قال عبد النور جبيلي، الرئيس التنفيذي لشركة "OCP Maintenance Solutions" التابعة لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، إن "الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يتيح الانتقال من الصيانة القائمة على التدخل إلى الصيانة القائمة على التنبؤ"، مضيفا أن "جميع الخبراء في مجال الصيانة يعلمون أن معظم أعمالنا اليوم تفاعلية، والهدف هو جعلها أكثر وقائية. بل إنه مع ظهور هذه التقنيات الجديدة لم نعد نتحدث فقط عن الصيانة الوقائية، بل أكثر من ذلك، نتحدث عن الصيانة المعتمدة على الحالة (Condition-Based Maintenance)". وأضاف جبيلي، في مداخلة له خلال جلسة تناولت موضوع "التقنيات المبتكرة لتعزيز الكفاءة والاستدامة في صناعة الأسمدة"، على هامش فعاليات المؤتمر الفني السنوي السابع والثلاثين للاتحاد العربي للأسمدة، المنظم بشراكة مع مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط بمدينة بن جرير، أن "الحديث عن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر فقط على الذكاء الموجود في البرمجيات، بل يشمل أيضا ما نسميه في حلول الصيانة لدى OCP Maintenance Solutions 'الموارد البشرية الذكية' (Humanware)، أي الذكاء والخبرة التي نمتلكها نحن كخبراء، والتي يمكن أن تكون مدمجة بالكامل لدى الخبراء أو مشتركة جزئيا مع المنصات الذكية". وشدد المتحدث ذاته على أن "الانتقال إلى الصيانة التنبئية أو التوجيهية (Prescriptive Maintenance) يجب أن يُتعامل معه بذكاء؛ إذ لا ينبغي تطبيقه في البداية على جميع المنشآت الصناعية، بل يجب أن يبدأ على شكل خطوات وتجارب صغيرة، ثم بعد ذلك يتم إثبات فعاليته وتعديله بما يتناسب وطبيعة الصناعة، وفي الأخير يمكن توسيع نطاقه". وفي سياق ذي صلة، أكد جبيلي ضرورة "الفصل بين حساسات السلامة التشغيلية والحساسات المخصصة للصيانة التنبئية، لأن كل شيء يعتمد على هذه النقطة"، مضيفا: "إذا وضعت تلك الحساسات ستحصل على جميع البيانات عن آلتك، وستكون قادرا على التنبؤ والتوجيه. لكن الخطأ الشائع هو استخدام حساسات السلامة لجمع بيانات الاهتزاز أو البيانات التشغيلية، وهذا خطأ، لأن هذه الحساسات مختلفة، فهي ليست بنفس الحساسية ولا بنفس الدقة. لذا يجب تخصيصها للسلامة فقط وفصلها عن حساسات الصيانة التنبئية". وأبرز أن "العائد على الاستثمار (ROI) في هذا الشأن يتحقق من التنفيذ لا من مجرد التطبيق، فالتنفيذ الجيد وحده يضمن النجاح. وبالمناسبة، فإن العائد على هذه الاستثمارات سريع، لأن تجنّب توقف واحد فقط في مصنع كبير يعوّض استثمارات سنوات طويلة، فالتوقف في المصانع الكبرى مكلف جدا. مجرد تركيب بعض الحساسات يمكن أن يبرر الاستثمار، لكن الأساس هو التنفيذ. وعندما أتحدث عن التنفيذ، لا أعني فقط الأجهزة أو البرمجيات، بل الأهم هو العقلية والخبرة؛ إذ يجب أن ندرّب العاملين وندعمهم بتقنيات جديدة لتفسير البيانات وإدماجها في المهام اليومية". وفي المقابل، اعتبر الرئيس التنفيذي لشركة "OCP Maintenance Solutions" أن "القول بأن خوارزمية تنبئية يمكنها حل جميع المشاكل مجرد خرافة؛ إذ لا توجد حلول شاملة"، مضيفا أن "كل حالة تحتاج إلى نموذج مخصص يتم تكييفه مع السياق ومع ديناميكيات كل آلة". وتابع قائلا: "بالنسبة لمراحل التطبيق، لدينا مستويات أساسية، أولها جمع البيانات، حيث يتم تجميع ودمج البيانات عبر منصات مختلفة لتسهيل التنفيذ وتطوير النماذج. ثم مستوى ثانٍ يتعلق بالذكاء وينقسم بدوره إلى ثلاثة: تشخيص الأعطال، ليس فقط في الآلة بل أيضا في جودة القياسات والبيانات القادمة من الحساسات؛ والتنبؤ بالفشل، والمقصود بالفشل ليس توقف الآلة بل تجاوز القيمة الحرجة، فقد تستمر الآلة في العمل وهي في حالة سيئة جدا، وهو ما تعتبره الخوارزميات فشلا". وأشار أيضا إلى "مستوى أعلى هو مستوى الصيانة التوجيهية، حيث يتم اقتراح الإجراءات الواجب اتخاذها استنادا إلى الأعطال السابقة"، مبرزا أن "معظم المقاربات في الصناعة تعتمد على البيانات التاريخية، لكن هذا غير كافٍ، لأن المهم هو عدد الحوادث التي سجلتها آلاتك، فهي التي تتيح تدريب الخوارزميات. قد تكون لديك بيانات 10 سنوات لكن الآلة تعمل بشكل مثالي. ولهذا طورنا سنة 2020، بالتعاون مع جامعات مثل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، ما نسميه 'النهج البيوني' (Bionic Approach)، الذي يعتمد على دمج البيانات التاريخية مع خبرة الخبراء وتحويل خبراتهم إلى بيانات تُستخدم لتدريب الخوارزميات وإجراء التعديلات اللازمة، وقد أظهر هذا الأسلوب نتائج دقيقة حتى مع قلة البيانات التاريخية". وزاد قائلا: "ثم انتقلنا إلى ما نسميه 'النهج التوربو-بيوني' (Turbo-Bionic Approach)، الذي لا يعتمد فقط على البيانات التاريخية للآلة أو المخرجات المستخلصة من الخبراء، بل أيضا على المعدات المشابهة التي نملكها في منصتنا. وعندما تكون التوقعات دقيقة جدا، نأخذها ونقوم بمواءمتها مع هذه الآلة. ومن خلال هذا النهج حصلنا على نتائج متقدمة للغاية في خوارزميتنا"، مبرزا أن "الهدف الأساسي بالنسبة إلينا ليس فقط حل مشاكل المصنع، بل أيضا جعل حياة عمال الصيانة أكثر راحة. فعلى سبيل المثال، وضعنا نظام مراقبة للزيوت الصناعية عبر الإنترنت، واكتشفنا أحيانا تشبعها بالماء أو تغيرا في لزوجتها أو وجود غبار داخلها، وبفضل هذه الحلول أصبحنا قادرين على المراقبة المباشرة والتنبؤ بأي أعطال، بدلا من تغيير الزيت بشكل دوري عشوائي دون فهم السبب". وشدد جبيلي على أهمية التدريب والتكوين، موردا: "وضعنا منذ سنة 2010 برنامجا قويا لتأهيل الخبراء. فعلى سبيل المثال، وجدنا أنه في الشرق الأوسط وإفريقيا يوجد فقط 15 شخصا معتمدين في المستوى الرابع بمجال الاهتزازات، اثنان منهم يعملان معنا في OCP Maintenance Solutions، وفي 2019 حصلت أول امرأة في إفريقيا والشرق الأوسط على هذه الشهادة، وهو إنجاز نفتخر به لأنه يثبت أن لدينا الأشخاص المناسبين لتطوير الحلول المناسبة".