رحل عن دنيا الناس أحمد الزفزافي؛ أشهر أب في المغرب الحديث، استمات – حقيقة ومجازًا – في الدفاع عن ابنه ناصر. رحل بغصة من يعتبر ابنه بريئًا، يقبع بسجن كان يجب ألا يتواجد به؛ لأنه، ورفقته من الشباب، لم يمارسوا غير حقوقهم في المطالبة بما لا يضيق عنه صدر الوطن. ومهما يكن الأمر بخصوص التفاصيل، لا يسعني هنا إلا أن أشيد به إنسانًا اجتمعت فيه كل خصال الأبوة المناضلة. ولا تلوموا أبا يدافع عن فلذة كبده، بكل شجاعة وإقدام؛ مهما قال ومهما فعل، في الداخل كما في الخارج. ربما وُجد من يركب على هذه الأبوة الفطرية، ليحولها إلى قضية سياسية، لها اشتغالات أخرى.. لهؤلاء أقول: عند ربكم تختصمون. رحل أحمد الزفزافي، وحتى ما كان ممكنًا من الاعتذار له من هؤلاء الراكبين، لم يعد كذلك. كل رجائي أن يعاد النظر في الملفات القضائية لحراك الريف، في اتجاه الرحمة والتخفيف؛ ولم لا الطي النهائي لصفحة يستغلها خصوم الوطن كبئر من آبار النفط.. إن السياسة كالفلاحة، لها مواسم؛ كلمة للمرحوم الحسن الثاني، ما أحوجنا اليوم لاستثمارها. المناسبة، وإن كانت مؤلمة وجنائزية، أظهرت الوطن أشد قوة ووحدة وتماسكًا. ما كان يضير ناصر الزفزافي وهو يعتلي المنبر الحراكي القديم، أن يركب على موجة المراهقة السياسية، التي جعلت بعض الشباب يردد شعارات تخدش حزن وهيبة اللحظة والمكان؛ حيث ووري الثرى أب أحب ابنه كما أحب الوطن. ناصر، وقد نضج فكرًا، واشتعل رأسه شيبًا؛ صدح بقاموس يجل الوطن الواحد. لقد أغلق الباب بقوة في وجه من ركب على نضال أحمد الزفزافي الأب المكلوم ليمضي به إلى وجهة كلها مجاهيل. وصفع كل من يركب اليوم قوافل الشتات، ويهيم على وجهه مستعديًا على وطنه. على الدولة أن تشتغل اليوم على هذا الموسم.. موسم الهجرة صوب الوطن الغفور الرحيم، كما عبر الملك إياه. وكما سار على نهجه من ربع ثلاثي: الله، الوطن، الملك؛ بالرحمة، جلالة الملك محمد السادس نصره الله.