دورة جديدةٌ قدّمت جوائزها، الخميس، بالرباط، تحتفي بالباحثين في تراث العلَم الفكري المغربي الراحل عبد الله كنون، بعد دورة سابقة كرّمت الباحثين في تراث العلَم الفكري محمد المختار السوسي. وتوجّت هذه الدورة الثانية من الجائزة، التي نظّمتها مؤسسة الفقيه التطواني بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل والتي تروم تكريم الباحثين في تراث أعلام المغرب، الباحث أحمد عطوف؛ لاهتمامه بمؤلفات عبد الله كنون وتجميعه لتراث العلّامة. وقال عطوف، بعد تسلّمه درع التكريم في الحفل الذي استقبلته قاعة باحنيني بالعاصمة الرباط، إن هذه "التفاتة نبيلة، وتكريم يجسد مفهوم الوفاء لرجل من رجالات هذا البلد العزيز، وجهوده للنهوض بالحركة الثقافية والإصلاحية، وإثراء الخزانة العربية والإسلامية". وأردف ابن مدينة طنجة، الذي أخرج إلى النور إلى حد الآن كلا من كتاب "مناهل الفنون.. مجموع مقالات العلامة عبد الله كنون بمجلة المناهل" وكتاب "جمهرة مقالات العلامة عبد الله كنون.. تسعون مقالة حول فلسطين والمسجد الأقصى" وكتاب "مع القصص.. قصص قصيرة منتقاة من مجموعات كنون الأدبية"، أن هذه المبادرة التي تقوم بها مؤسسة الفقيه التطواني "تكريم للمحتفى به العلامة الجليل والمصلح الكبير، وهو تكريم لأبنائه الروحيين الذين أسهموا ويسهمون في تقديم تراثه لهذا الجيل والأجيال المقبلة". كما توجّت الجائزة الباحث فؤاد الكميري، معدّ أطروحة دكتوراه بعنوان "أصول ومبادئ النقد عند عبد الله كنون"، الذي اعتبر في كلمة استقباله الجائزة أنها "تكليف لا تشريف، وأمانة ومسؤولية للاستمرار في البحث العلمي والكتابة والنشر، الموجه للقارئ المتخصص أو الذي يروم توسيع مداركه في البحث والأدب، والتفاتة مشجعة للبحث العلمي". وقال المتوج عينه إن عبد الله كنون قد "خاض في مواضيع وقضايا أدبية ونقدية عديدة، وهو أول من عرف بالأدب المغربي والمكانة التي يستحقها ضمن الأدب العربي عبر كتابه 'النبوغ المغربي في الأدب العربي"، حيث برهن على نبوغ المغاربة في هذا المجال، وإسهامهم في بناء الصرح الأدبي العربي، في وقت كان يعيش فيه الأدب المغربي الحديث ملامح مخاض، غيرت الشكل والمضمون (...) وواكبها نقاش فكري ونقدي سعى للتوجيه والتصحيح، وتضاربت الآراء وتعددت المواقف، وكان لكنون نصيب من هذا الحراك". وفي كلمة المنظّمين، قال أبو بكر الفقيه التطواني، رئيس مؤسسة الفقيه التطواني، إن الجائزة تخصّص لتكريم الباحثين في "جهود من أوقفوا حياتهم على الفكر والمعرفة"، مبرزا أن هذه "دورة جديدة تربطنا باسم وما يحمله من معان ومسؤولية"؛ لأن "المغرب، عبر تاريخه، كان وفيا لعلمائه ومفكريه"، مع استحضاره العناية الملكية ب"العلم والتراث، الشاهدة على أن المعرفة ليست ترفا بل هي أساس البناء الوطني". وأثنى رئيس مؤسسة الفقيه التطواني على جهود مؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي، التي صارت "بيتا للذاكرة المغربية والفكر الحي"، مع توقيعه اتفاقية بين المؤسستين "هي تأسيس لعمل مشترك؛ يخدم التراث باعتباره لا أرشيفا جامدا بل أفق مفتوح على أسئلة الحاضر وتحديات المستقبل". وأكّد المتدخل أن الاحتفاء بالعلامة عبد الله كنون "ليس احتفاء عابرا؛ فهناك أسماء مع مرور الزمن تتحول عتبات ندخل بها إلى ذاتنا، ومرايا لصورتنا الأعمق، ومنها اسم هذا العلامة كأفق مفتوح، لا ذاكرة ماضية فحسب (...) وفي مثل هذا اللقاء عودة لنسائل مثل هذه الأسماء، وماذا تقول لنا اليوم، وماذا نضيف لمن أوقفوا حياتهم على الفكر والمعرفة". ووضح التطواني أن الاحتفاء بالباحثين في هذا التراث يأتي لكونهم "محررين للنصوص من الجمود، رابطين جسرا بين ذاكرة الأمة وأسئلتها اليوم"؛ لأن "الأفكار البانية تبقى، وتوريثها للأجيال تحميل للمسؤولية". يذكر أن جلسة تقديم الجوائز قد شهدت تكريمات لأعضاء لجنة التحكيم من مؤسستي عبد الله كنون والفقيه التطواني؛ فقد جرى تكريم كل من محمد كنون الحسني، رئيس مؤسسة عبد الله كنون، وعبد اللطيف شهبون، والمختار التمسماني (بالنيابة)، ومحمد بوشنتوف، وأبو بكر بلعربي، ولطيفة باقا، وعبد اللطيف بنيحيى.