في قلب مدينة بن جرير، وتحديداً في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P)، يلتقي هذا العام نخبة من القادة والخبراء وصناع القرار في مجال صناعة الأسمدة، ضمن فعاليات المؤتمر والمعرض الفني السنوي السابع والثلاثين لإنتاج الأسمدة، الذي ينظمه الاتحاد العربي للأسمدة بشراكة مع مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، تحت شعار "التقنيات الناشئة في صناعة الأسمدة: التوازن بين الإنتاجية والمسؤولية البيئية". ويأتي تنظيم هذا الحدث، الذي يجمع أكثر من 600 مشارك من حوالي 50 بلداً من مختلف قارات العالم، في وقت تواجه العديد من الدول، بما فيها الدول العربية، ضغوطاً متزايدة لتحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها في ظل النمو الديمغرافي السريع وتراجع الموارد الطبيعية، وهو ما يبرز الحاجة الملحة إلى حلول مبتكرة توازن بين رفع الإنتاجية الزراعية لاحتواء هذه الضغوط الموضوعية وبين الحفاظ على التوازن البيئي، الذي يفرض نفسه كضلع أساسي في معادلة مستقبل الأمن الغذائي الإقليمي والعالمي. تحد مزدوج في كلمته الافتتاحية لهذا المؤتمر أكد هشام الهبطي، رئيس جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ببن جرير، أن "قطاع الأسمدة، الذي يساهم في تغذية أكثر من نصف سكان العالم من خلال دعمه نحو 50 في المائة من الإنتاج الغذائي العالمي، يواجه تحدياً مزدوجاً يتمثل في إطعام سكان يتزايد عددهم بسرعة، مع تقليل البصمة البيئية للإنتاج الزراعي، وخاصة عبر خفض انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن استخدام الأسمدة النيتروجينية". وأشار الهبطي إلى أن "الابتكار لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة"، وزاد: "نحن في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية على يقين بأن مواجهة التحديات العالمية تمر عبر العلم والتعاون والتحلي بالجرأة"، مضيفاً: "بالتعاون مع مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، الفاعل العالمي في حلول تغذية النباتات وصناعة الأسمدة، والملتزم بتحقيق الحياد الكربوني في أفق 2040، نعمل على تطوير جيل جديد من الأسمدة أكثر ذكاءً وكفاءة في استهلاك الموارد وأكثر احتراماً للتربة والمياه". وشدد المتحدث ذاته على أن "القارة الإفريقية تتوفر على 60 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة غير المستغلة على المستوى العالمي، إضافة إلى طاقة شبابية استثنائية، إذ إن أكثر من 60 في المائة من الأفارقة تقل أعمارهم عن 25 ربيعاً، وبالتالي فإن تأهيل هذه الأجيال وتزويدها بالأدوات اللازمة لتصبح فاعلة في مسارات التحول الزراعي والصناعي يظل في صميم رسالتنا بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية"، مبرزاً أن "موضوع هذا المؤتمر هو الدعوة إلى الاستكشاف أكثر، ولكن مع احترام كوكبنا، لأنه نعم يجب تطوير تقنيات جديدة، لكن مع وضع الإنسان وبيئته في صميم هذه الجهود". ركيزة اقتصادية من جهته أوضح المهندس يوسف الباري، الرئيس التنفيذي لشركة "OCP Nutricrops"، في كلمة له، أن "صناعة الأسمدة العربية تحتل مكانة متميزة على الساحة العالمية لما تزخر به المنطقة من موارد طبيعية وفيرة، كالفوسفاط والغاز الطبيعي والبوتاس، التي تعد الركائز الأساسية لهذه الصناعة"، مبرزاً أن "الدول العربية أدركت في وقت مبكر الأهمية الإستراتيجية لهذا القطاع باعتباره ركيزة اقتصادية ودعامة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة". وأضاف الباري في كلمته أن "مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تعد من أبرز الفاعلين في قيادة التحول نحو الزراعة المستدامة؛ فيما تمثل الزراعة حجر الأساس للأمن الغذائي العالمي، كما أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تحولاً شاملاً وعادلاً يقوم على التعاون الواسع بين الشركاء والجهات المعنية"، مردفا بأن "هذا التحدي يشكل جوهر إستراتيجية المجموعة التي تقوم على العلم وتركز على المزارع". وتابع المدير التنفيذي لشركة "OCP Nutricrops"، التابعة لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، بأن الأخيرة "تدرك الترابط الوثيق بين التغير المناخي والأمن الغذائي والرقمنة واضطرابات سلاسل التوريد، كما تعي تماماً الأهمية البالغة للموارد الطبيعية"، وواصل: "من خلال التعامل مع هذه التحديات المترابطة برؤية شمولية نسعى إلى تعزيز المرونة والاستدامة وبناء مستقبل مزدهر يخدم كافة الأطراف المعنية". كما قال المتحدث ذاته إن الشركة التي يترأسها "تلعب دوراً محورياً في دعم الزراعة المستدامة من خلال تركيزها على الفوسفور باعتباره عنصراً أساسياً لصحة التربة ونمو النباتات"، وزاد: "نحن نقدم حلولاً علمية مخصصة تدعم المزارعين وتعزز الإنتاجية وتساهم في تعزيز الأمن الغذائي العالمي. والتحديات التي نواجهها عالمياً تستدعي تضافر جهود الباحثين والمنتجين والشركات والمؤسسات، ونحن على قناعة بأن مستقبل صناعتنا، في ظل تحديات الأمن الغذائي والاستدامة، يقوم على التعاون والابتكار وتبادل المعارف". جهود دولية في سياق ذي صلة شدد عبد الوهاب الرواد، نائب رئيس مجلس إدارة الاتحاد العربي للأسمدة والرئيس التنفيذي لشركة مناجم الفوسفات الأردنية، على أن "انعقاد هذا المؤتمر في المملكة المغربية الشقيقة يأتي امتداداً لدور الاتحاد في دعم وتطوير صناعة الأسمدة العربية، وتعزيز مساهمتها في الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي في منطقتنا والعالم أجمع"، معتبراً في الوقت ذاته أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذه الصناعة في المنطقة العربية. وأضاف الرواد أن "أحدث التقديرات الدولية لهذا العام تشير إلى تجاوز عدد سكان العالم ما يقارب 8 مليارات نسمة، وهو ما يزيد من حجم التحديات المرتبطة بتوفير الغذاء كمّاً ونوعاً، وكل ذلك يأتي في ظل ضغوط متنامية تشمل تراجع الموارد المائية وتقلص الرقعة الزراعية وغيرها من الظروف التي تجعل تحقيق الأمن الغذائي هدفاً أساسياً للتوجهات العالمية والإقليمية على حد سواء". وذكر المتحدث ذاته أن "شعار هذا المؤتمر يعكس إدراكاً مشتركاً لأهمية الابتكار والتكنولوجيا في زيادة الإنتاجية الزراعية"، مبرزاً أن "الاتحاد العربي للأسمدة وضع من بين أهدافه السعي الدؤوب إلى تعزيز مكانة صناعة الأسمدة العربية وتعميق نهج التنسيق والتعاون بين الشركات والهيئات الدولية ذات الصلة لبلوغ هدف استمرار تدفق الأسمدة بأنواعها إلى الأسواق العالمية دون تأخير أو انقطاع". وخلص المسؤول نفسه إلى أن "الحضور الغفير في هذا المؤتمر يعكس التزاماً راسخاً بتطوير هذه الصناعة الحيوية، إذ نتطلع إلى النقاشات الإيجابية وتبادل الخبرات والمعارف بهدف تحقيق مزيد من التقدم والاستدامة في قطاع الأسمدة"، مجدداً توجيه الشكر إلى المغرب، حكومةً وشعباً، على استضافة هذا الحدث الهام، وإلى مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ومختلف المتدخلين الذين ساهموا في تنظيم هذا المؤتمر. وشهد هذا الحدث، الذي يستمر على مدار ثلاثة أيام في الفترة ما بين 16 و18 من الشهر الجاري، افتتاح معرض دولي موازٍ يضم حوالي 32 عارضاً من بلدان أجنبية أبرزها مصر والهند واليابان ودول أخرى، يمثلون مؤسسات ومقدمي خدمات وصناعيين ومراكز دراسات في مجال صناعة الأسمدة على المستوى العربي والدولي، وهو ما يعكس تنوع الخبرات العالمية في تطوير القطاع وتعزيز استدامته. وتقديرًا لمساهمتها في الابتكار في مجال صناعة الأسمدة وإزالة الكربون من هذه الصناعة وتعزيز الوعي البيئي تم تتويج شركات أعضاء في الاتحاد، إلى جانب باحثين مبتكرين، بجائزة الاتحاد العربي للأسمدة في مجال الاستدامة للشركات، وجائزة البحث التطبيقي للأفراد والفرق. كما تم تكريم مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية تقديرًا لدعمهما هذا المؤتمر وجهودهما لإنجاحه.