لدغة أفعى تُنهي حياة أربعيني بجماعة بوقرة بإقليم وزان    حادث مروع بطريق الحرارين في طنجة يودي بحياة شاب ويصيب مرافقه بجروح خطيرة    المغرب ينتزع أربعة عشرة ميدالية ، منها أربع ذهبيات خلال بطولة العالم للمواي طاي بتركيا    بريطانيا تدعم خطة الحكم الذاتي المغربية بشأن الصحراء    ماكرون يشيد بحكيمي في "الإليزي"    الشيبي والكرتي يتوجان بلقب دوري أبطال إفريقيا مع "بيراميدز" المصري    صم يحتفي ببرونزية في "الكوميتي"    الملك محمد السادس: تمويل التنمية الإفريقية يستدعي الإصلاحات والتضامن    من الأمن إلى المناخ.. المغرب وبريطانيا يطلقان شراكة استراتيجية متعددة القطاعات    الماضي حاضر مُتجدد    بنشليخة والمجرد مقابل غراندي وسويفت..    برشيد تفوز بذهبية "جائزة التبوريدة"    مع العلّامة الفقيه المنوني .. زكاة العلم إنفاقه    سقوط غامض لفتاة من شقة بمجمع "الضحى البركة" يُفجّر قلق السكان بالعوامة    بيان الخارجية الجزائرية حول الصحراء: انسحاب خلفي في مواجهة التقدم البريطاني ودلالاته في ميزان العلاقات الدولية والقانون الدولي    إغلاق فضاءات بيع المواشي بالأسواق الأسبوعية في اقليم الحسيمة    السعودية تعتبر منع إسرائيل زيارة وفد من الوزراء العرب للضفة الغربية "تجسيدا لرفضها مسلك السلام"    كأس العرش: نهضة بركان يكمل عقد المتأهلين إلى ربع النهائي بانتصاره على الكوكب المراكشي    معرض "أخوة الروح بالألوان المائية" يجمع الإبداع والدبلوماسية الثقافية بالرباط    انتخاب عياش الزين كاتبا جهويا للمكتب الجهوي لأطر ومستخدمي مطار العيون الحسن الأول    "لا ميريديونال" تعزز أسطولها البحري بسفينة جديدة لتوسيع الربط مع المغرب    مندوبية السجون ترد على تصريحات السجين السابق عمر الراضي بشأن ظروف اعتقاله    بايتاس: كلميم وادنون جهة تجمعية بامتياز ومناضلو "الأحرار" يعتمدون نهج القرب في تواصلهم مع المواطنين    البنك الشعبي يستأنف خدماته الإلكترونية بعد خلل تقني أربك الزبناء    يوميات حاج (2): في الإحرام تتساوى الرتب وتسقط الأقنعة الزائفة    بنغلادش ترفع حظر الجماعة الإسلامية    لمنور "أفضل مطربة عربية" بألمانيا    السجائر الإلكترونية المستخدمة لمرة واحدة تهدد الصحة والبيئة!    معهد للسلامة يوصي بتدابير مفيدة لمواجهة حرارة الصيف في العمل    الشرطي المغربي الذي فر إلى سبتة يتحرر من "الاحتجاز" ويُمنح حرية التنقل في التراب الإسباني    إسبانيا.. مدينة غافا تعيش على إيقاع الأيام الثقافية المغربية    يوم احتجاجي ومراسلة المقررة الأممية وأخنوش.. ائتلاف حقوقي يحتج على حرمان الهيئات من وصول الإيداع    أكاديمي: قضية الوحدة الترابية للمغرب تثير وعيا متزايدا داخل المجتمع الدولي    مع اقتراب العيد.. المغاربة منقسمون بين المصلحة العامة وشعيرة الذبح    نجيب أقصبي.. مثقف عضوي يناضل من أجل "السيادة" في كل المجالات    فرنسا.. مقتل شخصين واعتقال 559 عقب أعمال شغب إثر فوز سان جيرمان بدوري الأبطال    عطل تقني يظهر أرصدة زبناء البنك الشعبي ب"صفر درهم" والبنك يوضح    فرنسا.. مقتل شاب بأعمال شغب باحتفالات فوز سان جيرمان    "البوليساريو وإيران": كتاب جديد يفضح أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف    ترامب يُقدم نصيحة لماكرون بعد تلقيه صفعة من زوجته بريجيت    توقيف أربعيني بأكادير بتهمة تعنيف فتاتين في الشارع العام    الوفد الرسمي للحجاج المغاربة يتوجه إلى الديار المقدسة    سبعة قتلى في انهيار جسرين بروسيا    طقس الأحد.. أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    البرازيل تحقق في 12 إصابة جديدة مشتبه بها بإنفلونزا الطيور    "الفلاحي كاش" وشركتها الأم "القرض الفلاحي للمغرب" تتعاقدان مع "ريا لتحويل الأموال" لتوسيع أنشطتهم في مجال تحويل الأموال دوليا    بيع فندق "أفانتي" بالمحمدية ضمن مسلسل تصفية أصول "سامير"    الرباط.. تقديم كتاب "البوليساريو وإيران : أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف" للكاتب الصحفي الجزائري أنور مالك    سقوط قتلى وعشرات الجرحى بنيران إسرائيلية على نقطة لتوزيع المساعدات في رفح    طنجة تستقبل وفدًا اقتصاديًا من فالنسيا لتعزيز العلاقات الثنائية وفرص الاستثمار    كم تتخيلون تنقيط حكيمي في لقاء نهاية دوري أبطال أوروبا    لن تتخيلوا من هو أفضل مدافع في الدوري الانجليزي … !    استشهاد الدكتور حمدي النجار ملتحقا بأطفاله الشهداء ال9 في خان يونس    موسم الحج لسنة 1446 ه .. الوفد الرسمي للحجاج المغاربة يتوجه إلى الديار المقدسة    العثور على "حشيش" في مكونات حلوى أطفال شهيرة في هولندا    يوميات حاج (1): في الطريق إلى مكة المكرمة .. رجفة القلب تسبق التلبية    مخترع حبوب الإجهاض الطبي يغادر دنيا الناس        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أُوباسْلاَم .. الرجل الذِي لم تُرهبه البندقِية وأخافته آلة تصوير
نشر في هسبريس يوم 24 - 03 - 2014

في الخامس والعشرين من شهر مارس سنة 1933، نزل عسُّو أُوباسْلاَم (وسط الصورة) من جبل بوكافر. وكان عمره حينها 43 سنة ليُمَثّل مقاتلي بوكافر في توقيع معاهدة الهدنة، إعلانا لانتصار ما كانت فرنسا تسميه " التهدئة" في الجنوب الشرقي.
يتيم الأبوين بعد مقتل أبيه في قضية ثأر بين عائلته وعائلة أَيتْ فُلّ بتَاغْيَا نِيلْمْشَانْ، عاش عسّو رفقة إخوته: لحسن ، إبراهيم ، تْلا و خيرة. رجل "ذو قامة ضخمة، ونظر نفّاذ.
عينان صغيرتان سوداوان برّاقتان ماكرتان، تظهران وكأنهما تسحرانك. يعرج برجله اليسرى نتيجة إصابته بجرح في المعركة. يتكلم قليلا، لكن كلامه كان مدعما بالحجج والبراهين" يقول عنه القبطان مونت دو ماساڤ.
لم يتخلص الرجل من بندقيته حينها كما أمره بذلك الجنرال الفرنسي هوري Huré ، لكنه ورفاقه كانوا يرفعون أيديهم نحو الأعلى إيذانا بالاستسلام.
في تلك اللحظة أخذ فرنسي آلة تصوير، وبدأ يضبط عدستها نحو عسّو ورفاقه ليلتقط صورة تؤرخ لصف من الرجال يضعون أسلحتهم قرب ضريح خويا إبراهيم في منخفض إمساعدن. وفي لمح البصر أدار عسو وباسلام بندقيته (بُوشفر) تجاه صاحب الآلة العجيبة، وكذلك فعل سبعة من رفاقه ممن ما يزالون يحتفظون بأسلحتهم.
أغلبُ الظن أن بُندقية عسُّو أُوباسْلاَم كانت فارغة من الرصاصات. وستكون غير ذي نفع مهما امتلأت بالبارود، مادام المفاوضون محاصرين من كل جانب، واستنفذوا كل قواهم وقد بلغ بهم التعب والجوع أيما مبلغ خلال 42 يوما الأخيرة من القصف والحصار. المدفعية الفرنسية لم تكن تتوقف عن القصف ليل نهار منذ 28 فبراير تاريخ مقتل الرجل الأحمر هانري دو بورنازيل.
لكن عسّو ورفاقه يصرون على التحدي مهما بدا متهورا..صاح الجنرال هوري وترجم الشاوش حميدة الدمناتي كلامه مخاطبا عسّو :
"يا أوباسلام؟ أ ما تزال تصر على المواجهة والقتال؟ وليس من شيم المسلمين الغدر والخيانة. "
"رجُلكم هذا ( وأشار لحامل آلة التصوير) هو الذي بدأ بتصويب سلاحه تجاهنا، ولا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي ولو كلّفنا الأمر حياتنا. "
ثم التفت إلى الشيخ "علي أوحدى" شيخ الرڭ وأحد المتعاونين مع الجيش الفرنسي. ( تم عقد لقاء بين عسو وعلي وحدا يوم 5 مارس انتهى بتبادل الشتائم دون أن يفضي إلى وقف إطلاق النار) وخاطبه:
" قل للجنرال هوري أن كلمتي بكلمته، ونحن أنداد ".
ضحك الجنرال هوري، وطلب من المترجم أن يخبر عسو أن هذه الآلة سلمية لا تقتل. إنما هي آلة تصوير لتخليد اللحظات التاريخية الباذخة كهذه.
قد يكون عسّو المزداد سنة 1890 بتاغيا نيلمشان أول مرة يرى فيها هذه الآلة العجيبة، لكنه أدرك بحدسه أنها خطيرة مهما طمأنه الجنرال هوري بسلميتها، فهي تُحْيي وتُميت.
أوباسلام، المكلوم بفقدان أهله في حرب بوكافر غير المتكافئة، كان ميّالا إلى قبول الهدنة حقنا لمزيد من الدماء التي سالت في الأيام ال42 الأخيرة،. رغم ما لاقاه من معارضة شديدة من الرجال والنساء الذين تأثروا بفقدان ذويهم في هذه المعركة، والذين كانوا يرون أن توقيع الهدنة دون النصر إهانة وخيانة عظيمة لكل الأرواح التي أزهقتها الطائرات الحربية والمدافع الذي لم تكن ترحم إنساً ولا بهيمة.
ومع ذلك فقد رضخ عسو لذلك الصوت الداخلي الذي يخاطبه من أعماقه " المزيد من القتال ليس سوى انتحارا يائسا، وقد آن الأوان لتكف فرنسا عن ترميل المزيد من النساء وتيتيم المزيد من الأبناء "..
القوى لم تكن متكافئة، والحرب لم تكن مشروعة. ماذا تريد فرنسا من بَدوٍ يحتمون بالجبل رفقة عائلاتهم ومواشيهم؟ ولما يتم استعمال طرق غير إنسانية كتفخيخ الدواب واستهداف مصادر الماء وقصف الأطفال والشيوخ بشكل ارتجالي لخلق المزيد من الذعر وإجبار المقاومين على الاستسلام.
ورغم المعارضة الشديدة والتخوين الذي تعرض له زعيم قبائل أيت عطا أثناء قراره توقيع الهدنة مع فرنسا ووقف إطلاق النار، خاصة من طرف النساء، حتى أن امرأة غضبى فقدت جُلّ أهلها خاطبت زعيم القبيلة شعريا:
" عندما صعدنا الجبل كان النبي يَتَقدّمُنَا، وعندما نزلنا من الجبل تركنا النّبي هناك".
مع ذلك فإن الزعيم عسّو وْ باسلام فرض شروطا مهمة على المستعمر الفرنسي ، نذكر منها " عدم تجريد القبائل من أسلحتهم إلا عن طوع، ثم عدم حضور نساء أيت عطا للاحتفالات التي يقيمها الكلاوي ورجال المخزن. رفض نفوذ الكلاوي على المنطقة الفرنسي وأن تضرب فرنسا صفحا على ما مضى في الحرب بين الطرفين وغير ذلك.."
الذين يعرفون عسّو عن قرب قبل الحرب، يعرفون أن صُدفة ما هي التي جعلته زعيما، خاصة وأن هناك من هو أفضل منه وأجدر بقيادة المرحلة، لكن مع ذلك لا أحد يستطيع أن يُنكر أنه لم يكن قائدا عن بُعد، أو شخصا يُحرّض المغاربة على قتال الفرنسيين من مكتب وثير بعيدا عن ساحة الوغى، بل شارك في المعركة رفقة أسرته كلها، ولم تضع الحرب أوزارها حتى فقد أربعة أفراد من أقاربه : زوجته، أخوه إبراهيم أُوعْلي، ابنته ذات 13 سنة التي قُتلت قرب عين الماء، وابنه من زوجته الأخرى.
انتُخِبَ ربيع 1919 شيخا لقبيلة إلمشان، ثم عُيّن بعدها بسنة شيخا عاما لكل أيت عطّا، وهو منصب (وإن كان مجردًا من أي بروتوكولية) يمثل أعلى سلطة في اتحادية أيت عطا.
بعد حرب بوكافر تم تعيينه في مهمة رسمية بالمحكمة العرفية لإغرم أمازدار، ثم قائدا سنة 1939.
ثم إعادة تعيينه قائدا غداة الإستقلال(1956). وكانت حينها " تَاقْيّاديت" أكبر طموح يمكن أن يفكر فيه بَدْوٌ لا يفكرون في سلطات تتجاوز مسقط رأسهم.
كان الاستقبال الذي حظي به من طرف السلطان محمد الخامس سنة 1957، شرفا ظل عسُّو يُفاخر به المناوئين لشرعيته التي اكتسبها في معركة بوكافر إلى أن وافته المنية يوم ال16 من غشت سنة 1960، لِيُوارى الثرى في مقبرة إِغرم أَمَازدَار عن عمر يناهز 73 سنة.. هناك في قرية نائية في قلب صاغرو، قرية كانت في سالف الأزمان، أَهمّ مكان في تاريخ الاتحادية المُنحلّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.