الجواهري : يجري استكمال مشروع الميثاق الخاص بالمقاولات الصغيرة جدا    بنفيكا يزيح بايرن عن الصدارة وبوكا يودّع مونديال الأندية    أزمة مالية تهوي بليون الفرنسي إلى الدرجة الثانية    "حرب بلا هوادة".. سلطات عمالة المضيق تواصل القضاء على احتلال الشواطئ وتزيل مظلات الأغنياء        بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    بركة: 300 كيلومتر من الطرق السريعة قيد الإنجاز وبرمجة 900 كيلومتر إضافية    مجلس الحكومة ينعقد للحسم في تاريخ الشروع الفعلي للمجموعة الصحية الترابية لجهة طنجة تطوان الحسيمة    بنعلي: المغرب حقق قفزة نوعية في مشاريع الطاقات المتجددة    رئيس الهيئة: التسامح مع الفساد والريع المشبوه يُضعف المؤسسات ويكرس اللامساواة    الرباط.. توقيع مخطط عمل بين أمن المغرب وشرطة فرنسا    لائحة لبؤات الأطلس المشاركة في "كان السيدات 2024"    ردود الفعل الدولية على تصاعد التوتر الإيراني الإسرائيلي    استمرار حملات الإغاثة المغربية لفائدة العائلات الفلسطينية الأكثر احتياجا في قطاع غزة    جهوية الدرك تحبط عملية تهريب دولي بحرا وبرا لحوالي 3 أطنان من المخدرات    "ماتقيش ولدي" تدق ناقوس الخطر بعد حادث الطفلة غيثة وتطالب بحماية الأطفال على الشواطئ    الجديدة.. جهوية الدرك تضبط 10 أطنان من مسكر "الماحيا"    ارتفاع حصيلة القتلى في إيران إلى 610 منذ اندلاع المواجهة مع إسرائيل    الصوديوم والملح: توازن ضروري للحفاظ على الصحة    إشادة كبيرة ومدويةللإعلام الفرنسي للنجم المغربي حكيمي كأفضل ظهير أيمن في العالم    الحسيمة .. دعوات لمقاطعة شركة "ارماس" تقسم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي        المغرب على موعد مع موجة حر شديدة نهاية الاسبوع    ترامب: الآن يمكن لإيران مواصلة بيع نفطها للصين    الأداء الإيجابي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    بودريقة يقدم للمحكمة صوراً مع الملك محمد السادس    المملكة المغربية تعرب عن إدانتها الشديدة للهجوم الصاروخي السافر الذي استهدف سيادة دولة قطر الشقيقة ومجالها الجوي    بعد مسيرة فنية حافلة.. الفنانة أمينة بركات في ذمة الله    راغب علامة : المغرب بلد عظيم ومشاركتي في موازين محطة مميزة في مسيرتي    تركيا تنجز في المغرب مشاريع إنشائية بقيمة 4.3 مليار دولار وتعد بمزيد من الاستثمارات .. تفاهم مغربي تركي على إزالة العقبات التجارية ورفع المبادلات فوق 5 ملايير دولار    العراق يعلن إعادة فتح مجاله الجوي    مهرجان "موازين" يتخلى عن خدمات مخرجين مغاربة ويرضخ لشروط الأجانب    ترامب: إسرائيل وإيران انتهكتا الاتفاق    دراسة تكشف ارتفاع معدلات الإصابة بالتهاب المفاصل حول العالم    الإكثار من تناول الفواكه والخضروات يساعد في تحسين جودة النوم    هل تعالج الديدان السمنة؟ .. تجربة علمية تثير الدهشة    قبيل حفله بموازين.. راغب علامة في لقاء ودي مع السفير اللبناني ورجال أعمال    في برنامج مدارات بالإذاعةالوطنية : وقفات مع شعراء الزوايا في المغرب    تعزية في وفاة الرمضاني صلاح شقيق رئيس نادي فتح الناظور    زغنون: في غضون شهرين ستتحول قناة 2m إلى شركة تابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة    نادر السيد يهاجم أشرف داري: "إنه أقل بكتير جدًا من مستوى نادي الأهلي"    الهولوغرام يُعيد أنغام عبد الحليم حافظ إلى الحياة في مهرجان موازين    في مهرجان موازين.. هكذا استخفت نانسي عجرم بقميص المنتخب!    بوغبا يترقب فرصة ثمينة في 2026    إسرائيل تعلن رصد إطلاق صواريخ إيرانية بعد إعلان وقف إطلاق النار وطهران تنفي    الوداد يطمئن أنصاره عن الحالة الصحية لبنهاشم وهيفتي    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    ترامب يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها    رمسيس بولعيون يكتب... البرلماني أبرشان... عاد إليكم من جديد.. تشاطاراا، برويطة، اسعادات الوزاااار    "بي واي دي" الصينية تسرّع خطواتها نحو الريادة العالمية في تصدير المركبات الكهربائية    الهلال السعودي يتواصل مع النصيري    بركة: انقطاعات مياه الشرب محدودة .. وعملية التحلية غير مضرة بالصحة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحيى اليحياوي: شركات الاتصالات بالمغرب تشتغل دون رقيب ولا حسيب

أجرى الزميل عادل الكرموسي من أسبوعية المصباح حوار مطولا مع خبير الاتصالات المغربي يحيى اليحياوي، نعيد نشره هنا تعميما للفائدة، وأيضا في أفق فتح نقاش عمومي حول جشع وتسلط شركات الاتصالات، واستهتارها بالمواطن وبالاقتصاد الوطني.
المصباح: كيف يتم تحديد ثمن التعرفة، علاقة بالوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، وفي حالة عدم وجود أية علاقة كيف يتم ذلك؟
يحيى اليحياوي: هذا سؤال تقني معقد، للإجابة عليه يجب استحضار النماذج الاقتصادية والسياسات العمومية وفلسفة إعداد التراب الوطني وما سواها. العبرة هنا ليست بتحديد التسعيرة، العبرة بالخلفيات والآية من ذلك، هل هو وضع تعرفة للاتصالات تشجع الاستثمار والتواصل بين الناس، أم الغرض منها الربح الصرف، الذي يحتكم إلى التكاليف، مجرد التكاليف. هذا هو السياق العام الذي غالبا ما تطرح في ظله أنماط التعرفة والتسعيرة والفوترة بالاتصالات، وبالمرافق المنظمة على شاكلة شبكية كالماء والكهرباء أو النقل أو حتى الإذاعة والتلفزيون المؤدى عنهما.
بالسياق المغربي، يجب أن نميز بين مرحلتين اثنتين اشتغل في ظلهما سوق الاتصالات: الأولى مرحلة احتكار الدولة لقطاع الاتصالات وملكيتها لبنيته التحتية منذ ظهير المارشال ليوطي للعام 1924. طوال هذه الفترة وبدرجات متفاوتة، كانت التسعيرة تحدد بطريقة جزافية تكون فيها تكلفة الخدمة عنصرا ثانويا، فيما عناصر الخدمة العمومية والمرفق العام وإلى حد ما تكافل المستهلكين واعتبارات التغطية الجغرافية هي الأساس. وطوال هذه الفترة أيضا، كانت وحدة الحساب (الوحدة القاعدية) تحيل على طبيعة الخدمة ونمط الفوترة الذي كان لا يتغير إلا بقرار وزاري، ثم بقرار من مدير المكتب الوطني للبريد والاتصالات منذ العام 1984 وإلى حدود العامين 1996، تاريخ اعتماد القانون الجديد المنظم للقطاع والذي اعتمد نهج التحرير والخوصصة.
بالمرحلة الثانية، مرحلة ما بعد العام 1998، أي مرحلة فتح السوق نسبيا ووصول فاعل جديد في الاتصالات النقالة، وتراجع زمن الندرة التي كانت تميز سوق الهاتف القار، برزت أنماط في الفوترة معقدة نسبيا لكنها تنهل مجتمعة من مبدأ اعتماد تكلفة الخدمة كأساس مرجعي للفوترة، والتراجع عن مبدأ المرفق العام لفائدة عبارة مبهمة، عبارة المرفق الشمولي، مفادها ضمان الحد الأدنى من الخدمة العمومية، مع إسقاط الباقي المتبقي في دهاليز السوق المجردة.
الفريد في الأمر أن قانون العام 1996 (القانون 24/96) لم يفرز تحريرا لسوق الهاتف القار كما قد يخال للبعض، إنه أفرز واقعا خاصيته الأساس خوصصة الفاعل العمومي للاتصالات (ولا أقول الفاعل التاريخي لأنه ليس كذلك بالمرة بالقياس إلى الفاعلين الذين خلفهم تاريخا طويلا من الفعل في القطاع تصميما وتصنيعا وبحثا علميا)، ونقل الاحتكار من العام للخاص ليس إلا، فيما بقيت بنية السوق كما هي لم تتحرك كثيرا، اللهم إلا نسبيا عندما وجل فاعل حديد في مجال الهاتف النقال.
ولما كان الهاتف القار لم يخضع لتحرير حقيقي في السوق المحيلة عليه، فإننا بقينا تقريبا على نفس نمط الفوترة الذي كان معتمدا طيلة العقود السبعة أو الثمانية الماضية، اللهم إلا بعض التحولات البسيطة في الاشتراك أو في تكاليف الارتباط أو في بعض التسعيرات الموجهة للخارج أو الجزافية التي لا تخضع لمقاييس الموضوعية أو الدقة.
بالمقابل، خضع الهاتف النقال لفوترة هي بالأصل من طبيعة الشبكة وخاصية الطلب الموجه إليها. بهذه النقطة، كانت التعرفة مرتكزة على الدقيقة كوحدة فوترة، بمعنى أنه باستطاعة المرء أن يتواصل بهاتفه الجوال باحتساب كم دقيقة استهلك لا كم من الدراهم صرف، وهكذا. وهي الحالة التي كانت سائدة إلى حين وصل الفاعل الثالث الذي اعتمد مبدأ التعرفة بالثانية لا بالدقيقة، لكن المحصلة هي نفسها، أي أن المرء بمجرد ما يركب الرقم، سيجد نفسه تلقائيا حتى وإن تحوط في صلب الدقائق، ويؤدي بالنهاية مقابل ما كان سيؤديه لو اقتنى الشبكتين المنافستين الآخريتين وهكذا.
تسألني عن وكالة الاتصالات، أقول لك باختصار شديد أن القانون المنشئ لها يعطيها حق تحديد السقف وترك الفاعلين يتصرفون من بين ظهرانيه. الوكالة هنا لا تهتم كثيرا بنمط الفوترة، بقدر اهتمامها بتقنين السوق وتنظيم مداخله ومخارجه كي لا يتجاوز على المنافسة المضرة، أو غير الشريفة. لست أدري هل تتوفر على الإطار المؤسساتي الذي يضمن لها ذلك، لكني أزعم أنه ما دام الفاعلون هم الذين يمكنوها من المعطيات، فإنها ستخضع بتحصيل حاصل لما يسمى نظرية الاستقطاب، أي التقنين والتحكيم وفق المتوفر من معلومات يسلمها إياها الفاعلون. أما عن جدية هذه المعلومات وضحتها فذاك أمر آخر يطول الحديث فيه هنا.
المصباح: ماهو الهامش المتاح لشركات الاتصال لكي يخفضوا من التعريفة، وهل ما يسمى بجو المنافسة يتيح هذه الإمكانية؟
يحيى اليحياوي: لست متأكدا من أن الجو الذي يشتغل فيه قطاع الاتصالات هو جو منافسة. الجو الذي نحن بإزائه هو وضعيات احتكار، الأقوى فيها هو صاحب البنية الأكبر، أي اتصالات المغرب وميديتيل. بهذه الوضعية سنكون حتما بإزاء سيناريوهيين: سيناريو الحرب بين الاحتكارين وهذا مستبعد لأن منطق الخسارة المتبادلة غير منطقي، ووجود وكالة للتقنين قد لا يسمح بذلك. وسيناريو الحرب من الباطن، يكون لكلا الفاعلين بظله مدى القدرة على إعمال الجودة في الخدمات. ولما كانت الخدمات متشابهة، فإن التسعيرة قد تنخفض، لكنها لن تنخفض إلا بمستويات معقولة تضمن للفاعلين ربحية معقولة أيضا.
إن المطلوب في هذه الحالة، كما بباقي الحالات، هو إعمال مبدأ الشفافية حتى يعلم المستهلك كيف تطبق عليه هذه التسعيرة أو تلك. أي أن المطلوب ليس أن تخضع المرء للفوترة وتطلب منه التظلم، المطلوب أن تفسر له الطريقة التي يتم بها ذلك حتى يكون بمقدوره أن يقارن بين التسعيرات، ويختار ضمنها الأنسب له أو الأقل تكلفة.
المفارقة أننا لا نتوفر على جمعيات للمستهلكين في غياب رقابة مدققة من لدن الدولة. في غياب هذه الجمعيات كقوة ضغط واقتراح، يتصرف الفاعلون على عواهنهم، يتصرفون كما يعن لهم، ويحققون أرقام معاملات خيالية. بأمريكا وبأوروبا وبغيرهما عندما يتجبر فاعل حتى وإن كان خاضعا للقوانين والتشريعات، يعمد المشرع إلى تقويض بنيانه وتقسيم أنشطته حتى لا يطغى وتتحول وضعيته إلى وضعية شطط في السلوك. ثم إن الجمعيات هناك لها قوة متعاظمة لا يمكن معها لفاعل أن يتجاوز على الحدود الدنيا. هذه أمور غير موجودة عندنا. لا بل إن المحتكر يتفاخر باحتكاره ويدعي أنه عالي الكفاءة والنجاعة وتسييره عقلاني وسليم، فيما العكس هو الصحيح.
أنا أتصور، ويتصور معي العديد من المغاربة، أن نمط تعرفة وفوترة الهاتف النقال والقار بالمغرب مجحفة للغاية، وأستطيع القول إنها مرهقة للغاية في طبيعتها وفي درجتها. ولما كانت كذلك، فأنا أقول بأن ما يتحصل عليه الفاعلون ليس هامشا، بل كل الكعكة. الطامة الكبرى أن جل الأرباح تحول للخارج، تفيد منها، في حالة فيفاندي مثلا، حسابات الشركة الفرنسية، وهي المفلسة بكل دول العالم، ويفيد منها الرئيس المدير العام الذي تعد مداخيله السنوية المعلنة بملايين اليورويات.
المصباح: لماذا التعرفة بالمغرب مازالت مرتفعة، ولماذا لا يتم تحرير السوق؟
يحيى اليحياوي: لا يستطيع أحد، اللهم إلا إذا كان منافقا أو جاهلا، أن ينكر الارتفاع المهول لتعرفة الاتصالات بالمغرب، بكل الشبكات ومن بين ظهراني كل الفاعلين. لست أنا من يقول هذا، إنه تقرير "المرشدون العرب"، الذي أصدر تقريرا مؤخرا يبين فيه بوضوح لا غبار عليه أنه من ضمن 19 دولة عربية، فإن المغرب يعيش أعلى معدل سعر للدقيقة في الاشتراكات المدفوعة مسبقا والاشتراكات الشهرية.
وقد بينت الدراسة أن أعلى معدل سعر لدقيقة الاشتراكات الشهرية في العالم العربي كان في المغرب، وتليه موريتانيا، بينما كان أعلى معدل سعر لدقيقة الاشتراكات المدفوعة مسبقا في المغرب وتليها لبنان.
وقد صنف التقرير المغرب في الرتبة 104 بخصوص سلة الأسعار، بعد كل من الأردن 82 ومصر 67 والجزائر 58 وتونس 53. كما صنف تقرير الاتحاد، سنة 2009، المغرب، إلى جانب جزر القمر، كأغلى البلدان في مجال تعريفات الخدمة المتنقلة، مقارنة مع الدول العربية.
إلى جانب هذا التقرير، فقد أوضح تقرير دافوس للعام 2009، أنه من بين أسباب ضعف الحكامة بالمغرب تدهور مناخ الاتصالات، وعدم توفر الرؤية بهذا القطاع، وعدم تجاوبه مع مناخات الاستثمار. تقرير دافوس خطير للغاية لأنه يبين بما لا يدع مجالا للشك أن هذا القطاع بات أداة إعاقة لكل ضروب الاستثمار والتنمية والحكامة الجيدة، وأنا أنصح بقراءته بتأن شديد.
تسألني مرة أخرى عن السبب في التلكؤ خلف تحرير سوق الاتصالات، أقول لك ببساطة لأن الكل يفيد من هذه المذبحة باستثناء المستهلك المغربي. وأقول أيضا، حبذا لو كان هؤلاء الفاعلين أو بعضا منهم على الأقل مغاربة، لكانوا كأضعف الأيمان اقتسموا جزءا من الغنيمة مع المستهلك الذي هو مصدر هذه الملايير التي تتزايد بين ندوة صحفية وندوة أخرى، ولكانوا أيضا استثمروا جزءا منها في استنبات بنية صناعية وطنية توظف الكفاءات التي تعيش بالقطاع على الفتات وعلى أوامر الأجانب الذي يتقاضون أجورهم العملة الصعبة.
المصباح: يتعرض الكثير من الزبناء لكثير من الحيل والخدع في مجال استهلاك الهاتف، وخصوصا في الإشهار، كيف ذلك وكيف يمكن حمايتهم؟
يحيى اليحياوي: الإشهار بطبيعته يسوق للوهم مع العلم أني لا أهون من قدرته كسياسة في التسويق. لكنه يتحول إلى نصب واحتيال عندما يوظف لابتزاز المواطن، أو التحايل عليه أو إيهامه بأن المعروض يتضمن هذه المواصفة أو تلك. ما معنى مثلا أن تكتب عبارة "دون احتساب الرسوم" في أسفل اللافتات بالشوارع علما بأنها تمثل خمس ثمن السلعة أو الخدمة؟ وما معنى أن يسقط المرء تلقائيا في العلب الصوتية حتى باشتغال هاتف المخاطب؟ وما القول في واقعة أن تتوقف الشبكة تقنيا وبالمرة ويسقط المواطن تلقائيا في العلب الصوتية، من المسؤول هنا؟ وما معنى أن يوظف الفاعل قاعدة بيانات المشتركين ليمرر إشهاره أو إشهار من يكون قد باعه هذه القاعدة أو جزءا منها؟ وما معنى ألآ يسائل مواطن رصيده إلا بمقابل، في حين بالسعودية وببعض دول الخليج الأخرى، يتسلم المستهلك للجوال رسالة تخبره مباشرة بعد انتهاء مكالمته بما بقي له كرصيد؟ وما معنى أن يعبئ المرء رصيدا ما لكنه يستغرب من السرعة التي استهلك بها هذا الرصيد؟ وما السر في تظلم اصحاب مقاهي الهاتف من أن ما يؤدونه يتجاوز في بعض الأحيان ما يتحصلون عليه؟
هي أسئلة لا تشي فقط بغياب الشفافية والوضوح في أنماط التعرفة والفوترة، بل وتوضح أيضا مدى الاستهتار الذي يرفعه الفاعلون بوجه مستهلكين غير منظمين وغير مؤطرين بجمعيات تحمي حقوقهم. إن المطلوب بسرعة اليوم هو تكليف لجنة متخصصة تدرس أنماط الفوترة لدى الفاعلين وتبين السر في هذه الملايير التي تصب في الجيوب ولا يفيد منها المواطن، لا في التسعيرة ولا في الجودة. بهذه النقطة الأخيرة، يجب على اللجنة أن تنكب على الأعطاب التقنية في شبكة النقال وبالإنترنيت أيضا لأيام ودونما حصول الزبون على اعتذار أو تفسير أو تعويض. إنه وضع مقزز للغاية.
المصباح: ما هو تقييمكم للتقارير التي تحدثت عن ارتفاع تكلفة الهاتف؟
يحيى اليحياوي: لو كنت عضوا في صياغة هذه التقارير، لقال البعض بأن خطاب اليحياوي معروف ونبرته في النقد متعارف عليها، وهو يزايد على شخوص له معهم حسابات وهكذا. أما وقد جاءت من مؤسسات دولية كتقرير ملتقى دافوس وتقرير المرشدون العرب، فإن الأمر جدي وحقيقي ولا مجال للمكابرة في التعامل معه.
لقد قلت من مدة بعيدة بأن الخوصصة ستحول القطاع إلى احتكارات خاصة حقيقية وإلى مصدر للريع، لن يفيد منه إلا صناعيو الأجهزة الأجانب ومستغلو الشبكات وأصحاب البرمجيات الباحثين عن شبكات للتموطن. وقلت أيضا بأنه طالما يراهن الفاعلون بهذا القطاع على الربح السريع والمريح، فإن الاقتصاد الوطني والمستهلك المغربي سيكونان هما الضحية. وقلت أيضا بأن وكالة الاتصالات لن تستطيع الشيء الكثير مع هؤلاء الذين سبروا أغوار القطاع وتمرسوا على إيهام المستهلك بما لا يوجد إلا نسبيا.
لنأخذ مثلا حالة المكالمات المؤدى عنها سلفا، ولنلاحظ كيف يعمل بعض الفاعلين إلى تقنية مضاعفة الرصيد، أو ما يعرف على كونه كذلك. أنا أتساءل هنا: إذا كان هذه المضاعفة حقيقية، فمعنى ذلك أن ما كان يجري قبل اعتمادها هو سرقة بنسبة الضعف وأكثر، أي أن الزبون يستهلك أضعاف أضعاف ما يقتنيه، وهذا عبث بمنطق السوق أو لنقل سرقة مقننة للمواطنين، على خلفية الإيهام بإشراك المواطنين في نعمة الوفرة.
قد يحاججني البعض بالقول بأن اقتصادات السلم واتساع إناء المشتركين هو الذي دفع الفاعلين لاعتماد هذه السياسة. وهذا سليم نظريا، لكن الواقع بالمغرب يبين أنه ما دام تكاليف البنية التحتية قد استردت ولم تبق إلا تكاليف التشغيل، فلم لا يستفيد المواطن بمحصلة الحسبة كما يقال؟
المصباح: شركات الاتصالات تجني أرباحا خيالية، ما سر في ذلك؟
يحيى اليحياوي: السر هو أنها تفعل في قطاع لا حسيب عليه ولا رقيب، حتى بوجود وكالة للتقنين المفروض أن تبحث عن دواعي هذه الحالة الشاذة على الأقل ضمن ال 19 دولة التي تحدث عنها تقرير "المرشدون العرب". والسر أيضا هو أن المستهلكين غير منظمين حتى يضغطوا ويسهموا في اقتراح البدائل. والسر فوق كل هذا وذاك، أن القطاع لم يعرف تحولا جوهريا يذكر. وإذا كان ثمة من يزايد علي في هذا الأمر، فليخبرني عن السر في خلود رجل على الفاعل الأساس للاتصالات منذ نهاية سبعينات القرن الماضي وإلى حد الساعة، لم يتأثر وضعه لا بالتحرير ولا بالخوصصة ولا بطبيعة التداول التي سنها الله تعالى لكل بني البشر؟ لو وجد جواب لهذا السؤال، فإن باقي الأجوبة ستتفرع عنه تلقائيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.