بعد تداول خبر إمكانية زيارة الرئيس الأمريكي للمغرب زيارة رسمية، ربط العديد من المنابر ذلك بموضوع الصحراء المغربية، والأمر على العكس من ذلك فموضوع الصحراء المغربية هو موضوع محسوم ولا يستدعي قدوم الرئيس الأمريكي من أجله. فالمعلومة التي قد لا يعلمها العديد هي أن الرئيس الأمريكي عندما يغادر أمريكا باتجاه دولة معينة فإن الصفة البارزة التي يمثل بها أمريكا هي صفة الممثل التجاري للولايات المتحدةالأمريكية، ويكون غالبا الهدف من الزيارة هي جلب منافع مالية واقتصادية لبلده والدفاع أيضا عن مصالح الشركات الأمريكية ببلد الزيارة وأهم شيء الدفاع على الملكية الفكرية الأمريكية. وعلى هذا الأساس فإن الزيارة المحتملة للرئيس الأمريكي للمغرب تتعلق أساسا بحماية المصالح الاقتصادية والمالية وحقوق الملكية الفكرية للولايات المتحدةالأمريكية وبالضبط شركاتها، وهذا الأمر يمكن استنباطه بجلاء وبشكل واضح من خلال "التقرير الأمريكي للتقدير الوطني للتجارة لعامي 2024 و2025 بشأن الحواجز التجارية الأجنبية" والصادر عن رئيس الولاياتالمتحدة في إطار برنامج اتفاقيات التجارة. حيث كشفت هذه التقارير الأخيرة مجموعة من الاختلالات التي تستوجب على الولاياتالمتحدةالأمريكية إعادة مراجعة اتفاقية التبادل الحر بينها وبين المغرب والتي دخلت حيز التنفيذ في 1 يناير 2006، وأيضا أبرزت المشاكل التي لا زال يعاني منها موضوع حماية الملكية الفكرية بالمغرب، وأيضا أبرزت المشاكل التي تعاني منها الشركات الأمريكية التي تريد الاستثمار في المغرب. إذ جاء في هذه التقارير مجموعة من النقط المثارة التي ستدفع الرئيس الأمريكي للقدوم للمغرب وتتعلق أساسا بما يلي: أولا: الحواجز التقنية أمام التجارة في عام 2023، اعتمد المغرب المرسوم رقم 2.10.421 المؤرخ في 5 رمضان 1445، والذي ينص على أنه، ابتداءً من يناير 2024، لن يسمح بتسجيل المركبات التي لا تستوفي معيار الانبعاثات الأوروبي Euro 6b في البلاد. وقد منحت المركبات الثقيلة مهلة إضافية قدرها 24 شهرا للامتثال. وبصفة عامة، لا يسمح المغرب إلا باستيراد السيارات التي تستوفي معايير اتفاقية 1958 الصادرة عن اللجنة الاقتصادية لأوروبا التابعة للأمم المتحدة (UNECE)، مما يمنع فعليا دخول العديد من السيارات المصنعة في الولاياتالمتحدة إلى السوق المغربية. ورغم أن الحكومة المغربية قد سمحت رسميا، منذ عام 2016، باستيراد السيارات التي تستوفي معايير السلامة الفيدرالية للمركبات الأمريكية (بموجب المرسوم رقم 2-15-89 الصادر في 3 رمضان 1437)، إلا أن الشركات الأمريكية ما زالت تبلغ عن أن الجمارك المغربية لم تعتمد بعد إجراء لتسوية هذه العملية. ثانيا: حماية الملكية الفكرية ما تزال الحماية غير الكافية للملكية الفكرية وإنفاذها في المغرب أي تطبيق القوانين المتعلقة بها على أرض الواقع مصدر قلق للولايات المتحدةالأمريكية، ورغم اعتراف أمريكا بجهود المغرب في مكافحة القرصنة والاتجار بالسلع المقلدة، فإن المغرب يواجه تحديات في ما يتعلق بالقرصنة الرقمية والالكترونية، كما لا يزال يشكل سوقا نشطا للمنتجات المقلدة، أي أن المنتجات الأمريكية المادية والرقمية لازالت تتعرض للقرصنة، ونتحدث هنا عن الأفلام والمسلسلات والموسيقى والتطبيقات وألعاب الفيديو، والبرمجيات مثل أنظمة تشغيل الويندوز وبرامج ميكروسوفت أوفيس، وبرامج التصميم شركة أدوبي، وبرامج خاصة بالمحاسبة والهندسة والتعليم. وأيضا العلامات التجارية التي تتعرض للتقليد مثل نايك وأبل ولوفيس. وهو ما يفوت على الاقتصاد الأمريكي ملايين الدولارات. وأيضا؛ تواصل الولاياتالمتحدة والمغرب العمل على القضايا المتعلقة بسياسة المغرب بشأن المؤشرات الجغرافية (GIs). لا تزال الولاياتالمتحدة قلقة من أن الاتحاد الأوروبي (EU) يواصل التفاوض مع المغرب ودول أخرى لفرض شروط تتطلب من هذه الدول اعتماد حماية مفرطة للمؤشرات الجغرافية الأوروبية كشرط للدخول إلى سوق الاتحاد الأوروبي. وتواصل الولاياتالمتحدة التأكيد للمغرب على أهمية تقييم كل مؤشر جغرافي بشكل مستقل استناداً إلى مزاياه الخاصة، مع الالتزام بضمانات إجرائية كافية. ثالثا: القيود على قطاع الخدمات رغم أن لوائح التأمين في المغرب لا تظهر تمييزا رسميا على أساس المنشأ الوطني، إلا أن مزودي خدمات التأمين الأمريكيين أفادوا بأن الهيئة التنظيمية المغربية (التي تتبع وزارة الاقتصاد والمالية) تطبق عمليا عملية ترخيص تعيق دخول شركات التأمين الأمريكية وتمنعها من تقديم منتجات تنافس شركات التأمين المغربية. رابعا: حواجز أخرى أشارت شركات أمريكية إلى وجود اختلالات في بعض الإجراءات الحكومية، من بينها غياب معلومات واضحة وسهلة الوصول حول القوانين والشهادات الجديدة المتعلقة بالاستيراد، وقد اعتبرت هذه من أكبر العقبات أمام الاستثمار في المغرب. وتحديدا، اشتكت الشركات الأمريكية من صعوبات في الحصول على التراخيص، والموافقات المتعلقة باستعمال الأراضي، وتصاريح أخرى من جهات حكومية. كما أشار البعض إلى أن الإجراءات الصارمة والبيروقراطية المفرطة تؤدي إلى فترات انتظار طويلة للحصول على القرارات والموافقات، خاصة عند التعامل مع مؤسسات القطاع العام. وتظل إجراءات تسجيل الملكية العقارية في المغرب عائقا أمام مزاولة الأعمال أيضا. ومن أجل الحد من استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي، تسمح السلطات المغربية للشركات المحلية بدفع ما لا يتجاوز 30% من قيمة الشحنة مسبقا قبل استيرادها. وغالبا ما تشكل هذه القيود على المشترين مشكلة كبيرة للمصدرين الأمريكيين الذين يشترطون الدفع المسبق بنسبة 100%. ويلجأ بعضهم إلى استخدام خطابات الاعتماد كحل بديل، إلا أن هذه الخطابات مكلفة، ويبلغ كثير من المصدرين الأمريكيين عن تأخيرات كبيرة في عمليات الدفع. ورغم أن مسؤولين مغاربة أشاروا سنة 2019 إلى أن نسبة ال30% سيتم إلغاؤها تدريجيا وفق جدول زمني غير محدد، إلا أنها ظلت سارية حتى 31 ديسمبر 2023. وتواصل الولاياتالمتحدة الضغط من أجل إلغاء هذا القيد. إذن؛ إذا كانت هذه هي الأسباب الحقيقية التي ستدفع بالرئيس الأمريكي لزيارة المغرب، فهل سنكون أمام تغييرات تشريعية كبيرة مرتبطة بمجالات الملكية الفكرية والمدنية والعقارية والاقتصادية في السنوات المقبلة نتيجة للضغط الأمريكي الذي يهدف لتجاوز هذه المعيقات وحماية مصالح أمريكا والشركات الأمريكية بشكل كبير في المغرب؟