للاطلاع على الخبرة المحاسبية.. غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمراكش تؤجل جلسة المتابعين في ملف "كوب 22"    كيوسك السبت | 66 ألف مستفيد من دعم السكن إلى حدود الشهر المنصرم    تساقطات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق الشمال والشرق ورياح قوية بعدة جهات من المملكة    طقس السبت ممطر بالريف والواجهة المتوسطية والمنطقة الشرقية            مَن هي الفنزويلية التي فازت من مخبئها بجائزة نوبل للسلام، وهنّأها ترامب؟    "انتهى الأمر، لكن الغزيين ما زالوا يخشون المستقبل" – مقال في الغارديان    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدخل على خط اختطاف غالي وبنضراوي    الملك يدعو إلى إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة وتوسيع نطاق المراكز القروية    موعد مباراة "أشبال الأطلس" ضد المنتخب الأمريكي في ربع نهائي كأس العالم    بلاغ من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    "أرفود" تستعد لاحتضان الدورة ال14 من الملتقى الدولي للتمر تحت شعار "التدبير المستدام للموارد المائية"    أمطار مرتقبة يوم غد السبت بهذه المناطق منالمملكة    زلزال عنيف بقوة 7.6 يهز الفلبين وتحذيرات من تسونامي    "مختل" ينهي حياة تلميذ في تازة    فنزويلية تفوز بجائزة نوبل للسلام 2025    السنغال: ارتفاع حصيلة ضحايا حمى الوادي المتصدع إلى 18 وفاة    الصيد البحري... تسويق حوالي 8,2 مليارات درهم من المنتجات حتى نهاية شتنبر 2025    بيضاويون يرحبون ب"انتصار المقاومة"    الطالبي العلمي: "خطاب جلالة الملك تضمن توجيهات سامية لتعزيز روح المسؤولية لدى مختلف المؤسسات للمضي قدما في مسار التنمية"    بوعياش: مسار إلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب "متدرج وتصاعدي"    تحليل إخباري: الخطاب الملكي بين الاستجابة الضمنية وخيبة أمل "جيل زد"    توقيع بروتوكول اتفاق بين المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني ومجموعة فرنسية للحبوب    بورصة الدار البيضاء تغلق على تراجع    إغلاق ملعب "دونور" لمدة شهر ونصف    طنجة تحتضن نقاشا إفريقيا واسعا يغذي أمل "استدامة حياة بحار القارة"    الخزينة.. مركز "التجاري غلوبال ريسورش" يتوقع عجزا متحكما فيه بنسبة 3,5% من الناتج الداخلي الخام سنة 2025    بحرية سبتة تنتشل جثة مهاجر جزائري بشاطئ "لا ريبيرا"    الاهتمام العالمي الكبير يدفع "الكاف" لتمديد فترة الاعتماد الإعلامي لكان المغرب    نشطاء بطنجة وتطوان يطالبون بالتحقيق في تخفيضات "مشبوهة" لمحلات بيع المواد الغذائية    إسرائيل تنشر قائمة 250 معتقلاً للإفراج    عروض سينمائية للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب    فرقة أكنول تقدم عملها المسرحي الجديد «حلم ليلة سفر»    مناظر المغرب تُنعش نسب مشاهدة المسلسل التركي "الخليفة"    اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الثاني عشر .. بوزنيقة، 17 – 19 أكتوبر 2025 : وثيقة حول المغاربة المقيمين بالخارج    مونديال الشباب: وهبي يؤكد أن مجهودات اللاعبين والتزامهم يقوي حظوظ الفوز    فعاليات مدنية تطالب بتكريم المخرج الراحل محمد إسماعيل ابن تطوان    وصول غالي وبن ضراوي إلى إسطنبول بعد ترحيلهما من إسرائيل    مركز حقوقي يطالب الحكومة المغربية بالتدخل لإطلاق سراح معتقلي أسطول غزة    نقابة تستنكر "التدهور المقلق" للخدمات الصحية بجهة سوس ماسة وتوجه اتهامات للوزارة    هل تُعاقَب فجيج لأنها تحتج؟    "مؤسسة منتدى أصيلة" تصدر كتابا تكريما لمحمد بن عيسى تضمن 78 شهادة عن مسار الراحل    مهرجان فيزا فور ميوزيك يكشف عن برنامج دورته الثانية عشرة    محكمة ألمانية تنظر في دعوى جماعية ضد "ميتا" بعد تسريب بيانات            القصر الصغير.. البحر يلفظ كميات ضخمة من "الشيرا" واستنفار أمني لتتبع خيوط شبكة دولية    أطعمة شائعة لا يجب تناولها على معدة خاوية    دراسة: الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تغير أعداد البكتيريا المعوية النافعة    لأول مرة في العالم .. زراعة كبد خنزير في جسم إنسان    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بسبب عوامل وراثية    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل بإمكان الثقافة أن تكون عدوة للإنسان؟
نشر في هسبريس يوم 23 - 11 - 2009

غالبا ما نتحدث عن الثقافة كما لو أنها المعرفة، و كثيرا ما يحيلنا مصطلح "مثقف" إلى شخص دو تكوين معرفي متين. لكن يبقى للثقافة معنى أوسع و أشمل يعني أن الثقافة هي كل ما أنتجه الإنسان من مظاهر وجودية، سواء منها الأفكار التي تحكم تصرفات الناس وتسكن عقولهم، و الأنظمة المتبعة، والقوانين الموضوعة، والعادات والتقاليد، والصناعات والبنايات ... فالثقافة هي مجموع ذلك الزخم المادي والمعرفي في كل تجلياته وتمظهراته بشكل عام الذي يميز الإنسان بشكل خاص ككائن عاقل و مبدع قادر على إنتاج أفكار و التأثير بها على محيطه و كذلك على ذاته هو. ""
لقد حاولت العديد من الأبحاث و الدراسات أن تدرس الإنسان ككائن مبدع و الثقافة كإبداع إنساني محض منذ القدم، و لازالت العديد من الدراسات و البحوث تأتي بالجديد و العجيب في مجال استكشاف ضرورات و ملامح تبلور هذا الشكل من الإبداع البشري المعقلن. إلا أن أحد الزوايا الأخرى التي بالإمكان أن يُتناول منها موضوع الإنسان كمنتج للثقافة و كذلك علاقة هذا الإنسان بالثقافة لم تحظى بالكثير من الاهتمام إلا في بعض الفلسفات التي أشارت إلى الموضوع دون أن تخصص له الحيز الأكبر و المساحة اللازمة لتدارسه. ليست الثقافة دائما شيئا ايجابيا بمجرد انه نتاج بشري فرضته الضرورة و الإبداع، بل الثقافة، من ناحية ما، تصير عدوة للإنسان؛ حيث بإمكانها أن تصبح قيدًا يحُدُّ من رغباته و إمكاناته. بإمكان الثقافة أن تقتل انسانا ككائن اجتماعي خلاق و تُنمِّطه داخل قوالب ربما لا يرغب فيها هو و لا يختارها بإرادته.
عبر تراكم الإبداعات الإنسانية في جميع المجالات تكوَّن لدى الإنسان، ككائن منتج للثقافة، عالم ثقافي شبه كامل و متكامل تجاوز الإنسان ذاته في توسعه و كثرته و غرائبيته. و بذلك صار الإنسان من بعدما كان يتحكم في الثقافة كائناً محكومًا بالثقافة التي أنتجها نظرا للسلطة التي أصبحت تمارسها عليه بسبب تعاليها. خرجت الثقافة عن سيطرة الإنسان و أحكمت قبضتها عليه تماما، فأصبح العالم و الثقافة شيئان لا ينفصلان بالنسبة للإنسان، بحيث ارتبطت المفاهيم الثقافية التي انتهجها هو هي المفسر الوحيد للوجود، أو هي الوجود ذاته أحيانا.
من أغرب ما جاء في استحواذ الثقافة على الإنسان كون هدا الأخير أصبح غير قادر على إدراك الوجود عامة و وجوده هو إلا من خلال الثقافة و المفاهيم الثقافية التي أبدعها هو في مرحلة سابقة، مع العلم أن لهذه الثقافة نفسها، أي التي أنتجها الإنسان، إمكانات محدودة بما فيها كونها لا تستطيع تفسير و توضيح كل الإمكانات الوجودية المتاحة و بدلك كل العوالم الممكنة التي هي أغزر و أخصب. و المشكلة هنا هي أن ذاك المنظار الوحيد و الأوحد الذي يستطيع الإنسان أن يدرك من خلاله الوجود، بما فيه وجوده هو، هو الثقافة التي أنتجها هو و تعالت عليه في مرحلة ما، و هو يعي تماما أن ثقافته، أو بلغة أخرى الوسائل القافية التي يمكن أن يدرك من خلالها الطبيعة و الذات، ليست مثالية تامة و نهائية، بل تعاني من الكثير من القصور، و تشوبها الكثير من الأخطاء و المغالطات التي يتم تصحيحها، إعادة تركيبها، و تفنيد بعضها باستمرار.
تتدخل الثقافة بشكل فضيع في تحديد شخصيات الناس. يولد شخص ما في مكان ما من العالم و يكون مشروطا عليه ثقافيًا أن يتغذى على ثقافة جماعته خلال مرحلة نضجه و يشب و هو ما صنعت هذه الثقافة منه، حيث تتدخل مباشرة في تكوينه الفكري، و شخصيته، و لهجته، و عُقده، و اختياراته، و حتى في فهمه العام لكل ما حوله. و المشكلة هي أنه لا يستطيع أن يكون غير الذي هو في أي لحظة من اللحظات و لا بإمكانه أن يتخلى عن ما هو متجدر فيه و يشكل شخصيته. ربما تبقى بعض الاختيارات حرة في بعض الأحيان، أو ينجح بعض الناس في التدخل نسبيا في بعض التغييرات الطفيفة التي تطرأ على شخصيتهم و لو بشكل أخرق، إلا أن الأمر الواقع الذي لا مفر منه هو أن كل شخص ما هو إلا مجموع أفكار تم التقاطها عفويا من المجتمع، و ردات فعل مركبة سبقا حسب الانفعال و قابلة للتطبيق كل ما دعى نفس العارض لذلك، و كذلك صور مخزنة على نحو ما و متعلقة قصرًا بحالة ذهنية و عاطفية محددة.
ربما يريد شخص ما أن يكون غير الذي هو، و ربما كانت لديه رغبة في أن لا يكون أصلا ما هو عليه، لكن الحال الواقع هو أنه ليس بيده فعل شيء إزاء هذا الأمر العظيم. فالثقافة تعالت على الإنسان و بسطت سيطرتها عليه لدرجة أنه لم يغدو إنسانا حرًا يحكم ذاته كما يمكن أن نتخيله أو كما نظنه فعلا. لقد صار كائنا مركبا يمكن التنبؤ سبقا بنوع شخصيته و بجميع إمكاناته. هكذا يمكن القول أن الإنسان كذات ليس بإمكانه أن يكون ما يصبو إليه إلا على نحو نسبي جدا و لا بإمكانه أن يحكم مصائره إلا بشكل سطحي وطفيف، لأنه سيبقى دائما عبدا لما هو أوسع و أشمل منه، ألا و هو تلك الثقافة التي راكمها هو فلما تعالت عليه و تجاوزته بالقوة و الفعل صار عبدا لها تتحكم فيه كأداة و ليس كذات واعية تماما لما حولها وللفعل الذي يصدر عنها.
تبقى الثقافة إذا إنتاج إنساني محض يفتخر به البشر كنوع قادر على الإبداع، لكنها في نفس الوقت، أي الثقافة، لا يمكن أن ننفي عنها إمكانية تحولها إلى مصدر قلق بالنسبة لصانعها الذي غلفته و قيدته و حدت من إمكاناته ككائن قادر على مواصلة تفسير و فهم الوجود و استكشاف ذاته و إنتاج ثقافات ممكنة أخرى تتماشى ومرحلة نضجه كإنسان عاقل و متطور. إن الثقافة كصناعة إنسانية محضة تصنع الإنسان كذلك، وكما هي إبداع إضافي مفيد، تبقى من ناحية ما أداة بمقدورها أن تعطل الكثير من المشاريع الإنسانية الضخمة عن طريق تدخلها المباشر في إعادة صياغة نفس العقليات و الشخصيات بشكل سلبي ومحدد ومتوالي.
[email protected] mailto:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.