قال مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، إن معركة وادي المخازن التي دارت رحاها في جماعة السواكن بإقليم العرائش أضحت "معلمة بارزة في مسلسل الجهاد من أجل الحرية والانعتاق وإعلاء راية الإسلام". وأضاف الكثيري، في كلمة ألقاها اليوم الإثنين بمناسبة تخليد الذكرى 447 لمعركة وادي المخازن، بقرية السواكن ضواحي مدينة القصر الكبير، أن "المغرب سطر من خلالها صفحة من أروع صفحاته في سبيل نصرة الدين وعزة الأمة وكرامة الوطن". واعتبر المندوب السامي أن "الانتصار في معركة وادي المخازن كان ممهدا بالانخراط والتجند لمختلف قوى الدولة، القبلية منها والدينية والروحية والحربية، بقيادة العلماء والفقهاء وشيوخ الزوايا، في التصدي للأطماع الأجنبية، منذ احتلال مدينة سبتة عام 1415م؛ إذ لم يتوان الجيش المغربي في التصدي للغزو الإيبيري بالسواحل الأطلسية والمتوسطية، وكانت هذه التحركات وراء قيام أركان دولة جديدة مطلع العصر الحديث بالمغرب، وهي الدولة السعدية، انطلاقا من جنوب المغرب من منطقة سوس الأقصى". ورغم صعوبة الظروف الدولية وقوة الإمبراطوريات الأوروبية آنذاك أكد الكثيري أن معركة وادي المخازن جسدت بحق قيما حضارية مثلى تجلت بالأساس في "التلاحم القوي بين مؤسسة إمارة المؤمنين، في ذلك الوقت، وبين الرعية، للدفاع عن حمى الوطن وحياضه، كما عكست قدرة رجالات الدولة والدين والشعب المغربي على الانخراط والتلاحم والالتقائية حين يتعلق الأمر بالجهاد في سبيل الله والدفاع عن حمى الوطن وحياضه وحوزة ترابه". وأشار المندوب السامي في كلمة مطولة إلى أن في يوم الإثنين 4 غشت من سنة 1578م دارت معركة "حامية الوطيس بوادي المخازن، على ثرى هذه الربوع المجاهدة من تراب جماعة السواكن، بعد أن حطم المغاربة جسر النهر لمنع تراجع القوات الغازية نحو ميناء العرائش، ومني البرتغاليون ومن معهم من الجيوش الصليبية بخسائر جسيمة كانت نتيجتها سقوط الملك البرتغالي صريعا إلى جانب الملك المخلوع محمد المتوكل". وتابع المتحدث ذاته: "كما توفي السلطان المولى عبد الملك السعدي في المعركة بسبب مرض ألم به نُسب إلى تسمم تعرَّض له من الأعداء"، مبرزا أن "خَلَفُهُ السلطان المولى أحمد المنصور الذهبي أخفى نبأ وفاته مواصلا المعركة التي اصطلح على تسميتها بمعركة الملوك الثلاثة، وأكسبت المغرب مجداً ورفعة وسؤدداً، وتحقق فيها النَّصر المبين الذي وعد الله به عباده الصابرين المؤمنين بقوة العزيمة والثبات ورباطة الجأش، والتشبث بالأرض والكيان والجذور والمقومات والهوية والاستماتة في الدفاع عنها". كما اعتبر الكثيري أن النصر المسجل "زاد من هيبة المغرب ومكانته في إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وظل باعث عز وشرف له كدار للإسلام والسلام والأمن، يحتمي به المسلمون كافة ويحظى بتقدير سائر أقطار المعمور"، وزاد: "ولعل أبلغ شهادة على الهزيمة المذلة للبرتغاليين ما جاء على لسان المؤرخ البرتغالي 'لويس ماريه' 'Louis Marie' حيث قال: 'هو العصر النحس الذي انتهت فيه مدة الصولة والظفر والنجاح، وانتهت فيه أيام العناية من البرتغال، وانطفأ مصباحهم بين الأجناس، وزال رونقهم، وذهبت نخوتهم وقوتهم، وخلفها الفشل الذريع، وانقطع الرجاء، واضمحل الغنى والربح، وهو ذلك العصر الذي هلك فيه 'سبستيان' في القصر الكبير في بلاد المغرب'". وسجل المتحدث ذاته أن نشوة الانتصار "لم تمنع المغاربة من التمييز بين 'سيباستيان' المحارب و'سيباستيان' الإنسان، فأولوا جثمانه واجب التوقير والاحترام الذي تفرضه التعاليم الإسلامية وتمليه القيم الإنسانية والكونية، ولعل في الاحتفاظ به وتسليمه بعد ذلك دليل ساطع وبرهان قاطع على روح السلام والوئام وأصول الأخلاق المغربية التي انبعثت من قلب المواجهة العسكرية، وعلى زهرة التسامح التي أينعت في خضم القتال". كما أبرز الكثيري أن "لمعركة وادي المخازن أبعاد دولية، جعلت من المغرب دولة عظمى مهابة الجانب، يطلب وِدُّها من كل دول العالم"، معتبرا أن "حجم السفارات الوافدة على بلاط السلطان المولى أحمد المنصور الذهبي دليل ساطع على ذلك"، ومشددا على أن "صدى المعركة استمر إلى زمننا المعاصر، إذ ألهمت المعركة تنظيمات وحركات التحرير الإفريقية بالدول التي كانت ترزح تحت نير الاحتلال البرتغالي، التي تأكد لها أن هذا المستعمر يمكن أن يهزم كما هزم منذ قرون خلت في المغرب". من جهته قال محمد الزقل، رئيس جماعة السواكن، إن معركة وادي المخازن غيرت مجرى تاريخ وأحداث القرن السادس عشر وطنيا ومتوسطيا ودوليا، معتبرا أنها شكلت منعطفا تاريخيا حاسما في وجه المخططات الاستعمارية الإيبيرية التي كانت تستهدف إفريقيا لولا هذا الانتصار. وأكد الزقل في كلمة بالمناسبة أن المجد الذي حققه المغاربة تأتى بفعل تلاحم وثيق بين العرش والشعب، مشددا على أن الشعب المغربي ظل وفيا للارتباط الذي أمن له استقراره ووحدته الترابية. وفي سعيها إلى ترسيخ وإشاعة ثقافة الاعتراف والوفاء كرمت المندوبية الساميّة لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير 5 من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، من صفوة أبناء هذه الربوع المجاهدة الذين غادروا دنيا الناس؛ وهم علي أكمار، وأحمد الرحموني، وعمر عزوزي، والعلمي الحداد، بالإضافة إلى عبد السلام هلالي. كما خصصت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إعانات مالية لعدد من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وأرامل المتوفين منهم بهذه المناسبة الغالية، والبالغ عددهم 29 أسرة، كإسعاف اجتماعي بغلاف مالي إجمالي قدره 58 ألف درهم، بواقع 2000 درهم للأسرة.