قرار مجلس الأمن «انتصار تاريخي» و»الاستفتاء دُفن منذ ربع قرن» أجرت قناة «الغد» حوارا خاصا مع السفير عمر هلال، مندوب المغرب الدائم لدى الأممالمتحدة، الذي قدم فيه رؤية المغرب للتطورات الحاسمةللنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية على ضوؤ القرار التاريخي لمجلس الأمن 2797 وفيما يلي نص الحوار – نبدأ بتصريحات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا التي وصف فيها قرار مجلس الأمن 2797 بأنه «إطار عمل وليس نتيجة»، كيف ترون هذا التصريح؟ السفير عمر هلال: شكرا لكم. أولا، أود أن أقول إن هذا القرار هو انتصار تاريخي للمملكة المغربية، وهو تتويج لجهود الدبلوماسية الملكية التي أسس ثوابتها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي خطط لرؤيتها بفضل انفتاحه وواقعيته ولاسيما صبره كان ذلك مع الجيران أو الأممالمتحدة. هو كذلك قرار تاريخي بأنه مفصلي، وبأنه يضع قطيعة تامة مع كل القرارات السابقة لمجلس الأمن، ويأتي بقرار جديد بنظرة جديدة أساسها الواقعية، ألا وهي أن الحل سوف يكون في إطار الحكم الذاتي داخل السيادة المغربية. طبعا نحن نعتبره انتصارا، وأيضا بداية الحل إن شاء الله. وكما قال دي ميستورا، هذا انتصار للمغرب.. نحن ننتظر المشاورات مع دي ميستورا لكي نبدأ المفاوضات حتى نصل لحل تفاوضي مقبول من كل الأطراف، يكرس الحكم الذاتي في إطار الوحدة الترابية المغربية والسيادة المغربية. وهنا أؤكد، طبعاً هناك قراءات متعددة لهذا القرار، ونحن ندعم حرية القراءات والتعبير على حد سواء، لكننا (أعيد وأكرر) لا نرى الحل إلا في إطار السيادة المغربية وفقط على أساس الحكم الذاتي الذي كرسته الأممالمتحدة ومجلس الأمن بهذا القرار. موقفنا واضح، مستعدون للمفاوضات، وصاحب الجلالة أعطى تعليماته الواضحة بتحيين الحكم الذاتي لكي نقدمه إن شاء الله قريباً للأمم المتحدة وللسيد دي ميستورا لكي نناقش على أساسه. – هل رأيتم في قراءة وتصريحات دي ميستورا بأن القرار «إطار عمل وليس نتيجة» وأنه قرار «غير محدد للنتيجة النهائية» محاولة لتقليص مضمون القرار وفاعليته؟ السفير عمر هلال: مضمون القرار واضح، الحل سوف يكون على أساس الحكم الذاتي، كما أنه في الديباجة وفي (الفقرات المنطوقة – Operative Paragraphs) هناك إشارة ست مرات للحكم الذاتي. لهذا نتساءل: «كيف نقصر أو نصغر قيمة الحكم الذاتي في هذا القرار؟»، وأيضا لو أراد أعضاء مجلس الأمن أن يمروا مرور الكرام على الحكم الذاتي، ف»لماذا كرروه على مسامع الجميع في كل فقرة ست مرات؟».. – يقول دي ميستورا إن «خطة الحكم الذاتي سنجعلها الأساس للمفاوضات المستقبلية». وفق هذا الكلام، هل تعتقدون أن هذه الصيغة حسمت المرجعية السياسية للنزاع؟ السفير عمر هلال: هذه قراءة السيد دي ميستورا، الذي بدوره يعتبر مسيرا للمفاوضات. قراءتنا، وكما جاء في القرار، ستكون على أساس «الحكم الذاتي»، ولن يكون هناك شيء آخر غير الحكم الذاتي، وعلى أن الفقرة الثانية من (الفقرات المنطوقة) تقول بأن مجلس الأمن يطلب من الأمين العام وممثله التسهيل (وهذا معناه واضح) وتفعيل المفاوضات (أي تنظيمها). أما ما سوف يناقش، ماذا سوف يأتي أو لن يأتي، أظن أن هذا سابق لأوانه. نحن على العموم، نمتلك رؤية وهدف واضحين، هذا الوضوح يشمل قراءتنا للقرار الأممي: الحكم الذاتي ولا شيء غير الحكم الذاتي. – وبالتالي، أُغلق الباب تماماً أمام الطروحات الأخرى مثل الاستفتاء على سبيل المثال؟ السفير عمر هلال: يا أخي، الاستفتاء دفنته الأممالمتحدة أو مجلس الأمن منذ ربع قرن (شاملة الفاتحة التي قرأت عليه) وشطبت عليه الأممالمتحدة من كل أدبياتها منذ ربع قرن. نحن لا نرى في الاستفتاء إلا أداة وليس مبدأ. وهنا أطرح السؤال: من عين المسؤولين ب»البوليساريو»؟.. هل كانت هناك انتخابات؟.. هل كان هناك استفتاء لتعيينهم لكي يتكلمون باسمهم؟... في تاريخها الطويل، حلت الأممالمتحدة (تقريبا) أكثر من 64 نزاعا – فيما يخص السيادة والنزاعات على أراضي البلدان والانخراط في الاستقلال – منها 60 قضية حلتها الأممالمتحدة بدون استفتاء!، كما أن قرارات مجلس الأمن لم تعد تذكر كلمة الاستفتاء نهائيا، كما أن قرارات الجمعية العامة – التي للعلم تكتبها الجزائر – ليس فيها أية إشارة للاستفتاء... إن الأمور واضحة للأمم المتحدة والجمعية العامة، ومن كون الاستفتاء أصبح ممحوا وصار منسيا، وأن المفاوضات ستحدد معالم الطريق. – كيف استقبلتم تصريح كبير مستشاري الرئيس الأمريكي السيد مسعد بولس، الذي قال إن «الحكم الذاتي ليس الحل الوحيد المطروح»؟ السفير عمر هلال: أنا لن أفسر مقولة السيد مسعد بولس… فربما هو يريد استرضاء الآخرين (المجموعات الخارجية). أخي العزيز، الأرقام والمعطيات تتحدث عن نفسها فيما يخص مبادرة الحكم الذاتي الذي قدمها المغرب 2007. لدينا 120 دولة تساندها وتعتبرها كحل نهائي لهذه القضية، من بينها 25 دولة أوروبية (ومن الاتحاد الأوروبي) تعتبرها «الحل الوحيد»، وأيضا هناك 3 دول دائمة العضوية تعترف بها كحل لهذا النزاع، ناهيك عن العديد من الدول الأفريقية وأعضاء مجلس التعاون الخليجي والروابط الآسيوية. وإذا ما كانت هناك اقتراحات أخرى، فلا أحد استمع لها أو ألقى بالا لها، وذلك لأن المقترح الوحيد والوثيقة الوحيدة التي استمرت حاضرة فوق طاولة الأممالمتحدة ومجلس الأمن تمثلت في المبادرة المغربية، التي قدمت حلا واقعيا لأزمة دامت 50 سنة. -..ولكن هذا مبعوث الرئيس الأمريكي، وكثيرون يقولون إن الفضل في هذا الانتصار الدبلوماسي يعود لواشنطن، وعندما يقول مسعد بولس «إن الحكم الذاتي ليس الحل الوحيد» يجب أن نتوقف عند ذلك... السفير عمر هلال: أولاً، أتفق معك في أن الدعم الأمريكي في مجلس الأمن هو الذي مكن المجلس من الموافقة على هذا القرار. ولكن الدعم الأمريكي بُني على أرضية، هذه الأرضية هي الدعم والزخم الدولي المساند للحكم الذاتي، كما أن صاحب الجلالة استثمر سنينا عديدة وهو يهيئ هذه الأرضية باتصالاته وتحركاته الإقليمية والدولية (التي استمرت لآخر دقيقة قبل الإعلان عن القرار التاريخي)، ناهيك عن البيانات والقرارات التي تمضى سواء في الرباط أو في عواصم العالم. ينضاف لما سبق، البنية التحتية الدولية التي بناها المغرب دعماً لمقترحه، وهناك كذلك زخم أمريكي (حتى الساعة ال25) الذي مكن من موافقة مجلس الأمن على هذا البيان. وكيفما كانت التأويلات أو القراءات، التي وصفها مجلس الأمن في قراره يتكلم على «أفكار» تقدم في إطار مبادرة الحكم الذاتي، فهي تبقى «مبادرات» لا ترتقي لمستوى مبادرة المغرب الواضحة، والتي ستزيد وضوحا مستقبلا ليكتشفها العالم. – لنبقى في تصريحات السيد مسعد بولس، الذي قال أيضا إن «الحل الوحيد هو التوافق بين المغرب وجبهة «البوليساريو». كيف فهمتم هذا التصريح؟ السفير عمر هلال: أخي الفاضل، إنني أبني قراءتي على نص القرار، الذي يذكر (نص مجلس الأمن) أطراف النزاع وهم: المغرب، الجزائر، موريتانيا، و»البوليساريو». إن القرار، بشكل أكيد يتكلم عن «حل مقبول بشكل متبادل» (Mutually Acceptable)، وهذا أمر غير جديد وهو بالتأكيد تحصيل حاصل.. لقد أكدنا كثيرا، أن المغرب كان دائما يقول أنه «لا بريد حلاً مفروضا، لا يريد حلا أحاديا بل يبتغي حلاً تزكيه الأممالمتحدة». ولكي نصل إلى هذه اللحظة المفصلية، فنحن مستعدون إما أن نتفاوض وننهي الصراع في شهر أو شهرين أو ثلاثة كأقصى حد، أو أن نستمر على هذا المنوال.. وعلى العموم، فالمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها. لقد بنى المغرب بقيادة صاحب الجلالة الدعم السياسي، وعلى هذا الطريق يبني ما سماه صاحب الجلالة «خطة السيادة الاقتصادية» الظاهرة نتائجها في توجه دول عديدة لتستثمر في الصحراء.. إن التنمية في الصحراء لن تكون سجينة الحوار السياسي والمفاوضات، هذا لأنها حق كل مواطن صحراوي في الجنوب، إضافة إلى كل السبل التي تمتعه برفاهية العيش وحرية الحركة وحقوقه المدنية كاملة. – هل هناك خشية من كون «الشيطان يكمن في التفاصيل»؟ وهل هناك قلق من التفاصيل التنفيذية اللاحقة لهذا القرار؟ السفير عمر هلال: أتفق معك في نقطة وأخالفك في أخرى. أتفق معك في أن الشيطان كما يقولون يكمن في التفاصيل، ولكن أؤكد لك أخي أن المغرب لا تخوف لديه من التفاصيل لأن لكل سؤال لديه إجابة، وعنده الاستعداد السياسي للتجاوب مع كل التحديات، وعنده الرغبة في إيجاد حل مقبول ومبني على التوافق يرضي الأطراف الأربعة. نحن متفائلون، ونقول إن «المستقبل هو مستقبل المغرب العربي» كما قالها صاحب الجلالة، ومؤمنين بأن المستقبل يتطلب منا الشجاعة السياسية والصمود لمواجهة التحديات التي يعرفها المغرب إقليميا وقاريا، والتي يبتغي مقاومتها والتصدي لها رفقة جيرانه المغاربيين متمسكا بمبادئ «حسن الجوار» وعدم التدخل في شؤون الآخرين»، والتي نتمنى أن تكون المفتاح لاستجابة الجارة الجزائر الى «اليد المولوية» التي دائماً ما يمدها صاحب الجلالة لفخامة الرئيس الجزائري، ومبدأها «لا غالب ولا مغلوب». – بخصوص هذه «اليد الممدودة» للجزائر، تحدث المبعوث الرئاسي الأمريكي «ستيف ويتكوف» عن اتفاق سلام محتمل» أو «مبادرة أمريكية» في غضون 60 يوماً. هل ترون ذلك؟ السفير عمر هلال: شخصيا، لا علم لي بأي مبادرة، غير أن المغرب بكل تأكيد منفتح لأي مبادرة في هذا الصدد، منطلقا من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) الموصية على الجار وبه. من حيث الجغرافيا، نحن وإخواننا الجزائريون، ملزوم علينا ومفروض علينا التعايش في إطار الاحترام. والمغرب دائماً متشبع بحسن الجوار والتعاون، وقوي باليد الشريفة التي دائماً يمدها صاحب الجلالة لأخيه فخامة الرئيس الجزائري ولإخوانه الجزائريين. وهنا أريد أن أضيف: يجب أن لا ننسى إخواننا في المخيمات (ما بين 20 إلى 25 ألف) إذ نرمي من إيجاد الحل في أقرب وقت ممكن، أن تتوقف الأخبار بخصوص الوفيات (من المغاربة) في «مخيمات تندوف» بدون أن يعود إلى وطنه، ومع علمنا برغبتهم في أن يرجعوا صحراءهم وأرضهم ويلتقوا بعائلاتهم (كما قال صاحب الجلالة) مع الضمانات الدولية الممكنة، وصاحب الجلالة هو أكبر ضامن وأن العائدين جميعا سيعتبرون إخواننا. – هل هناك خط أو خطوط حمراء بالنسبة للرباط لن يقبل بتخطيها في مسألة المفاوضات المقبلة؟ السفير عمر هلال: أظن أن الخطوط الحمراء التي كان المغرب لا يريد أن تُتجاوز كانت موجودة في المقترح الأول الذي رافق تقديمنا لمقترح الحكم الذاتي في 2007، والمرتبط بالمسائل السيادية: الحدود، الدفاع، العلم، العملة.. هذه الثوابت الأربعة، لا نقول أنها خطوط حمراء، ولكن تلك الثوابت لن نقبل أن يتحدانا أحد فيها… وعليه، فكل شيء في التفاوض، وكل المسائل السيادية سوف تكون خطوطا حمراء. – في أي مفاوضات لا بد من تنازلات من طرف أو آخر للوصول إلى النتيجة المرجوة منها. سؤالي: «هل المغرب مستعد لتقديم تنازلات «تكتيكية» للوصول للحل»؟ السفير عمر هلال: أخي العزيز، ليس هناك «تكتيك» مغربي. هناك صراحة، هناك صدق، هناك التزام، وهناك يد ممدودة. وعلى هذا الأساس نتساءل: «ما الذي سوف يأتي به الآخرون؟»، الإجابة ستكون: «لا شيء».. نحن من بنينا الصحراء التي خصص لها جلالة الملك 10 مليارات دولار خصصها (منذ 10 سنين) لبناء المستشفيات والموانئ والطرق والمطارات والمدارس.. هذا كله لكي نتمكن أولاً من حل هذا المشكل، ولكي نمكن إخواننا بكل الضمانات والكرامة المتاحة لهم من العودة إلى بلدهم، وأن يشهدوا بأم أعينهم نهضة بلدهم كما سمعوا عنها في المخيمات. إن نضال المغرب منذ 50 سنة، كان كما قلت من أجلهم، وكل شيء سوف يكون مفتوحاً لهم، وكل شيء ما عدا المسائل السيادية، وأقولها، سوف تستثنى من النقاش فيها، سوف تكون حرمتها أشد من الخطوط الحمراء.. شكرا لكم.