي للطاقة الشمسية الحرارية "CSP"، والذي تأكد من خلاله فشل هذه التقنية، عكس الطاقة الشمسية الكهروضوئية "PV" التي عرفت نجاحا باهرا في العديد من دول العالم. وجب استخلاص الدروس من تجربة نور ورززات والتحلي بالتؤدة حتى لا يقود نفس الاندفاع نحو الهيدروجين الأخضر إلى تكبيد خزينة الدولة مديونية هي في غنى عنها، ودون أي عائد أو مردودية. والغريب في الأمر أن مثل هذه المشاريع التي تكون فيها نسبة اللايقين مرتفعة، تبدي فيها الدول المتقدمة زهدا رغم تقدمها التكنولوجي، بحجج واهية وكأن الشمس لا تشرق إلا في الدول النامية!! الإشكال الطاقي بالمغرب مركب، لكون المغرب لا يتوفر على موارد طاقية مهمة من نفط أو غاز أو فحم، باستثناء 3 ملايير متر مكعب من الغاز الطبيعي التي تم اكتشافها في تندرارة والتي تشكل ما يعادل احتياجات المغرب من الغاز الطبيعي فقط لمدة 3 سنوات. وبالتالي فالمغرب يعتمد أساسا على الاستيراد في كل حاجياته الطاقية. وجاء إيقاف التكرير في لاسمير ليزيد الطين بلة فقد كانت لا سمير توفر للمغرب مخزون ثلاثة أشهر من حاجاته الطاقية. لم يكن لتحرير سوق المحروقات أي أثر إيجابي على المغرب وكانت تحريرا من أجل التحرير كما أوصت المؤسسات الدولية، دون مراعاة لمصلحة البلاد وأمنها الطاقي. لحسن حظ المغرب أنه سنة 2014 أي قبل سنة من اتفاق باريس للمناخ، تمت المصادقة على مشروع "سافيك" المحطة الحرارية للفحم بآسفي بقدرة 1,3 جيكاوات بشراكة مغربية فرنسية ويابانية. المحطة التي أنشئت سنة 2018 كانت إضافة مهمة للقدرة الإنتاجية للمغرب ومكنته من مواكبة ارتفاع الطلب على الطاقة طول هذه السنوات. كما وجبت الإشارة إلى أن مشاريع الطاقة الريحية كان لها إسهام مهم في إنتاج الطاقة الكهربائية. وجدت الدول النامية المنخرطة في اتفاق باريس للمناخ نفسها تدور في حلقة مفرغة تحت مسمى الانتقال الطاقي. لمواكبة الزيادة في الطلب على الطاقة يجب زيادة القدرة الإنتاجية وهذه زيادة طبعا يجب أن تكون من الطاقات المتجددة فالدول الغربية لا تمول مشاريع إنتاج بالطاقة الأحفورية!! لكن أكبر عيوب الطاقات المتجددة التي أصبحت هي الخيار الوحيد لزيادة " القدرة الإنتاجية أنها غير ثابتة intermittence". فالطاقة الشمسية الكهروضوئية لا تنتج الكهرباء إلا نهارا والطاقة الريحية لا تنتج الكهرباء إلا عند وجود الرياح. وبالتالي فهي في حاجة إلى محطات مرنة سهلة الإقلاع وسهلة التوقف تتيح استقرار الشبكة في ظل الطاقات المتجددة. هذه المحطات المرنة لها أشكال متعددة منها ما يعتبر أحفوريا (محطات الغاز، الطبيعي GNL والعفنات الغازية فيول وديزيل...)، ومنها ما يندرج ضمن الطاقات المتجددة (محطات الضخ STEP والبطاريات لفترات زمنية محدودة). بالنسبة للمغرب أعتقد أنه يجب أن نقف مع مفهوم الانتقال الطاقي وقفة جادة لكي نستفيد من إيجابيات ونتجاوز قيوده وأوهامه وفي الأسطر القادمة سأحاول أن أبسط وجه نظري قصد فتح نقاش حول سبل إنجاح الانتقال الطاقي بالمغرب. الأمن الطاقي الأمن الطاقي مفهوم بالغ الأهمية، لا يجب رهنه بأي مسميات أكانت انتقالا طاقيا أو غيرها. أعتقد أنه يجب إعادة تشغيل "لاسمير" واستثمار مخزونها الاستراتيجي الذي يعزز أمننا الطاقي. من مرتكزات الأمن الطاقي تنويع مصادر الطاقة، لهذا وجب إدخال الطاقة النووية في مزيجنا الطاقي لكونها طاقة موثوقة ولا تسبب إلا القليل من انبعاثات ثنائي أوكسيد الكاربون وبالأخص "SMR" أقل من 300 ميغاوات والتي تتسم ببعض المرونة. أقترح فتح المجال للشركات الصينية للاستثمار في محطة حرارية بالفحم بقدرة 1 جيغاوات، مع تحمل العبء في تقلبات سوق الفحم. كل هذه الخطوات الغاية منها زيادة هامش الاحتياط في القدرة الإنتاجية، وبالتالي تعزيز الأمن الطاقي. الشبكة المرنة الزيادة في القدرة الإنتاجية من شأنها أن تسمح لمحطات الغاز الطبيعي "GNL"، والتي تبلغ قدرتها أكثر من 800 ميغاوات بأن تقوم بالدور الذي تمتاز به وهو أن تمنح الشبكة مرونة تسمح بإدخال الطاقة الشمسية الكهروضوئية إلى الشبكة نهارا، ونموذج كاليفورنيا التي تصل نهارا إلى 100٪ من الإنتاج بطاقات المتجددة وللطاقة الشمسية الكهروضوئية النصيب الأوفر منها وبتكلفة جد منخفضة. أقترح أن تكون شبكة الإنتاج على ثلاثة مستويات: – المحطات الرئيسية: وهي المحطات الحرارية للفحم والتي من شأنها أن تشتغل بشكل دائم ومستمر على أن يتم تكميلها واستبدالها بالمحطات النووية بشكل تدريجي. – المستوى الثاني: الطاقات المتجددة وبالأخص الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الريحية وتكون لها الأسبقية للشبكة طالما أنها قادرة على إنتاج الكهرباء. – المستوى الثالث: محطات الإنتاج المرنة التي تمنح الشبكة مرونة وتكون محطات احتياطية وتتكون من: – المحطات الحرارية للغاز الطبيعي. – محطات الضخ "STEP" – محطات العنفات الغازية التي تعتمد على الفيول. – المحطات النووية الصغيرة "SMR". استقرار الشبكة هو مسألة حيوية وهي مسؤولية مشتركة بين جميع المنتجين، وطالما أن محطات الإنتاج المرنة هي محطات إنتاج احتياطية، فإن أرباحها ستكون منخفضة. وبالتالي وجب فرض إتاوة مرونة الشبكة على المنتجين الرئيسين سواء من الطاقات الأحفورية أو الطاقات المتجددة، تستفيد منها المحطات المرنة الاحتياطية. أعتقد أن الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في إنتاج الطاقة الكهربائية مهمة شرط أن يكونوا شركاء في الربح والخسارة وألا يتم تأميم الخسائر وخوصصة الأرباح. المكتب الوطني للكهرباء فاعل أساسي في قطاع الكهرباء وهو إرث وطني يجب المحافظة عليه وهو صمام الأمان للأمن الطاقي الوطني. لا بد من الإشارة إلى أنه لم يسعفني تشعب الموضوع في أن أتناول مفهوما لا يقل أهمية وهو النجاعة الطاقية. وفي الأخير أنا لا أدعي إحاطة شاملة بهذا الموضوع، لكن هذا مجرد إسهام في فتح نقاش جاد خارج الصندوق حول الانتقال الطاقي بالمغرب.