المنظومة التعليمية، في كل العالم، لها دور استراتيجي في بناء الشخصية وتحديد المشترك، هوية وغايات، بل هي مصدر كل الثروات، التي بها تتأهل الأمم لخوض رهانات التنمية والتقدم، المعرفي والعلمي والتقني، بذلك فهي توجد في الاختيارات الاستراتيجية لكل الدول والحضارات، بما تحققه من إنجازات وما تحققه من إمكانات على مستوى بناء الأفراد والجماعات وخلق الثروات المادية والرمزية، التي تحتاجها الأمم جميعا. 1_إصلاح المنظومة منذ 1958، تأسست اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم، حيث حاولت نخبة ما بعد الاستقلال بناء رهاناتها الوطنية، بتعميم التعليم وفرض القبول به في شكله الحديث، مع الحفاظ على الأشكال التقليدية، المرتبطة ببعدها العتيق والأصيل والذي كان فعالا في مرحلة الاستعمار الفرنسي، وصولا إلى الميثاق الوطني للتربية والتعليم، كحصيلة لاتفاق القوى الفاعلة على إجراءاته منذ 1999، والذي توقف 2009، بمحاولة تدارك قصوره بما عرف بالمخطط الاستعجالي، الذي توقف هو الآخر سنة 2012، مستبدلا بالرؤية الاستراتيجية 2015_2030. ورغم المجهودات لا تزال المنظومة التعليمية تعاني من تعثرات، أسبابها يمكن إجمالها فيما يلي: منطق التوافقات يؤدي حتما إلى توفيق غامض بين مكونات اجتماعية ثنائية التقاطب، كالعتيق والحديث، الخصوصية والكونية، مما يدفع بالدولة لاقتراح ما يرضي الكل، مع التركيز على أهمية الإصلاح واعتباره القضية الوطنية الثانية بعد الوحدة الوطنية. غياب أطروحة تربوية مغربية حاسمة في الاختيارات المعرفية والعلمية، سواء كانت باللغة الأجنبية أو اللغة العربية، فكلما انطلقت قافلة الإصلاح توقفت في منتصف الطريق، محاولة الإقلاع من جديد بوتيرة مختلفة أو محاولة تأويل المتفق حوله، بما يرضي طموحات القوى السياسية المتنافسة أو إرضاء المجتمع المدني والقوى الشعبوية التي تحاول الركوب على الاستياء العام من المنظومة التعليمية المغربية. المآلات التي يؤدي إليها التعليم، كلما تم التفكير فيها، ظهرت الأزمة، فالمتعلم والأسرة المغربية، لا تزال تعتبر التعليم مدخلا أساسيا للشغل والترقية الاجتماعية حتى لو تراجع التحصيل، وهذا المنطق البراغماتي، يحتاج لفاعلين اقتصاديين آخرين، يحققون التنمية الاقتصادية المنشطة للشغل والمستجيبة لحاجيات الخريجين. هذا الوضع شجع القطاع الخاص، بل استفاد منه، فكيف حدث ذلك، وهل يمكن اعتبار القطاع الخاص ناجحا رغم تعثر المنظومة التربوية في القطاع العمومي؟ 2_التعليم الخصوصي ورهان الجودة يمثل القطاع الخاص 20 في المائة من التلاميذ، ويشتغل بناء على اختيارات مسبقة لتلامذته، حفاظا على التميز والتنافسية، التي دفعت بالمؤسسات إلى تنويع منتوجها التربوي، باجتهادات تتجاوز أحيانا حتى المذكرات المركزية والأكاديمية والإقليمية، كأن تجد اقتصار بعضها على تخصصات بعينها، واشتراط نقط عالية للتسجيل بها، كما أن الحصص المقررة في عدد الساعات تضاعفها دعما وتشجيعا للآباء، بما يضمن لأبنائهم الحصول على نقاط عالية في الامتحانات الإشهادية الثانوية والإعدادية، بحيث استفادت مثلا من مسألة الجامعات ذات الاستقطاب المحدود، التي صارت مؤرقة لآباء وأمهات التلاميذ. فكيف تحقق البرامج نفسها تميزا مدرسيا في المؤسسات الخصوصية، ولا تحققه في العمومية؟ طبعا هناك أسباب يمكن إجمالها فيما يلي: أ_ رغم صغر بعض أقسامها، فعدد التلاميذ محدود، وهم كما سبق منتقون، وأسرهم تتابع تمدرسهم باستمرار، وقد بدأت تشكو من كثرة التمارين واتصالات المديرين والمسؤولين التربويين المشرفين على تعلم أبنائهم. ب_ المدرسون بها عليهم العمل أكثر، سواء كانوا من المتعاقدين سنويا أو المتقاعدين، أو حتى من لا يزالون يمارسون التدريس بالمؤسسات العمومية، ففي كل سنة دراسية، يتم تجديد الطاقم بناء على معدلات التلاميذ المحصل عليها والعلاقات التربوية الناجحة التي يفرضها المدرس على تلامذته. ج_ تصنيف المواد المدرسة حسب أهميتها، معاملها ومدى تأثيرها على فرص النجاح، لكي تضاعف ساعاتها، في آخر السنة تلغى وتؤجل المواد التي لا يمتحن فيها التلاميذ. هنا يحدث التفاوت وتقع الهجرة سنويا من القطاع العمومي إلى الخصوصي، كما أن هناك اعتبارات أخرى سوسيوثقافية، فالخصوصي يعتبر قياسا اعتباريا للانتماء الاجتماعي، والأسر المغاربية تزايد رمزيا واجتماعيا على بعضها، بنوعية المؤسسات التي تدرس بها أبناءها، من حيث المواقع والإمكانات التي تبرز بناية وأساتذة وخرجات ترفيهية وأحيانا حتى بالكتب المستوردة والأجنبية.