حين انتهت أطوار المباراة النهائية، التي أعقبها التتويج المنشود، قفزت إلى ذهني ثلاث كلمات مفتاحية لخصت فصول القصة برمتها: بديهية.. فاعلية.. وإنجاز. أزعم أن البديهة، وهي الحقيقة الواضحة التي لا تحتاج إلى برهان، تكمن في حقيقة ناصعة: ثمة شيء اسمه "العبقرية المغربية". أما الفاعلية والإنجاز فهما "وسائلنا التربوية" لنشرح للعالم كيف تتحول هذه "العبقرية" إلى منجز عملي تحت سمع العالم وبصره. كيف يمكن، إذن، أن يكون هذا التتويج بكأس العالم للشباب – وهو مثار فخرنا الوطني – مدخلاً لنشر قيم الإنجاز والفاعلية؟ هذا سؤال كبير. في خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، دعوة قوية لتسريع وتيرة "المغرب الصاعد". وهي رؤية ملكية مستبصرة لمستقبل المغرب، تؤمن بقدرة المغاربة على صناعة نجاحهم الجماعي على هذه الربوع المباركة من طنجة إلى الكويرة. وهذه الثقة هي عماد النجاح. الثقة في قدرتنا الجماعية – تحت قيادة ملكنا المفدى – على المضي قُدُماً – صُعُوداً – نحو ذروة الإنجاز، كما فعل أشبالنا الأكارم حين اعتلوا منصة التتويج في تلك الليلة التاريخية في سانتياغو. الأشياء لا تنفصل عن بعضها. وإمكانية التحويل واردة. أعني التحويل الرمزي لهذه النتيجة الرياضية المذهلة إلى ممارسة يومية وثقافة مجتمعية تؤمن – بالعقل والقلب والوجدان – أن المغرب قادر وفاعل ومؤثر. وهذا الإنجاز التاريخي هو في الحقيقة "رأسمال رمزي" من شأنه أن يتحول – في مغربنا الصاعد المتضامن – إلى رأسمال بشري مبدع، واثق في نفسه وفي وطنه، يبذل غاية الجهد من أجل أن يصنع نجاحه الشخصي، وأن يساهم – في الوقت ذاته – في صناعة نجاحنا الجمعي. وتلك هي المعادلة: "ثقافة النتائج"، التي أكد عليها خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان ضرورة ترسيخها. وهي الثقافة التي تقيس أثر المنجز في حياة الناس رخاءً وتنميةً وطموحاً مشتركاً نحو تحقيق غايات الصعود المغربي في كل المجالات. إن كرة القدم – بما هي لعبة مثيرة تستدعي الجهد والعرق والتضحية – أشبه ما تكون ب "الحياة" نفسها في كل تفاصيلها. إنها رمز. ومن الزاوية الفلسفية المحضة، يتحول هذا التتويج بكأس العالم للشباب إلى معنى اجتماعي مشترك، أو بالأحرى إلى سردية جماعية تُعلي من شأن العمل الجاد والانضباط والثقة بالنفس والتخطيط طويل المدى. وفي هذه الرمزية تفصيل: العمل الجاد يؤتي ثماره. وعقلية الفريق تصنع الفارق. أما الالتزام والانضباط والتخطيط طويل المدى فهو السر المؤسسي – والمؤسِّس أيضاً – لتحقيق النجاح. ألم أقل لكم إن العبقرية المغربية بداهة منطقية لا تحتاج إلى بيان؟ دامت لنا المسرات.