دورةٌ استثنائية ل"موسم أصيلة الثقافي" تستقبلها المدينة لأول مرة منذ سبع وأربعين سنة في غياب محمد بن عيسى، رئيس جماعتها، والأمين العام للمنتدى الذي يحمل اسمها، والذي نظّم لما يقرب نصف قرن أحد أبرز المواعيد الثقافية. وانطلقت الدورة 46 بسلسلة شهادات وكلمات قدمها شخصيات من بينهم الرئيس السابق، والمستشار الملكي، وثلّة من وزراء الخارجية السابقين من إفريقيا وأوروبا والعالم العربي، ومنهم المسؤول الوزاري الحالي والسابق، ومفكرون ومثقفون وسياسيون بارزون من قارات متعدّدة. ويحضر في مداخلات الموسم سؤال الوفاء وسؤال المستقبل أيضا، ففي كلمة حاتم البطيوي، الأمين العام الجديد لمؤسسة منتدى أصيلة، قال: "أقف أمامكم اليوم للمرّة الأولى كأمين عام لمؤسسة منتدى أصيلة، بعد أن تشرفتُ باستلام المشعل من المعلّم الملهم، والرائد الفذ، والوزير المقتدر، فقيدنا العزيز الأستاذ محمد بن عيسى". وتابع البطيوي: "أقف أمامكم اليوم وجرح غياب مؤسس منتدى أصيلة وأمينها العام مازال يحفر في أنفسنا ألمًا عميقًا؛ نحن الذين، من شدّة تعلّقنا به، كنّا نتوهّم أنّه لن يفارقنا يومًا؛ هو الذي يشهد القريب والبعيد أنّ أصيلة ومنتداها الثقافي كانا معًا يشغلان مساحة لا حدّ لها في وعيه وكيانه وانشغالاته اليومية، تمامًا بقدر انشغاله بمسؤولياته الوزارية ومهامه الدبلوماسية واهتمامه بقضايا وطنه وأمّته العربية وتفاعله العميق أيضًا مع قضايا الإنسانية؛ فقد كان مواطنًا مغربيًا وعربيًا بأفق إنساني، من سماته التفتح والانفتاح". لكن أكّد المتحدث أن محمدا بن عيسى "غرس نبتة طيبة سرعان ما أينعت وتحولت إلى شجرة فيحاء امتدّت أغصانها وظلالها شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا، وصار لها محبون في كلّ الأقطار، لأنّها انطلقت من روح خيّرة، ومن أجل أهداف نبيلة، تعلي من شأن الفكر والإبداع، وتضع شرف القيم الإنسانية السامية فوق كلّ اعتبار"، وزاد: "ظلّ، رحمه الله، يرعى هذه الشجرة، لا تشغله عنها مهامه الرسمية الرفيعة والتزاماته الوطنية التي كان يتفانى في الوفاء بمتطلباتها". واليوم بعد رحيل مؤسّس الموعد الثقافي البارز تستمر أصيلة "كما اعتادت منذ ستة وأربعين عامًا في احتضان مثل هذا الجمع المبارك، فاستحقت بجدارة أن تكون محفلاً لحوار الثقافات وتواصل الحضارات، ولتفاعل الآراء والإبداعات، وتلاقح الرؤى والخيالات، من أجل خير الإنسانية واحتفاء بقيمها النبيلة، تلك القيم التي ضحّت البشرية كثيرًا كي تحوّلها إلى مواثيق وعهود والتزامات بين الأفراد والجماعات، وبين الشعوب والدول، وذلك تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله ورعاه، كما هو الشأن في كلّ الدورات السابقة، ولله الحمد، ذلك أن جلالته منذ كان وليا للعهد وهو يرعى حفظه الله هذا الموسم بكريم وسابغ عنايته"، يورد الأمين العام الجديد لمؤسسة منتدى أصيلة. بدوره قال طارق غيلان، الذي خلف محمدا بن عيسى في قيادة جماعة أصيلة، إن المدينة وموسمها الثقافي يعيشان "لحظة وفاء وتقدير لرجل استثنائي بصم بعمق هوية أصيلة الثقافية والفنية، وهو محمد بن عيسى رحمه الله، مؤسس المنتدى وملهم الموسم، الذي جعل من مدينتنا الصغيرة نافذة مشرعة على العالم، ومنحها إشعاعا دوليا بفضل رؤيته وحنكته وإيمانه الراسخ بقيم الحوار والتسامح والتعايش"، مضيفا: "لقد علمنا الراحل أن الثقافة ليست ترفا، بل هي رافعة للتنمية ووسيلة لتعزيز صورة المغرب في الخارج." ووفاء ل"هذه الروح" أردف رئيس بلدية أصيلة بأنها ستستمر في "الحفاظ على الهوية الثقافية والفنية للمدينة، وفي الآن نفسه على إغنائها بنفس متجدد يتماشى مع العصر ورؤية تنموية مستدامة، لتواكب التحولات التي يعرفها المغرب والعالم"، وفق رؤية الملك محمد السادس. وسجل المتحدث أن "موسم أصيلة الثقافي الدولي لم يعد مجرد تظاهرة، بل أصبح مدرسة مفتوحة على قيم الإبداع، وحاضنة للأجيال الجديدة، وملتقى للثقافات يرسخ مكانة المغرب كجسر حضاري بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، ويساهم في ترسيخ مسار تنموي مستدام، يزاوج بين الإشعاع الثقافي والالتزام بالمسؤولية تجاه الإنسان والبيئة." ثم كشف غيلان عن طموح "أن تظل أصيلة مدينة مبدعة وذكية، منفتحة على العصر والتحولات الرقمية، وفي الوقت ذاته وفية لبصمتها الحضارية وهويتها الأصيلة، مع جعل التنمية المستدامة أفقا موجها لمشاريعها السياحية، والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وإدماج ما هو رقمي وتوظيف الذكاء الاصطناعي كرافعة للابتكار والتنمية، حتى تترسخ أصيلة كأرض للقاء والتفكير الإستراتيجي، حيث يجتمع المبدعون والمفكرون والسياسيون من مختلف أنحاء العالم لتبادل الرؤى وإنتاج الأفكار الخلاقة".